مقدمة
دأبت لجنة نشر المؤلفات التيمورية على أن تقدم للمكتبة العربية من آثار فقيدها العظيم العلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا من المؤلفات ما له أكبر نصيب في خدمة العلم والتعليم ونشر الثقافة، وهما عين ما تسعى اللجنة له، فنالت تقدير القراء بما أفاضوا عليها من نعمة الرضى والإقبال والتشجيع.
ونشرت اللجنة على الناس في البدء كتاب «ضبط الأعلام» وأتبعته بكتاب «لعب العرب» و«تاريخ الأسرة التيمورية» فكتاب «الأمثال العامِّية».
وهي تصدر اليوم كتاب «الكنايات العامِّية» وهو بحث جديد في عالم المطبوعات، بل هو من خير ما بحثه مؤلفه في موضوعه، كما أنه من خير ما درسه وما حققه، مما يدل على مبلغ ما وصل إليه من عناية في معالجة هذه الموضوعات بلغة عذبة فيها وضوح وفيها حسن بيان.
والمقصود بالكناية أن يتكلم المرء كلامًا أو يقول قولًا يعني به غير ما يقول أو يتكلم، أو ما يدل عليه ظاهر اللفظ.
ومن ذلك فإن «الكناية» هي تعبير المرء عن الأفعال التي تُستر عن العيون عادة، من نحو قضاء الحاجة بألفاظ تدل عليها غير موضوعة لها تَنَزُّهًا عن إيرادها على وجهها وتحرزًا مما وُضع لأجلها، إذ الحاجة إلى ستر أقوالها كالحاجة إلى ستر أفعالها.
وللكناية كذلك عدة فوائد، منها: التحرز من ذكر الفواحش السخيفة بالكنايات اللطيفة، وإبدال ما تَمُجُّه الأسماع بما لا تنبو عنه الطباع، ومنها التوسع في اللغات والافتنان في الألفاظ والعبارات، فقد كنوا — مثلا — عن «جامع كل شيء» بسفينة نوح.
وفي القرآن الكريم: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا فكنوا عن لفظه ولم يوردوه فإنهم أكرموا أنفسهم عن التلفظ به.
وهُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، فكنى عن كل من النساء والرجال باللباس، وفيه كذلك يُكنى عن النساء بالقوارير، كما يُكنى عنهن بالريحان.
وللعامة في ذلك الميدان ألفاظ مقبولة تؤدي ما يعنونه من قول وما يلفظونه من كلام، وتفصح عن المغزى وتكفي بالإشارة عن العبارة، وعن الصريح بالكناية، وعن الحقيقة بالاستعارة بكلمات ثقة وعبارات رائقة، ومعانٍ جميلة مبتدعة، وإشارات بديعة مخترعة.
هذا بعض من كل من بحث العلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا، وقد ضمنه هذا الكتاب فشهد بسعة اطلاعه وغزير علمه، مشفوعة بما حققه منها تحقيقًا لغويًا، وما شرحه منها شرحًا وافيًا شاملًا، هو الأول من نوعه في البلاغة وحسن البيان والتعبير، وجعلها مرآة صادقة من الناحية الاجتماعية لحياة الشعوب وأخلاق الأمم وعاداتها.
لهذا حرصت اللجنة حرصًا شديدًا على أن تستخرج من آثار الفقيد الكريم أحمد تيمور باشا ما تتم به بحوثها في شتى النواحي الاجتماعية والثقافية والعلمية واللغوية، فهي كلها ثروة أدبية غنية بما حوت من علوم وفنون تفتقر إليها المدرسة الحديثة، ويقدرها أهل العلم ورجال الأدب حق قدرها.
ولا غَرْوَ في أن نشر كتاب «الأمثال العامية» وصِنْوه كتاب «الكنايات العامية» الذي تضعه اللجنة اليوم بين يدي القارئ الكريم يُعدان بحق خير ذخيرة تهديهما إلى المكتبة العربية.