الفصل التاسع عشر

كانت الغرفة التي أودَعوا فيها الليدي روينا مجهَّزة ببعض محاولات الزخرفة والإبهار الفجَّة، وربما يُعتبر وضعُها فيها علامةً خاصة على احترام لم يُقدَّم للسجناء الآخرين. كان الوقت قد قارَب على الظهيرة عندما ظهر دي براسي، الذي خُطِّطت الحملة في الأساس من أجله، ليُواصل جهوده في الفوز بيدها وبممتلكاتها.

خلع قلَنسوته المخملية مُحييًا الليدي. وبقلنسوته هذه أشار لها بلطف لتجلس على أحد المقاعد. وإذ أصرَّت على أن تظل واقفةً خلع الفارس قفاز يده اليمنى، واقترب منها ليقودها إلى هناك، ولكن روينا رفضت مجاملته لها بإشارة منها، وردَّت قائلةً: «إن كنتُ في حضرة سجَّاني يا سيدي الفارس — إذ لا تُتيح لي الظروف أن أفكر في غير ذلك — فمن الأفضل لسجينته أن تظل واقفةً حتى تعلم مصيرها.»

رد دي براسي: «وا حسرتاه! أيتها الجميلة روينا، إنك في حضرة أسيرك وليس سجَّانك؛ ومِن عينيك الساحرتين يجب أن يتلقَّى دي براسي ذلك المصير الذي تنتظرينه منه بلهفة.»

قالت السيدة: «أنا لا أعرفك يا سيدي. لا أعرفك، كما أن عدم الكُلفة الوقحة التي تتعامل بها معي برطانة شاعر مُتجول لا تشفع لعنفِ لص.»

ردَّ دي براسي بنبرة صوته السابقة: «بسببك أيتها الآنسة الحسناء، بسبب سحرك، فعلتُ ما فعلت مما تخطَّى حدود الاحترام الواجب لمن اخترتها ملكةً على قلبي وقرَّة لعينَيَّ.»

«أُعيد على سمعك يا سيدي الفارس أنني لا أعرفك، ولا يجدر بأي رجل يرتدي زرَدًا ومِهمازَين أن يدخل عَنوةً على سيدة بلا حماية.»

قال دي براسي: «إن كَوْنك لا تعرفينني لهو حقًّا من سوء حظي، ولكن دعيني آمُل أن يتردَّد اسم دي براسي دائمًا متى أشاد المُنشدون أو المُنادون بأعمال الفروسية.»

ردَّت روينا: «فلتترك مدحك إذن للمُنادين والمُنشدين؛ فهو أنسبُ لألسنتهم من لسانك، وأخبِرني مَن منهم سيُسجل في أغنية أو في كتاب للمباريات غزوتك التي لا تُنسى في هذه الليلة؛ غزوة تغلَّبت فيها على رجلٍ مُسنٍّ يتبعه بضعةُ خدم جُبناء، ونقلت غنيمتها التي كانت فتاةً تعيسة الحظ رُغمًا عنها إلى قلعة أحد اللصوص؟»

قال الفارس: «إنكِ ظالمة أيتها الليدي روينا. وما دُمتِ بلا عاطفة فلن تتلمَّسي العذر لجنون شخص آخر، على الرغم من أن جمالك هو ما ساقه إلى ذلك الجنون.»

قالت روينا: «أرجوك يا سيدي الفارس أن تتوقف عن استخدام اللغة الشائعة الاستخدام لدى الشُّداة المُتجولين؛ لأنها لا تليق بالفُرسان أو النُّبلاء.»

قال دي براسي: «إنك فتاةٌ مُتعالية، وستُلاقين مني التعاليَ نفسه. فلتعلمي إذن أنني دعمت مطلبي في التقدم لك بالطريقة التي تُلائم شخصيتك. إنه من الأنسب لطبعكِ أن يسعى المرء لاستمالتكِ بالقوس والرمح، وليس بالعبارات المنمَّقة والكلام المعسول.»

قالت روينا: «عندما يُستخدم الكلام المعسول ليُغطي على وقاحة الفعل، فما ذلك إلا كحزام فارس حول صدر مهرِّج دنيء. لا أتعجَّب من أن ضبط النفس يبدو أنه يُعكر مِزاجك، وكان أنسبَ لشرفك لو احتفظتَ بملبسٍ خارج عن القانون وطريقته في الحديث، بدلًا من أن تُخفي أفعاله باصطناع لغة النبلاء الرقيقة وسلوكهم.»

قال النورماندي: «أحسنتِ النصح يا سيدتي. وباللغة الجريئة التي هي أفضلُ ما يُسوِّغ عملًا جريئًا، أُخبرك أنك لن تُغادري هذه القلعة أبدًا، أو لن تُغادريها حتى تُصبحي زوجة موريس دي براسي. أنتِ مُعتدة بنفسك يا روينا، وأنت الأصلحُ لأن تكون زوجتي. فبأي وسيلة أخرى غير التحالف معي يُمكنك أن ترتقي للشرف الرفيع ومكانة الأميرات؟ بأي وسيلة أخرى يُمكنك أن تهربي من الفِناء الوضيع في مزرعةٍ ريفية، حيث يحتشد الساكسونيون كالقُطعان مع الخنازير التي تقوم عليها ثروتهم؟»

ردَّت روينا: «سيدي الفارس، أصدُقك القول؛ إنني عندما أترك المزرعة التي كانت مأواي منذ طفولتي — إن جاء ذلك اليوم — فسيكون ذلك مع شخص لا يعرف احتقارًا للمسكن الذي نشأتُ فيه، ولا للآداب التي تربَّيتُ عليها.»

قال دي براسي: «إنني أخمِّن ما تعنين يا سيدتي، ولكن لا تحلمي بأن يستعيد ريتشارد قلب الأسد يومًا عرشه، ناهيكِ عن أن يقودك تابعه ويلفريد إيفانهو إلى مَوطئ قدمَيه ليُرحب بكِ عروسًا لأحد المقرَّبين إليه. اعلمي يا سيدتي أن هذا المُنافس في قبضتي، ولم يبقَ سوى أن أُفشِي سرَّ وجوده في القلعة لفرونت دي بوف، الذي ستكون غيرته أشد فتكًا من غيرتي.»

قالت روينا في ازدراء: «ويلفريد هنا؟ إن صحة هذا الخبر كصحة الزعم بأن فرونت دي بوف مُنافس له.»

نظر دي براسي إليها بثبات لوهلة، ثم قال: «ألم تكوني حقًّا تعلمين بهذا؟ ألم تكوني تعلمين بأن ويلفريد أوف إيفانهو قد سافر في محفَّة اليهودي؟»

قالت روينا، مجبرةً نفسها على التحدث بنبرة من اللامُبالاة، على الرغم من أنها كانت ترتجف من الخوف: «وإن كان هنا، فعلامَ يُنافس فرونت دي بوف؟ أو ما الذي يخشاه أكثرَ من فترة سجن قصيرة، وفدية مُشرِّفة، وفقًا لعادات الفروسية؟»

قال دي براسي: «ألا تعلمين يا روينا أن ثَمة غيرةً في الطموح والثروة كما في الحب، وأن مُضيفنا هذا، فرونت دي بوف، سيُقصي مِن طريقه مَن يُعارض زعمه بحوزته لممتلكات إيفانهو الجميلة بلهفة وبلا ضمير كما لو كانت فتاةً ذات عينين زرقاوين قد فضلته عليه؟ ولكن إن قبِلتِ طلبي للزواج منكِ، يا سيدتي، فلن يخشى البطل الجريح شيئًا من فرونت دي بوف.»

قالت روينا: «فلتُنقذه بحق السماء!»

قال دي براسي: «يُمكنني أن أفعل — بل سأفعل — فهذا هو غرضي؛ لأنه متى وافقت روينا على أن تُصبح عروس دي براسي، فمن ذا الذي يجرؤ على أن يؤذي قريبها وابن الوصي عليها ورفيق شبابها؟ ولكن يجب أن تشتري حمايته بحبكِ لي. فلتستخدمي تأثيركِ عليَّ من أجله، وسيكون آمنًا. أما إذا رفضتِ، فسيموت ويلفريد، ولن تكوني أنتِ نفسك أقربَ للحرية.»

ردَّت روينا: «إن في الفظاظة اللامبالية في لغتك شيئًا ما لا يُمكن التوفيق بينه وبين الأهوال التي يبدو أنها تُفصح عنها. لا أعتقد أن غرضك شرير إلى هذا الحد، أو أن قوَّتك بهذا العِظم.»

قال دي براسي: «فلتخدعي نفسكِ إذن بهذا الاعتقاد حتى يثبت لك العكس بمرور الوقت. إن حبيبكِ يرقد جريحًا في هذه القلعة. معشوقكِ المفضَّل. إنه يُمثل عقبةً بين فرونت دي بوف وبين ما يُحبه فرونت دي بوف أكثر من حبه للطموح أو الجمال. ماذا سيُكلفه الأمر أكثر من ضربة خنجر أو طعنة رمح لإسكات خَصمه للأبد؟ كما أن سيدريك …»

قالت روينا مكررةً كلماته: «كما أن سيدريك، الوصي عليَّ النبيل الكريم! إنني أستحقُّ ما لقيته من شر؛ لأني نسيت مصيره حتى وإن كان ذلك لانشغالي بمصير ابنه!»

قال دي براسي: «إن مصير سيدريك يعتمد أيضًا على قراركِ، وأترككِ كي تتخذيه.»

حتى ذلك الحين كانت روينا قد حافظت على دورها في هذا المشهد الذي يصعب احتماله بشجاعة ورباطة جأش؛ ولكن ذلك كان لأنها لم تكن تُقدِّر أن الخطر جادٌّ ومُحدِق إلى هذا الحد. وبعدما جالت بعينيها فيما حولها كما لو كانت تبحث عن العون الذي لم يكن موجودًا في أي مكان، وبعد أن تمتمت ببضع كلمات تعجُّب مُتقطعة، رفعَت يديها إلى السماء، وانفجرت في نوبة من الغضب والأسى الجامحَين. كان من المستحيل أن يرى المرء كائنًا بهذا الجمال في محنة كهذه دون أن يُشفِق عليها، ولم يكن دي براسي غير مُتأثر، لكنه كان مُرتبكًا أكثرَ منه مُتأثرًا. كان حقًّا قد تمادى لدرجةٍ لا يُمكن معها التراجع، ولكنه لم يكن من الممكن التأثيرُ على روينا في حالتها الحاليَّة، سواءٌ بالجدال أو الوعيد.

لم يستطع وهو مُضطرب بسبب أفكاره سوى أن يطلب منها أن تهدأ، وأن يؤكد لها أنه لم يعُد الآن ثَمة سببٌ يجعلها تقنط بهذا الشكل المُفرِط الذي كانت عليه حينئذٍ، ولكن وسط مُواساة دي براسي لها قاطَعه صوت البوق الذي كان قد أفزع في الوقت نفسه كلَّ نُزلاء القلعة الآخرين، وقطع عليهم خُططهم المختلفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤