الفصل السادس والأربعون

الكتاب والسنة – والسيف

أوضحتُ فيما تقدم خطة السلطان عبد العزيز السياسية والدينية، النجدية والحجازية. فقد أرسل من البادية، وهو في الطريق إلى مكة، يؤمِّن الأجانب في جدة ويعرض الأمان على أهلها إذا هم أخلدوا إلى السكينة، وكتب قبل أن غادر الرياض إلى أمراء الإسلام الحاكمين يدعوهم لعقد مؤتمر في أمِّ القرى، ثم مهَّد سُبُل الحج وأمَّن الطرق إلى الحرمين، إلَّا أن هذا التطور في الحكم السعودي خلق لصاحبه مشاكل جديدة، فعالج بعضها علاجًا عصريًّا، وحلَّ بعضها حلًّا مرضيًا وهو لا يزال في منتصف الطريق، وراءَه ماضٍ مجيد وأمامه مستقبل نصفه مكتوب وإن بدَا غامضًا، والنصف الآخر صفحة بيضاء.

على أن المؤرخ لا يسبق التاريخ، وليس من شأنه النظر في المستقبل قبل أن يدوِّن في الأقل المهم من حوادث الماضي. نعود إذن إلى حيث تركنا الموكب السلطاني. فعندما وصل إلى الأبطح مساء اليوم السابع من جمادى الأولى سنة ١٣٤٣  (٤ ديسمبر ١٩٢٤) أناخ السلطان عبد العزيز ذلولَه وركب حصانًا، ونزل تتبعه حاشيتُه إلى قلب المدينة، فترجَّلوا عندما قربوا من المسعى ومشَوا إلى الحرم، فدخلوه من باب السلام وطافوا، وصلوا وسعَوا تلك الليلة، ثم عادوا إلى المخيم في المعابدة.

وفي صباح اليوم التالي — الجمعة — استعرض السلطان الجيش من خيَّالة ومشاة، ثم جلس في السرادق الكبير الذي نصبتْه البلدية، وفرشتْه بالطنافس وحرقت فيه البخور، فاستقبل أولًا الإخوان وكان بينهم كثيرون لا يعرفون الإمام فكانت المشاهدة الأولى، وقد تهافتوا عليه يصافحونه، ويقبِّلونه في خشمه وفي جبينه، وهم يبكون من شدَّة السرور، ثم جاء من أهل مكة بعض أعيانها وتجَّارها يسلِّمون، فبادروا إلى يده يريدون تقبيلها، فمنعهم قائلًا: «المصافحة من عادات العرب، أما عادة التقبيل فقد جاءتنا من الأجانب ونحن لا نقْبَلُها.» وقد خطب فيهم خطبة صغيرة، فأعاد ما قاله في خطبة الوداع لرؤساء نجد قبل سفرِه من الرياض.

بعد ذلك طلب إليه أمينُ مفتاح الكعبة الشيخ عبد القادر الشيبي أن يُعيِّن وقتًا للاجتماع بعلماء مكة، فضرب لهم موعدًا في اليوم التالي، وكان الاجتماع في الحميدية، حضرَه علماء البلد الحرام من أهله ومن المجاورين له، فخطب فيهم السلطان عبد العزيز خطبة دينية، اجتماعية، سياسية، خطبةً طويلة بليغة نقتطف منها ما يلي:

إن أفضل البقاع هي البقاع التي يُقام فيها شرع الله، وأفضل الناس مَن اتبع أمرَ الله. وإن لهذا البيت شَرَفه ومقامه، منذ رفع سُمْكَه سيدُنا إبراهيم عليه السلام. وقد عظَّم العرب أمرَه في جاهليتهم … فتعالوا نتعاقد ونتَّحد.

إن الفضول تعاقدوا وتعاهدوا
ألَّا يقرَّ ببطن مكة ظالم

والله وبالله وتالله وربِّ هذا البيت! لقد كان من أحبِّ الأمور عندي أن يُقِيم الحسين بن علي شرْعَ الله في هذا البيت المبارك، ولا يعمل لإبادتنا من الوجود، فأجيئه مع الوافدين أحبُّ (أقبِّل) على يده وأساعده في جميع الأمور … لا ينفعنا غير الإخلاص في كلِّ شيء، الإخلاص في العبادة لله وحده، والإخلاص في الأعمال كلِّها، والذي أبغيه في هذه الديار أن يُعمَل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية، أما في الأمور الفرعية فاختلاف الأئمة فيها رحمة. إلى أن قال وفيه لبُّ الإخلاص: والآن أنا بذمتكم وأنتم بذمتي، إن الدين نصيحة، وأنا منكم وأنتم مني، وهذه عقيدتنا في الكتب التي بين أيديكم. فإن كان فيه ما يخالف كتاب الله فردُّونا عنه، وسلونا عما يُشكَل عليكم فيها. والحكم بيننا وبينكم كتاب الله وما جاء في كتب الحديث والسنة … إننا لم نُطِع ابن عبد الوهاب وغيره إلَّا فيما أيَّدوه بقول من كتاب الله وسنة رسوله. أما أحكامنا فهي طبق اجتهاد الإمام أحمد بن حنبل. إذا كان هذا مقبول عندكم تعالَوا نتبايع على العمل بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.

بعض الحضور : كلُّنا نبايع.
السلطان : قولوا لنا بصريح القول ما عندكم.
بعض الحضور : ما عندنا غير هذا.
السلطان : أُعِيذُكم بالله من التقية، فلا تكتموا علينا شيئًا.
أحد العلماء : اجمعْنا بعلماء نجد يا حضرة الإمام فنتباحث وإياهم في الأصول والفروع ونقرِّر ما نتفق عليه إن شاء الله.
السلطان : زين. قريبًا تجتمعون.

وبعد يومين، في ١١ جمادى الأولى، اجتمع خمسة عشر من علماء مكة بسبعة من علماء نجد، فتباحثوا في الأصول والفروع، ثم أصدر علماءُ مكة بيانًا جاء فيه:

قد حصل الاتفاق بيننا وبين علماء نجد في مسائل أصولية. منها: مَن جعل بينه وبين الله وسائط من خلقه، يدعوهم ويرجوهم في جلْب نفع أو دفع ضرٍّ، فهذا كافر يُستتاب ثلاثًا فإن تاب وإلَّا قُتِل. ومنها: تحريم البناء على القبور وإسراجها وإقامة الصلاة عندها؛ لأن في ذلك بدعة محرَّمة في الشريعة. ومنها: مَن سأل الله بجاهِ أحدٍ من خلْقِه فهو مُبتدِع مرتكب حرامًا. في هذه المسائل تباحثنا واتفقنا فاتفقت بذلك العقيدة بيننا معاشر علماء الحرم الشريف وبين إخواننا أهل نجد.

أي إنهم أقرُّوا المسائل الجوهرية في المذهب الحنبلي الوهابي وقبلوها. وفي يوم اجتماع العلماء صدر البلاغ الآتي مطبوعًا في مطبعة جريدة القبلة:١

لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحضر منهم والبدو

لم نقْدُم من ديارنا إليكم إلَّا انتصارًا لدين الله الذي انتُهكت محارمه، ودفعًا لشرورٍ كان يكيدها لنا ولبلادنا مَن استبدَّ بالأمر فيكم.

كلُّ مَن كان من العلماء في هذه الديار من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين ذا راتب معين، فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزدْه، إلَّا رجلًا أقام الناس عليه الحجة أنه لا يصلح لما هو قائم عليه فهو ممنوع ممَّا كان له من قبل. وكلُّ مَن له حقٌّ ثابت في بيت مال المسلمين أعطيناه حقَّه …

لا كبير عندي إلَّا الضعيف حتى آخذَ الحقَّ له، ولا ضعيف عندي إلَّا الظالم حتى آخذ الحق منه، وليس عندي في إقامة حدود الله هوادة، ولا أقبل فيها شفاعة.

في هذا البلاغ، وفي بيان العلماء حلٌّ للمشكل الديني مبنيٌّ على القاعدة أن الجزاءَ من نفس العمل. ولا فرق أي من الاثنين، البيان أو البلاغ، صدر قبل الآخر، كأن أحد الفريقين قال: لا نمسُّ حقوقكم التقليدية، فقال الثاني: إذن نقبل أركان مذهبكم ونعمل بها.

بعد هذه الاجتماعات الخاصة بين السلطان والعلماء عُقِد اجتماع عامٌّ حضره العلماء والأعيان والتجار، فخطب فيهم السلطان، فقال:

أريد رجالًا يعملون بصدق وعلم وإخلاص، حتى إذا أُشكِل عليَّ أمرٌ من الأمور رجعتُ إليهم في حلِّه وعملت بمشورتهم، فتكون ذمتي سالمة وتكون المسئولية عليهم، وأريد الصراحة في القول ثلاثة أكرههم ولا أقبلهم، رجلٌ كذابٌ يكذب عليَّ تعمُّدًا، ورجل ذو هوًى، ورجل متملِّق. هؤلاء أبغض الناس عندي.

بهذه الخطبة الوجيزة الصريحة افتتح عظمتُه الاجتماع لتأسيس مجلس أهلي شوري. فاجتمع الناس ثانية في دار البلدية، وانتخبوا من الأعيان والعلماء والتجار مجلِسًا مؤلَّفًا من أربعة عشر عضوًا برئاسة عبد القادر الشيبي.

على أن هناك مشاكل لا تُحَلُّ بتأسيس مجلس الشورى ولا باتفاق العلماء، كالمشكل الاقتصادي مثلًا، وقد حال خطُّ الدفاع في جدة دون تموين مكة من ثغرها الأول أو الأقرب، ولم يقطع الملك علي الأقوات عن «جيران بيت الله الحرام» إلَّا عندما تمَّ ذاك الخطُّ؛ لأن بدو حرب، من الذين كانوا يجيئون صباحًا كلَّ يوم إلى القصر بجدة، أو من أولئك الذين «دينوا»، كانوا يقطعون الطريق إلى مكة وينهبون القوافل. هو بعض السبب في حمل الإخوان عليهم.

وقد كان السلطان عبد العزيز أصدر الأوامر، حتى قبل أن سافر من الرياض، إلى عمَّاله وقوَّاده بفتح طريق بل طريقين إلى البحر، وكانت القنفذة أول الثغور التي احتلتْها جيوشه من عسير، ولكن القنفذة تبعد أكثر من مائتي ميل عن مكة، والليث أقرب منها؛٢ لذلك بادرت القيادة في الحجاز إلى احتلالها. على أن السرية التي مشت إلى ذاك الثغر لقيت من أشراف «ذو حسن» بعض المقاومة، فاشتبكت وإياهم في معركة دامت بضع ساعات، وكانت الغلبة فيها على «ذو حسن»، ففرَّ منهم كثيرون وسلَّم الآخرون، وأصبحت الليث في حوزة ابن سعود.
أما عرب رابغ٣ فقد أشرنا في الفصل السابق إلى ما كان من سلوكهم سلوك الثعالب. والحقيقة أنهم عصَوا حكومة جدة فأرسلت عليهم خمسين جنديًّا بقيادة حمدي بك. ركبوا باخرة الطويل التي كانت قد سُلِّحت بثلاثة مدافع صغيرة، وأبحروا إلى رابغ، فنزلوا إلى البرِّ ولم يلقَوا من عربانها أو مشايخها شيئًا من المقاومة، بل سلَّم المشايخ ومعهم ابن عمِّ عامل رابغ ابن مبَيريك وجاءوا مع الجنود إلى جدة، فأقسموا يمين الطاعة لعليٍّ فعفا عنهم، وأذن لهم بالرجوع إلى بلدهم.
figure
جدة، الحي الشمالي.

وفي ذلك الأثناء تصادم الإخوان وفريقًا آخر من العربان، في الطريق بين مكة ورابغ، تصادُمًا يستوجب البيان؛ في تهامة الحجاز يقطن بطون من حرب فتمتد ديارهم إلى المدينة المنورة. وقد كانت هذه القبائل في مواسم الحج تعتدي على الحجاج، وتنهب القوافل، وتتقاضى الحكومة، فوق ذلك، رواتب معلومة. فعندما دخل الجند النجدي مكة جاء بعضهم إلى الشريف خالد يطالبون بما ادعوا أنه حقهم الشرعي، فقال لهم خالد: «إذا «دينتم» كنتم وكافَّة المسلمين سواء، وإلَّا فعندنا الكتاب والسنة، وعندنا السيف.»

استمرَّ هؤلاء في الحروب عاصين، فأرسل خالد عليهم سرية من الإخوان فالتقَوا بجماعة منهم في عسفان٤ بين مكة ورابغ، على طريق المدينة، فضربوهم ضربة شديدة وأزالوهم من ذاك الطريق. وفي حملتهم هذه قرُب الإخوان من رابغ، ففكر العامل إسماعيل بن مبَيريك في أمره، وجاء مكة أولًا وثانيًا يعاهد الشريف خالدًا ويوحِّد الله، فلبث ينتظر قدوم السلطان الذي عيَّن له ولمشايخه رواتب على شرط أن يمنعوا التعدِّي على الحجاج، ويحموا الطريق من البحر إلى مكة، هذه هي قصة رابغ وعربانها الذين جاءوا جدة وراحوا إلى مكة، وأقسموا اليمينَين، وفاوضوا وساوموا الفريقين ثم تبعوا الأقوى والأكرم.

وما كان ابن مبَيريك فريدًا في سلوكه، فقد تَبِع الأقوى والأكرمَ كثيرون غيره من العرب، ومنهم من الأشراف الحرَّث والفعور الذين تهافتوا على السلطان عبد العزيز عند وصوله إلى مكة، ولكنهم رغم تزلُّفهم منه عُومِلوا معاملة السُّوَى. وقد أرضى السلطان الجميع في تأليفه مجلس الشورى الذي سيذكر فيما بعد. على أنهم جاءوه شاكين قلَّة الأقوات وغلائها، وما يعانيه الأهالي بسبب ذلك من الشدة والضيق. فقال لهم إنه قد اتخذ التدابير لمنع الاحتكار أولًا، ولجلب الأقوات عن طريق الليث، وإنه ورجاله وجيوشه لا يكلفونهم من هذا القبيل شيئًا؛ لأن الأقوات تجيئهم من نجد. «هي قليلة ولكننا أهل نجد نكتفي بالقليل … عليكم بالصبر وقريبًا تردُّ الأرزاق من الثغور التي بيدنا إن شاء الله.»

ثم استأذنوه بإرسال كتابٍ إلى الملك عليٍّ علَّه يسمع شكواهم فلا يمنع عنهم الأرزاق. فقال السلطان: «هذا لا يفيد، عليٌّ لا يسمع شكواكم وقد يظنها شكوانَا ملبسة، ومع ذلك هاتوا كتابكم أرسله.»

وفي هذا الكتاب، المُذيَّل بإمضاءات ستين من أهل مكة، لَوْمٌ وتعنيف ورجاء بألا يمنع الأرزاق عنهم وهم جيران بيت الله الحرام الذين قال فيهم تعالى: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. «وما السبب في التضييق علينا؟ فإن كنَّا مجرمين من جهة الحكومة النجدية فلسنا المسئولين في دخولهم مكة ولا قوَّة لنا على إخراجهم … إننا نسألكم واحدًا من أمرين؛ إما أن تقْدُموا بجيوشكم وتُخرِجوا الحكومة النجدية حتى تفتح لمكة طريق رزقها، أو ترتئوا شيئًا من الأسباب التي تمكِّننا من جَلْب معاشنا.»

فأجابهم الملك علي: «لم نمنع الأرزاق عنكم إلَّا مكرهين، فالقواعد الحربية تقتضي ذلك، ولا قصد لنا غير إحراج مركز العدوِّ وعدم تموين جيوشه.»

وقد شكا الأهالي إلى السلطان عبد العزيز أمْرَ الإخوان، وتضييقهم على الناس وشتمهم وضربهم الناس في بعض الأحايين، فطيَّب السلطان بالَهم، ولكنه سمع من الإخوان أيضًا كلمة لا تُرَد: «هم يدخنون، يا عبد العزيز، ولا يصلون، لا يصلون!» فأمر السلطان بأن يُغرَّم كلُّ مَن يدخن غرامةً مالية: الشتم ممنوع والضرب ممنوع. وأن يُنبَّه ذوو الأمر إلى وجوب المواظبة على الصلاة. فأخرجت البلدية مناديًا ينادي بوجوب إجابة داعي الله، «فإذا سمع الناس المؤذِّن يبادرون إلى الصلاة في الحرم الشريف، ومَن كان بعيدًا عن الحرم فليصلِّ في أقرب مسجد منه. وقد جعلنا من رجال البلدية وغيرها مَن يناظر المتأخِّر عن الصلاة لتقرير الجزاء الشرعي عليه.»

ثم ولَّى عظمة السلطان الشريف خالدًا، الذي كان يقيم في قصر الحسين، شئونَ الإخوان، وأمَّر الشريف هزَّاع من العبادلة على بدو الحجاز، وأقام بينه وبين أهالي مكة أحدَ مستشاريه يعاونه بعضُ السوريين، الذين اتخذوا سراي الحميدية مقرًّا لهم.

بمثل هذا نظَّم عظمته بعض الشئون الداخلية وحلَّ بعض المشاكل الدينية والسياسية في مكة، أما شئونه الخارجية فأهمها يومذاك كان يتعلَّق بقناصل الدول بجدة، وقد جاءه منهم بُعَيد وصوله جواب الكتاب الذي أرسله إليهم من البادية، وهاكه بنصِّه:

من ممثِّلي الدول الموقِّعين أدناه إلى حضرة صاحب العظمة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود سلطان نجد الأكرم، بعد تقديم واجبات الاحترام، قد وصلَنا كتابُكم المؤرَّخ في ٢٤ ربيع الثاني عدد ١١٤ وما ذكرتموه صار معلومًا لدينا. أما بخصوص الاقتراحات المتعلِّقة بحفظ رعايانا وتأمينهم من خطر الحرب نرى من اللازم أن نذكِّر عظمتكم بأن احترام رعايانا مبنيٌّ على حقوق دولية مُتبعة في أيام الحرب. فبناءً عليه ندعوكم باسم حكوماتنا جميعها إلى احترام أشخاص رعايانا مع أموالهم. وإلَّا تكونوا مسئولين بجميع ما يقع عليهم في أيِّ وقت وفي أيِّ مكان كان. أما بخصوص الكتاب المرسَل باسم أهل جدة فنحن لا يمكننا تسليمه نظرًا لقاعدة الحِياد التي نتبعها والتي لا تسمح لنا بالتدخُّل في أيِّ وجه كان. فعليه نعيده إليكم، وفي الختام تقبَّلوا فائق الاحترام.

القائم بشئون القنصلية الإفرنسية
وكيل قنصل جلالة شاه إيران
معتمد وقنصل بريطانية العظمى
قنصل جنرال ملك إيطالية
وكيل قنصل هولاندة

أما فحوى الكتاب إلى أهل جدة فقد كان حديث السوق يوم وصوله، وقد نُشِر بعدئذٍ رسميًّا في جريدة «أم القرى» فما همَّ السلطان أن القناصل أرجعوه.

ولكنه قطَّب وتضجَّر عندما فضَّ الكتب التي جاءت مع كتاب القناصل: وهذا كتاب من المستر فلبي. وهذا كتاب من السيد طالب النقيب. وهذا كتاب من أمين الريحاني. ما الذي جاء بهم إلى جدة في هذه الأيام؟ وما الذي يبغونه غير السلام؟!

١  قد كانت هذه المطبعة للأتراك يطبعون فيها جريدة الحجاز الرسمية، فاستولى عليها الحسين في بداية الثورة وشرع يطبع فيها جريدة القبلة، ثم استولى عليها ابن سعود وأصدر جريدة أم القرى.
٢  الليث هي على مسافة تسعين ميلًا من مكة غربًا بجنوب.
٣  رابغ تبعُد تسعين ميلًا عن جدة إلى الشمال ومائة وعشرة أميال عن مكة إلى الغرب الشمالي.
٤  ثنية عسفان وهي من أمنع الأماكن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤