الفصل الثامن

القطب

ولا بد أن نذكر أن من أهم تعاليم الصوفية التي كان لها أثر في تاريخ المسلمين القول بالقطب، وهم يقولون: «إنَّ القطب هو أكمل إنسان ممكن في مقام الفردية، أو هو الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان، عليه تدور أحوال الخلق، وهو يسري في الكون، وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، ويفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل: فهو من الكائنات بمثابة المهيمن عليها، المكلّف بحفظها ورعايتها، وأنه ليظل كذلك طول حياته حتى يقبضه الله فيخلفه واحد من الأولياء الثلاثة الذين دونه في المرتبة، وهم الأوتاد الذين كانوا من قبل أبدالًا، ويبلغ عددهم الأربعين، ويسمى القطب غوثًا باعتبار التجاء الملهوف إليه. وقد يطلق القطب على قطب الأقطاب، وهو سابق في وجوده على وجود هؤلاء الأقطاب، وعلى وجود كل ما في عالم الغيب والشهادة، وهو بهذا المعنى لم يتلق القطبية عن قطب آخر سبقه من قبل، فصار قطبًا بعد أن كان وتدًا، ولكنه واحد منذ القدم لم يتقدم عليه قطب آخر، ولم يلحقه قطب آخر بهذا المعنى الذي لا يدل إلا على حقيقة واحدة هي الحقيقة المحمدية.»١

هذه هي حركة التصوف مجملة إلى نهاية القرن الخامس الهجري، وسنتحدث عن الصوفية في القرون التي أتت بعد في القسم الثاني من هذا الكتاب.

هوامش

(١) انظر ابن الفارض والحب الإلهي للدكتور محمد مصطفى حلمي ص٢٦٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤