الفصل الثامن عشر

تقدَّم المُساعدان مرةً أخرى، وقد أخذا أوامرهما من عين البارون ويده أكثر مما أخذاها من لسانه، ووضعا أيديَهما على تعيس الحظ إيزاك، ثم اقتلعاه من فوق الأرض، وأوقفاه بينهما هما في انتظار الإشارة التالية للبارون القاسي القلب. نظر اليهودي التعيس إلى وجهَيهما وإلى وجه فرونت دي بوف آملًا في أن يكتشف بعض مظاهر الرحمة، ثم نظر إلى الأتون المتوهِّج الذي كان سيُمدَّد عليه عما قريب، وعندما لم يجد أي احتمال لأن يرفق به مُعذِّبه ذهب عنه صمودُه.

قال: «سأدفع الأرطال الألف من الفضة.» ثم أضاف بعد لحظة من التوقف: «أعني أنني سأدفعها بمساعدة إخواني؛ لأنه يتعين أن أتسوَّل كشحاذ على باب معبدنا قبل أن أجمع مثل هذا المبلغ الذي لم يسمع به أحدٌ من قبل. متى وأين يجب عليَّ تسليمه؟»

أجاب فرونت دي بوف: «هنا، يجب تسليمه هنا، ويجب أن يُوزَن ويُعَد على أرضية هذه الزنزانة نفسها. أتظن أنني سأتركك قبل أن أضمن فديتك؟»

قال اليهودي: «وما الذي يضمن لي أن أنال حريتي بعد دفع هذه الفدية؟»

أجاب فرونت دي بوف: «كلمة نبيل نورماندي أيها العبد المُرابي؛ فوفاء الرجل النورماندي النبيل لكلمته أكثر نقاءً من ذهبك وفضتك ومن ذهب قومك أجمعين وفضتهم.»

قال إيزاك خائفًا: «أستميحك عذرًا أيها السيد النبيل، ولكن ما الذي يجعلني أعتمد فقط على كلمة شخص لا يثق فيَّ على الإطلاق؟»

قال الفارس عابسًا: «لأنك لا تملك اختيارًا آخر، أيها اليهودي. ولو كنتَ الآن في غرفة كنزك في يورك، وكنتُ أنا في حاجة إلى قرض من شيكلاتك، لأمليتَ أنت موعد السداد ورهن الضمان. هذه غرفة كنزي، ولي هنا الأفضلية عليك، ولن أتنازل مرةً أخرى، وأُكرر عليك الشروط التي أمنحك بموجبها حريتك.»

تأوَّه اليهودي تأوهًا عميقًا، وقال: «امنحني، مع حريتي على الأقل، حرية رفقائي الذين أسافر معهم. لقد ازدرَوني لأنني يهودي، لكنهم أشفقوا على حالي البائس، ولأنهم أبطَئوا في طريقهم لمساعدتي، نالهم حظٌّ من الأذى الذي نالني، كما أنهم يُمكنهم أن يُسهِموا بطريقة أو بأخرى في فديتي.»

قال فرونت دي بوف: «إن كنت تعني هؤلاء الساكسونيين الوُضعاء، فإن فديتهم ستعتمد على شروطٍ أخرى غير شروطك. لا تُفكر إلا في شئونك أيها اليهودي، وأحذِّرك؛ لا تتدخل في شئون غيرك.»

قال إيزاك: «إذن، هل لي أن أنال حريتي مع صديقي الجريح فقط؟»

قال فرونت دي بوف: «هل عليَّ أن أنصح أحد أبناء إسرائيل مرتين أن يعتني بشئونه الخاصة ويترك الآخرين وشأنهم؟ بما أنك قد اخترت، يتبقى أن تدفع فديتك، وذلك في غضون مدة قصيرة.»

رد إيزاك: «فلتدع ابنتي ريبيكا تمضي إلى يورك بضمانِ مرورٍ آمن منك، أيها الفارس النبيل، وبمجرد رجوع الرجل والجواد فإن الكنز …» وهنا أنَّ أنةً عميقة، ولكنه استطرد، بعد توقف لبضع ثوانٍ، قائلًا: «سيُعَد الكنز على هذه الأرضية ذاتها.»

قال فرونت دي بوف كما لو أن المفاجأة قد أخذته: «ابنتك! بحق السموات، يا إيزاك، ليتني كنت أعلم بهذا الأمر. لقد ظننت أن تلك الفتاة ذات الحاجبين الأسودين هي زوجتك، وأعطيتها للسيد براين دي بوا جيلبرت لتكون خادمةً له، كما كان يفعل آباؤنا بَطارقة الأيام الخوالي وأبطالها، الذين ضربوا لنا في هذه الأمور مثالًا ناجعًا.»

عندما سمع إيزاك هذا الخبر الذي يخلو من الإنسانية، جلجلت الصرخة التي أطلقها في أرجاء القبو، وأذهلت العربيَّين لدرجة أنهما أفلتا اليهودي من أيديهما؛ فانتهز الفرصة كي يُلقي بنفسه على الأرض ويتمسَّك برُكبتَي فرونت دي بوف.

قال: «خذ كل ما طلبت يا سيدي الفارس، خذ عشرة أمثاله، اتركني للهلاك والتسول إن شئت، لا بل اطعنِّي بخنجرك، واشوِني على أتونك، ولكن ارحم ابنتي، ولتُسلمها لي سالمةً شريفة! إنها صورة من زوجتي الراحلة راشيل، وهي آخر العهود الستة على حبها. هل ستحرم زوجًا أرمل من عزائه المُتبقي الوحيد؟»

قال النورماندي وقد رقَّ قلبه بعض الشيء: «وددت لو كنت أعلم ذلك قبلئذٍ. لقد كنت أظن أن بني جنسك لا يُحبون شيئًا سوى حقائب أموالهم.»

قال إيزاك: «لا تظن أننا، مع كَوْننا يهودًا، فاسدو الأخلاق لهذه الدرجة؛ فالثعلب المُطارَد والقط البري المُعذَّب يُحبَّان صغارهما، وأبناء إبراهيم المحتقَرون والمضطهَدون يُحبون أبناءهم!»

قال فرونت دي بوف: «فليكن. سأصدِّق ذلك في المستقبل يا إيزاك من أجلك، ولكن لن يُفيدنا ذلك الآن؛ فلا يُمكنني فعل شيء فيما حدث، أو فيما سيتبعه؛ فقد أعطيت كلمتي لرفيقي في السلاح، ولن أُخلِف عهدي من أجل عشرة من رجال اليهود ونسائهم. علاوةً على ذلك، لماذا تظن أنه سيُصيب الفتاةَ سوء، حتى وإن أصبحت غنيمةَ بوا جيلبرت؟»

صاح إيزاك وهو يعتصر يديه في ألم: «سيُصيبها سوء، لا بد أنه سيُصيبها سوء! علامَ يعيش فُرسان الهيكل إلا القسوة على الرجال وإلحاق العار بالنساء!»

قال فرونت دي بوف: «أيها الكلب الكافر، لا تُجدِّف على طائفة هيكل صِهيَون المقدَّسة، ولكن فكِّر بدلًا من ذلك في أن تدفع لي فديتك التي وعدتَ بها، وإلا فالويل لعنقك اليهودي!»

قال اليهودي، ردًّا على إهانات ظالمه بانفعال لم يستطع جمحه مع ضعفه: «يا لك من لص وشرير! لن أدفع لك شيئًا، ولا بنسًا فضيًّا واحدًا، إلا إذا سُلِّمت لي ابنتي سالمةً وعفيفة.»

قال النورماندي عابسًا: «هل أنت في كامل قُواك العقلية أيها الإسرائيلي؟ أعَلى لحمك ودمك تعويذةٌ تحميهما من الحديد الساخن والزيت الحارق؟»

قال اليهودي في يأس واستسلام منبعهما عاطفة الأبوة: «لا شيء يُهمني! افعل أسوأ ما عندك؛ فابنتي هي لحمي ودمي، وأغلى عندي ألفَ مرة من هذه الأطراف التي تُهددها وحشيتك. لن أُعطيك أي فضة إلا إذا صببتُها مُذابة في حلقك الجشع. لا، بل لن أعطيك بنسًا فضيًّا واحدًا أيها النصراني، ولو كان سيُخلصك من الخطيئة المميتة التي ابتُليتَ بها طوالَ حياتك! فلتسلبني حياتي إن شئت، ولتقل إن اليهودي، وسط آلام تعذيبه، قد علم كيف يُخيب ظن المسيحي.»

قال فرونت دي بوف: «سنرى؛ لأنك، وأُقسِم بالصليب المبارَك، الشاهد على فُحش قومك الملعونين، ستذوق عذاب النار والفولاذ! جرِّدوه من ملابسه أيها العبدان، وألقيا به فوق القضبان مكبَّلًا بالسلاسل.»

على الرغم من محاولات المقاوَمة الضعيفة التي أبداها الرجل العجوز، فقد مزَّق عنه العربيان ثوبه الذي يُغطي نصفه العُلوي، وكادا يشرعان في تجريده تمامًا من ملابسه، عندما سُمع صوت نفخ مرتَين في بوق خارج القلعة، واخترق حتى أعماق القبو، ثم سُمعت بعد ذلك مباشرةً أصوات عالية تُنادي على السيد ريجينالد فرونت دي بوف. ولأنه لم يكن يرغب في أن يعثر أحدٌ عليه مُتورطًا في عمله الشيطاني، أعطى البارون الوحشي إشارة لعبدَيه ليُعيدا وضع ثوب إيزاك عليه، وخرج من القبو مع تابعَيه تاركًا اليهودي وهو يشكر الرب على خلاصه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤