في ذكر الآثار الإسلامية بمدينة حلب

قلَّ أن تجد في الشرق الأدنى مدينةً تضارع حلب فيما تحتوي عليه من الآثار الإسلامية التي تعين على دراسة تاريخ الرِّيازة الإسلامية،١ ويمكننا أن نضعها بعد مدينة القاهرة مباشَرة، على الرغم من أن كثيرًا من الأمكنة الأخرى تحتوي على عدد من الآثار الجميلة الإسلامية، التي تقدِّم لمؤرخ الحضارة الإسلامية نماذجَ متنوعة؛ فالقدس الشريف مثلًا لا يحتوي إلا على آثار دينية، وإستانبول وقونية، اللتان ازدهرتا ثم سقطتا مع الخلافة الإسلامية العثمانية، تحتويان على آثار تمثِّل لنا قرنين أو ثلاثة، ودمشق نفسها لم تحافظ على مميزاتها العمرانية الخاصة؛ لأنها كانت دومًا معرَّضة للتأثير الأجنبي.٢

أما حلب فهي، على العكس، تقدِّم لنا سلسلةً متواصلة الحلقات من الآثار المدنية، والدينية، والعسكرية، منذ نهاية القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) إلى أيامنا هذه، ويُلاحظ أن تلك السلسلة الأثرية ذات أنماط مختلفة، وطابع خاص، وأنها تاريخ للمدينة على توالي حقبها، واختلاف ريازاتها.

إن حلب، في العصور الإسلامية الأولى، وفيما قبل الإسلام، كانت بُلَيْدة ثانوية محصورة بين مدينتين عظيمتين، هما: «أنطاكية» عاصمة سورية الشمالية، و«قنسرين» عاصمة الديار الحلبية، وفي أيام الحمدانيين لمع نجمها فترةً ثم خبا.

ومنذ عهد الصليبيين لمع حظُّ هذه المدينة؛٣ ففي عهد السلاجقة غدت حلب، بسبب وقوعها على تخوم بلاد الرافدين، مركزَ سياستهم في الشرق، كما غدت مركز الدعاية ضد الدولة الفاطمية المتشيعة، وفيها أُسِّست أول مدرسة سورية.

وفي نهاية القرن السادس للهجرة (الثاني عشر الميلادي) ابتدأت نهضة المدينة، على الرغم من الغزو التتري الكاسح في سنة ٦٥٨ﻫ/١٢٦٠م، ذلك الغزو الذي خلَّفها خرابًا مدةَ ربع قرن، فإنها استمرت في نهضتها قُدُمًا.

ومنذ هذا العهد صارت حلب مركز القيادة الحربية لحماية حدود الإمبراطورية الشامية-المصرية ضد الصليبيين، حكام أنطاكية، ثم ضد كافة الغزاة القادمين من المشرق ومن قليقية، فقد صارت عاصمة المملكة فترةً ما، ثم استقلت وغدت إمارةً مهمة، وقد كان ملوكها وأمراؤها لا يفتئون يشيدون فيها العمائر الدينية.

لقد غدت حلب، وبخاصة بعد أن احتل الصليبيون أنطاكية وبعد أن دمَّرها — أي أنطاكية — الظاهر بيبرس؛ المركزَ التجاريَّ الإسلامي لتجارات إيران والهند، كما غدت الثغر الإسلامي الثاني بعد القسطنطينية وأزمير، واشتهرت أسواقها وخاناتها بعظمها وتعدُّدها، وهكذا صارت حلب تحتوي على عدد عظيم من الأبنية الدينية، والعمائر المدنية، التي تتكوَّن منها مجموعة لا تقدر لدراسة تاريخ الحياة الاجتماعية في الشرق الإسلامي.

مزايا آثار حلب

إن مزايا آثار حلب تنقسم إلى قسمين: مزايا علمية، ومزايا فنية. أما المزايا العلمية فهي: أن آثار حلب تنتظم مجموعة متناسقة من الأبنية، لها طابع خاص، قليل التأثر بالعناصر الخارجية، مشارك لبعض العناصر المعمارية الجميلة التي تظهر على كنائس منطقة أنطاكية ذات الطابع السوري، مما يمكن للإسلام أن يستسيغه بعد التحوير الضروري الذي أذهب بعض رونقها، ولكنها مع ذلك ظلت جميلة.

ولقد كان للمزايا العلمية المعمارية التي تتجلى في آثار مدرسة حلب المعمارية، تأثيرٌ كبيرٌ على الأبنية الإسلامية في سورية كلها بسبب طابعها البارز، وبسبب بنَّائيها البارعين. ولقد كان لها تأثير واضح حتى على الفن المعماري المصري، على الرغم من ضآلة ذلك التأثير؛ فلا شك في أنه بوساطتها انتقلت إلى القاهرة بعضُ المؤثرات المعمارية المعروفة في بلاد الرافدين، وأرمينية، وهضبة الأناضول (مثل طرز البناء النخروبي ذي المتدليات)، كما أنه بوساطتها انتقل إلى البلاد الإسلامية في حوض البحر الأبيض المتوسط، بعد العصر السلجوقي؛ طراز بناء «المدرسة» وطريقة «الكتابة النسخية» على المعاهد، فإن في حلب اليوم آثارًا ﻟ «كتابات نسخية» هي من أقدم الكتابات في العالم الإسلامي (في المدرسة المقدمية)، و«كتابة كوفية» هي من أقدم الكتابات المعروفة (على منارة الجامع الأموي).

ومن جهة ثانية، إن آثارها تجعلنا نرى، بجلاء ودقة وتسلسل، مقدارَ الإتقان المعماري، وتطوُّر الأفكار الدينية، والإدراك الفني، والتنظيم التجاري والصناعي في سورية الإسلامية.

وأما «المزايا الفنية»: فتكاد تكون مزايا الجمال الفني مفقودة في الأغلب؛ وذلك لأن الآثار الإسلامية — وبخاصة في حلب — هي كما قلت في مكان آخر: «كانت تُشيَّد بوحي عليه مسحة دينية، ولكنه مصنوع بحساب ودقة وفطانة، ولئن خلا من الفخامة والإغراب، فإنه يشتمل على الاتساق والبساطة. وكان الفنان المسلم يفتش عن «السطر» قبل أن يفتش عن «اللون»، كما يفتش عن «المنطق» قبل أن يفتش عن «النقش»، وعن «الوضوح» قبل «اللمعان».»٤

وكان «الجمال» في الآثار الإسلامية الحلبية غالبًا ما يكون بنواحيه الفنية، ويتطلَّب دائمًا لتذوُّقه مَلَكةً خاصة، ومع هذا فإن بساطة البناء وتواضع زخرفته، وهدوء سطوره وجمال تناسقه، تجعلنا نُكبِر جهود أوروبا المعاصرة التي تفتش عن الرِّيازة العربية الصافية.

إحصاء آثار حلب

إن الإحصاء الوحيد الذي أعرفه عن آثار حلب، هو إحصاء الشيخ كامل الغزي،٥ ولكنه إحصاء يجمع على صعيد واحد أبنيةً مختلفةَ الجنس والموضوع، ولا يعتمد على مخطَّط يصلح لإحصاء تلك الآثار.

وقد عمدتُ في إحصاء الآثار على الخطة التالية:

قسَّمت المدينة إلى أقسام، ثم طفتُ كلَّ قسم شارعًا فشارعًا، وحارةً فحارة، على قدمَيَّ معتمدًا على خارطة المدينة (حجمها ١ / ١٠٠٠٠)، وحدَّدت عليها مواقع الآثار القديمة بالتقريب، ثم حقَّقت تلك المواضيع على مخطَّط مصلحة السجل العقاري.

وقد أحصيتُ مواضع ما ينوف على ٣٠٠ أثرٍ، مع العلم بأنه لا يصح الجزم بأن هذا الإحصاء تام، بل ينبغي أن ننتظر ظهورَ آثار أخرى في بعض الأحياء المكتظة بالدُّور، والمشوَّهة بأبنية جديدة، لا يمكن معرفة الآثار القديمة إلا بهدم تلك الأبنية المستجدة.

إن «مصلحة الآثار القديمة» في فرنسة — وهي مصلحة غنية برجالاتها وبمعلوماتها الأثرية الواسعة — تكتشف في كل سنة كثيرًا من الآثار المجهولة في بعض صحون الدور القديمة، أو تحت الخرائب، فتضاف تلك الآثار الجديدة إلى الإحصاء الرسمي.

وقد حدث معي في حلب أن اكتشفتُ أثرَيْن صدفة، وبمجرد أن وجدت بابًا مفتوحًا بعض الفتح، وهما الأثران المرقَّمان برقم «١٩» و«٣٨» (مطبخ العجمي، المراحيض العامة في سوق المناديل)، فهذا دليل على ما قلت آنفًا، ولا بد أن تظهر في المستقبل آثار يجب أن تضاف إلى الإحصاء المعروف.

وبعدُ، فأنا واثق من أن الإحصاء الذي أقدِّمه هو إحصاء غير تام، ولا يصح أن يُتخذ أساسًا لمخطَّط أثري كامل.

تنظيم الآثار بحلب

لقد نظَّمتُ لائحتين للآثار بحلب، بناءً على رغبة دائرة البلدية، هما:
  • أولًا: لائحة تشتمل على الآثار المهمة ذات الدرجة الأولى مما تجب صيانته مهما كلَّف الأمر؛ لأنها آثار أساسية تمثِّل الرِّيازة السورية-الإسلامية، في حلب، ثم إن هذه الآثار — فضلًا عن قيمتها التاريخية — ما يزال أغلبها كاملًا أو كالكامل، وهي ذات قيمة فنية، وفائدة علمية لا شك فيها.
    وقد عمدت في أول بحثي عن هذه الآثار إلى الأمور الآتية:
    • (أ) ذكر رقم المحضر والمنطقة لكل أثر.٦
    • (ب) إعادة نشر مخطَّط مصغَّر للأثر إن كان منشورًا من قبل، أو وضع مخطَّط أصنعه أنا بحسب دراساتي الخاصة، وتلافيًا مما قد يكون من الأخطاء، أذكر محضر «التحديد والتحرير»؛ لأنه يحول دون وقوع الأخطار مؤقتًا إلى أن تقوم الدراسات العلمية التامة.
    • (جـ) ذكر تاريخ البناء واختصاصه أو الغرض منه.
    • (د) ما يجب عمله لصيانة ذلك الأثر مؤقتًا إلى أن يتم إصلاحه وترميمه بشكل نهائي.
  • ثانيًا: لائحة تشتمل على ذكر المواضع الأثرية، ذات الدرجة الثانية، والتي يجب ألَّا تصل إليها مَعاوِل التهديم مهما أمكن ذلك، إما لنواحيها المعمارية الهامة، أو لطبيعتها الفنية الأثرية.

    هذا مع العلم بأن عهد بعض هذه الآثار يرجع إلى زمن قريب من آثار اللائحة الأولى (مثل الآثار المرقَّمة بالأرقام التالية: ٨٣، ٨٦، ٨٨، ٩٢، ١١٧، ١١٨، ١٢١). وبعضها قد لعبت به الأيدي، ولم يبقَ من بنائه القديم إلا جزء منه مثل منارته أو واجهته. ولهذه الآثار أهمية معمارية ثانوية، وبصيانتها تتجمل المدينة (مثل الآثار المرقَّمة بالأرقام التالية: ٧٨، ٩٠، ٩٥، ٩٧، ١٠٣، ١٠٩). وبعضها يمكن التضحية ببنائه القديم وإعادة بنائه مجددًا (مثل الآثار المرقَّمة بالأرقام التالية: ٧٩، ٨٠، ٨١، ٩١، ١١٣).

والخلاصة أنه لا يصح أن يصيب هذه الآثار جميعًا شيء من التحوير أو الهدم بدون موافقة دائرة الآثار.

ويلاحظ أنني في اللائحة الثانية لم أتوسَّع كما توسَّعت في اللائحة الأولى، وإنما اكتفيت بذكر رقم محضر التحديد والتحرير، مع ذكر المنطقة أو بعض المعلومات القليلة حول تاريخ البناء، والغرض منه.

ويمكن هدم الآثار التي لم تُذكَر في اللائحتين، إلا إذا كانت قد اكتُشِفت بعد تنظيم هاتين اللائحتين، ويجب أن يُنقَل إلى المتحف جميع الكتابات والحجارة المنقوشة والمحاريب وغيرها من آثار تلك الأطلال، مهما كانت حالتها.

•••

إن ما على هذه الآثار من «الكتابات» و«الأوصاف» في أكثر آثار حلب لم تُنشَر بعدُ نشرًا علميًّا، فيجب العمل على نشرها؛ لأن في ذلك إحياءً لتاريخ المدينة ولتاريخ الفن الإسلامي وتاريخ المؤسسات الإسلامية.

وإن الآثار المذكورة في اللائحتين يبلغ عددها «١٢١» أثرًا، وإذا استثنينا اﻟ «٤٤» أثرًا المذكورة في اللائحة الثانية، والتي لا أهمية رئيسية لها، بقي اﻟ «٧٧» أثرًا التي يجب العناية الشديدة بها وحفظها.

وإن آثار اللائحة الأولى هي التي تقف حجر عثرة أمام تطور المدينة العمراني وشق الطرق الحديثة، باستثناء الجامع الكبير والقلعة والأسواق القديمة.

وهناك أيضًا آثار بعيدة عن أن يصيبها شيء؛ لوقوعها خارج المدينة، وهي الآثار المرقَّمة بالأرقام التالية: «١١، ١٣، ١٤، ٢٠، ٢٢، ٢٥، ٢٦، ٢٧، ٣١، ٥٠، ٥١، ٥٢، ٦١، ٧٥».

وهناك أيضًا آثار تلي هذه الآثار في الإمكان أن يصيبها شيء، وهي المرقَّمة بالأرقام التالية: «٢٤، ٢٩، ٣٠، ٣٤، ٣٥، ٤٢، ٥٤، ٥٥، ٥٦، ٥٨، ٦٨».

أما اﻟ «٤٩» أثرًا الباقية فإنه من العسير جدًّا أن يعتريها أي تحوير، وأظن أنه من الصعب جدًّا أن أحذف من هذه الآثار اﻟ «٤٩» أيَّ أثرٍ دون أن يكون ثمة محذور كبير.

وعلى سبيل المقارنة أذكر أن الآثار الإسلامية التي تُعنى بحفظها جمعيةُ الآثار القديمة في القاهرة كانت بحسب إحصاء سنة ١٩١٩م قد بلغت «٥٢٣» أثرًا.

ما يجب عمله للعناية بهذه الآثار الجليلة

إن آثار حلب كانت مبنية بعناية شديدة، كما كانت مصنوعة من مواد أولية جد متينة، ويُلاحظ أن ما حافظ منها على مظهره الأوَّلي وحالته الطبيعية، ما يزال بحالة جيدة.

وإن كثيرًا من المساجد، والخانات الكبيرة، لا يحتاج إلى إصلاح كبير، أو على الأصح، لا يحتاج إلا إلى ترميم بسيط، وكثير منها لا يحتاج لإعادته إلى حالته الأولى، إلا إلى إزالة بعض الحوانيت التي أُقيمت حواليه، أو إلى رفع بعض الحواجز والحيطان التي شوَّهته، أو إلى تنظيف واجهته وما إلى ذلك.

على أن هناك بعض الآثار التي قد بُدِّلت تبديلًا واضحًا أو أضحت منذ قرونٍ مُهمَلةً تمامَ الإهمال، يسكنها الفقراء ويبنون فيها أو عليها ما يشوِّه جمالها، أو يشيِّدون بحجارتها الأثرية القديمة غُرفًا ومنتفعات لهم، أو يشيِّدون الشبابيك والأقواس أو يحفرون الأرصفة والساحات لوضع أعمدة مُحدَثة، أو يشوِّهون الحيطان والقباب بالدخان والسخام؛ فالأثر رقم «١٧» قد حُوِّلت إحدى قاعاته إلى مزبلة، والأخرى إلى مراحيض، وفي الأثر رقم «٣٥» وجدت نجفة الباب الخشبية المزخرفة قد شُوِّهت بطبقة سميكة من الدخان يجعل من الصعب جدًّا تبيُّن نقوشها وزخارفها.

وفي الأثر رقم «٣٧» وجدتُ مشربيَّتي الإيوانين مفقودتين.

وفي الأثر رقم «٢٧» وجدت فطائس متفسخة في القبلية.

وقد تحوَّل الأثر رقم «٢٦»، الذي هو من أجمل آثار المدينة، إلى خرابة تتقذَّى بها العين …

إن كل هذه الآثار يحتاج إلى عناية شديدة، وجهد ترميمي عظيم، يحتاج إلى نفقات باهظة؛ ولكن مما لا شك فيه أن الحالة الحاضرة تقضي الاكتفاء ولو بمبلغ ضئيل لإصلاح المهم من ذلك، كما أنه ينبغي أن يُشرَع في إخلاء هذه الآثار من السكان؛ فإن أحدًا ممَّن يحتلونها لا يملك الوثائق القانونية لذلك.

أما الآثار التي يجب إخلاؤها من سكانها فورًا، فهي الآثار المرقَّمة بالأرقام الآتية: «١٧، ١٨، ٢٦، ٢٧، ٣١، ٣٢، ٣٧، ٤٨»، ويليها في ذلك الآثار المرقَّمة بالأرقام الآتية: «١١، ١٤، ١٩، ٥٠، ٥١، ٥٢، ٦١، ٧٠، ٧٤».

وإن هذه العملية إذا ما تمَّت وجب أن تُنظَّف هذه الآثار الجليلة من الردم والأقذار التي تدنسها، ويجب حين القيام بهذه العمليات، جمع كافة القطع والأحجار والزخارف الفنية وإعادتها إلى أماكنها، كما يجب أن يُخصَّص مفتِّشٌ يُعهَد إليه بتفتيش آثار المدينة والرقابة على أعمال الإصلاح والترميم.٧

ومما هو جدير بالذكر أن كثيرًا من هذه الآثار قد أصابه وهن كبير، وليس من الصعب مُعالَجة ذلك. وقد بيَّنت في كتابٍ لي مُؤرَّخ بيوم ١٩ آذار من السنة الماضية، الحالة التي وصلت إليها واجهة الأثر المرقَّم برقم «١٨»، وقبة الإيوان الشمالي للأثر المرقَّم برقم «٣١» الذي تبلغ تحميلته عشرة أمتار؛ فإنه يكاد يفقد كل مونته، والواجهة الشمالية للأثر رقم «٧١» فإنها قد تضرَّرت من ضغط القباب … وهناك أمثلة أخرى.

على أنه يمكن في كثير من الحالات أن يُكتفى ببضعة أكياس من الأسمنت لإصلاح ما عبثت به الأيامُ في بعض الآثار، كما يجب أن تُوضَع بعض الركائز الآن لتَحُول دون تجديد البناء في المستقبل، مما يتماشى مع مبادئ صيانة الآثار التاريخية، وإن المشاكل المالية والشرائط الفنية المطلوبة لصيانة هذه الآثار أمورٌ يجب ألَّا نهملها.

وبسبب حالة بعض الآثار يجب عليَّ أن ألحَّ لاتخاذ بعض الإجراءات السريعة.٨

هوامش

(١) نقصد بالرِّيازة كلمة Architecture.
(٢) كان المرحوم الدكتور البروفسور جان سوفاجه J. Sauvaget الذي أقام في سورية نيفًا وعشر سنوات عضوًا في المعهد الفرنسي بدمشق، قد هيَّأ هذا البحث وقدَّمه تقريرًا إلى مديرية الآثار في المفوضية العليا الفرنسية سنة ١٩٣١، ثم نشره في مجلة الدراسات الإسلامية الفرنسية بباريس في تلك السنة، ثم طبعه مستقلًّا في كتيب صغير نشرته مطبعة المستشرقين بباريس بعناية كوتنر.
(٣) هذا ما يزعمه سوفاجه، ونحن لا نوافقه عليه، فإنها ظلت كذلك لامعةً في عهد المرداسيين، تسير على نفس الخطة التي سارت عليها في عهد الحمدانيين. انظر مقدمة ديوان ابن أبي حصينة شاعر المرداسيين، الذي نشرناه بدمشق سنة ١٩٥٦.
(٤) من مقال لسوفاجه عن «ضريح صلاح الدين» نشره في مجلة الفنون الآسيوية Revue des arts Asiatiques سنة ١٩٣٠، ص١٧٤.
(٥) في الجزء الثاني من تاريخه «نهر الذهب في تاريخ حلب»، ص٤٤ وما بعدها.
(٦) كما أذكر اسم المحلة التي يقع فيها ذلك الأثر؛ ليسهل على المراجع.
(٧) هذا ما قاله الأستاذ سوفاجه في سنة ١٩٣١، أما في هذا الحين فقد قامت دار الآثار في المنطقة الشمالية بكثيرٍ من هذه الإصلاحات والترميمات، وأخلت ما يجب إخلاؤه، وسنذكر ذلك تفصيلًا حين الكلام على كل أثر.
(٨) يقول سوفاجه في تقريرٍ آخر له: بعد أن قدَّمت هذا التقرير إلى المراجع المختصة، زار كلٌّ من السيد ﻫ. سيريغ مدير مصلحة الآثار في المفوضية الفرنسية العليا، والسيد فر آنوس المهندس المعماري في تلك المصلحة، وكاتب هذه الأسطر، مدينةَ حلب وآثارها، وقد قدَّم السيد آنوس تقريرًا مفصلًا عما يجب اتخاذه من الإجراءات السريعة، بحسب الترتيب الآتي:
  • (١)

    الأثر رقم «١٨»: يجب إزالة البناء الذي أُحدِث على سطحه الشمالي، وبناء تخشيبة داخلية للرواق، وإقامة ركيزة للدعامة الشمالية.

  • (٢)

    الأثر رقم «٢٧»: يجب إعادة الحائط الشرقي للإيوان وإعادة دهان الرفراف.

  • (٣)

    الأثر رقم «٣١»: يجب إخلاؤه من السكان الذين احتلوه وإصلاح قبة الإيوان، وتخشيب الحيطان في الصحن الشمالي الغربي وإصلاح الرفاريف.

  • (٤)

    الأثر رقم «١٩»: يجب إصلاح الحرم، وتدعيم الحيطان التي تحمل القبة الرئيسية.

  • (٥)

    الأثر رقم «٤٠»: يجب الاهتمام بإصلاح المنارة وترميمها.

  • (٦)

    الأثر رقم «٤»: يجب وضع حديد لنجفات الأبواب العليا.

  • (٧)

    الأثر رقم «٣»: يجب وضع حديد لنجفة الباب العليا.

  • (٨)

    الأثر رقم «٩»: يجب تقوية حائط السور والأبراج.

  • (٩)

    الأثر رقم «١٧»: يجب إخلاء المحل من السكان، وتدعيم أساسات الباب، ووضع حديد للنجفة.

  • (١٠)

    الأثر رقم «٣٧»: يجب تخشيب النواحي المصابة، وإخلاؤه من السكان، وتبديل الأحجار المتهدمة وتخشيب الأعمدة، وإصلاح الدهان، وترميم الرفاريف، والترميم العام.

  • (١١)

    الأثر رقم «٢٦»: يجب إخلاؤه من السكان، وتخشيب الأعمدة، وإصلاح القباب، وترميم الرفاريف، وتعهُّده كله.

  • (١٢)

    الأثر رقم «١٦»: يجب ترميمه، وهدم المنارة، والحنفية.

  • (١٣)

    الأثر رقم «٤١»: يجب ترميمه.

  • (١٤)

    الأثر رقم «٦١»: يجب ترميمه وإصلاح الزريقة.

وهذا ما اقترحه المسيو سوفاجه على مصلحة الآثار في المفوضية العليا الفرنسية قبل أن تستقل البلاد وتخرج منها فرنسة، أما بعد عهد الاستقلال فقد قامت إصلاحات أكبر، وبخاصة في السنوات الأخيرة مما سنبينه وسيراه القارئ حين وصفنا لتلك الآثار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤