الدولة الفاطمية
وقد أتيحت الفرص للشيعة أن يحكموا، ومن أبرز ذلك الدولة الفاطمية في المغرب ومصر والشام، وبقاؤها في الحكم مدة طويلة. والحق أنهم أقاموا ملكًا كبيرًا مترامي الأطراف، وقد بثوا الروح القومية في مصر حتى شعروا بأنها دولة مستقلة، ولما زار البلاد ناصر خسرو وصف البلاد وصفًا يدل على حضارة فائقة.
وأداروا البلاد على نظام يشبه النظام الفارسي القديم، وشجعوا العلم والأدب والفن تشجيعًا كبيرًا، كما أسسوا دور الكتب الكثيرة، ولا تزال أبنيتهم مضرب المثل في عظم العمارة الإسلامية، وكذلك ما وصل إلينا من تحفهم الدقيقة، ولكن طالما كان الشيعيون ينعون على العباسيين ترفهم، وإفراطهم في الملاهي، والملذات، وتعصبهم الشديد عليهم، فلما ملكوا هم، وملك زملاؤهم بنو بويه العراق، وما حولها، لم نجد في الحكم فرقًا كبيرًا، فالإسراف في الترف هو الإسراف في الترف، والظلم أحيانًا هو الظلم، والتعصب هنا كالتعصب هناك، فإن تعصب الأمويون والعباسيون فهاجموا، فقد تعصب العلويون والبويهيون والإسماعيليون فانتقموا؛ حتى صح قول القائل:
نعم، إن هنا وهناك في هذا الجانب أو ذاك، بعض رؤساء اشتهروا بالعدل والتقوى، ولكن بجانبهم آخرون هنا وهنا أيضًا اشتهروا بالظلم. ولم ينفع صاحب الزمان المختفي المعصوم في أن يرد الظالم عن ظلمه، لقد كان سيف الدولة ابن حمدان الشيعي نهابًا وهّابًا، فكان يولّي قاضيًا، فيقول القاضي: «من هلك فلسيف الدولة ما ملك.»
ولذلك مع حكم الدولة الفاطمية المصريين طويلًا لم يستطيعوا أن يُشَيِّعوا المصريين تمامًا، فاستطاع صلاح الدين أن يردهم إلى السنية في سهولة. ويحدثنا المؤرخون أن الظاهر وهو الخليفة الفاطمي كان شابًّا يحب الملاهي، وينغمس في النعيم، حتى اغتصب الملك منه وزيره الكردي ابن السّلار، كما يحدثونا أن مدة حكمهم، وهي نحو القرنين، ونصف قد امتلأت بالدسائس، والخصومات، وساءت أحوال الشعب لتعاقب المجاعات والمحن، وازداد الفقر في سني القحط، وقلّت الموارد؛ فازدادت الضرائب، وكثرت المصادرات. وتقرأ الخطط للمقريزي فترى ما كان في قصور الخلفاء من تحف وخدم وجواهر، بينما كان الشعب في بؤس، فالحال هنا كالحال هناك، وغاية الأمر أن الحكم الشيعي يستند إلى إمام معصوم لا يقبل النقد، والحكم السنّي يستند إلى خليفة غير معصوم، معرض للخطأ والصواب، قابل للنقد.