ما دونه الكتاب القدامى وأثبتته الكشوف عن عبادة الحيوان في مصر القديمة

تحدثنا فيما سبق عن الأصل المحتمل الذي حفز المصريين على عبادة الحيوانات بوجه عام، ولا نزاع في أن ما يظهره الإنسان من تقديس إلهي لكل أنواع الحيوانات تقريبًا سواء أكانت تلك الحيوانات مضرة أم كانت تُعْتَبَر خطرًا على حياته. وهذا الموضوع لا بد أنه كان دائمًا ذا أهمية عارمة جدًّا تثير شعور الجميع، وذلك بصرف النظر عما إذا كان هذا الرأي شخصيًّا أم جاء عن طريق التقليد بالنسبة لقدماء المصريين، ومن أجل ذلك وجدنا أن «هردوت» — وهو أبو التاريخ، ويعد أقدم مؤلف إغريقي وصلت إلينا كتاباته في هذا الموضوع — قد خصص مكانًا فسيحًا لموضوع عبادة الحيوانات عند قدماء المصريين. ولا بد أن من سبقه من المؤرخين الذين زاروا مصر أمثال «هيكانوس الميلزي»، يُضاف إلى ذلك سلسلة طويلة من المؤرخين الإغريق واللاتين والجغرافيين والذين كتبوا في التاريخ الطبعي، والفلسفة والشعر والأدب بوجه عام؛ هؤلاء جميعًا قد جاءت في كتاباتهم معلومات غزيرة عن عبادة الحيوانات. وأخيرًا جاء دور أصحاب التأليف من المسيحيين الذين يُعْرَفُونَ بكتَّاب الكنيسة. وهؤلاء قدموا لنا معلومات غريبة وطريفة أحيانًا عن عبادة الأوثان.

وعلى الرغم من أن «هردوت» قد ذكر لنا الكثير بإسهاب عن الحيوانات المقدسة التي كانت تعيش على ضفاف النيل؛ فإنه لم يشفع ما كتبه بحكم له عن عبادة الحيوانات. وكذلك كانت الحال مع الجغرافي «سترابون» الذي زار البلاد المصرية وكتب عنها الكثير؛ فإنه لم يُبْدِ أي رأي في عبادة الحيوانات. وأخيرًا نجد أن المؤرخ «ديدور الصقلي» قد سار على نهج سلفيه فلم يذكر أي رأي له عن عبادة الحيوانات أيضًا. ولكن لما كان هؤلاء الكتاب الثلاثة — «هردوت» و«استرابون» و«ديدور» — قد قدموا لنا رأيًا حسنًا عن معبودات المصريين وعاداتهم؛ فإنه قد يصبح لزامًا علينا أن نفرض أن آراءهم في عبادة الحيوانات كانت لا غبار عليها، وأنها كانت موضع احترام في نظرهم أو على الأقل في نظر «هردوت» فقد كان يشير إلى ذلك بشيء من التحفظ والرهبة. يُضاف إلى ذلك أن المؤرخ «بلوتارخ» قد اعتبر أن عبادة الحيوان لا بد قد جاءت عن تفكير فلسفي عميق، وعلى ذلك ينبغي علينا أن نعتقد أنه قد أخذ هذا الرأي من مصادر حسنة. ولكن في حين نجد أن مثل هذا الرأي قد أخذ به الكثير من الكتاب الآخرين الذين عاشوا في تلك الفترة، ونذكر من بينهم «بورفيروس»، فإنا نجد من جهة أخرى أن عددًا كبيرًا من الكتاب الوثنيين قد نظروا لعبادة الحيوانات عند قدماء المصريين نظرة تدل على أن المصريين قد ضلوا السبيل، ونذكر من بين هؤلاء الفيلسوف «سيسرو»١  Cecero الروماني فهو الذي يقول: «إن المصري يستحق على ذلك أن يكون موضع الاحتقار.» على أن أقسى اتهام اتهمه وثني للمصريين بسبب عبادتهم للحيوانات هو ما شنع به «جوفينال».٢
ومما لا جدال فيه أن عبادة الحيوانات عند قدماء المصريين كانت لها تأثير سيئ كريه عند اليهود والمسيحيين من بعدهم، ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان كل من اليهود والمسيحيين يعتقدون في وحدانية الله العلي العظيم، ومن أجل ذلك كانوا يرون أن تقمص روح الإله جسد حيوان من أخزى الأمور وأكثرها معرة وضلالًا. وقد أظهر قبلًا الكثير من كتاب اليهود سخف آراء المصريين لعبادتهم الحيوانات، وانهالوا عليهم بكل أنواع التهكم والسخرية. ونذكر هنا — على سبيل المثال — ما جاء على لسان «فيلو» اليهودي الإسكندري، فاستمع لما يقول:٣ «أي شيء يمكن أن يثير الضحك أكثر من هذه العبادة؟ وبطبيعة الحال لا بد أن الأجانب الذين كانوا يفدون على مصر للمرة الأولى كانوا يموتون من كثرة الضحك طالما لم يعوا في نفوسهم هذا الضلال … إلخ.»
وكذلك نقرأ مثل هذا الحكم القاسي على عبادة الحيوانات فيما تركه لنا كتَّاب الكنيسة المسيحية؛ فمن ذلك ما ذكره «أريستيدس»٤ إذ يقول: «لما كان المصريون على أية حال سواء وأقل بصيرة بين كل أمم الأرض، فإنهم سقطوا أكثر من أي أناس؛ وذلك أنهم لم يرضوا بتمثيل ديانة البرابرة أو ديانة الإغريق، بل اتخذوا بعض الحيوانات آلهة لهم … وبذلك خسروا كل شيء حتى أصبحوا مجانين ونجسين أكثر من أية أمة على ظهر الأرض.»

وأفظع من هذه الاتهامات السالفة ما حدثنا به أسقف قبرص «إبيفانس» الذي عاش في القرن الرابع بعد الميلاد فاستمع لما يقول: «لقد حاد المصريون بطريقة أسوأ، أكثر من سائر الأمم؛ وذلك عندما لم يقصروا شهواتهم على تقديس الجماد؛ بل تخطوا ذلك، واتخذوا معبودات لهم من الطيور والحيوانات ذوات الأربع وحيوانات البر والبحر، وحتى بعض الحيوانات المردة، وكان كل حيوان مقدسًا عندهم، ومن ثم عبدوه، وبهذه الطريقة عكسوا الترتيب الطبعي عندما اتخذوا الحيوانات معبودات لهم، ولذلك لم يخجلوا من عبادة الكلاب النابحة والغنم الثاغية، وأبو منجل آكل الديدان والحدأة والصقر والثعابين المردة.»

هذا، وقد أنحى «أريستاس»٥ باللائمة على قدماء المصريين بألفاظ غلاظ، ونقد لاذع لا يخرج عما ذكره «أريستيدس»؛ فقد قال ما معناه: «ماذا ينبغي للإنسان أن يقوله عن عمى المصريين عن الآراء الأخرى. فقد كانوا يضعون ثقتهم حتى في الحيوان؛ إذ كانوا يولون وجههم كثيرًا نحو الزواحف والحيوانات البرية، وكانوا لا يكتفون بعبادتها وتقديم القربان لها وهي حية؛ بل كانوا كذلك يعبدونها بعد مماتها.»

سنت كلمنت الإسكندري

ومن ألذع ما كُتِبَ في التهكم على ديانة قدماء المصريين ما كتبه «سنت كلمنت الإسكندري» عندما وصف لنا ديانة المصري جاره، فاستمع لما يقول:

بين (المصريين) تُحاط المعابد بالخمائل والمراعي المقدسة الممدودة ببوابات هائلة، وردهاتها محاطة بعدد من العمد يخطئها العد، وجدرانها تسطع بالرخام الأجنبي وباللوحات الملونة التي تنم عن أرفع فن؛ وقدس الأقداس فيها يضيء بالذهب والفضة والسام وبالأحجار الكريمة الكثيرة العدد والمختلفة الألوان التي أُحْضِرَتْ إليها من الهند وأثيوبيا، والمحراب الذي في هذا المعبد مغطى بستار مصنوع من الذهب، ولكن إذا ما مشيت خلف كل ذلك إلى أقصى جزء في حرم المعبد منتظرًا رؤية شيء يفوق كل ما رأيت، ثم صوبت النظر إلى الصورة التي تسكن المعبد فإنك ترى هناك كاهنًا مرتلًا أو أي كاهن آخر يرتل أنشودة نصر باللغة المصرية القديمة بنغمة فخمة، ثم يزيح إلى جانب جزءًا صغيرًا من ستارة كأنه على وشك أن يرينا الإله، ولكنه بدلًا من ذلك يجعلنا نتفجر بضحكة عالية؛ لأنه لا يوجد هناك إله، ولكن يُرَى قِطٌّ أو تمساح أو ثعبان خارجًا من جوف الأرض، أو بعض حيوان متوحش … والإله المصري يظهر أمامنا في صورة حيوان يتمرغ على غطاء من الأرجوان.

ومن جهة أخرى نجد بعض الكتاب المسيحيين قد أعطوا آراء وأحكامًا طيبة فيما يخص عبادة الحيوان عند المصريين القدامى. وهذه الطبقة من الكتاب هي التي سارت على نهج الكتاب الكلاسيين الذين كانوا يرون أن المصريين هم أحكم شعوب العالم وأكثرهم علمًا، وكان يُخيل إليهم أن عبادة الحيوانات لا يمكن أن تصور بأنها فكرة خاطئة كما لحظ ذلك المؤرخ «سمرمان»؛٦ إذ — على حسب رأيه — إن في ذلك حكمة دينية لمعرفة الإله الواحد الحقيقي، وقد اختفت تحت غطاء صورة مضت.
ولا نزاع في أن «هرودت» هو أقدم من كتب عن الديانة المصرية القديمة، ومع ذلك لم يقدم لنا أية معلومات عن عبادة الحيوانات؛ بل كثيرًا ما نجده يلتزم الصمت عندما تكون الحاجة ماسة لإبداء رأيه فيقول مثلًا: «ولكن إذا كان لزامًا عليَّ أن أقدم أسبابًا عن تقدها، فلا بد لي أن أنزل في تاريخي إلى المسائل الدينية، وهذا ما أتحاشى ذكره بقدر ما أستطيع.»٧ وقد تناول الكثير من الكتاب موضوع عبادة الحيوانات فذكروا آراء بعضها فلسفي وبعضها خرافي لا يتصوره العقل.

عبادة الحيوان في المقاطعات

إن المطلع على ما كتبه الإغريق والرومان في البحث عن الوصول إلى أصل عبادة الحيوان في مصر يجد أنهم قد أخفقوا في معرفة ذلك، كما أنهم لم يقفوا إلى معرفة السبب في أن الحيوانات التي كانت تُقَدَّسُ لم تُعْبَدْ في كل المقاطعات على السواء؛ بل كانت تختلف عبادتها في كثير من الأحيان من مقاطعة لأخرى. وفي الحق نجد أن هذه الظاهرة قد اهتم بها الكتاب الإغريق دائمًا؛ فقد حدثنا عنها «هيردوت» إذ يقول:٨

تجد عند بعض المصريين أن التماسيح كانت مقدسة، وعند بعضهم الآخر لم تكن مقدسة؛ إذ كانت تُعَامَل على أنها أعداء لهم. فهؤلاء الناس الذين يسكنون حوالي «طيبة» وبحيرة «موريس» يعتبرون التماسيح مقدسة جدًّا. وكان كل واحد يدرب تمساحًا فيعلمه حتى يصبح أليفًا تمامًا، وكانوا يضعون في أذنها أقراطًا من البلور والذهب، وأساور في مخالبها الأمامية، وكانوا يقدمون لها طعامًا مقدسًا معلومًا، وكانوا يعاملونها مدة حياتها بقدر المستطاع بالحسنى؛ وعندما تموت كانوا يحنطونها ويدفنونها في كهوف مقدسة. وعلى النقيض من ذلك نجد أن القوم الذين كانوا يسكنون الفنتين كانوا يأكلون لحومها، وعلى ذلك لم تكن في نظرهم مقدسة.

وقد حدثنا كذلك «هردوت»٩ عن فرس البحر، فقال إنه كان يُقَدَّسُ في منطقة «بامبرميس» Pampremis، ولكن لم يقدس في سائر مصر.

ويقول «بلوتارخ» — الذي عاش من ٤٦ إلى ١٢٠ ميلادية — أن الغنم كانت تعتبر — في كل مكان في مصر — مقدسة، وعلى ذلك أصبحت من الحيوانات التي حُرِّمَ إلحاق أي ضرر بها.

ومن الفقرات الهامة التي أتت فيما كتبه «سترابون» عن الغنم قوله: «إن غنم إقليم «طيبة» وإقليم «سايس» وكذلك ذئب مقاطعة أسيوط، وقرد «الأشمونين»، ونسناس «بابليون» (مصر العتيقة)، ونسر «طيبة»، وأسد «تل المقدام»، وتيس «منديس»، ونمس «تل أتريب»، وحيوانات أخرى في مدن أخرى؛ كانت تُقَدَّسُ على التوالي كل في مقاطعته.»

وقد تحدث عن هذه العبادات المختلفة المؤرخ «جوسيفوس»١٠ وغيره من الكتاب في المقاطعات المختلفة كل على حدتها.

ولدينا بطبيعة الحال كذلك فقرات عدة كالتي أوردناها فيما سبق نقلًا عن «هردوت» حيث نجد أن حيوانًا كان يُعْبَدُ في مقاطعة ويُنْبَذُ في أخرى.

ولحسن الحظ نجد أن اختلاف عبادة الحيوانات في كل مقاطعة على انفرادها قد ورد في الآثار التي كُشِفَ عنها أثناء أعمال الحفر في كل أنحاء القطر بصورة واضحة لا لبس فيها ولا إبهام.

وقد ذكرنا أسماء الآلهة التي مثلت أو تقمصها حيوانات في كل مقاطعة من مقاطعات الوجهين القبلي والبحري في كتاب أقسام مصر الجغرافية، وهذه الأسماء يرجع عهدها إلى الدولة الوسطى على حسب قائمة أسماء المقاطعات التي أوردها «سنوسرت الأول» على جدران معبده الصغير الذي عُثِرَ على أحجاره في البوابة الثالثة في الكرنك، وقد أقيم من جديد في معبد الكرنك.١١ ويلفت النظر هنا أنه على مر الدهور أي حتى نهاية العهد الروماني في أرض الكنانة؛ كان في كل من هذه المقاطعات التي كانت تحتوي عليها البلاد، والتي كان يختلف عددها باختلاف الأحوال السياسية؛ توجد عدة آلهة تُعْبَد في نفس المقاطعة جنبًا لجنب، فنجد أن كل مقاطعة وكل مدينة كبيرة لا تقتصر عبادتها على الحيوان الرئيسي المقدس الذي كان يتقمصه الإله؛ بل كانت بطبيعة الحال تقدس كذلك تلك الحيوانات التي كانت من نوع الحيوان الذي يتقمصه الإله. وقد حدث أن بعض الحيوانات مما يوجد بوجه عام في كل مصر كانت محترمة ومعني بأمرها، وينطبق ذلك مثلًا على البقرة التي كانت تعتبر أنها تتقمص الإلهة «حتحور»، وقد كانت مقدسة في صور مختلفة محلية في جهات مختلفة في أنحاء البلاد؛ وكذلك القطة فهي حيوان مثل «حتحور» فكانت تتمثل فيها الإلهة «باست» ربة بلدة «بوبسطة» القريبة من الزقازيق الحالية، والحيوان ابن آوى كان يُقَدَّسُ بوصفه يمثل الإله «أنوبيس»، وأخيرًا لدينا الطائر «أبيس» (أبو منجل) وكذلك الصقر وهما طائران من أشهر الآلهة المصرية، وأعني بذلك الإلهين «تحوت» إله العلم والمواقيت ثم «حور» إله الشمس، وكذلك ابن «أوزير» و«إزيس».
هذا، ويُلْحَظ أن هذه الحيوانات قد ذكرها الجغرافي «سترابون»١٢ باستثناء البقرة بوصفها حيوانات مقدسة، ولكنه أضاف إلى ما ذكرنا الثور والسمكة Lepidotus وسمكة أهناسية المدينة Oxyrhynchus.
على أن عدم التوافق في عبادة الحيوانات المقدسة في أنحاء القطر يرجع — كما يقول بعض الكتاب القدامى — إلى الأزمان العتيقة عندما كانت القبائل المختلفة تقف كل واحدة منها منفصلة عن الأخرى، وكان سكانها يعبدون حيوانهم الخاص بهم. وقد حدثت في خلال تلك المدة الطويلة التي جاءت قبل توحيد البلاد المنافسات والحروب، كما يحدثنا بذلك بعض المؤرخين الإغريق والرومان الذين أرادوا أن يخترعوا أسبابًا لاختلاف تلك العبادات في طول البلاد وعرضها. فمن ذلك ما ذكره المؤرخ «بلوتارخ»:١٣ «أنه في زمنه؛ أي في القرن الثاني بعد الميلاد قد اندلعت نار حرب بين أهالي البهنسا الواقعة في مديرية المنيا مركز بني مزار (وتقع في المقاطعة التاسعة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي) وبين أهالي مقاطعة أسيوط (المقاطعة الثالثة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي). وسبب ذلك: أن أهالي مقاطعة أسيوط أكلوا السمكة التي كانت تُعْبَدُ في البهنسا. وقد انتقم أهالي البهنسا لأنفسهم بأن قبضوا على كلاب أكلوها انتقامًا لأكل السمكة التي كانوا يعبدونها، ومن أجل ذلك نشبت الحرب بين الطرفين مما أدى إلى حدوث أضرار لكليهما، إلى أن تدخل الرومان وفصلوا بين المتحاربين.» وقد ذكر لنا الكاتب «جوفينال»١٤ مخاصمة كالسابقة حدثت بين مدينة «كوم أمبو» ومدينة «دندرة»، وقد اشتدت بينهما المخاصمة والأحقاد لدرجة أن أحد أهالي «كوم أمبو» قبض على واحد من الأعداء وأكل لحمه — وفي غالب الأحيان نجد أنه عندما يُضطهد حيوان مقاطعة بعينها كان يُكْتَفَى بقتله، كما يحدثنا بذلك الكاتب اليان١٥ بقوله: «إن سكان مدينة «قفط» قد انتقموا لأنفسهم من أهالي «دندرة» اللذين صلبوا الصقر معبودهم المحبب، وذلك باضطهادهم التمساح معبودهم المقدس.»
أما من حيث تقديس أنواع الحيوانات؛ فإن «هردوت» قد ذكر بحق أن المصريين قد اعتبروا كل ما عندهم من حيوانات مقدسًا بما في ذلك الحيوانات المستأنسة وغير المستأنسة، ولكنه ذكر لنا فقط خمسة عشر نوعًا.١٦ وذكر «سترابون» عشرة أنواع وحسب، في حين أن «ديدور» ذكر أحد عشر نوعًا. أما «بلوتارخ» فقد دون لنا سبعة عشر نوعًا. وأخيرًا ذكر «اليان» عشرين نوعًا. يُضَافُ إلى ذلك بعض حيوانات لم يَأْتِ ذكرها فيما كتبه هؤلاء الكتاب القدامى ولكن جاء ذكرها فيما كتبه بعض الكتاب المسيحيون.

وتدل الإحصاءات التي عُمِلَتْ عن أنواع الحيوانات في مجموعها على حسب ما جاء على لسان الكتاب الإغريق والرومان أنها كانت اثنين وثلاثين نوعًا. وهؤلاء الكتاب هم «هردوت» و«سترابون» و«بلوتارخ» و«اليان».

أما هذه الأنواع فهي: (١) القرد والبابون والقرد الأخضر. (٢) القنفد. (٣) القطة. (٤) الأسد. (٥) الفهد. (٦) الكلب. (٧) الذئب. (٨) النمس. (٩) الدب (وقد ذكره «هردوت»). (١٠) الأرنب. (١١) فرس البحر. (١٢) الثور والبقرة والعجل «أبيس» والثور «منيفيس» والثور «بوخيس». (١٣) الكبش. (١٤) التيس. (١٥) الوضحى. (١٦) الغزال. (١٧) النسر. (١٨) الصقر والباشق. (١٩) البومة. (٢٠) الغراب Corvus. والغرابCornix (٢١) الحمام. (٢٢) البجعة. (٢٣) الوطواط. (٢٤) أبو منجل. (٢٥) الطاووس. (٢٦) الإوز. (٢٧) التمساح. (٢٨) الثعبان بأنواعه. (٢٩) الضفادع. (٣٠) السمكة Latus والسمكة Lepidotos والسمكة Maotes والسمكة Oxyrhynchus والسمكة Physa والسمكة Aal. (٣١)الجعل (الجعران). (٣٢) الأفعى. (٣٣) ابن عرس. (٣٤) ثعلب الماء. والنوعان الأخيران لم يمكن تتبع عبادتهما، ومن المحتمل أن المقصود هنا بثعلب الماء هو نوع من النمس،١٧ والمقصود بالنمس هو القط المقدس …
ويدل ما جاء على الآثار وكذلك ما عُثِرَ عليه من موميات حيوانات أن عدد الحيوانات التي كانت تُقَدَّسُ عند قدماء المصريين لم يَنْتَهِ عند ما ذكره الكتاب القدامى؛ بل نجد فضلًا عن ذلك الفأر والوشق Lynx ومالك الحزين١٨ والسلحفاة، وكذلك نوع خاص من الضب والجندب١٩ (وهو ضرب من الجراد) فكلها كانت تُقَدَّسُ في بعض جهات البلاد المصرية.

الفنكس

وفضلًا عما ذُكِرَ، حدثنا الكتاب الإغريق والرومان عن طائر خرافي يُدْعَى «فنكس» (العقاب) كما حدثنا عن «سفنكس» (بولهول) وكانا يُعْبَدَان في صورتي تمثالين.

والطائر فنكس كما ذكره الإغريق والرومان هو طائر خرافي، ومن الجائز أنه الطائر «بنو» الذي جاء ذكره في المتون المصرية، وهو من فصيلة الطائر مالك الحزين وكان يُقَدَّسُ فعلًا، غير أنه لم يَأْتِ ذكره في عداد الحيوانات التي كانت تُعْبَدُ في مصر. وتدل شواهد الأحوال على أن هذا الطائر لم يكن ماردًا خرافيًّا بل كان طائرًا موجودًا فعلًا. وقد قص عنه كتاب الإغريق قصة خرافية، ولم يكن على حسب ما اقترحه «هردوت» نسرًا؛ بل كان الطائر مالك الحزين، والظاهر أنه في عهد مبكر كان قد اختلط أمره بالطائر «إبيس» ذي العرف الذي يرمز به للنور «خو» أو الروح المضيئة. وكان في الواقع يمثل روح إله الشمس «رع». وقد تحدثت عنه الأساطير التي جاءت متأخرة فقالت إنه وقف على قمة شجرة في «هليوبوليس» وغنى، في حين أن لهيبًا اندلع بجواره، وأشرقت الشمس من سماء الصبح، وعند الغروب صار هذا الطائر «أوزيرًا»، ودُفِنَتْ موميته في «هليوبوليس» ولكنها تُبْعَثُ ثانية إلى الحياة عند ظهور أول أشعة للشمس المشرقة. ومن أجل ذلك كان هذا الطائر يُعْتَبَر عند الكتاب المسيحيين رمزًا للبعث، وعلى هذا الزعم قص علينا الكاتب «سنت كلمنت» الروماني قصة هذا الطائر كما يأتي: كان يوجد طائر خاص يُدْعَى «فنكس»، وكان الوحيد من نوعه الذي يعمر خمسمائة سنة. وعندما كان يقرب وقت فنائه — وهو إلى الزوال لا بد صائر — كان يبني لنفسه عشًّا من العطور والمر والأفاويه الأخرى، وكان يدخله عندما يشعر بدنو أجله ويموت فيه. ولكن لما كان لحم هذا الطائر مصيره إلى التحلل فإنه كان يتولد منه دودة من نوع خاص تتغذى من عصارة الطائر الميت ويتولد لها ريش. وعندما كانت هذه الدودة تنمو وتكتسب قوة، كانت تحتل العش الذي فيه عظام والدها الذي تخلقت منه، ثم تحملها وتطير من بلاد العرب حتى تصل إلى مصر لتسكن في مدينة «هليوبوليس» وبعد ذلك تطير في وضح النهار على مرأى من كل الناس، وتضع هذه العظام على مائدة قربان الشمس. وبعد انتهاء هذه العملية تسارع راجعة إلى مسكنها السابق، وكان الكهنة بعد ذلك يتصفحون سجلات التاريخ؛ فيجدون أنها عادت بالضبط في السنة الخمسمائة.٢٠
وكذلك كان سفنكس (بولهول) بطبيعة الحال يُعَدُّ عند الإغريق حيوانًا خرافيًّا له جسم أسد ورأس إنسان، وكان يُعْتَبَرُ حارس الجبانة، وقد فصلنا القول فيه في كتاب خاص فليرجع إليه.٢١

وقبل أن نتحدث عن طبقات الحيوانات المقدسة يجدر بنا أن نضع قائمة عن كل من مقاطعات الوجه القبلي والوجه البحري، ونذكر فيها اسم المقاطعة والمدينة الرئيسية التي يُعْبَدُ فيها الحيوان، ثم اسم الإله الرئيسي، وأخيرًا نذكر الحيوان المقدس الذي كان يتقمصه أو يتمثل فيه هذا الإله. (راجع: مصر القديمة، الجزء الأول. حيث يوجد في آخر الكتاب قائمة مفصلة عن مقاطعات مصر ومعبوداتها بصورة مفصلة).

طبقات الحيوان المقدس

نجد في الحيوانات المصرية المقدسة في كل نوع منها ثلاثة ضروب أو طبقات، ويمكن الإنسان أن يسميها طبقات مميزة من حيث الرتبة، ولم تكن كل طبقة منها تتمتع بنفس المكانة التي تتمتع بها الطبقتان الأخريان؛ بل كانت تتمتع بميزة خاصة بها على حسب درجتها من التقديس. وقد تعرف على ذلك «هردوت»٢٢ فيما يخص طبقات التيوس أو الكباش؛ إذ يقول: «وعلى أية حال كان أهل «منديس» يقدمون احترامهم لكل التيوس، وبخاصة للذكور منها أكثر من الإناث (وكان راعي التيوس يصيبه شرف أكثر من غيره)؛ فكان التيس عند موته تُقَامُ له شعائر الحزن عامة.» وكذلك لاحظ «سترابون»٢٣ نفس الملحوظة فيما يخص الثور، فيقول: «إن كلًّا من الثورين «أبيس» و«منيفيس» كان يعتبر إلهًا، أما سائر الثيران الأخرى التي كانت توجد في أماكن كثيرة في أرض الدلتا فكانت تطعم، غير أنها لم تكن معتبرة آلهة، ولكن مع ذلك كانت مقدسة سواء أكانت ذكورًا أم إناثًا.» وقد فحص المؤرخ «فيدمان»٢٤ في مقال له طبقات الحيوانات المقدسة وقال إنها طبقتان، وعلى حسب فحصه يمكن أن نميز بين هاتين الطبقتين فيما يلي: أولًا: حيوانات تبقى حتى موتها ممثلًا فيها إله معين، وهذا الحيوان يعيش في المعبد، ولا يوجد في كل معبد إلا حيوان واحد من نفس النوع، وعلى ذلك فإن مثل هذه الحيوانات كانت تحترم احترامًا فائقًا بوصفها الحيوانات التي تتقمصها آلهة تأوي المعابد؛ وكان يسمى هذا الحيوان كذلك حيوان المعبد (أي الذي يسكن المعبد).

والطبقة الثانية: هي الحيوانات التي من فصيلة حيوان المعبد المؤله. وهذه الطبقة لا تتخذ آلهة؛ أي إنها لا يتقمصها إله، ولكن تعتبر مقدسة، ولا يصيبها من الناس سوء بوصفها محببة عند حيوان المعبد الذي تقمصه الإله.

ومما يطيب ذكره هنا أن الحيوان الذي كان يتقمصه الإله كان يُمَيَّزُ بطبيعة الحال بعلامات خاصة لا بد من وجودها فيه. وقد كتب عن هذه العلامات الكتاب الإغريق والرومان، وكذلك وجدنا هذه العلامات مذكورة في النقوش الأثرية؛ مثال ذلك ما جاء في لوحة منديس التي تحدثنا عنها مليًّا في الجزء الخامس عشر من هذه الموسوعة. وهذه العلامات على أية حال قد تحدث عنها الكتاب القدامى بتفصيل طويل ودقة بالغة. فقد ذكروا أكثر من تسع وعشرين علامة مقدسة للثور «أبيس». والمعلومات الخاصة بهذه العلامات كانت مدونة في كتب مقدسة محفوظة في مكتبة المعبد، والظاهر أنها كانت تحت إشراف طائفة خاصة من الكهنة، وهؤلاء هم الكتاب المقدسون. وكانت كل علامة في نظرهم تدل على معنى رمزي بالنسبة لمكان الإله في أماكن عبادة مختلفة قد تكون مرتبطة به أساطير مختلفة، ومن الجائز كذلك أنه كان لكل حيوان متقمص من نفس النوع في أماكن مختلفة على الأقل بعض علامات مميزة مختلفة. مثال ذلك أنه يمكن أن يكون لكبش معبد «طيبة» علامات غير العلامات التي كان يتميز بها كبش آمونيوم في سرت، أو أن بقرة «حتحور» المقدسة في «منف» كانت لها علامات أخرى غير التي كانت لبقرة «قوص»، أو أن «حور» هو الصقر المقدس صاحب «إدفو» كان له علامات مميزة غير علامات صقر «تانيس»، أو أن الإله «سبك» التمساح المقدس صاحب الفيوم كان له علامات غير علامات تمساح معبد آخر في مكان آخر يُعْبَدُ فيه التمساح. ولا نزاع في أن مثل هذه الاختلافات في العلامات لنفس حيوان المعبد على حسب تصور أهل البيئة المحلية التي كان يُعْبَدُ فيها هذا الحيوان المتقمص؛ كانت لا بد — بضرورة الحال في بعض الأحيان — قد شغلت بال كل الشعب عندما كان يُراد إيجاد حيوانات عدة للمعابد المختلفة من نفس النوع. وعلى الإنسان أن يفكر على سبيل المثال كم من كباش الإله «آمون» وكم من كباش الإله «خنوم»، وكم من بقرات الإلهة «حتحور»، وكم «أبيس» الإله «تحوت» (أبو منجل) وكم من تماسيح الإله «سبك»؛ كان لا بد من العناية بها والمحافظة عليها في المعابد العديدة التي كانت في أنحاء أرض الكنانة؟

والظاهر أن موضوع الولادة الخارقة للطبيعة لم يكن قاصرًا على الثور «أبيس» وغيره من العجول المقدسة؛ بل كانت أمرًا ضروريًّا للحيوانات الأخرى التي كانت تُعْبَدُ في المعبد. وقد كان الكشف عن حيوان معبد تتوافر فيه كل العلامات المقدسة من أصعب الأمور أحيانًا، ومن أجل ذلك كان الملك بطبيعة الحال يخصص جائزة مالية لمن يكشف عن الحيوان الذي فيه كل العلامات المقدسة التي لا بد منها. ولدينا برهان محس على ذلك؛ فقد خصص الملك «دارا» ملك الفرس مائة تالنتا لمن يجد عجل «أبيس» جديدًا، وهذا المبلغ الذي خصصه «دارا» لهذا الغرض يُعْتَبَرُ مبلغًا ضخمًا لم يُسْمَعْ بمنح مثله مكافأة لمثل هذا الغرض. غير أن سبب ذلك كان يرجع لأمر خاص؛ فقد كان ملك الفرس يريد بذلك أن يهدئ غضب الشعب الثائر على شطربته، والذي كان قد جاوز حد المألوف في تصرفاته، وعلى أية حال لم يصل إلينا فيما تركه ملوك مصر القدامى مثل هذه المكافأة. وإذ اتفق أن الحيوان الذي كانت فيه كل هذه العلامات قد تعرف عليه أهل الخبرة في هذا الموضوع عند أحد الأهالي سواء أكان هذا الحيوان ثورًا أم كبشًا أم إوزة؛ فإنه كان يُؤْخَذُ منه في الحال، ويكافأ مقابل ذلك مكافأة حسنة.

وعند العثور على الحيوان المطلوب كانت تقام الأفراح العظيمة التي كان يشترك فيها أحيانًا الملك وأسرته، وغالبًا كل رجال كهنة مصر، أو على الأقل كانوا يمثلون في الاحتفال بذلك. وكان حيوان المعبد المُكْتَشَف حديثًا يقاد إلى معبد سلفه، ويقدس هناك في احتفال بوصفه الروح العائشة أو حياة الإله المجددة. وفي حالة «أبيس» كان يُعْتَبَرُ نائبًا عن الإله «بتاح». ومن أجل ذلك كان الكشف عن حيوان معبد وظهوره على الأرض متقمصًا إلهًا يعتبر حادثًا سعيدًا للغاية يدل على التفاؤل الحسي للبلاد، وكان القوم يعبرون عن فرحهم وحسن تفاؤلهم بطرق عدة؛ فكانت تُنظم المواكب، ويأتي الحجاج من كل فج ترحيبًا بإشراق الإله الجديد، ثم تُقام له الولائم وتُنْصَب حفلات الرقص وتُقَرَّبُ له العطور، وتقام الأحفال والقربات، تُنْشَدُ المدائح وتشرب الجعة ويُحْتَسَى النبيذ، وتؤكل لحوم العجول والإوز المطهي، ويلعب بالصناجات وينفخ في الناي ويضرب على آلات الطرب؛ ويسود السرور وتنتشر الأفراح بسبب ولادة الإله الرفيع من جديد.

على أن الاحتفال بتقديس حيوان المعبد لم يكن عبارة عن مظهر من مظاهر الفخفخة والأبهة كما يحدث في الكنائس الآن؛ بل كان يعد عيدًا شعبيًّا. ويُلْحَظُ في الاحتفال بحيوان مثل الثور «أبيس» الذي كان يعتبر غاية في القداسة، وكذلك في الاحتفال بالعجل «منيفيس» أو العجل «بوخيس»؛ أن مصر كانت في مثل هذه المناسبة تكون في عيد من أول الفنتين حتى مصبات النيل. وبطبيعة الحال لم يكن يشترك — في مثل هذا العيد العظيم — المعابد التي كانت تدين بدين الإله «ست» (إله الشر)، ومن الجائز أن يكون ظهور كبش المعبد المقدس في «طيبة» أو كبش معبد «منديس» أقل في العظمة والأبهة بالنسبة للعجلين «أبيس» و«منيفيس»، ومن جهة أخرى نشاهد أن الاحتفال بالكشف عن تمساح معبد جديد تتوافر فيه الشروط اللازمة، في أي معبد مهما كان صغيرًا أو غير شهير في الفيوم؛ كان يُعْتَبَرُ يوم راحة أو يوم إجازة لفلاحي القرى المساكين.

ومن المعلوم أن نفس الإله يمكن أن يتقمص نوعين أو أكثر من الحيوانات؛ فتجد مثلًا أن الإله «تحوت» يتقمص الطائر أبو منجل ويتقمص قردًا أيضًا، والإله «حور» كان يتقمص صقرًا ويتقمص أسدًا، وكذلك كان يتقمص فأر السم. والإله «آمون رع» كان يتقمص الكبش والأسد والإوزة. ولكن مما يؤسف له جد الأسف أننا لسنا متأكدين مثلًا فيما إذا كان الإله «تحوت» يعبد في المعبد في مكانه الرئيسي بوصفه قردًا أو بوصفه الطائر أبو منجل، ونعلم كذلك على وجه التأكيد أن الإله «حور» في «تانيس» كان يتقمص أسدًا، ومع ذلك يظهر في نفس المكان متقمصًا صقرًا، ويُعْبَدُ هناك بهذه الصورة. وقد أبرز بدقة ومهارة الأثري المؤرخ «فيدمان» من محتويات نقش جاء على لوحة أن مهدي اللوحة وهو إسكافي كان يتعبد للإله «آمون رع» في أربع صور مختلفة؛ فقد تعبد إليه في صورة رجل وفي صورة إوزة وفي صورة كبشين.٢٥ ويمكن ذكر أمثلة كثيرة أخرى من هذا النوع، ومن ذلك يستطيع الإنسان أن يستنبط أن الإله في مصر يمكن أن يُقَدَّسَ في نفس المكان في مظاهر مختلفة، وفي كل حالة يكون هذا الإله له شخصيته الخاصة به، وفي الوقت نفسه يمكنه أن يتقمص صورة مختلفة، وبذلك يمكن الإنسان أن يتصور تمامًا أنه في معبد الإله «تحوت» يمكن هذا الإله أن يتقمص قردًا، وكذلك في استطاعته أن يتقمص الطائر أبو منجل في وقت واحد، ويحفظان في معبد بعينه بوصفهما الحيوانين اللذين يتقمصهما الإله «تحوت».

ومما يجدر ذكره هنا بوجه خاص أنه لم يكن يُعْبَدُ في المعبد الواحد إله واحد؛ بل كان لكل معبد ثالوث من الآلهة يعبد فيه، وهذا الثالوث هو ما يُعَبَّرُ عنه بالأسرة الإلهية، ويتألف من الأب (وهو الذي يتقمص الحيوان الأعظم في المعبد) والأم والابن. والثالوثات الأكثر شهرة ومكانة في مصر هي ثالوث «أوزير» و«إزيس» و«حور»، وثالوث «آمون» و«موت» و«خنسو»، وثالوث «بتاح» و«سخمت» و«نفرتم» في منف، وثالوث «سبك» و«حتحور» و«خنس»، وثالوث «إدفو» ويتألف من «حور» و«حتحور» و«أحي». وقد يكون الثالوث مؤلفًا من زوج وامرأتين مثل ثالوث الشلال، ويتألف من «خنوم» و«ستيت» و«عنقت». هذا، وقد ذكرنا ثالوثات أخرى في سياق الحديث عن المعابد المصرية في العهد المتأخر مثل ثالوثا معبد «كوم أمبو». ونجد أحيانًا في نفس المعبد عدة آلهة متجاورة وتُعْبَدُ كلها، وأحسن مثال على ذلك الآلهة التي كانت تعبد في معبد «سيتي الأول» بالعرابة المدفونة. فقد عُبِدَ هناك ثالوث «أوزير» بالإضافة للآلهة «بتاح» و«حور أختي» و«آمون» والملك «سيتي» الأول نفسه الذي أله نفسه.

وعلى الرغم من تعدد الآلهة في معبد واحد فإنه كان لزامًا أن يكون فيه إله واحد يتقمص الحيوان المقدس الرئيسي، وكانت الآلهة الأخرى في المعبد توضع تماثيلها في قوارب صغيرة، وكان الحيوان المتقمص يسير في موكب بعظمة وفخار، وكان تمثاله يُحْمَلُ على أكتاف الكهنة كذلك في قارب كما تحدثنا بذلك الآثار، أما الآلهة الأخرى التي في المعبد فكانت تسير في ركابه في الموكب.

وأعظم مكان مقدس في المعبد المصري هو الذي يوجد في نهاية المبنى، وكان المفروض أنه في هذه البقعة من المعبد يسكن الإله الأعظم الذي يتقمص الحيوان المقدس كما وصفه لنا «سنت كلمنت» فيما سبق. ومأوى الإله هذا كان يُسَمَّى قدس الأقداس.

ولقد كان من المفهوم تمامًا أن الحيوانات الصغيرة الحجم التي كان يتقمصها الإله الخاص لكل منها، وبخاصة التي كان يمكن أن تختبئ بسهولة أو تهرب مثل فأر السم أو الثعبان أو الضفدعة أو النمس؛ كانت حراستها صعبة جدًّا، ومن أجل ذلك كانت تُوضَع في أقفاص؛ أي نواويس مصنوعة من الخشب أو الحجر، ويُحَاطُ كل قفص بسياج مجهز بقضبان يمكن بوساطتها أن يصل الإنسان إلى الحيوان المتقمص، ويقدم له ما يريد من طعام وشراب، وفي الوقت نفسه يضمن عدم اختفائه.

أما الحيوانات الكبيرة الحجم التي كانت تتقمصها آلهة أو تمثل آلهة مثل الثور المقدس والكبش والتيس والغزال والأسد؛ فكانت — بطبيعة الحال — تُحْفَظُ في أماكن رحبة واسعة، وكان بعض هذه الأماكن يُعْمَلُ لها سياج فتحجز الحيوان عن الكهنة والشعب معًا؛ وذلك بسبب خطورة بعضها إذا ما اقترب الإنسان منها مثل التمساح والأسد. أما فيما يخص الطيور التي كانت تتقمصها آلهة فكانت بطبيعة الحال تُصْنَعُ لها أقفاص فسيحة يتخللها الهواء، وبذلك يمكن أن يسكنها الطائر في أمان وراحة.

وأما الأسماك المقدسة فكان يُعْمَلُ لها نواويس في هيئة أحواض تُمْلَأُ بالماء بطبيعة الحال. ومن المحتمل أن الناووسين الهائلين اللذين صنعهما الملك «أحمس الثاني» في «تمويس»، Thumuis من أعمال الدلتا٢٦ وكذلك الناووس الذي أقامه «نقطانب الأول» وأهداه لمعبد «صفط الحنة» كانت لمثل هذا الغرض.
كذلك ذكر «هردوت» ناووسًا هائلًا في معبد الإلهة «وازيت»،٢٧ وهو مصنوع من قطعة واحدة من الحجر، ويقول في وصفه: يوجد في داخل هذا الحرم معبد للإلهة «لاتونا» Latona مصنوع من حجر واحد في ارتفاعه وطوله، وكل جدار من جدرانه مماثل الواحد منها للآخر؛ وكل منها يبلغ طوله أربعين ذراعًا، أما السقف فقد وُضِعَ عليه حجر آخر له كرنيش عمقه أربعة أذرع. وقد تحدث كل من «لوكيان»٢٨ و«كلمنت»٢٩ و«سترابون»٣٠ و«سيلسوس»٣١ على التوالي عن حجرات المعابد.

وفضلًا عن ذلك نجد على الآثار أن حيوانات المعبد غالبًا ما تمثل في أقفاصها كما جاء في لوحة «بيعنخي» التي تحدثنا عنها في الجزء الحادي عشر من هذه الموسوعة. وتدل الظواهر على أنه كان هناك اهتمام خاص بالمسكن الذي كان يأوي فيه الحيوان المتقمص في المعبد، ولا أدل على ذلك من التمساح الذي كان يسكن في المعبد؛ فكان له حوض مملوء بالماء يسبح فيه، وكان يُعْمَلُ بالمثل — على نطاق أصغر — للضب (الورل) والضفادع والسلحفات؛ إذ اتفق أنها عُبِدَتْ في المعبد بوصفها حيوانات تتقمصها آلهة، ومن ثم كانت تعتبر أنها الآلهة الرئيسية في المعبد.

إطعام الحيوانات المقدسة

لقد كانت العناية بأمر هذه الحيوانات المقدسة لزامًا من حيث المأكل والمشرب؛ فكان يحتم ألا ينقصها شيء أبدًا من هذه الناحية، وقد تحدث إلينا في ذلك الكتاب القدامى، وسنكتفي هنا بما قصه علينا «ديدور»٣٢ في هذا الصدد، وهو حجة في ذلك؛ فقد عاصر تلك الأحداث. فيقول: كان يُقَدَّمُ للحيوانات المقدسة أثمن أطعمة. فكان القوم يمدونها دائمًا بالعصيدة المصنوعة من فطير الدقيق أو من القمح المقشور واللبن؛ هذا بالإضافة إلى كل أنواع الفطائر المصنوعة بالشهد، ومع هذه الأشياء كانت تُقدم لحوم الإوز المسلوق أو المشوي. أما الحيوانات آكلة اللحوم فكان يُقَدَّمُ لها لحم الصيد الذي كان يُطْهَى على أشكال منوعة. وكان يعنى بهذه الحيوانات بوجه خاص من حيث النظافة؛ فكانت تحضر لها الحمامات الساخنة، وتُعَطَّرُ بأغلى العطور وأثمنها، كما كانت تُبَخَّرُ بكل أنواع البخور، وكانت تقدم لها أسرة ثمينة لينة، كما كان يعتنى بها اعتناء عظيمًا لدرجة أنه كان يُقَدَّمُ ما يلزم لإشباع غريزتها الجنسية؛ ومن أجل ذلك كان يقدم لكل ذكر منها أنثى تعيش بجواره تسمى حظية، وكان يعنى بها عناية تامة من حيث الإنفاق عليها ورعاية شئونها من كل الوجوه.

الأموال التي كانت تُنْفَقُ على هذه الحيوانات

وكانت الأموال التي تنفق على هذه الحيوانات التي تُحْفَظُ في المعابد يأتي معظمها من دخل الأطيان التي كانت موقوفة على كل معبد من هذا الصنف.

ولدينا معلومات كثيرة عن الحقول التي كانت موقوفة على مثل هذه المعابد، ويُصْرَفُ من دخلها على مختلف أنواع هذه الحيوانات المقدسة، وبوجه خاص في العهد البطلمي الذي انتشرت فيه عبادة الحيوان بصورة تسترعي الأنظار. فلدينا من ذلك حقول محبوسة على القطط والصقور وأبو منجل في مقاطعة بلدة جبل السلسلة (بتيريس).٣٣ أضف إلى ذلك أنه قد ذُكِرَتْ مراعٍ خاصة بالإله «إبيس» (أبو منجل) في مقاطعة «إسنا».٣٤ وفضلًا عن ذلك كان الأهالي أنفسهم يقدمون هبات من عندهم، كما حدثنا بذلك «هردوت»؛٣٥ إذ يقول: «كان عندهم (يقصد المصريين) عادة خاصة بالحيوانات، وهي الآتية: كان يُعَيَّنُ مشرفون يتألفون من رجال ونساء لأجل إطعام كل نوع من الحيوان المقدس على حدته، وكان الابن يخلف والده في وظيفته. وكان سكان المدن يؤدون واجباتهم للمشرفين بالطريقة التالية: بعد تأدية واجبهم للإله الذي يمثله الحيوان، كانوا يحلقون رءوس أطفالهم أو نصف الرأس أو ثلثه، ثم يضعون الشعر في إحدى كفتَي الميزان، وفي الأخرى يضعون فضة، ومهما يكن مقدار الوزن من الفضة فإنهم كانوا يقدمونه للمشرف على الحيوان.» وقد روى لنا «ديدور» ذلك بصورة أخرى مماثلة فيقول: إنه بعد الشفاء من المرض كان المريض يوزن الشعر مقابل فضة (أو ذهب) ثم يُعْطَى النقد لخادم الحيوان المقدس. وكان يشتري به العلف اللازم للحيوان المقدس. ومن ثم نفهم أن الشعب لم يكن مجبرًا على دفع ضرائب في هذا الصدد؛ بل كان يقدم العطايا من تلقاء نفسه بصفة نذر أو هبة كما هي الحال في أيامنا هذه. على أن ملك البلاد لم يكن بطبيعة الحال بأقل حماسة وغيرة في تقديم الهبات لهذه الحيوانات، ولا أدل على ذلك مما ذكره «بطليموس الثالث» والملكة زوجه في اللوحة التي أقامها مجمع كهنة البلاد اعترافًا بالإنعامات التي بلغت من السخاء حدًّا بعيدًا، وهي تلك الهبات التي قدمها لكل من العجل «أبيس» والعجل «منيفيس» في مرسوم «كانوب» الذي تحدثنا عنه في الجزء الخامس عشر من هذه الموسوعة. يُضَافُ إلى ذلك ما قدمه الملك «بطليموس الثاني» من القربات والهبات العظيمة لتيس «منديس» في معبده ببلدة «منديس» وقد فصلنا القول في ذلك في الجزء ١٥ كذلك من هذه الموسوعة.

خدام الحيوانات المقدسة

كان يوجد بطبيعة الحال خدام يسهرون على راحة حيوانات المعابد المقدسة. وهؤلاء كان بعضهم مربين وبعضهم الآخر كهنة. وقد حدثنا «هردوت» عنهم فاستمع لقوله: «إن كل حيوان كان له حراس من الرجال والنساء على السواء من الشعب المصري، وكان الولد يرث والده في هذه المهنة.»٣٦ وكذلك ذكر لنا «سترابون»٣٧ أن التمساح المقدس كان له خدم في مدينة الفيوم يقدمون له العلف. وكذلك نجد أن خدمة الحيوانات المقدسة وكهنتها قد جاء ذكرهم على الآثار التي كشف عنها. فكان خادم الحيوان يُسَمَّى حارسه، في حين أن الخادمة الأنثى كانت تُدْعَى مربية، وكانت وظيفة كل منهما محترمة؛ ومن أجل ذلك نفهم على حسب ما ذكره «ديدور»٣٨ أنهم كانوا يحملون شارات خاصة بهم، كما كانوا يُحَيَّوْنَ بكل تجلة ورهبة. وقد جاء ذكر هؤلاء الحراس في الأوراق البردية.٣٩ هذا، وقد جاء ذكر طبقة الكهنة الذين يقومون بخدمة الحيوان المقدس على بطاقة ومومية محفوظة الآن بمتحف «ستراسبورج». فمن هؤلاء الكهنة من يُطْلَقُ عليه لفظة «باستوفوروس» Pastophoros وهو ما يقابل عندنا الحانوتي أو المتعهد، وهو الذي كان يقوم بعمل كل الترتيبات اللازمة للتحنيط والدفن. وفضلًا عن ذلك ذكر لنا «اليان» Aelian طبقة٤٠ الكهنة أصحاب المنزلة العالية، وهؤلاء هم الذين كان يطلق عليهم لقب «الكتاب المقدسون»، وكانت وظيفتهم فحص العلامات الخاصة التي كان لا بد من وجودها في الحيوان الذي كان سيخلف حيوان المعبد المقدس الذي رفع إلى السماء، ولدينا مثال قيم في هذا الصدد جاء ذكره على لوحة «منديس» التي فحصنا محتوياتها في بداية الجزء السالف من هذه الموسوعة.
وعلى أية حال فإن ما ذُكِرَ هنا من كهنة وخدم لم يستوعب بعد أنواع الخدم الذين كانوا يقومون على راحة حيوانات المعبد، ومن أجل ذلك ينبغي علينا أن نفرض وجود عدد كبير من الكهنة كان يقوم بحفل تقمص الإله العظيم لحيوان المعبد. ولدينا متن بالهيروغليفية نشره الأستاذ «سبيجلبرج»٤١ وهذا المتن يشير إلى موضوع دفن البقرة المقدسة «حسات» ويعدد لنا فيه أنواع الكهنة الذين اشتركوا في دفن هذه البقرة المقدسة، وهم:
  • (١)

    الكاهن «محى».

  • (٢)

    الكاهن «سمن-حات».

  • (٣)

    الكاهن خادم الإله.

  • (٤)

    الكاهن والد الإله.

  • (٥)

    كاهن الساعة.

  • (٦)

    الكاهن كاتب الإله.

ويقول المتن إن هؤلاء الكهنة كانوا يعنون بأمر دفنها كما هو مدون في الكتب.

وعلى أية حال سنتحدث فيما بعد عن طائفة الكهنة الخاصين بدفن الحيوانات المقدسة وعبادتها بعد موتها.

تقديس الحيوانات المتقمصة

كان الحيوان الذي تتقمصه روح الإله يتمتع بطبيعة الحال باحترام إلهي من الكهنة والشعب على السواء؛ فكثيرًا ما نرى على الآثار كهنة يتعبدون أمام الحيوان المقدس واقفين أو راكعين أو منبطحين على الأرض، كما نرى كذلك هؤلاء الكهنة وهم يصبون قربات النبيذ ويحضرون القربات. وكان عليهم بوجه عام أن يقوموا بالخدمات المقدسة اللازمة كما كان عليهم أن يقوموا بمثل هذه الخدمات لتماثيل الآلهة الصغيرة التي كانت توضع في قوارب، وغالبًا ما كان الملك يمثل على لوحات تذكارية مهداة للآلهة بوصفه كاهنًا أمام الحيوان المؤله. وكثيرًا ما نشاهد الحيوان المقدس ممثلًا على لوحة المتوفى حيث نرى الأخير يتعبد إليه، ويقدم له القربات، ويحضر له النبيذ؛ وكذلك يُلْحَظُ أن نماذج الحيوانات المقدسة العديدة التي عُمِلَتْ بأحجام مختلفة وبإتقان فائق كانت توضع مع الحيوان المتوفى بمثابة نذر، وقد بقي لنا بعضها ذُكِرَتْ في قوائم سجلات المعبد كما وُجِدَتْ مع الحيوان المتوفى. ولدينا تماثيل صغيرة للعجل «أبيس» وكذلك وصلت إلينا صور للأسد المقدس. هذا، وقد وُجِدَتْ مع هذه التماثيل لوحات منذورة نُقِشَتْ عليها صلوات وأناشيد للحيوان المؤله.

ويدل ما لدينا من معلومات على أن عددًا عظيمًا من الناس كانوا يتمتعون برؤية الحيوان المقدس القاطن في المعبد دون أي شك، وبخاصة لأن هذه الحيوانات كانت تُعَدُّ آلهة تقدم لها عطايا الوحي الذي كان يوحي به هذا الإله للناس، ومن أجل ذلك جاء فيما دونه الكتاب القدامى ما هو خاص بالعجل «أبيس» والأسد. فكانت الإشارة التي يومئ بها حيوان المعبد بمثابة وحي لا بد أن تُدَوَّنَ وتُتَرْجَمَ،٤٢ وكانت هذه هي الخاصية التي يمتاز بها حيوان المعبد المقدس، فقد كان له تأثير عظيم عند عظماء القوم ورجال العلم والأمراء لدرجة أنهم كانوا يسعون لزيارته، ويعدون مثل هذه الزيارة شرفًا لهم.
وفي ظل هذه الحقيقة ينبغي علينا أن نعترف بأن باب حيوان المعبد المؤله كان مفتوحًا للأتقياء والمخلصين في عبادته، ومن أجل ذلك كانوا يسعون طلبًا للتقرب إليه وعبادته والتماس العون منه، وعلى ذلك فإن ما قاله «بورفيروس»٤٣ أن المعابد في مصر كانت مغلقة في وجه عامة الشعب إلا في أيام الأعياد وفي مواقيت الولائم الشعبية؛ قول مبالغ فيه. حقًّا لم يكن المعبد مفتوحًا لكل من هب ودب؛ بل كانت هناك فئات كثيرة مباحٌ لها دخول المعبد مثل أولئك الذين كانوا يسعون للغسل أو الذين يريدون أن يتطهروا بالماء. ومن جهة أخرى كان دخول المعبد يحرم على أولئك الأجانب الذين كانت تحوم حولهم الشبهات، وقد توجد أحيانًا أسباب قوية تحرم الزيارة، يدل على ذلك البلاغ الذي جاء فيه ذكر سرقة تمثال للإله «أنوبيس» المصنوع من الذهب من أحد المعابد.٤٤ وعلى أية حال يظهر أن موضوع تحريم دخول المعابد على الأجانب كان السبب في خلق الأسطورة القائلة أن المعبد محرم دخوله على عامة الشعب.

خروج الحيوان المقدس من حظيرته في المعبد

تحدثنا الآثار الباقية عن أن حيوان المعبد كان أحيانًا يغادر مقره في المعبد، ويسير في موكب بين كهنته والأتقياء من أتباعه المخلصين. فقد كان الحيوان المقدس الذي يتقمص روح إله المعبد يخرج لزيارة آلهة أخرى مثله في معابدها؛ فمن ذلك الزيارة السنوية التي كانت تقوم بها البقرة «حتحور» صاحبة «دندرة» للإله «حور بحدتي» زوجها وإله «إدفو» الأعظم، وقد تحدثنا عن هذه الزيارة في الجزء السالف.

وفاة الحيوان المقدس

كان حيوان المعبد المقدس يعيش عيشة ناعمة؛ إذ كانت تُبْذَلُ في خدمته كل عناية وصون، فكانت تُقَدَّمُ له أرفع مراسيم الاحترام والإجلال حتى تحضره الوفاة الطبيعية. وقد كان المفروض أن الثور «أبيس» — الذي كان احترامه وتقديسه عظيمًا لدرجة كبيرة جدًّا — لا يتعدى عمره الخامسة والعشرين، ولذلك قيل إن الكهنة كانوا يذبحونه إذا جاوز هذا السن، غير أن البيانات التي لدينا قد أظهرت أن هذا القول مختلق. ومن جهة أخرى نجد على حسب ما أورده «بلوتارخ» من معلومات يُعْتَمَدُ عليها إلى حد ما، أن حيوان المعبد المقدس كان يُذْبَحُ على ما يظهر. فقد جاء في الفصل الثالث والسبعين من كتابه عن «أوزير» و«إزيس» ما يأتي: عندما تسري روح «تيفون» (= أي روح «ست» إله الشر) في هذا الحيوان فإنه يظهر — كما تدل الأسطورة — أن كل طبيعة دنسة حيوانية تؤلف جزءًا من هذه الروح الشريرة، ولكن لأجل تهدئة هذه الحالة وإصلاحها فإن كل حيوان كان يهدأ بالعبادة، ولكن إذا ثار الحيوان بقوة وبصورة مزعجة، وذلك بسبب مرض مهلك أو بسبب مصيبة عامة خارقة لحد المألوف؛ فإنه كان لزامًا على الكهنة أن يقودوا هذا الحيوان المؤله أثناء الليل الحالك الظلمة سرًّا، ويخيفونه أولًا بالتهديد لأجل أن يوقف هذه الكارثة الجماعية، وبعد ذلك ينذرونه ويذبحونه بمثابة عقاب للروح الشريرة التي تسكنه، أو بمثابة تكفير عن شر مستطير. وقد ذكر «مانيتون» أنه في مدينة «الكاب» قد أُحْرِقَ رجال بسبب أنهم كانوا يدعون شياطين، وبعد حرقهم ذُرِيَ الرماد المتخلف من حرقهم في مهب كل الرياح. وعلى أية حال كان يحدث ذلك علنًا في وقت محدد في أيام الكلب (وهو من يوم ٣ يوليو حتى يوم ١١ أغسطس عندما كان يطلع نجم الكلب ويغيب مع الشمس).

ولكن القربات السرية من الحيوان المقدس، وهي التي كان يشرع في عملها في وقت غير محدد قد بقيت خفية بالنسبة للجم الغفير من الناس، اللهم إلا عند دفن «أبيس» فإن بعضها كان يبين ويلقى به معه في حفرة القبر. وكان القوم يعتقدون أنه بمثل هذا العمل يحيق بالشيطان الضرر، ويذهب عنه سروره؛ غير أن هذا الكلام فيه شك. وقد تحدث عنه الأثري «هوبفنر»٤٥ وقد ختم كلامه بقوله: إن ذبح الحيوان المتقمص الساكن في المعبد غير ممكن بالمرة. وسنتحدث عن هذا الموضوع فيما بعد عند الكلام على العجل «أبيس».

حزن الشعب على موت حيوان مقدس

وكانت العادة المتبعة عند موت حيوان المعبد الذي يتقمصه الإله الأكبر في نفس المعبد أن يعمَّ الحزن أنحاء المقاطعة. أما عند وفاة العجل «أبيس» أو العجل «منيفيس» فكانت كل البلاد تعلن الحداد عليه مدة سبعين يومًا يُعتنى في خلالها بتحنيطه ودفنه بكل مظاهر التجلة والأبهة والفخار. وعلى أية حال كان يُبْحَثُ في خلال تلك المدة عن خلف له، وفي معظم الأحيان كان يُعْثَرُ على مثيله؛ وعلى ذلك فإنه على أثر دفن الثور المتوفى كان يُقَامُ عيد يُدْعَى عيد «الظهور» أي ظهور الحيوان الجديد الذي كان ينصب في المعبد. وإذا حدث أن العجل الذي يحتوي على كل العلامات اللازمة في مدة السبعين يومًا لم يُعْثَرْ عليه فإن الحزن كان يمتد أجله على الأقل في منطقة المعبد بين الكهنة. وقد وصلت إلينا بعض تقارير عن كيفية إظهار الحزن على الحيوان الراحل، وكان أبرز علامات لذلك هي صوم القوم وحلق شعورهم. وكان من الضروري حفظ جسم حيوان المعبد المقدس؛ وذلك لأن حياة هذا الحيوان في عالم الآخرة تتوقف على بقاء قرينه (كا = الروح) الذي كان لا يمكن أن تبقى إلا إذا كان الجسم سليمًا، ومن ثم كان تحنيط الجسم أمرًا محتمًا. وتفسير ذلك أن المصريين كانوا يعتقدون أنه ما دام الجسم محفوظًا تمامًا فإنه يكون في استطاعة القرين (كا) أن تأخذ من القربان الذي يُقَدَّمُ للمتوفى، وتوصله إلى جسمه أو موميته ما دامت سليمة في القبر. ونفهم من ذلك أن ما كان يُتبَع في تحنيط جسم الإنسان وتقديم القربات له كان يتبع مع الحيوان المقدس.

تحنيط الحيوان المقدس

ويحدثنا المؤرخ «ديدور الصقلي»٤٦ عن تحنيط الحيوان المقدس فيقول: إن الجسم كان يُحْفَظُ بحقنه بزيت خشب الأرز، وهو نوع من التربنتينا، وبواسطته لا يستخرج الإنسان أمعاء الحيوان. وهذه الطريقة تقابلها الطريقة الثانية للتحنيط التي ذكرها «هردوت»٤٧ وفيها يقول: وبعد أن يملأوا حقنهم بالزيت المستخرج من خشب الأرز يملئون أحشاء الجثة دون إحداث أي قطع فيها أو استخراج الأمعاء؛ ولكن كانوا يحقنونها في الدبر؛ وبعد أن يمنعوا الحقنة من التسرب كانوا يغمسون الجسم في مادة النطرون لمدة أيام معدودات، وفي اليوم الأخير من هذه المدة المحددة كانوا يتركون الزيت المحقون يخرج من الدبر، وكان له مفعول عظيم لدرجة أنه كان يجعل الأمعاء تطرد إلى الخارج كما يجعل الأحشاء في حالة تحلل.
والنطرون بطبيعته يحلل اللحم، ولا يبقى شيء من الجسم إلا الجلد والعظام. وبعد إتمام ذلك كانوا يعيدون الجثة دون إجراء أية عملية أخرى أبدًا فيها. وهذه الملحوظات كلها صحيحة؛ وذلك لأن زيت خشب الأرز لا يذيب الأحشاء كلية، ولكن يعمل على عدم تعفن الجثة التي كانت كذلك تباد بوساطة النطرون. ويُلْحَظُ أن الصديد الذي كان يخرج من الجثة مدة السبعين يومًا لم يكن هو زيت خشب الأرز؛ بل هو المادة المتحللة من الأحشاء التي كانت قد ذابت هناك، ولم يكن في مقدرة الزيت أن يقذف بها إلى الخارج. وهذه الطريقة الثانية للتحنيط التي ذكرها «هردوت» كان ثمنها على حسب تقدير «ديدور» عشرين مينات (المنات = أربعة جنيهات). وهذا يقابل تكاليف تحنيط جسم آدمي. وتدل الموميات الكثيرة العدد جدًّا التي كُشِفَ عنها من موميات الحيوانات المقدسة من كل صنف من أول العجل «أبيس» حتى فأر البحر؛ على أنها كانت على درجات مختلفة من التحنيط.٤٨ وقد كان ذلك يتوقف على مكانة الحيوان، وعلى ثراء المعبد الذي يأوي فيه، وكذلك على عظمة هذا المعبد، وعلى مقدار العناية بتحنيطه. ويُلْحَظ أن الموميات التي كانت قد حُفِظَتْ حفظًا ممتازًا، ونخص من بين هذه موميات القطط؛ يمكن الإنسان أن يسلم بأنها كانت ضمن حيوانات المعبد، وهذه كانت أحيانًا أو في غالب الأحيان تُحَنَّطُ تحنيطًا من الدرجة الأولى، وهي التي على حسب تقدير «ديدور» إذا ما قُرِنَتْ بتحنيط الإنسان لا تقل تكاليفها عن تالنتا من الفضة؛ أي حوالي ٢٣٥ جنيهًا.٤٩
وكان من المفهوم أحيانًا أن إمكانيات المعبد لم تكن كافية لتغطية مصاريف هذا النوع الباهظ الثمن من التحنيط؛ ومن أجل ذلك كان يضطر رجال الدين إلى البحث عن المال اللازم لتغطية هذه المصاريف من أية جهة كانت. فكانوا يلجئون في ذلك أولًا إلى كرم الأهالي، وقد حدثنا في ذلك المؤرخ «بلوتارخ»٥٠ فاستمع إلى ما جاء فيه: إن كل سكان مصر جميعًا كانوا يتبرعون لدفن الحيوانات المقدسة بمبالغ محددة باستثناء سكان «طيبة». وعلى الرغم من منطوق عبارة «بلوتارخ» فإن الإنسان لا يمكنه أن يفكر في أنه كانت تُفْرَضُ ضرائب لجمع الأموال اللازمة؛ بل كانت تُعْتَبَرُ بمثابة هبات يدفعها ثراة القوم. وهذا الرأي قد أكده ما جاء في بردية محفوظة بمتحف «جنيفيا» ويرجع تاريخها إلى العهد الروماني في مصر، ويذكر متنها أن جماعة من الكهنة وعظماء القوم في «منف» قاموا بمناسبة موت عجل «أبيس» بتوريد كل ما يلزم لأجل الاحتفال بدفن العجل «أبيس»، وذلك بجمع المال اللازم لهذا الغرض.
ولا نزاع في أن هذه البردية تقدم لنا في الوقت نفسه البرهان على أن مثل هذه الهبات كانت تقدم عينًا، وكذلك تبرهن على أن الكهنة أنفسهم كانوا يشتركون في تقديمها؛ فقد اشتملت هذه الورقة على مستند بعشرة أذرع من الكتان الملكي قُدِّمَتْ لمعبد الإله «سبك».٥١ هذا، وقد وجدنا ما يماثل ذلك في بردية عُثِرَ عليها في «أم البرجات»، وفحواها أن رئيس الكهنة في معبد «آتوم» بمدينة «هليوبوليس»٥٢ قد صدق على تسلم عشرين ذراعًا من الكتان الجميل لأجل تحنيط ثور «منيفيس»، من فرد يُدْعَى «مارون» Maron بن «باكبكيس» Pakebkis ويُدعى كذلك باسم «سوزيموس» Zosimis. وكان كاهن المعبد الفاخر للآلهة في قرية «تبتونيس» Tebtunis في مقاطعة «أرسنوي». والظاهر أن توريد كتان الموميات كان ميزة اختص بها معبد التمساح؛ وذلك لأن الإله «أوزير» كان ذات يوم قد كفن في لفائف حمراء كان قد صنعها له الإله الذي يتقمص التمساح٥٣ (= الإله سبك). وكذلك كان الملك في عهد البطالمة يسهم في تجهيز الحيوان المقدس بعد الموت كما يدل على ذلك ما حدثنا به الكتاب القدامى، وكذلك الآثار التي من عهد كل من «بطليموس» الرابع والخامس، وبخاصة ما جاء في نقوش مرسوم «حجر رشيد» الذي تحدثنا عنه من قبل.
وكان يُعَيَّنُ — لتحنيط الحيوان المقدس وتجهيزه للدفن — كهنة خاصون كما جاء ذكر ذلك في بعض الأوراق البردية.٥٤ وقد جاء ذكر محنطين خاصين بالقردة والقطط وأولاد آوى والبقر والصقور والثعابين وغيرها من الحيوانات المقدسة. وهؤلاء الكهنة كانوا تابعين لجمعيات، وكان لكل جمعية قانونها الخاص، وهؤلاء الكهنة كانوا من الطبقة الدنيا من الكهنة، ويعملون موظفين في جبانة الحيوانات المقدسة، كما كانوا بطبيعة الحال يعملون في جبانة العجل «أبيس» المعروفة باسم السرابيوم.

ومما تجدر ملاحظته هنا أن جبانة الحيوانات المقدسة كانت تتألف من مدافن منفردة يُدْفَنُ في كل الحيوان الرئيسي الذي كان يقدس في المعبد ويسكن فيه. وكانت هذه الجبانة تحتوي على كهوف جماعية تدفن فيها الحيوانات المقدسة التي من نوع الحيوان المقدس الرئيسي. ولا نزاع في أن الحيوان المؤله — الذي كان يعتنى به في كل حالة من حيث التحنيط والتجهيز؛ كان يثوي غالبًا تحت مقصورة صغيرة تقام فوق قبره المحفور في جوف الأرض، وهذه المقصورة كانت مخصصة لعبادته؛ فكانت تزدان بالنذور التي كان يقدمها الصالحون وأهل التقوى، هذا فضلًا عما كان يقدم له من قربات، ويُقام له من صلوات. وأبرز مقاصير من هذا النوع معروفة لنا هي مقاصير العجل «أبيس» في سقارة. وقد تحدثنا عنها في أنحاء مختلفة في هذه الموسوعة منذ بداية إقامتها في هذه البقعة المقدسة.

الأشياء التي كانت تُدْفَنُ مع الحيوان المقدس

لما كان حيوان المعبد المقدس يعتبر في نظر المصري القديم — بعد موته — مثل الإله «أوزير»، إذ كان تُقَامُ له شعائر كالتي كانت تقام لأي مصري من علية القوم بعد وفاته؛ فقد كان الأخير بدوره يعتبر «أوزير» في عالم الآخرة، وذلك منذ ظهور الديموقراطية في عالم الآخرة بعد الثورة الاجتماعية التي اندلع لهيبها في العهد المتوسط الأول من تاريخ أرض الكنانة؛ أي بعد سقوط الدولة القديمة. وتدل كل الظواهر على أن العجل «أبيس» كانت تقام له كل المراسيم التي كانت تقام لعظيم من علية القوم؛ فكانت توضع في قبره كل الأدوات التي كانت تلزم له في عالم الآخرة مثل التماثيل المحيبة وغيرها من التمائم، كما كان يُعْمَلُ له حفل فتح الفم. وسنتحدث عن ذلك فيما بعد.

أما الحيوانات التي كانت من نوعه أو بعبارة أخرى من فصيلة الحيوان الإله المقدس في داخل المعبد فقد كانت تُعْمَلُ لها مثل هذه الشعائر، ولكن بدرجة أقل؛ لأنها لم تكن حيوانات تقمصتها آلهة مثل إله المعبد المقدس؛ يُضاف إلى ذلك وقبل كل شيء أن الإله الذي يُعبد في المعبد كان قد تجسد في واحد منها، ومن أجل ذلك كان يُعنى بهذه الحيوانات، كما إنه كان محرمًا ذبحها، ولا تُقدم لحومها قربانًا، ومن أجل ذلك أيضًا كان عقاب من يتعدى على واحد منها هو الموت.

ومن المؤكد أنه فيما يتعلق بالحيوانات التي كانت من نوع حيوان المقاطعة الرئيسي؛ كانت التشديدات للمحافظة عليها كبيرة، غير أنه كان يُكتفى أحيانًا بتوقيع غرامة على من يلحق بها أضرارًا وحسب. وإذا حدث أن ذُبح حيوان من هذه الحيوانات المقدسة بسبب وقوع كارثة عامة أو لأي سبب ديني، فإن ذلك يكون داعيًا لإثارة غضب الحيوان الإله بطبيعة الحال، ومن أجل ذلك كان على المرء أن يسعى لإصلاح مثل هذه الخطيئة أو الإثم، إما بدفن الحيوان المجني عليه بعناية، أو بتقديم ذبيحة بمثابة قربان له (راجع قصة الأخوين في هذا الصدد في كتاب الأدب المصري القديم ص٩١–٩٩). ففي الحالة الأولى كان من المستطاع بوجه خاص فيما يتعلق بالحيوانات التي من النوع الكبير الذي يقدس في المعبد مثل التماسيح أو الثعابين؛ أن يطبق عليها ذلك، فنرى مثلًا في موميات التماسيح التي لا حصر لها أن التي حُنطت منها هي التي كانت قد اصْطِيدَت، غير أن هذا الرأي يعارضه بعض الباحثين. والرأي الذي أجمع عليه الكتاب القدامى هو أنه لم تحدث أبدًا مطاردة للتماسيح التي من فصيلة التمساح المتقمص، يُضاف إلى ذلك أن لحم هذا الحيوان المقدس كان محرمًا.٥٥

وخلافًا لهذه العناية السالفة الذكر فإن الإنسان بوجه عام لم يكن يهتم كثيرًا بهذه الحيوانات المقدسة؛ إذ لم يحسب حساب ما كان يصيبها من أذى على يد الإنسان من أخطار أو من المقاطعات المعادية، أو من الحيوانات الأخرى، أو من العوامل الطبيعية مثل الفيضان أو النار؛ وذلك لأنه كان لزامًا أن تُحْمَى من الأذى، يُضاف إلى ذلك المحافظة عليها في مواسم القحط التي كانت تنتاب البلاد من وقت لآخر. وفي الأحوال المواتية كانت أنواع الحيوانات المقدسة المعتنى بأمرها لا بد أن تتكاثر، وعلى ذلك كانت أرض مصر المنبسطة والقرى وحتى المدن تزخر بأعداد كثيرة منها، وبخاصة القطط والبقر والأغنام والحيوانات البرية والنسور والصقور وأبو منجل … وغيرها من الحيوانات والطيور. هذا، ولم تكن مصر مغمورة كثيرًا بالحيوانات؛ ويرجع السبب في ذلك إلى الفيضان السنوي الذي كان يقضي على الكثير منها فيطغى عليها. يضاف إلى ذلك العداوة التي كانت بين أنواع الحيوانات، وأخيرًا التناقض الذي كان يُشَاهَد في تقديس الحيوانات في المقاطعات المختلفة.

والعلاقات التي كانت بين الحيوان المؤله والحيوان المقدس يمكن الإنسان أن يتصورها كما يتصور ملكًا على رأس مملكة. فالحيوان الإله هو ملك نوعه؛ إذ كان هو الذي يهتم بحيوانات نوعه ويحميها، وكان هو الذي يأخذ لها بالثأر عند الحاجة، وهذا الانتقام كان هو الذي يأخذه بنفسه وينفذه، أو كان يطلب مساعدة أفراد نوعه للانتقام للحيوان الذي أصابه الضر، وتدل شواهد الأحوال على أن الحيوان المؤله كان يظهر بوصفه ملك نوعه، ويشاهد ذلك في كثير من الأحوال في صورة سلسلة من الحيوانات المقدسة المؤلفة من نفس النوع يسير الواحد منها تلو الآخر. وفي هذه الحالة يلحظ أن أول حيوان في السلسلة هو الذي كان قد تقمصه الإله، أما سائر الحيوانات الأخرى في السلسلة فهي عشيرته التي نبع منها هذا الحيوان المؤله. وتظهر نفس هذه الفكرة عندما نشاهد في معبد صقر مؤله عدة صقور أخرى انتخب من فيها. ففي المعبد — في الواقع — كان يوجد صقر واحد يتقمصه الإله «حور»، وكذلك كانت الحال في معبد فيه الأسد يتقمصه الإله، توجد عدة أسود تأوي فيه.٥٦

ويلحظ تفضيل نوع من الحيوان المقدس على الحيوانات العادية التي تقدس أيضًا من فحص جثتها؛ وذلك أن جثث الحيوانات المقدسة يجب ألا تتحلل، ومن ثم يكون مصيرها إلى الفناء؛ بل يجب أن تبقى محفوظة حتى يمكن أن تسكن إليها أرواحها، وبذلك تبعث بعد الموت، ومن أجل ذلك كان لا بد من المحافظة عليها بالتحنيط، وكان الإنسان في مثل هذه الحالة يكتفي بتحنيطها بأبسط الطرق، ولكنه يلحظ أن معظم الموميات التي توجد بكميات كبيرة مدفونة في حفر الكهوف، كان حفظها رديئًا جدًّا لدرجة أنه كان من الصعب أحيانًا تحديد نوعها.

وعلى أية حال كان من واجب رجال المعبد القيام على تحنيط حيوانات النوع الذي منه حيوانهم المعبود بالمعبد، وكان القصد من هذا التحنيط أن تعود إلى سيرتها الأولى في عالم الآخرة.

وقد دلت المشاهدات على أن عدم الاهتمام البالغ بأمر هذه الحيوانات لم يقتصر على التحنيط؛ بل كذلك لوحظ نفس عدم الاهتمام فيما يتعلق بشئون دفنها، فلم يُنْفَقْ على ذلك مال كثير؛ بل كانت تدفن بالجملة في كهوف جماعية، وكثيرًا ما لجأ الإنسان في مثل هذه الحالة اقتصادًا في النفقات كما يقول المؤرخ والأثري «فيدمان»٥٧ إلى دفنها في كهوف صنعتها الطبيعة في الجبال أو في مقابر كانت في الأصل مقامة لأفراد من الشعب غير أنها عفا عليها الدهر ونُهبت وأصبحت خاوية على عروشها فأفاد منها الكهنة. والواقع أنه في مثل هذه المقابر كان يكدس الكهنة جثث الحيوانات المحنطة بالمئات والآلاف، ومعظم هذه المقابر كان يحتوي كل منها على نوع خاص من الحيوان، والأمثلة على ذلك كثيرة فلدينا كهف الطائر «أبيس» (أبو منجل) الذي كُشِفَ عنه منذ زمن بعيد في «سقارة»، وكذلك كهف التماسيح الهائل الذي كشف عنه في «منفلوط»، ومقبرة القرود التي كشف عنها في «طيبة».

على أنه قد كُشِفَ في أماكن أخرى مدافن حيوانات مقدسة كدست فيها جثث الحيوانات المحنطة دون مراعاة إذا كان كل نوع واحد قد دفن في كهف بعينه أو في جبانة واحدة مخصصة لهذا النوع.

يُضاف إلى هاتين الطبقتين من الحيوانات أي الحيوانات المقدسة للمعبد وهي التي كان يتقمصها إله المعبد الكبير، والحيوانات المقدسة التي من نوعها؛ طبقة ثالثة وهي الأخيرة كما أكد لنا «فيدمان» ذلك، وقد عزز رأيه ما جاء على لسان بعض الكتاب الإغريق، وكذلك ما جاء على الآثار الباقية نفسها. وقد سمى «سوردي» Sourdille هذه الطبقة من الحيوانات اﻟ «فتش».٥٨ ومن بين الحيوانات توجد بعض أمثلة تعتبر بمثابة نوع مقدس. وحيوانات هذا النوع تابعة كذلك لحيوان المعبد المؤله، غير أنها كانت تُرَبَّى في البيوت الخاصة وتقدس عند أصحابها. وهذه العادة كانت منتشرة بوجه خاص بين الطبقة الدنيا من أفراد الشعب؛ وقد أشار إلى ذلك الكتاب الإغريق فيما كتبوه عرضًا. وأهم الحيوانات التي من هذا القبيل القطط وأولاد آوى والصقور والثعابين، ومن جهة أخرى حدثتنا الآثار عن تقديس الطبقة الدنيا من الشعب للقردة وأبو منجل والبجعة والإوز … وقد حدثنا «سوردي» بوجه خاص عن عبادة البجعة والقطط (راجع Sourdille Ibid. p. 235) كما جاء ذكر ذلك على اللوحتين ١٣٤ و١١٠ المحفوظتين بمتحف «تورين»، وكذلك فيما تعلق بالثعابين التي كانت تقدم لها القربات كما نشاهد ذلك مصورًا على جدران المقابر، غير أن هذه الحيوانات، والحشرات لم تكن تعد من التي يتقمصها إله؛ بل كانت تعتبر حيوانات مقدسة وحسب، ويجوز أن هذه كانت حقيقة لا مراء فيها، وبخاصة عند الطبقة الدنيا من الشعب؛ فمن المحتمل أن الحيوان نفسه كان يمثل الإله ذاته، ولكن لم تكن هذه الفكرة هي السائدة؛ إذ نجد غالبًا على لفافات موميات لحيوانات — مثل التي كانت تحفظ في البيوت — صلوات حيوانات لآلهة، وهذه الآلهة على حسب عبادة الحيوانات الرسمية في المعبد كانت تتجسد في هذا النوع، ومن أجل ذلك يجب على الإنسان ألا ينظر إلى هذه الحيوانات التي كانت تربى في البيوت ويقدسها أصحابها بأنها لا تكون متقمصة إلهًا إلا نادرًا، وكان على الإنسان أن يعول مثل هذه الحيوانات ويقدسها فقط بوصفها أنموذجًا من نوع الإله الذي يسكن في المعبد، وذلك لأجل إرضائه ونيل محبته، وقد انحدرت إلينا عادة تقديس بعض هذه الحيوانات منذ أقدم العهود مثل القطة والثعبان وغيرهما، والظاهر أنه في حالة موت صاحب الحيوان كان يقتل الأخير ويحنط ويدفن مع سيده، وقد راجت بسبب ذلك، العقيدة والأمل معًا بأن مومية الحيوان الذي من هذا النوع ستعود للحياة كرة أخرى مثل البشر، وبذلك يمكن أن يكون هذا الحيوان للإنسان في عالم الآخرة كما كان له في عالم الدنيا بوصفه حيوانًا محببًا للإله الذي يعبده، ويتقي نفعه ويخشى ضره، وأمثال هذه الحيوانات كانت تحفظ في أقفاص، ويقدم لها الغذاء والشراب، وقد وجد منها بعض أمثلة قليلة في المقابر، ومما يلفت النظر بوجه خاص في خاتمة هذا الموضوع أن الإنسان كان قد آوى في بيته نوعًا خاصًّا من القردة الهادئة متجنبًا كل الأنواع التي كانت جامحة أو تنذر بالخطر، ومن ثم اختار نوعًا هادئًا وهو المعروف بالقرد الأخضر، ولا تزال هذه العادة متبعة في مصر حتى يومنا هذا.
أما عبادة أهم حيوانات كانت تتقمصها آلهة: فهي الثور «أبيس» والثور «منيفيس» والتيس «منديس»، وهذه يرجع تقديسها وعبادتها إلى أقدم عصور التاريخ — كما سنرى بعد — وقد ظلت عبادة الحيوان منذ ذلك العهد القديم حتى أفول نجم الوثنية، وقد بقيت العبادة تحتل المنزلة الأولى عند الطبقة الدنيا من الشعب المصري، في حين أن الذين كانوا يعبدون الآلهة في المعابد بصورة روحية قد استمروا في عبادتهم هذه بجانب أولئك الذين كانوا يعبدون الحيوان بصورة ساذجة مما جعل الأمر يختلط ويصبح معقدًا، ومن أجل ذلك نلحظ أن الكتابة التي كانت تدون على جدران المعابد لا تحدثنا عن ذلك إلا نادرًا، ويقول «فيدمان» (Ibid. p. 17): وهذه الكتابات تبحث في عقائد الجنب السامي والثري من الأهلين، وفي جانب ذلك نجد أن آراء الطبقة الفقيرة من الشعب لا تكاد تذكر، وهذه كانت الحالة بوجه خاص في خلال العصر الذهبي للدولة القديمة حتى عام ١٠٠٠ق.م ويمكن للإنسان إذا ألقى نظرة إلى الوراء أن يعزي بحق العصر الذهبي لآلهة البلاد العظام، وهم «آمون» و«بتاح» و«منتو»، ففي هذا العهد ظهرت عبادة الحيوان غير أن الأحوال لم تكن مواتية تمامًا لعبادة العجل «أبيس» و«الكبش».

وقد برهنت الحوادث على أن عبادة الكبش الذي كان يتقمصه الإله «آمون» في خطر مداهم؛ إذ في ذلك العهد، ظهر الانقلاب الديني الذي قام به «إخناتون» وهو ذلك الانقلاب الذي ظهرت بوادره منذ عهد «تحتمس الرابع» فقد قضى على كل عبادة أخرى عدا عبادة القوة العظيمة التي كانت تكمن وراء قرص الشمس «آتون» وهو الذي كان يرمز به للمذهب الجديد الذي اعتنقه «إخناتون» (١٣٧٥-١٣٥٨ق.م). وهذا المذهب الديني الجديد قد قضى على عبادة الحيوان وغيرها من العبادات بصورة قاطعة. غير أن الإصلاح الديني الذي قام به «إخناتون» قد قُضِيَ عليه بعد موته تقريبًا، وعلى أثر ذلك أخذت عبادات القوم القديمة تظهر ثانية وتترعرع، وكذلك أخذت عبادة الحيوان تنبعث من مرقدها، وتنتشر على الأقل بين طبقات الشعب الدنيا، واستمرت تنمو بشدة وقوة.

وفي العام المائة بعد السنة الألف قبل الميلاد أخذ هذا التيار الذي ظهر بين عامة الشعب يزداد ويتقدم في سيره؛ ويرجع السبب في ذلك إلى الأحداث التي كانت تمر بها البلاد في تلك الفترة من تاريخها. ففي الفترة التي تقع تقريبًا ما بين ١٠٠٠ حتى ٥٠٠ق.م وقعت الحروب الطاحنة التي نشبت بين مصر والبلاد الأجنبية التي كانت تطمع في التسلط عليها. ففي تلك الفترة حاربت مصر بلاد «كوش» ومملكة «آشور» ومملكة «بابل»، وهذه الحروب كانت جميعها — بكل أسف — وبالًا على مصر وعلى أهلها؛ ولقد كان من جرَّاء ذلك أن المصريين الذين كانوا يعتقدون في آلهتهم أنهم ناصروهم على الأعداء في كل الميادين التي يخوضون غمارها؛ قد أخذت عقيدتهم فيهم تتزعزع. وقد كان من جراء ذلك أن أصاب أهل مصر الفقر والعوز، ومن ثم أخذوا يظهرون عدم الاهتمام نحو آلهتهم؛ بل على العكس أظهروا البرود التام، وفي الوقت نفسه أخذ أتباع هؤلاء الآلهة يقلون شيئًا فشيئًا، ومن ثم هُجِرَت المعابد، وأخذت تئول إلى الخراب.

وفي هذه الفترة أخذ الأشراف والأثرياء والمتعلمون من الشعب يطلبون الحماية والغوث من الحيوانات المؤلهة التي كان يمجدها الشعب، وهي التي كانت في حوالي العام الألف قبل الميلاد يتضرع إليها الفلاح في حقله والرجل المتوسط الحال في مرضه فساعدته في محنته، وأظهرت عطفها وحدبها عليه. والآن وفي تلك الأيام العصيبة المليئة بالمحن أخذ كبراء القوم وصغارهم على حد سواء في جميع أنحاء البلاد يتضرعون إلى هذه الآلهة؛ لتسبغ على مصر السلام، وتمنحها الخلاص.

وتدل المعلومات التاريخية التي في متناولنا على أن العصر الذهبي لعبادة الحيوان قد وقع في عهد النهضة، وهو الذي يدعى العهد الساوي؛ أي في حوالي عام ٧٥٠ق.م؛ وذلك عندما قامت نهضة في مصر على الأجانب الذين كان لهم تأثير ظاهر في الحقل الديني، وذلك أن الأجانب الذين كانوا ينتمون إلى سلالات متعددة، وهم الذين كانوا قد اقتحموا الديار المصرية وقتئذ، وجلبوا معهم آراءهم الدينية الخاصة بهم، كما جلبوا معهم طرق تعبدهم لتلك الآلهة التي جاءت معهم؛ كانوا في كثير من الأحوال لا يمانعون في محاولة إيجاد نوع من التوحيد بين آلهتهم وبين آلهة المصريين، ومن أجل ذلك نجد أن كثيرًا من الآلهة الإغريقية قد وُحِّدَ بآلهة من المصريين، كما نجد بعض الآلهة الأسيوية قد ارتدى لباس آلهة مصرية، وأصبح يُعْبَد على الطريقة المصرية، ولكن كان يحمل الاسم الأسيوي أو المصري على حسب الأحوال. وقد شجع الحكام المصريون هذا التوحيد بين الآلهة المصرية والآلهة الأجنبية؛ وذلك تيسيرًا للسياسة التي كانوا ينتهجونها في تلك الفترة من تاريخ أرض الكنانة. ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان ملوك البطالمة في تلك الفترة يعملون كل ما في وسعهم للتأليف بين قلوب الشعب وقلوب الجنود المرتزقين الذين كانوا يعملون في جيش البطالمة، وهم الذين بدونهم لم يكن للبطالمة عيش في مصر. هذا فضلًا عن أنهم كانوا في الوقت نفسه يريدون إرضاء المصريين بأية وسيلة؛ لأنهم هم الذين كانوا يفلحون الأرض، ويديرون المصانع، ويقومون بكل الأعمال التي تأتي بالخير الغزير والمال الوفير لملوك البطالمة. ومن أجل ذلك كان أي شقاق بين المصريين وبين الأجانب معناه إفقار أسرة البطالمة. وفي مقابل هذه المحاولات التي كان يقوم بها البطالمة لحسن سير الأمور نجد أن عبادة الحيوان كانت بطبيعة الحال الحركة المعاكسة لذلك؛ وذلك لأنها كانت تناقض أحاسيس أهل «آسيا الصغرى» وقوم الفرس، وكذلك لا تتفق مع عقائد اليونان ولا الديانة اليهودية، ومن ثم كانت عبادة الحيوان هذه عقبة كأداء في وجه أية محاولة للتوحيد بين الأجانب والمصريين من الوجهة الدينية، ومن أجل ذلك بقيت عبادة الحيوان العلامة المميزة لمصر الحقيقية، وقد ظلت تزداد في نموها بوصفها فكرة فلسفية إلى أن تلاشت أمام عبادة الله الواحد الأحد التي أخذت مكانتها في مصر.

وهكذا حدث أن الديانة المصرية القديمة قد قُضِيَ عليها بوصفها العقيدة القديمة لديانة سامية كان لا بد من تلاشيها؛ وفي حين نجد أن الآلهة العظام الذين كانوا يُعْبَدُون في وادي النيل قد هوى الواحد منهم تلو الآخر تدريجًا؛ نجد أن تقديس الحيوان قد ظل باقيًا، ولا أدل على ذلك من أن سلسلة من هذه الحيوانات التي كانت تُحْتَرم بوصفها آلهة لا تزال حتى عهدنا الحاضر يُنْظَر إليها في وادي النيل بعين الرعاية، ويُحافُظ عليها، ويُعْتَنَى بأمرها. فالثعبان في مصر موضع رهبة عامة الناس، وكذلك الثور يُحترَم في بعض الأماكن، وأخيرًا تحتل القطة مكانة سامية في نفوس الكثير من سكان وادي النيل.

١  راجع: Cicero, de Nat. deor. 36, 100-101.
٢  راجع: Juvenal (Sat. XV).
٣  راجع: Philo (decal., 80), 194 M.
٤  راجع: Apologet, Aristides (12) ; Zimmermann, Die Aegypt. Rel. p. 87 ff.
٥  راجع: Aristeas brief 138 (Kausch de Apokryphin etc II 168).
٦  راجع: Zimmermann Ibid. p. 89.
٧  راجع: Herod. II, 65.
٨  راجع: Herod., II. 69.
٩  راجع: Herod., II. 71.
١٠  راجع: Joseph., C. Apion, I, 225.
١١  راجع أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني.
١٢  راجع: Strabo, XVIII, 812.
١٣  راجع: Plut., Ibid. 72.
١٤  راجع: Juvenal, Sat. XV.
١٥  راجع: Aelian, X, 24.
١٦  راجع: Herod., II. 65.
١٧  راجع: Ammian 22, 15.
١٨  راجع: Zimmermann Aegypt Rel. P. 130.
١٩  راجع: Pyramid. T. 860.
٢٠  راجع: Herod., II 73; Pleny N. H. X 2; Tertullian de Resurr. p. 3.
٢١  راجع: The Sphinx and its History in the Light of Recent Excavations.
٢٢  راجع: Herod., II, Par 46.
٢٣  راجع: Strabo. XVII, 807.
٢٤  راجع: Wiedemann Alten Orient XIV, 1, p. 22 f.
٢٥  راجع: Widemann Stele No. 7293 Berlin. Mélanges Charles des Harlez, p. 377.
٢٦  راجع: Hopfner, Turkult der Alten Aegypten. P. 15.
٢٧  راجع: Herod., II. 155.
٢٨  راجع: Lukian, Bilder II.
٢٩  راجع: Klemens, Paedagog, III, 2.
٣٠  راجع:Strabo XVII, 805.
٣١  راجع: Celsus (origines, III, 412 ; VI, 8, 8).
٣٢  راجع: Diod., I, 82.
٣٣  راجع: Temperlurkunden von Edfu Inschr. & Tafel I, Z. 16.
عن أوقاف القطط ستة أرورات، وعن حقول الصقر خمسة أرورات، وعن حقول إبيس (أبو منجل) ٣٠ أرورا، وكذلك كانت لإبيس حقول في الفيوم.
راجع Pap. Tebt. 1, 62, 19 & 23; 63, 82; 64a, 9 ff; 32, 38 & 43; 98, 34.
٣٤  راجع: Esna Inschr. 2 Taf. 11, Z. 2-3.
٣٥  راجع: Herod II. 65.
٣٦  راجع: Herod. II. 65.
٣٧  راجع: Strabo. XVII, 812.
٣٨  راجع: Diod., 1, 83.
٣٩  راجع: Urk. D. Kgl. Mus. zu Berlin III, 734, Z. 2, 7, 33, Cronert in Stud zur Palliogr. Und Papyruskunde, 4 Helft ; Pap. Tebt I, 72, 41.
٤٠  راجع: Aelian XI, 10.
٤١  راجع: A. Z. 43 (1906) p. 129 ff.
٤٢  راجع: Urk. d. Kgl. Mus. Zu Berlin II 387, Z. 222.
٤٣  راجع: Porphyrus IV. 6.
٤٤  راجع: Hopfner Ibid. p. 17.
٤٥  راجع: Hopfner Ibid. p. 18-19.
٤٦  راجع: Diod., I 83.
٤٧  راجع: Herod. II, 87.
٤٨  راجع: Loncts et Gaillards, La faune Momiflée de l’Ancienne Egypte. Lyons (1906).
٤٩  راجع: Diod., I, 91.
٥٠  راجع: Plut. Ibid. 21.
٥١  راجع: W. Otto. Priester und Tempel in hellinist Agypten I, s. 391. Ann. 4.
٥٢  راجع: Pap. Tebt. II, 313.
٥٣  راجع: Brugsch. Died, Georgr. 1175.
٥٤  راجع: Pap. Tebt. I. 72, Z. 411 vgl. 61 b. Z. 401.
٥٥  راجع: Pseudo-Klem. Rom. Recogn. X, 27.
٥٦  راجع: Alter Orient XIV, I, P. 24.
٥٧  راجع: Wiedemann Alter Orient XIVI, I, p. 24 f.
٥٨  لقد اختلفت الآراء في معنى كلمة فتش fetish. وهذه الكلمة كان قد أدخلها البرتغاليون الذين كانوا أول من اتجر مع الإفريقيين على ساحل إفريقيا الاستوائي، وقد رأوا الإفريقيين يلبسون تعاويذ وتمائم، فأطلقوا عليها كلمة feticio ومعناه الشيء الذي صنعته يد الإنسان، وبعد ذلك انتقلت هذه الكلمة إلى الفرنسية والإنجليزية. غير أن هذه الكلمة قد اسْتُعْمِلَتْ بمعاني عدة حتى أصبحت لا تدل على شيء معين بذاته (راجع Geoffry Parrindes, African Traditional Religon, P. 75 ff). حيث تجد بحثًا عن تقلبات معنى هذه الكلمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤