الفصل الخامس والثلاثون

في وقت الغسق من اليوم الذي حُوكمت فيه ريبيكا، إن صحَّ أن نُطلِق عليها محاكمة، سُمِع قرعٌ مُنخفض على باب مَحبسها.

قالت: «ادخل إن كنت صديقًا، وإن كنت عدوًّا فلا أملك وسيلة لأرفض دخلوك.»

قال براين دي بوا جيلبرت وهو يدخل الغرفة: «إن ما سيجري في هذه المقابلة هو ما سيجعلني صديقًا أو عدوًّا يا ريبيكا. لا يوجد سببٌ يدعوكِ إلى أن تخشَيني، أو من باب التحديد في كلامي، ليس لديك الآن على الأقل سببٌ لتخشيني.»

ردَّت ريبيكا، على الرغم من أن أنفاسها التي كانت تسحبها ببطء بدَت مكذِّبةً للبطولة التي كانت في نبرات صوتها: «أنا لا أخشاك، أيها السيد الفارس؛ فإيماني قوي، ولا أخشاك.»

رد بوا جيلبرت بجدية: «ليس لديك سبب؛ فلن أعود إلى محاولاتي الهوجاء السابقة. يوجد بالقرب منك حراسٌ لا سلطانَ لي عليهم. إنهم مكلَّفون بأن يسوقوكِ إلى الموت يا ريبيكا، ولكنهم لن يسمحوا لأي أحد بأن يؤذيكِ، حتى لو كنت أنا، ولو دفعني جنوني — لأنه جنون بالفعل — إلى ارتكاب ذلك.»

قالت اليهودية: «شكرًا للسماء! إن الموت هو أهون ما أخشاه في عرين الشر هذا.»

رد فارس الهيكل: «صمتًا يا فتاة؛ فهذا الحديث لن يُفيدكِ الآن إلا قليلًا. لقد حُكِم عليكِ بالموت، وهو ليس موتًا سريعًا أو سهلًا كالذي يختاره البائس ويُرحب به اليائس، ولكنه سلسلة من العذاب البطيء التعس المطوَّل، الذي يتلاءم مع ما يُطلق عليه التعصبُ الشيطاني الأعمى لهؤلاء الرجال جريمتَكِ.»

قالت ريبيكا: «ولمَن، إن كان هذا مصيري، لمَن أدين بهذا؟ بالطبع لا أدين إلا له، الذي جاء بي إلى هنا لسببٍ شديد الأنانية والقسوة، والذي هو الآن لغرض في نفسه غير معلوم يُكافح ليُبالغ في هذا المصير التعس الذي ساقني إليه.»

قال فارس الهيكل: «لا تظني أنني سُقْتكِ إلى هذا المصير، بل إنني كنت أودُّ أن أحميك بصدري من هذا الخطر عن طِيب خاطر، كما عرَّضته من قبلُ للسهام، ولولاه لأنهت حياتك.»

قالت اليهودية: «ما غرضك إذن، أيها السيد الفارس؟ تكلَّمْ بإيجاز. إن كان لديك ما تفعله، باستثناء أن تشهد البؤس الذي تسبَّبت لي فيه، فلتُخبرني به، ثم أرجوك أن تتركني وشأني. إن الخطوة بين الزمن المحدود والحياة الأبدية قصيرة، ولكنها مروِّعة، وليس مُتبقيًا لي سوى بضع لحظات لأعدَّ نفسي لها.»

قال بوا جيلبرت: «أرى، يا ريبيكا، أنكِ تُواصلين تحميلي مسئوليةَ ما أنت فيه من كرب، وقد كنتُ شديدَ الرغبة في منع وقوعه. أكان يُمكنني تخمين الوصول غير المتوقَّع لذلك الشخص الخرف، الذي ارتقت به، في الوقت الحالي، بعض ومضات الشجاعة المجنونة، والثناء الذي أولاه إياه الحمقى، فوق المئات من طائفتنا الذين يُفكرون ويشعرون كرجالٍ متحرِّرين من التحيزات السخيفة والحمقاء؟»

قالت ريبيكا: «ومع ذلك فقد دفعت بي إلى المحاكمة، وأنت تعرف أنني بريئة، شديدة البراءة. لقد شاركت في إدانتي، وإن كان ما أفهمه صحيحًا فتظهر بنفسك مسلَّحًا للتأكيد على تهمتي وضمان عقابي.»

ردَّ فارس الهيكل: «فلتتحلَّي بالصبر، أيتها الفتاة. لا يعلم قومٌ كقومك كيف يُسلمون أمرهم للوقت؛ ومن ثَم كيف يميلون بأشرعتهم للاستفادة حتى من الرياح المعاكسة.»

قالت ريبيكا: «تَعسًا لتلك الساعة التي تعلَّم فيها بنو إسرائيل هذا المسلك! إنها لعنتنا، أيها السيد الفارس، ونحن نستحقها، بلا شك، بأفعالنا الآثمة وبأفعال آبائنا، ولكن ماذا عنك أنت؟ أنت الذي تتفاخر بحريتك كحقٍّ اكتسبته منذ مولدك، كم يكون خِزيك أشدَّ عندما تنحني لتسترضيَ أحكام الآخرين المسبقة التي تُخالف اعتقادك الشخصي؟»

قال بوا جيلبرت، وهو يذرع الغرفة في نفاد صبر: «إن كلماتكِ تفيض مرارةً، ولكني لم آتِ إلى هنا لأُبادلك اللوم. ولتعلَمي أن بوا جيلبرت لا يخضع لمخلوق، ولكن قد تدفعه الظروف إلى تغيير خُطته لبعض الوقت. تلك اللفيفة التي نبَّهَتكِ إلى أن تطلبي نصيرًا، ممن تظنين أنها أتت إن لم يكن من بوا جيلبرت؟»

قالت ريبيكا: «إرجاءٌ قصير للموت العاجل، لن يُجديَني نفعًا إلا قليلًا. أكان هذا كل ما استطعت فعله لمَن جلبتَها بالقرب من حافَّة القبر؟»

قال بوا جيلبرت: «لا أيتها الفتاة، لم يكن هذا كل ما نويت فعله؛ فلولا التدخل الملعون من ذلك الأخرق المُتعصب ومن الأحمق جودالريك، لما وُكِّلت إليَّ مهمة البطل المُدافع، ولما وُكلت إلى أحد كبار المقار، بل لأحد المُحاربين في الطائفة، ثم كنتُ — كما كانت نيَّتي — سأظهر، فور النفخ في البوق، في الحلبة على هيئة نصيرك، مُتنكرًا في الواقع في زي فارس مُتجول، يسعى للمغامرات ليُثبت مهارته في القتال بالدرع والرمح. وبعد ذلك، ليختَرْ بومانوار ليس شخصًا واحدًا، بل شخصين أو ثلاثة من الإخوة المجتمعين هنا، ولم يكن لديَّ شك في أنني سأُطيح بهم برمحي وحده من فوق سروجهم؛ وبذلك، يا ريبيكا، كانت ستتأكَّد براءتك، وكنت سأترك لعرفانكِ بالجميل مكافأتي على نصري.»

قالت ريبيكا: «إن هذا، أيها السيد الفارس، ما هو إلا تفاخرٌ تافه؛ تبجُّح بما كنت ستفعله لو لم تجد أنه من الأنسب فعلُ شيء آخر. لقد تلقَّيت قفازي، وعلى نصيري — إن استطاعت مخلوقةٌ شديدة البؤس مِثلي أن تجد لها نصيرًا — أن يُواجه رمحك في الحلبة، ومع ذلك تتظاهر بأنك صديقي وحاميَّ!»

قال فارس الهيكل بجدية: «سأظل صديقَكِ وحاميَك، ولكن فكِّري في الخطر، أو بالأحرى في العار الذي سيلحق بي، ثم بعد ذلك لا تلوميني إن وضعت شروطي، قبل أن أُقدِّم كل ما اعتبرتُه عزيزًا على نفسي حتى الآن، لإنقاذ حياة فتاة يهودية.»

قالت ريبيكا: «أفصِحْ عما تريد؛ فأنا لا أفهمك.»

قال بوا جيلبرت: «حسنًا إذن، سأتحدَّث بصراحة كما يتحدث تائبٌ إلى أبيه الروحي عندما يجلس على كرسي الاعتراف المُخادع. إن لم أظهر في هذه الحلبة، يا ريبيكا، فسأخسر سُمْعتي ومكانتي، سأخسر نَسمة الهواء التي أتنفَّسها من مِنخرَيَّ؛ وأعني بذلك التقدير الذي يُكِنه لي إخوتي، والآمال التي أعقدها في تولِّي مقاليد تلك السلطة التي يُسيطر عليها الآن الأخرقُ المُتعصب لوكاس دي بومانوار.»

«لقد اخترت بين أن تتسبَّب في سفك دم امرأة بريئة، وبين تعريض منزلتك الدنيوية وآمالك الفانية للخطر. فما الفائدة من أن نتدبر الأمر معًا؟ لقد حسمت اختيارك.»

قال الفارس بنبرةٍ أكثر لطفًا، مُقتربًا منها: «كلا يا ريبيكا، إنني لم أحسم اختياري، كلا. ولتعلَمي أن الاختيار راجعٌ إليكِ أنتِ. إن ظهرت في الحلبة فسيتعيَّن عليَّ أن أُحافظ على سمعتي في السلاح. وإذا ما فعلتُ ذلك فستموتين مُحترقةً على الوتد، سواءٌ كان لكِ نصيرٌ أم لم يكن؛ لأنه لا يوجد على وجه الأرض فارسٌ تَبارى معي في السلاح وكان ندًّا لي، إلا ريتشارد قلب الأسد وتابعه إيفانهو. وإيفانهو، كما تعلَمين جيدًا، لا يَقدر على تحمُّل ارتداء درعه، وريتشارد سجين في سجنٍ أجنبي.»

قالت ريبيكا: «وما الفائدة من تَكرار هذا القول مرارًا وتَكرارًا؟»

رد فارس الهيكل: «إن فائدته كبيرة؛ إذ يجدر بكِ أن تتعلمي أن تتأمَّلي مصيركِ من كل جانب.»

قالت ريبيكا: «حسنًا إذن، فلتُدِر الستار، ودعني أرى جانبه الآخر.»

قال بوا جيلبرت: «إن ظهرتُ في حلبة الموت فستموتين موتةً بطيئة وقاسية، وبعذاب كالذي يُقال إنه كُتِب على الخاطئين في الآخرة، ولكن إن لم أظهر فسأخسر سمعتي، وسأخسر شرفي، وسأخسر أملي في عظَمة لم يحظَ بها إلا قليلٌ من الأباطرة. إنني أُضحي بطموحٍ هائل.» ثم أضاف، مُلقيًا بنفسه عند قدمَيها: «ولكني يا ريبيكا، سأُضحِّي بهذه العظَمة، وأتخلَّى عن هذه الشهرة، وسأتخلى عن هذا السلطان الذي يكاد الآن أن يكون في قبضة يدي، إن قلتِ: إني أقبَلك حبيبًا لي، يا بوا جيلبرت.»

قالت ريبيكا: «لا تُفكر في مثل هذه الحماقة يا سيدي الفارس، ولكن أسرِعْ بالذهاب إلى الوصي على العرش، والملكة الأم، والأمير جون؛ فلا يُمكنهم، حرصًا على شرف التاج الإنجليزي، أن يسمحوا بما يفعله سيدكم الأعظم؛ بذلك تكفل لي الحماية دون تضحية من جانبك، أو تذرُّع بحجةٍ تتطلب مني أي تعويض.»

تابَع، وهو يُمسك بأهداب ثوبها، قائلًا: «أنا لا أتعامل مع هؤلاء، أنتِ فقط من أُخاطبها. وما الذي يُمكن أن يجعلكِ تُوازنين في اختياركِ؟ فكِّري، إن كنتُ شريرًا فالموت أشد شرًّا، والموت هو خَصمي.»

قالت ريبيكا: «أنا لا أُوازن بين هذه الشرور. كُن رجلًا، كُن مسيحيًّا! إن كان إيمانكم يُوصيكم حقًّا بتلك الرحمة التي تتظاهر بها ألسنتُكم أكثرَ مما تظهر في فعالكم، فلتُنقذني من هذا الموت المروِّع دون أن تسعى إلى تعويضٍ من شأنه أن يُحول شهامتك إلى مقايضةٍ وضيعة.»

نهض فارس الهيكل المُتعالي واقفًا على قدمَيه، وقال: «كلا يا فتاة! لن تفرضي شيئًا عليَّ هكذا. إن تخليتُ عن الشهرة الحاليَّة والطموح المستقبلي، فإنني أتخلَّى عنهما من أجلك، وسنهرب معًا.» ثم قال وهو يُلطِّف نبرة صوته من جديد: «اسمعيني يا ريبيكا، إن إنجلترا وأوروبا ليستا هما العالم؛ فثَمة آفاقٌ أخرى يُمكننا العمل فيها، وتتَّسع بما يكفي لطموحي. سنذهب إلى فسلطين حيث يعيش كونراد، ماركيز أوف مونتسيرات، صديقي؛ فهو صديقٌ متحرِّر مِثلي من الشكوك المُلحَّة التي تُقيد مَنطقنا الحر الذي وُلدنا عليه. سنتحالف حتى مع صلاح الدين؛ أفضل لنا من أن نُكابد ازدراء المُتعصبين الذين نحتقرهم. ستكونين ملكة يا ريبيكا؛ فعَلى جبل الكرمل سننصب العرش الذي سأظفر لكِ به ببسالتي، وسأُمسك بالصولجان بدلًا من العصا التي لطالما رغبت فيها.»

قالت ريبيكا: «إنه حلم، بل أضغاث أحلام. وحتى لو كانت حقيقةً واقعةً فلن يكون لها أثر في نفسي. كفى، فذلك السلطان الذي قد تحظى به لن أُشاركك فيه أبدًا. لا تضع سعرًا لإنقاذي يا سيدي الفارس. لا تَبِع فعلًا من أفعال الشهامة. احمِ المظلوم من أجل الإحسان، لا من أجل منفعة أنانية. اذهب إلى بلاط عرش إنجلترا، وسيستمع ريتشارد إلى استغاثتي من هؤلاء الرجال القساة.»

قال فارس الهيكل بعنف: «لن يحدُث أبدًا يا ريبيكا! إن تخلَّيتُ عن طائفتي فسيكون ذلك من أجلكِ أنتِ وحدكِ. وسيظلُّ لديَّ طموح إن رفضتِ حبي. لن أُخدَع من جميع النواحي. أأحني رأسي لريتشارد؟ أأطلب عطيةً من ذلك الرجل ذي القلب المُتعالي؟ أبدًا يا ريبيكا، لن أضع طائفة الهيكل، ممثَّلةً فيَّ، عند قدمَيه. قد أهجر الطائفة، ولكني لن أُقلل من شأنها أو أخونها أبدًا.»

قالت ريبيكا: «إذن، فليكن الرب رحيمًا بي، ما دام عون الإنسان يكاد يكون ميئوسًا منه!»

قال فارس الهيكل: «إنه كذلك بالفعل؛ لأنه كما أنكِ مُتكبرة فقد وجدتِ نظيرًا لكِ هو أنا. إذا دخلتُ الحَلْبة شاهرًا رمحي فلا تظنِّي أن أي اعتبار إنساني سيحُول بيني وبين بذل قوَّتي، ثم فكِّري في مصيركِ؛ أن تموتي الميتة البشعة التي يموتها أعتى المجرمين، أن تحترقي فوق كومة حطب مُشتعلة، ولا يبقى من ذلك الجسد الرشيق أثر، يُمكننا منه أن نقول إنه عاش وتحرَّك! يا ريبيكا، ليس من طبيعة المرأة أن تتحمل هذا المشهد. ستُذعنين لطلبي.»

ردَّت اليهودية: «إنك يا بوا جيلبرت لا تعرف قلب المرأة، أو لم يسبق لك أن تحدَّثت إلا مع أولئك اللواتي فقَدْن أسمى مشاعرهن. أقول لك يا فارس الهيكل المُتكبر: إنك لم تُظهر من شجاعتك الصلفة في أشدِّ معاركك ضراوةً أكثرَ مما تُظهره المرأة عندما تُعاني بسبب عاطفتها أو واجبها. أنا نفسي امرأة، نشأتُ على أن أكون ليِّنة الجانب، وأخاف بطبيعتي من الخطر ولا أتحمل الألم، ولكن عندما ندخل تلك الحلبات المُميتة، أنت لتُحارب وأنا لأُعانيَ الألم، أشعر بثقةٍ تامة في داخلي أن شجاعتي تفُوق شجاعتك بكثير. وداعًا. لن أُضيع مزيدًا من الكلمات معك؛ فالوقت المُتبقي على الأرض لابنة يعقوب يجب أن يُقضى في غير ذلك؛ إذ لا بد لها أن تنشُد المُعزِّي الذي يُصغي دومًا لأنَّات أولئك الذين ينشُدونه بإخلاص وصدق.»

قال فارس الهيكل بعد صمت قصير: «أسنفترق إذن هكذا؟ ليت السماء لم تجعلنا نلتقي قط، أو ليتكِ كنتِ نبيلة المولد ومسيحية الديانة! كلا، بحق السماء! عندما أنظر إليكِ، وأُفكر أين وكيف نلتقي مرةً أخرى، يصل بي الأمر إلى حد أن أتمنَّى لو كنتُ واحدًا من بني قومك المحتقَرين، وأن تتعامل يدي بالسبائك الذهبية والشيكلات وليس بالرمح والدرع، وأن ينحنيَ رأسي أمام كل نبيل تافه، وألا تُرعب نظرتي إلا المَدين المُرتجف والمُفلس.»

قالت ريبيكا: «لقد تحدَّثت عن اليهودي بالصورة التي جعله عليها اضطهاد أمثالك. فلتقرأ التاريخ القديم لشعب الرب، وأخبِرني عما إذا كان أولئك، الذين صنع يهوَهْ مثل تلك المعجزات بأيديهم بين الأمم، كانوا آنذاك شعبًا من البخلاء والمُرابين! وداعًا! إني لا أحسدك على أمجادك التي فُزْت بها بالدماء، ولا أحسدك على نسلك الهمجي الذي ينحدر من الوثنيين الشماليين، ولا أحسدك على إيمانك الذي هو دائمًا في فمك، ولكن لا أثر له أبدًا في قلبك ولا في فعلك.»

قال بوا جيلبرت: «بحق السماء، إن تعويذةً قد أصابتني! أكاد أظن أن ذلك الهيكل العظمي المسلوب العقل نطق بالحق، وأن التردد الذي أشعر به وأنا أُفارقكِ فيه شيءٌ يفُوق الطبيعة.» ثم قال مُقتربًا منها، ولكن باحترامٍ كبير: «أيتها المخلوقة الجميلة! إنكِ في رَيعان الشباب، وبالغة الجمال، ولا تهابين الموت! ومع ذلك فالموت، في خزي وعذابٍ شديد، هو مصيرك. مَن ذا الذي لا يذرف الدمع من أجلكِ؟ إن الدمع الذي لم يعرف سبيلًا إلى هذين الجفنين طيلةَ عشرين عامًا أصبح يُبلِّلهما عندما أنظر إليكِ، ولكن لا بد لهذا المصير أن يكون؛ فلا شيء الآن يُمكنه أن يُنقذ حياتكِ. أنا وأنتِ لسنا إلا أداتَين عمياوَين في يد قدر محتوم لا يُقاوَم، يُسرع بنا إلى الأمام كالسفن الضخمة التي تشق طريقها أمام العاصفة، فيرتطم بعضها ببعض، وهكذا تتحطم. سامحيني إذن، ودعينا نفترق على الأقل كما يفترق الأصدقاء. لقد حاولت عبثًا أن أَثنيكِ عن قرارك، وقراري أيضًا ثابت كأحكام القدر العنيدة.»

قالت ريبيكا: «هكذا يرمي الرجال مسألة عواطفهم الجامحة على القدر، ولكني أُسامحك يا بوا جيلبرت على الرغم من أنك سببُ موتي قبل الأوان؛ فثَمة أشياء نبيلة تعبر بذهنك القوي، ولكنه كحديقة الكسلان التي تنمو حشائشها وتتضافر لخنق البراعم الجميلة واليانعة.»

قال فارس الهيكل: «أجل؛ فأنا، يا ريبيكا، كما قلتِ عني، عفوي وجامح. وأنا فخورٌ أنني، بين قطيع من الحمقى الفارغين والمُتعصبين الماكرين، احتفظت بالإقدام الفائق الذي يضعني في مكانةٍ أعلى منهم. لقد خُضْت المعارك منذ رَيعان شبابي وإلى الآن، وكانت أهدافي عالية، وكنت ثابتًا ولا أحيد في السعي وراءها. وهكذا يجب أن أبقى؛ فخورًا وعنيدًا وثابتًا، وسأُثبت للعالم ذلك، ولكن أتُسامحينني يا ريبيكا؟»

«برحابة صدر كما لم تُسامح ضحيةٌ من قبلُ جلَّادها.»

قال فارس الهيكل: «وداعًا إذن.» وغادَر الغرفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤