موازنة بين عبادة الثورين «أبيس» و«بوخيس»١ في العصور المتأخرة

تحدثنا في الفصل السابق عن عبادة الحيوانات بصورة مختصرة عامة، ونريد أن نتحدث هنا عن عبادة الثور «بوخيس» الذي ظهرت عبادته على أرجح الأقوال في عهد الملك «نقطانب الثاني»؛ أي في أواخر العهد الفرعوني، وقد ازدادت عبادته جنبًا لجنب مع عبادة الثور «أبيس» والثور «منيفيس» بصورة خاصة، وعلى الرغم من أنه لا تزال بعض الأماكن الخاصة بالثور «بوخيس» لم تُحْفَر بعد، فإن الحفائر التي عُمِلَتْ قد كشفت لنا عن كثير من الحقائق الخاصة بهذا الثور وعبادته التي استمرت إلى ما بعد انتشار المسيحية مدة طويلة.

(١) مقدمة

لقد دلت الكشوف الحديثة في كل أنحاء العالم على أن عبادة الثور أصبحت تُعْتَبَر ظاهرة عادية في كل تاريخ الجنس البشري، وأنها ليست مقتصرة على مصر. والأسباب التي دعت لوجود هذه العبادة ظاهرة واضحة ولا تحتاج إلى التدليل على أية علاقة ثقافية بين قومين من الناس كل منهما يشترك مع الآخر في هذه العبادة. فالإنسان منذ نشأته كان همه الأول هو البحث عما يفيده من نباتات الأرض وحيواناتها؛ ولا نزاع في أن الثور كان يؤدي وظيفة الخصب في صورة مزدوجة، فقد كان رمزًا للقوة التي تعود على الإنسان البدائي بالخير — ومن ثم كان موضوع مباراة لاقتنائه — وكان كذلك أحد المصادر الرئيسية للإخصاب في زراعة الأرض، فكان بهذا يجمع بين تفوقه على الماشية التي تنتج للإنسان اللحم والألبان والزبد والجلود، وبين أنه كان العامل الأول في حرث الأرض؛ ومن أجل ذلك أصبح يُعْتَبَر رمز الرياسة والملكية، ولا أدل على ذلك من أن العرب كانوا يقولون في لغتهم: ثور القوم سيدهم. كما أن قدماء المصريين منذ أقدم عهودهم كانوا يمثلون ملكهم بالثور، ويرسمونه في صورة هذا الحيوان وهو يهدم قلعة، وعلى ذلك كان عندهم الثور رمز القوة المادية. وفي الأزمان الحديثة نجد في منطقة بحيرة «شاد» أن رؤساء القبائل هناك كانوا يُدْفَنُون مكفنين في جلد ثور.

وأقدم مثال يدل على العناية الدينية بالثيران في أرض الكنانة يرجع إلى مستوى عصر ما قبل الأسرات المبكر؛ فقد وُجِدَتْ أكوام من عظام البقر في مستعمرة «حمامية» التي قامت بأعمال الحفر فيها مس «كتون تومسون» Miss Caton Thompson، وهذه العظام كانت مرتبة ترتيبًا متناسبًا مع وضع رأس الحيوان على قمة كل كومة، وهذا هو نفس ما شوهد في مقابر عجول «أبو-يسن» التي كُشِفَ عنها حوالي عام ١٩٣٨، غير أن الأخيرة ترجع إلى عهد متأخر من تاريخ مصر.
هذا، وقد عثر المستر «برنتون» بالقرب من منطقة «حمامية»؛ أي في الحفائر التي قام بها في «البداري» على دفنة حيوان يحتمل أنه ثور، وقد وُجِدَ ملفوفًا في حصير من الحصر التي صُنِعَت في «البداري» في عهد ما قبل الأسرات، وتمثيل الملك على لوحة «نعرمر» الكبيرة المصنوعة من الإردواز معروف للجميع، وهي تُؤَرَّخُ بالأسرة الأولى. وقد جاء ذكر «أبيس» على حجر «بلرمو» وهذا يوحي بأنه كان يعبد منذ أقدم الأسرات، إن لم يكن قبل ذلك بكثير، ومن المعلوم أنه في كل عصور التاريخ المصري كان «أبيس» من ألمع الآلهة المصرية. وتدل النقوش الهيروغليفية على أن عبادة الثور «أبيس» متصلة بعبادة الإله «رع»، هذا فضلًا عن اتصاله بآلهة «العاصفة»، وذلك أنه في خارج مصر كان الثور يمثل بوجه عام إله السماء! وإله العاصفة. ففي «بابل» من أول عهد الملك «حمورابي» إلى حوالي عام ١٨٠٠ق.م وما بعده، كان الثور يقوم بوظيفة العماد لومضات البرق، وكذلك كان يقوم مقام إله العاصفة نفسه.٢ أما الإله «بوخيس» فقد أصبح متصلًا بالإله «منتو» إله «أرمنت» وهو إله الحرب، غير أن هذا الاتصال قد جاء في عهد متأخر. وعلى أية حال فإن المجال هنا ليس هو التعليق المستفيض على ماهية عبادة الثور ومعناها الخاص في مصر القديمة؛ بل سنقصر كلامنا هنا عن الثور «بوخيس» الذي كان يتقمصه الإله وموازنته بالعجل «أبيس» أو العجل «منيفيس» وكل منهما كان أقدم منه في العبادة على حسب ما وصلت إليه معلوماتنا حتى الآن. والعجل «أبيس» كان مقر عبادته السرابيوم الذي تحدثنا عنه مليًّا فيما سبق. أما العجل «منيفيس» فكان مقره «هليوبوليس» وأوجه الشبه التي يمكن أن نستخلص منها أشياء كثيرة هي التي بين العجل «منيفيس» والعجل «بوخيس»، وذلك لأن بلدة «أرمنت» كانت تُعد «هليوبوليس» (أون) الوجه القبلي، ومن الممكن أن نصف بصورة أضبط الثور «بوخيس» بأنه الثور الذي يقابل «منيفيس» في الوجه القبلي، وكان الأخير هو الثور الذي يتقمصه الإله «رع» أكثر من «أبيس»، وذلك على الرغم من أن «أبيس» كان كذلك متصلًا بالإله «رع».٣
وعلى أية حال فإنه من الصعب القول إذا كان القرص الذي يرتديه الثور «أبيس» على رأسه هو قرص الشمس أو قرص القمر، ومن المحتمل أن علاقة العجل «أبيس» بالقمر كانت أقدم من علاقته بالشمس، وقد يُحبذ هذا الفرض أنه لم يظهر قرص على لوحات العجل «أبيس» حتى ظهور العجل «أبيس الرابع» على حسب ترقيم الأثري «مريت». وهذا العجل يُنْسَبُ إلى الأسرة التاسعة عشرة، ويقوي هذا الفرض كذلك عدم وجود هلال تحته كالذي يظهر دائمًا مع الإله «تحوت»، اللهم إلا إذا كان هذا الهلال قد مثل على الصدر كما اقترح فيما يأتي بعد. ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن ما نعرفه عن الثور «منيفيس» قليل جدًّا حتى الآن؛ إذ لم يُحْفَرْ من مقابر هذه الثيران إلا قبران. وكل ما نُشِرَ عنهما ملخص كتبه الأثري «دارسي» (A. S. XVIII, p. 193–217). وهذان القبران كشف عنهما في قرية عرب أبو طويلة أو عزبة عرب الطويلة، وهي تابعة لقرية المطرية التي تبعد حوالي ٦٠٠ مترًا من «كوم الحصن»، وبعبارة أخرى تقع في قلب «هليوبوليس» القديمة. والشيء الذي يلفت النظر هنا هو أن هذين القبرين للثورين «منيفيس» قد وُجِدَا جنبًا لجنب تقريبًا، مما يؤكد على وجه التقريب أن هذه البقعة من «هليوبوليس»٤ تقابل السرابيوم في «منف». والمقبرة الأولى أُقِيمَتْ في السنة السادسة والعشرين من عهد «رعمسيس الثاني»، أما الثانية فقد أُقِيمَتْ في عهد الملك «رعمسيس السابع». ومعظم الأشياء التي وجدت في هاتين المقبرتين محفوظة بمتحف القاهرة، ويدل فحصها على أن دفن العجل «منيفيس» لا يختلف كثيرًا من حيث جهازه عن الجهاز الذي كان يوضع مع الثور «أبيس» أو مع أحد رجالات الدولة. ولدينا رسالة عُثِرَ عليها في بلدة «تبتونيس» (P. Tebtunis 13) أرسلها كهنة معبد «تبتونيس» إلى كهنة معبد «رع» و«أتوم-منيفيس» في «هليوبوليس» معترفين فيها بتسلم عشرين ذراعًا من الكتان الجميل، وكان الغرض من إرسالها هو استعمالها في جهاز دفن «منيفيس» ابن البقرة «أوسورتا» Osortha. وتاريخ هذه الرسالة هو عام ٢١٠-٢١١ ميلادية. وتدل أعمال الحفر التي عملت حديثًا على أنه لم يُحْفَرْ أي قبر من قبور الثور «منيفيس» أو الثور «أبيس» في هذا العهد المتأخر من تاريخ أرض الكنانة، ويلفت النظر أن العناية بذكر اسم أم الثور المقدس هنا يمكن قرنه بالعناية التي كانت تُعْطَى لأم ثور «بوخيس» في «أرمنت». هذا، ونلحظ أن أحد الكهنة كان يُدْعَى «بتوسرابيس» Petosorapis بن «بتوسرابيس». وعلى أية حال فإن مجال الموازنة — بين الثورين «بوخيس» و«منيفيس» بطبيعة الحال — ضيقة المجال لعدم وجود مادة كافية حتى الآن.

ومن جهة أخرى نجد أن المجال لوضع الموازنة يكون فسيحًا إذا حولنا أنظارنا شطر «سرابيوم منف» الغني بمقابره ومقاصيره التي ترجع إلى أزمان بعيدة. ومع ذلك فإن المعلومات التي وصلت إلينا من هذا المصدر تُعْتَبَرُ ضئيلة بالنسبة لما كان يُنْتَظَرُ من مثل هذا الموقع الغني.

ويرجع السبب في قلة هذه المادة — على الرغم مما خرج من جوف معبد السرابيوم من آثار كثيرة جدًّا — إلى أنها لم تَلْقَ العناية الكافية للمحافظة عليها عند الكشف عنها في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد الأثري الكبير «مريت باشا». ولسنا في مجال إلقاء اللوم على هذا العالم؛ إذ لم تكن كل الأحوال للمحافظة على كشوفه مهيأة له، هذا فضلًا عن أن علم الآثار كان لا يزال في طفولته الأولى. ولا ننكر أن ما ضاع أو أُتْلِفَ من آثار «السرابيوم» كان عظيمًا جدًّا. ولقد عمل «مريت باشا» جهد الطاقة لوضع ملحوظات وسجلات لكل الأشياء التي عُثِرَ عليها وحفظها لتوضع في متحف «اللوﭬر». وقد زاد الطين بلة أن «مريت باشا» قد حضره الموت وهو لا يزال في بداية درس المادة التي عثر عليها في السرابيوم، ومنذ وفاته ظلت هذه الآثار مهملة في متحف «اللوﭬر» ومرت بها تقلبات عدة محزنة. وعلى ذلك فإن اللوم كل اللوم يقع على عاتق أولئك الذين أخذوا على عاتقهم رعاية هذه الآثار. فالآثار التي أُودِعَتْ متحف «اللوﭬر» قد فقدت الأرقام التي وضعها «مريت» عليها، وبذلك أصبحت العلاقة بين هذه الآثار وبين السجلات التي وضعها «مريت» من العسير تتبعها؛ يضاف إلى ذلك أن الجزء الأكبر من الأشياء الأثرية خلافًا للوحات والمجوهرات ظهر أنه قد فُقِدَ. ومن أجل ذلك نجد أن التعليق والنشر الذي عمل فيما بعد كان بكل أسف قاصرًا كله تقريبًا على الناحية اللغوية، ولسنا في حاجة إلى القول بأن اللوحات تكون فائدتها ضئيلة جدًّا لعمل مقارنة بالمادة التي كُشِفَ عنها في مقابر «بوخيوم» «أرمنت» التي كُشِفَ عنه حديثًا.٥ ومعظم لوحات السرابيوم كانت من نوع اللوحات المنذورة وكُتِبَتْ بالديموطيقية، يُضاف إلى ذلك أن اللوحات القليلة الرسمية تختلف معظمها عن التي وُجِدَتْ في «البوخيوم»، ولدينا واحد أو اثنان من هذه الاختلافات يستحقان الذكر. فعلى اللوحات القديمة٦ نشاهد أن «أبيس» لا يلبس قرصًا، وأن أول ما ظهر القرص كان على نقش صغير للثور وُضِعَ على قمة الركن الأيمن من اللوحة وليس على الصورة الرئيسية ﻟ «أبيس».

وقد ظهر هذا القرص في لوحة «أبيس الرابع» الذي يرجع عهده للأسرة التاسعة عشرة. ويوجد قبالة صورة «أبيس» ومعه القرص بقرة عارية الرأس. وكلا الحيوانين نائم على الأرض، في حين نجد في الرسم الرئيسي أن «أبيس» قد مثل واقفًا. ويظهر للمرة الأولى على لوحة «أبيس» رقم ١٠ من نفس الأسرة القرص على الصورة الرئيسية، ويظهر في هذه اللوحة تطور كبير عن اللوحات التي ترجع إلى باكورة الأسرة الثامنة عشرة؛ ففي اللوحة الأخيرة هذه نجد طائرًا خلف «أبيس» ممسكًا بقرص كما يُشَاهَد ذلك في عدد من لوحات الثور «بوخيس»، غير أن جسم الطائر يتألف هنا من عين مقدسة (وزات).

وعلى الرغم من وجود هذه الصعوبات فإنه مما يجدر ذكره — بأن يمهد هنا لمناقشة النتائج التي حُصِلَ عليها من حفائر «أرمنت» الخاصة بالثور «بوخيس» — أن ندلي بملخص للنتائج التي حصل عليها من السرابيوم، وسنحاول هنا أن نذكر ذلك بصورة مختصرة، وسنشير إلى المسائل الدينية بصورة خاطفة؛ إذ البحث في ذلك يحتاج إلى شرح طويل.

(٢) العلامات المميزة للعجل «أبيس»

لقد تُحدِّث عن العلامات أو المميزات التي لا بد من وجودها في العجل «أبيس» حتى يمكن أن يتقمصه الإله، وقد ذكر هذه العلامات كل من «هردوت»٧ و«سترابون»٨ و«ديدور»٩ و«اليان»١٠ و«يوزيب»١١ و«سيرل»١٢  Cyrill و«بليني»١٣ وغيرهم. وعلامات «أبيس» معلومة، وأقدم وصف لها ما جاء في «هردوت» فاستمع لما يقول: «إنه أسود اللون، على جبهته نقطة بيضاء مربعة، وعلى ظهره توجد صورة نسر، وشعرات ذيله مزدوجة، ويوجد على لسانه جعل.» وقد وصف السير «ولس بدج» في كتابه المومية (The Mummy p. 366) صورة «أبيس» كالآتي: «في العادة يكون في صورة ثور يحمل قرصًا وصِلًّا بين قرنيه، وقد نُقِشَ على ظهره فوق الكتفين نسر منتشر الجناحين، وعلى الظهر فوق الجزء الخلفي يشاهد جعل مجنح.» هذا، ويُشَاهَدُ على أشكال «أبيس» أحيانًا سرج يشبه شبكة الخرز التي تظهر على بعض لوحات متأخرة للثور «بوخيس»، ومن الجائز كذلك أنه كان يلبس طوقًا؛ غير أن هذا الطوق كان مثل القرص، والصل يُعْتَبَرُ جزءًا من جهازه، ولم يكن المقصود منه تمثيل العلامات المميزة له.

ومما لا نزاع فيه أن الرسم الذي على صور «أبيس» هو الذي بلا شك يقرب من علامات هذا العجل اللازمة لأجل تقرير ألوهيته. وقد أشار إلى ذلك «مريت» في كتابه (سرابيوم «منف»، ص١٢٧) حيث يقدم لنا صورتين؛ إحداهما لثور كما مثل في البرنز، والأخرى كما صور بالألوان. وعندما ناقش «مريت» هذه العلامات الخاصة بالعجل «أبيس» قال مبتدئًا بالصورة الأخيرة؛ أي بالصورة الملونة: «يوجد على جبينه مثلث أبيض (؟)، وعلى صدره يظهر أحد قرني هلال القمر، وكذلك رُسِمَ هلال آخر على جانبه، وأخيرًا يُشَاهَدُ أن الشعر الذي في الذيل مزدوج؛ أي إن شعراته بيضاء أو سوداء على التوالي …»، وبعد ذلك يصف لنا الرسم الذي على التماثيل. ومن المحتمل أن تفسيره لشعرات الذيل بأنها مزدوجة صحيح. والرسم الذي على الجانب يحتمل أنه هلال، وذلك بوصفه تكملة طبيعية للعلامات السوداء التي تمثل النسر، والجعل، والسرج. وإذا كان قد أصاب كبد الحقيقة فيما يخص الهلال الذي على الصدر، فإن ذلك يمكن أن يفسر لنا لماذا لم يوجد هلال تحت القرص الذي على رأس الثور.

وعلى أية حال فإن تقريب هذه العلامات التي توجد على الثور لا يمكن وجودها إلا إذا كانت تُرَبَّى حيوانات بصورة ما لتكون فيها هذه العلامات اللازمة — وهذا ما لم يحدث على وجه التأكيد — ولكن مما لا شك فيه أنها كانت مقبولة في نظر عباد «أبيس»، ومن ثم كانوا لا يدققون في أن تكون العلامات مطابقة للمطلوب بالضبط. ومن الجائز كذلك أن هذه العلامات كانت تلعب فيها يد الكهنة في المناسبات العامة عندما يظهر «أبيس» أمام الشعب.

وقد تحدث إلينا كل من الأثريين «هوبفنر»١٤ و«شاسينا»١٥ عن العلاقات بين «أبيس» و«بتاح» و«أوزير» والقمر والنيل. وقد أشار «هوبفنر» إلى ما ذكره الكتاب القدامى، أما «شاسينا» فإنه ناقش بإسهاب الاحتمالات عن موت «أبيس»، ونجد أنه قد وصل إلى النتيجة التالية: وهي أن «أبيس» يؤله بالغرق؛ أي إنه كان يموت غرقًا، وفي ذلك يكون مثله كمثل «أوزير». وهذه العادة كانت شائعة قبل نهاية الأسرة التاسعة عشرة، وقد أكد «شاسينا» أن «أبيس» كان مضطرًّا إلى أن يموت عند بلوغه الثامنة والعشرين من عمره كما فعل الإله «أوزير» الذي كان يتقمصه. وذلك على العكس من رأي الأثري «فرنكفورت» الذي يقول: إن «أبيس» كان نائب الإله «بتاح» على الأرض؛ أي إنه كان يتقمصه، وعلى أية حال فإن «أبيس» على الرغم من أنه كان يمثل «بتاح» كان يصبح «أوزيرًا» بعد موته.
ويفسر لنا الأستاذ «شاسينا» قول المؤرخ١٦ «بلوتارخ» بأن «أبيس» كان يعيش مدة خمسة وعشرين عامًا، على ضوء ما جاء في بيانات الكتاب الكلاسيين الآخرين بأنه أُغْرِقَ. (ونخص بالذكر منهم «بليني»١٧ وأميانوس مارسيللينوس١٨  Ammianus Marcellinus و«سولينوس» Solinus١٩ وأن ذلك يعني أن «أبيس» لم يكن يُسْمَحُ له أن يعيش أكثر من هذه المدة. ويفسر الفرق بين الثمانية والعشرين سنة التي عاشها «أوزير» والخمس والعشرين سنة التي يعيشها «أبيس» بأن فرض أن العادة بالنسبة ﻟ «أبيس» كانت قد تغيرت في مصر عندما زارها «بلوتارخ»، وذلك على الرغم من أن قصة «أوزير» التقليدية قد بقيت في صورتها الأصلية، وعلى هذا فإنه بهذا الرأي قد تجنب الصعوبة التي نشأت من وجود ثورين عاش كل منهما حتى السادسة والعشرين من عمره كما ذكر «مريت».
وعلى أية حال فإنه من الصعب قبول النتائج التي استنبطها «شاسينا» لأنها ترتكز على براهين نظرية محضة. وإذا كانت العادة هي إغراق الثيران المقدسة عندما كان الواحد منها يصل الثامنة والعشرين من عمره، فإن هذه كانت عادة لم تُمارَس قط؛ وذلك لأننا لم نعرف عن ثور من ثيران «أبيس» أو «بوخيس» قد بلغ هذا السن؛ بل من الجائز أن أحد الثيران المعمرة قد حيل بينه وبين الوصول إلى أكثر من الثامنة والعشرين من عمره، غير أنه لن تكون هناك نهاية لمثل هذه الإمكانيات، وفضلًا عن ذلك نلحظ أن «شاسينا» قد استند في حجته جزئيًّا — كما حاول في نقاشه — على بعض جمل جاءت في لوحات خاصة بثور أو بقرة يُسْتَخْلَصُ منها أن الحيوان كان قد أُغْرِقَ. وليس لدينا قياس عن مدة حياة الثيران، ولذلك فإنها إذا كانت تغرق في بعض وقت سابق لمدة الثمانية والعشرين عامًا، فإنه يكون من المدهش أن عمر الثور لم يكن قد حُدد. ومن الجائز أنه لأجل إتمام الشعائر كان يهرع بالثور فيغرق عندما تظهر عليه علامة تدل على الموت؛ وهذا كان يعني في الواقع أول مرض للثور. ولكن إذا كانت هذه هي الحالة، فإنه يكون من المدهش أن نرى أي ثور يعيش حتى السادسة والعشرين من عمره، وفضلًا عن ذلك نجد أن «هوبفنر»٢٠ عند تحدثه عن الكتاب الكلاسيين في هذا الصدد يعتقد أنه لم يُضَحَّ قط بأي حيوان مقدس؛ وقد اقتبس تعزيزًا لرأيه ما جاء في «ديدور» (Diod., Ibid., I, 84). فقد ذكر لنا الأخير أنه بعد تولي «بطليموس الأول» عرش الملك بمدة قصيرة مات «أبيس» بالشيخوخة في «منف».

(٣) تحريم أكل لحم العجل «أبيس»

والظاهر أن الثور سواء أكان يغرق أم لا في زمن مبكر فإنه ليس لدينا أي برهان يشير إلى أن لحمه كان يؤكل بصورة رسمية على حسب شعائر معلومة مقررة، وهذا ما يمكن تقريره على الأقل في عهد الأسرة التاسعة عشرة. ولا يسعنا هنا إلا أن نقتبس الفقرات الخاصة بهذا الموضوع من كتاب «سرابيوم»٢١ «منف» الذي وضعه «مريت» عن «أبيس» وعبادته، وذلك لما لها من أهمية بالغة. فقد وصف لنا «مريت» فحص ثلاثة توابيت متتالية؛ الأول كان باسْمَيْ «خع-إم-واس» و«أبيس». والقبر الذي عُثِرَ فيه على هذا التابوت كان سليمًا لم تمتد إليه أيدي اللصوص، ويرجع عهده للأسرة التاسعة عشرة. وبعد فتح هذا القبر أخذ «مريت» يصف محتوياته، وفي أثناء ذلك يقول: «وعندما رُفِعَ ثالث هذه الأغطية المتتالية ظهر أمامي صندوق كبير لمومية وجهها مذهب دون ضل. ويزين صدرها متن قوطع في زاوية مستقيمة بأربعة متون أصغر حجمًا … وهذه المتون الأربعة لا تحتوي إلا على أسماء أربع جنيات الحميم sic المصرية. ونقرأ في أطول هذه المتون ما يأتي: هاك «أوزير-أبيس» هذا الذي يسكن في اﻟ «إمنتي»٢٢ الإله العظيم السيد الأبدي المسيطر سرمديًّا.

وعلى ذلك حصلت على تأكيد بأنه أمامي مومية «أبيس»، وعندئذ ضاعفت عنايتي فقد أمسكت بغطاء التابوت من عند القدمين، وآخر أمسك به من عند الرأس ورفعناه. غير أنه لدهشتي العظيمة فطنت أن هذا الجزء الأعلى (يقصد الغطاء) لم يكن نصف تابوت، وأن هذا الغطاء كان موضوعًا مباشرة على رقعة القبر. وقد لوحظ فقط أنه لما كان الأثر كبيرًا فإنه قد عمل تحت الخشب، وفي سمكه حفرة يبلغ عمقها حوالي سبعة أصابع، وعرضها يبلغ أكثر من أربعة أقدام بقليل؛ حتى إنه عند رفع الغطاء لم أجد على رقعة القبر الصخرية إلا كومة سوداء قد حافظت على شكل الحفرة التي كانت فيها، وكذلك على أبعادها.

وقد كان أول هم لي هو أن أبحث في هذه الكومة على رأس ثور غير أني لم أجد شيئًا، (وكان الشيء الذي أمامي) هو عبارة عن مادة أسفلتية ذات رائحة قوية جدًّا تتحول إلى رماد لأقل لمسة باليد، وهذه المادة كانت تغشى كمية من العظام الصغيرة كانت قد كُسرَت فعلًا في زمن دفن الثور، وفي وسط هذه العظام التي كانت منتشرة في أنحاء هذه الكومة دون أي نظام وعفو الخاطر، جمعت أولًا: خمسة عشر تمثالًا جنازيًّا؛ كل منها برأس ثور، ونُقِشَ عليها متون باسم «أبيس» المتوفى، وثانيًا: عشرة أشياء مصنوعة من الذهب أو منقوشة باسم «خع-إم-واس» وبأسماء شخصيات أخرى منوعة يشغلون وظائف رفيعة في «منف»، وثالثًا: عدة تماثيل صغيرة مصنوعة من الشيست المائل للخضرة تمثل الأمير نفسه (أي خع-إم-واست)، ورابعًا: تماثيل أخرى صغيرة من نفس المادة تمثل أمراء آخرين من الأسرة المالكة، وخامسًا وأخيرًا: تعاويذ من حجر الكورنالين والكوارتز الأحمر ومن حجر الثعبان محفورة حفرًا دقيقًا. وقد وُجِدَ في الكومة كذلك عدد كبير من صفائح الذهب».

هذا، ونجده ثانية وهو يصف الدفنة الثانية في نفس القبر فيقول:

وقد مثلت أمام نفس الملحوظات السابقة عندما كشفت النسيج الذي كان يلف الجرم الأسفلتي الذي في الداخل. فلم يكن هناك رأس ثور كما لم تكن هناك عظام كبيرة؛ بل على العكس وجدت كمية أغزر من كسر العظم الصغيرة الحجم. وقد وجدت بدلًا من المجوهرات والتماثيل الصغيرة والتعاويذ التي كانت في التابوت السابق؛ ناووسًا من الذهب مزخرفًا بزينة مجزعة. ويُحْمَلُ تحت الإفريز طغراء «رعمسيس الثاني»، وقد وجد معه ستة تماثيل صغيرة جنازية كل منها برأس ثور.

ووصف «مريت» — الذي وضعنا تحته سطر في أعلى — للجرم الذي ظل على شكله الأصلي بعد رفع الغطاء؛ فيه البرهان الكافي على عدم اتهامه بأنه وجد مومية هشة قد ذهبت هباء عندما كشف الغطاء عنها. وعلى أية حال فإن شكل البقايا التي عُثر عليها محير، وذلك بسبب أن الرأس لم يكن قد وُجِدَ كاملًا. وإذا كانت هذه حالة قد أكل فيها الحيوان، فإنه كان من المنتظر على الأقل أن الجزء الأعظم من الجمجمة يكون قد بقي سليمًا، كما وجد في دفنة الملك «حور» (حور محب) أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة. والمفهوم أن الضحايا العادية في المعابد المصرية كانت تأكلها الكهنة بطبيعة الحال؛ غير أن ذلك لا يفسر حالة العظام الغريبة التي عثرنا عليها في هاتين الدفنتين.

وليس لدينا إلا فرض واحد لتفسير هذه الظاهرة، وذلك أنه يوجد في متون الأهرام وصف للملك المتوفى نفهم منه أنه يأكل الآلهة في السماء، وإذا كان هذا الفرض صحيحًا فإن «أبيس» كان يأكله الملك؛ وذلك رغبة منه في أن يحصل على قوة الإله وخصبه.

وهاك هذه الأنشودة التي تُعْرَفُ عند علماء الآثار بأنشودة أكل البشر.

وفيما يلي بعض ما جاء في هذه الأنشودة خاصًّا بغذاء الملك:

إنه القابض على عقدة القمة الذي في «كحاو» الذي يحيلهم لأجل «أوناس» (401a).
وإنه الثعبان صاحب الرأس المرفوع الذي يحرسهم (أي الآلهة) لأجل الملك الذي يصدهم لأجله (401b).
وإنه «الذي على صفصافه» والذي يربطهم «لاوناس» (401c).
وإنه «خنسو» الذي يذبح الأسياد (الآلهة)، وذلك بأن يقطع رءوسهم من أجل الملك (402a).
وإنه يأخذ له ما هو في بطونها (الأحشاء) (402b).
وإنه «أوناس» الذي يأكل سحرهم ويبتلع أرواحهم (403c).
والعظماء منهم لأجل وجبته الصباحية (404a).
ومتوسطو الحجم لأجل وجبة المساء (404b).
وصغارهم لأجل وجبة العشاء (404c).
ورجالهم الشيوخ ونساؤهم العجائز لأجل حرق بخوره (على النار) (404d).
وإن العظماء الذين في الجانب الشمالي من السماء هم الذين يوقدون له النار (405a).
للقدور التي تحتويهم مع أفخاذ أسنهم (بمثابة وقود) (405b).
وإنه (الملك) قد هشم العمود الفقري والنخاع الشوكي (409b).
وإنه قد استولى على قلوب الآلهة.
وإنه أكل التاج الأحمر وابتلع التاج الأخضر (410a).
و«أوناس» يطعم رئات الحكماء (410b).
وإنه مرتاح بعيشته على القلوب والسحر (410c).
تأمل أن أرواحهم (أي الآلهة) في جوف الملك ونفوسهم مع الملك.
بمثابة حسائه المصنوع من الآلهة، وقد طُهِيَ للملك من عظامهم.

ويلحظ هنا أن الكثير من هذه الأنشودة — الذي لم نقتبسه — خاص بالقوة والبأس اللذين يكسبهما الملك بقوة السحر المتبادل.

ومن الممكن أن تكسير العظام إلى قطع صغيرة واختفاء بعضها قد حدث، هذا إذا سلمنا أن الملك كان يأكل «أبيس» على الطريقة التي كان الملوك المبكرون يأكلون بها الآلهة. وعلى أية حال ليس لدينا أي دليل من السربيوم يحبذ هذه القضية. وقد قال لنا «مريت» في وصف «أبيس» الذي عاش في عهد الملك «سيتي الأول» ما يأتي:٢٣

وكان للضريح … بمثابة ملحق، خلية جانبية، وكانت أبعاده هي نفس أبعاد ضريح «حور»، ولم يكن قد مس بعد مثله. ولكني بدلًا من أن أجد فيه مثوى ﻟ «أبيس»، تعرفت فيه على أربع عشرة آنية كبيرة جدًّا كدست دون نظام ظاهر في وسط الحجرة السفلية (= التي تحت الأرض).

وقد ظننت قبل فتح هذه الأواني أنها تحتوي على الأربعة عشر جزءًا المحفوظة من «أبيس» وهي التي كانت على غرار الأربعة عشر جزءًا التي كان يتألف منها جسم «أوزير» الذي كان قد قطعه «ست» إلى أربع عشرة قطعة. غير أنه عند فحص المواد التي تحتويها هذه الأواني فهمت أن الأربع عشرة آنية الخاصة ﺑ «سيتي الأول» كانت من صنف الآثار العديدة التي من هذا النوع الذي كان قد وُجِدَ في الأجزاء الأخرى من السرابيوم، وأنها لم تستعمل أبدًا إلا لحفظ الماء المقدس؛ وذلك لأنه وُجِدَ فيها الرفات والعظام المتخلفة من الضحايا المذبوحة.

ويتساءل المرء هل هذا الرفات هو «أفخاذ أسنهم» التي جاء ذكرها في متون الأهرام؟

على أن ما ذكره «هردوت» من أن ثيرانًا من نفس النوع كانت قد دُفِنَتْ مع «أبيس» لا يغير من وجه هذه القضية؛ إذ من الجائز أنه يشير إلى دفن ماشية عادية في الجهة المجاورة لمدفن «أبيس»، وهذا هو ما حدث في خلال العصر المتأخر.

ولا بد أن الأواني الكبيرة التي وصفها «مريت» وهي التي كانت في الحجرة إذا ما قرنت بدفنة زمن الملك «حور» (حور محب)؛ كانت تحتوي على «أبيس» نفسه، وأنه من الممكن أن العظام التي تحتويها كانت عظام نفس «أبيس» التي اسْتُعْمِلَتْ بمثابة وقود منفصلة على عظام ثيران أخرى. ويلفت النظر هنا أن الدفنات المبكرة كانت أفقر حالًا. فقبر «حور محب» السليم الذي ذكرناه سابقًا كان يحتوي على أربع أواني أحشاء بالإضافة إلى التابوت الخشبي الذي كان في وسط إطار مستطيل مقام من الحجر الجيري.

ومما يؤسف له أن «مريت» لم يصف لنا بقايا ثيران بعد عهد الأمير «خع-إم-واس». غير أننا نعرف مما جاء في ورقة «أبيس» التي سنتحدث عنها فيما بعد أنه كان هناك نظام تام كامل للتحنيط متبعًا في عهد كل من الملكين «إبريز» و«أماسيس الثاني»، وعلى ذلك قد يكون من المحتمل جدًّا أن هذا العهد هو الذي كان قد بدئ فيه تحنيط العجل «أبيس». وهذا العهد هو الذي أُدْخِلَ فيه استعمال التوابيت الحجرية لدفن «أبيس». والظاهر أن هذا التجديد كان سببه ازدياد العناية بعبادة الحيوان ونموها في تلك الفترة من تاريخ البلاد، أما فقر الدفنات وعدم التحنيط في المراحل الأولى من عبادة «أبيس» فيجب أن يُنْسَبَ إلى تغير الآراء أكثر من نسبته إلى عدم وجود التحنيط في مراحل مبكرة عندما بدأ الدفن في السرابيوم؛ وذلك لأن نظام تحنيط الأجسام البشرية كان متقدمًا في هذا الوقت، ولا بد أنه كانت توجد أموال كثيرة للإنفاق منها للقيام بعمل دفنة جميلة ﻟ «أبيس» على مستوى عالٍ. أما القول بأنه كان لزامًا على الكهنة عند أول تقمص روح الإله ﻟ «أبيس» أن يبتلعوا لحمه، ويقطعوا هيكله إلى قطع صغيرة دون سبب، ثم ترتيب هذه القطع في كومة ووضع صندوق فوقها؛ فإن هذا يعتبر عملًا غريبًا عن أي شيء نعرفه عن العادات المصرية، ولهذا فإنه قد يكون من السخف التفكير في مثل هذه النظرية أو الأخذ بها. ولكن مما لا يكاد أن يُسَلَّمَ به في عصر الأسرة الثامنة عشرة السفسطائية أن يحتم على القوم أن يأكلوا رسميًّا الحيوان المتقمص، ويدفنوا بقاياه مع نقوش على شرف الثور. وإذا كان «أبيس» يُعَامَلُ من جانب الكهنة بأنه ضحية عادية — وبذلك يكون لحمه مباحًا لهم، وهذا اقتراح على أحسن الفروض غير مقبول — فإن ما تبقى لا يكاد يدعو إلى أن يُحْتَفَلَ بدفنه احتفالًا رسميًّا.

وعلى أية حال يوجد تفسير يسير مع كل الحقائق، ويمكن تلخيص الدليل على ذلك فيما يأتي:
  • أولًا: توجد أكوام مؤلفة من عظام الثور يعلوها رأس عُثِرَ عليها في عصر ما قبل الأسرات المبكر، وكذلك وُجِدَ مثال آخر تاريخه غير مؤكد عثر عليه الأستاذ «بيت» في العرابة المدفونة.٢٤
  • ثانيًا: يُلْحَظُ أن أقدم دفنات معروفة ﻟ «أبيس»، على الرغم من أنها تحتوي على بناء علوي وحجرتين، فإن كلًّا منها كانت تشتمل فقط على أربع أواني أحشاء وتابوت من الخشب وكومة من العظام كالتي تحدثنا عنها.
  • ثالثًا: أن الصعوبة الكبرى في قبول الرأي القائل بتقمص أي ثور إله قبل الأضرحة المعروفة هو نظام دفن جسم الحيوان في العهد المبكر. وعلى أية حال فإنه لم يكن من المستطاع أن يمر على الإنسان أي ضريح كبير يشبه البوخيوم أو السرابيوم دون أن يلحظ، كما إنه لم يكن من المستطاع عمل سلسلة كبيرة من الدفنات الفردية بالحجم الذي اسْتُعْمِلَ في دفنة ثور.
  • رابعًا: قد يكون من السهل أن يمر على الإنسان عدد من الدفنات المؤلفة من كومات من عظام ثور دون أن يعلق عليها الإنسان تعليقًا كبيرًا، أو دون تعليق قط في القرن المنصرم عندما كان علم الآثار لا يزال في مهده.
  • خامسًا: أن البقايا التي وُجِدَتْ في السرابيوم تماثل بقوة ما كان يمكن أن يُنْتَظَرَ من نتائج وليمة إلهية فعلية تشبه تلك الوليمة التي جاء ذكرها في أنشودة «أكل لحم الإنسان» التي تحدثنا عنها فيما سبق. وصفات النهم الإلهي أمر مشترك في معظم الديانات، وهذه المزايا بارزة في بعض فروع الدين المسيحي.
وكل هذه الحقائق تكون متصلة بعضها ببعض إذا سلمنا بالنظرية الآتية: كان «أبيس» يتقمصه إله منذ عهد مبكر جدًّا، ومن المحتمل أن هذا التقمص يرجع إلى عهد ما قبل الأسرات، وكان لحمه يؤكل رسميًّا، ويجوز أنَّ آكله كان هو الملك، وقد استمر ذلك على الأقل حتى الأسرة التاسعة عشرة، ومن الجائز حتى الأسرة السادسة والعشرين. وتدل الأحوال على أن دفن «أبيس» في احتفال رسمي على نطاق واسع لم يبتدئ حتى الأسرة الثامنة عشرة، ومنذ هذا التاريخ أخذ دفنه يشبه أكثر فأكثر دفن الإنسان، وذلك بخطوات سريعة. أما تحنيط «أبيس» فلم يُسْتَعْمَلْ إلا فيما بعد، ويحتمل أن ذلك قد حدث في عهد الأسرة السادسة والعشرين، وقد استُعْمِلَ في تحنيطه الطريقة الثانية من طرق التحنيط التي ذكرها لنا «هردوت» (Herod 1, 84)، وكان تحنيط «أبيس» — كما ذكرنا من قبل — يكلف مائة تالنتا وهو مبلغ كبير، في حين أنه على حسب قول «هردوت» كانت هذه الطريقة أرخص من الطريقة التي كانت تستعمل باستخراج الأحشاء. ومن المحتمل أن «هردوت» قد ضلل في هذا الموضوع. ومنذ هذا العهد؛ أي العهد المتأخر وما بعده كان «بوخيس» يموت ميتة طبيعية أو كان يغرق رسميًّا عندما يكون في النزع الأخير، أو كان يغرق فقط بالنيابة.

ويدل ما لدينا من آثار على أن أواني الأحشاء كانت مستعملة في دفن الثور مما يدل على أن أحشاءه كانت تُسْتَخْرَجُ منه بعد موته، غير أنه ليس لدينا دليل على استخراج الأحشاء بعد إدخال عملية التحنيط. ومن المحتمل أن إقامة أضرحة ضخمة تحت الأرض ﻟ «أبيس» وفتحها للشعب في مناسبات خاصة كان بمثابة جزء من عملية ترويج ديموقراطية لأشياء كثيرة (كانت من قبل قاصرة على الملك وأسرته) كانت تقع حوالي هذا التاريخ. وأحسن مثال على ذلك هو التحنيط على الرغم من أنه قد اسْتُعْمِلَ فيما سبق. وبإنشاء مؤسسة رسمية لدفنات «أبيس» قد سُمِحَ للشعب مباشرة بالخصب المفيد الذي يأخذونه من الثور المؤله بدلًا من تسلمه بطريقة غير مباشرة من الملك.

وليس هناك من الأسباب ما يعارض هذه النظرية إلا الشيء القليل. فقد بُرْهِنَ فيما سبق على أن الدليل الذي اسْتُقِيَ من الكتاب الكلاسيين فيما يتعلق بنظرية أن «أبيس» كان يغرق عند بلوغه سنًّا محددًا؛ كان برهانًا ضعيفًا، وليس لدينا ما يبرهن على صحته من أعمال الحفر. ومن المحتمل أن السائحين الذين ذكروا أن «أبيس» كان يغرق قد قدروا خطأ الخمسة والعشرين سنة لحياة «أبيس»، ومن المحتمل أنها كانت مجرد تقدير لمدة حياته (كما يقدر الإنسان المعتاد بسبعين عامًا) بحقيقة أن بعض الحيوانات المقدسة (ولكن غير مؤلهة) كان معروفًا عنها أنها تُقَدَّمُ ضحايا. ومن المحتمل أن تقليد الضحايا المبكرة كما هو مقترح هنا، بالإضافة إلى تحريم شرب ماء النيل على «أبيس»؛ قد ساعد على تكوين مثل هذه الآراء. ومن المحتمل أن الغرق بالنيابة كما اقْتُرِحَ فيما سبق، أو الغرق الرسمي للثور عندما يكون في النزع الأخير؛ كان معموملًا به.٢٥ ومن الجائز أن الغرق كانت الطريقة للقتل في الأزمان المبكرة.

وليس لدينا مصادر تشير إلى الثور العائش في الأزمان التي سبقت وجود السرابيوم، ولكن المصادر التي في متناولنا — باستثناء اللوحات الرسمية — معظمها وصلت إلينا مما دونه لنا الرحالة الأجانب، هذا مع العلم بأنه لم يكن لدينا مصادر في هذا الصدد قبل العهد الإغريقي.

وقد عُثِرَ على دفنة في السرابيوم يقوي ما وجد فيها الفرض الذي فرضناه هنا. وهذا المصدر جدير بأن يُقْتَبَسَ هنا بحذافيره نقلًا عن «مريت»٢٦ وهاك النص:

هذه الحفائر (= نسف عقبه بالبارود) كان نتيجتها كشفًا لا زلت أشعر حتى الآن أنه من الصعب علي أن أعطي رأيًا بقيمته. فقد وُجِدَ بالضبط في المكان الذي تداعت فيه قبة المقبرة تابوت من الخشب ومومية بشرية. وكان التابوت غائرًا بعمق في الأرض، وقد وُجِدَ جزؤه العلوي مفتتًا، غير أن المومية وجميع الأشياء التي تتألف منها زينتها الجنازية لم تكن قد مُسَّتْ بعد. والتلف الوحيد الذي كان قد أصابها سببه رطوبة الأرض. وكان يغطي وجه المومية قناع من الذهب، وكان معها عمود صغير من حجر الفلدسبات الأخضر وقرط من اليشب الأحمر، وكانا يتدليان من سلسلة من الذهب المطروق في رقبة المومية. وكذلك وُجِدَتْ سلسلة أخرى من الذهب معلقًا فيها تعويذتان من اليشب، والكل نُقِشَ عليه اسم الأمير «خع-إم-واست» بن «رعمسيس الثاني». ووُجِدَ على صدر المومية جوهرة عجيبة، وهي عبارة عن صقر صِيغَ من الذهب، ورصع بالأحجار الثمينة، أما ذراعاه المنتشرتان فكانتا موضوعتين على الصدر. وكذلك وُجِدَ ثمانية عشر تمثالًا صغيرًا من الخزف المطلي لها رءوس آدمية، ونُقِشَ عليها المتن التالي: «أوزير-أبيس» الإله رب الأبدية. وهذا المتن نُقِشَ حولها.

وبعد ذلك استمر «مريت» يناقش دهشته عندما وجد مومية رجل في مقبرة «أبيس» وقد قدم تفسيرًا لذلك عدة نظريات تفسر سبب دفن رجل في مقبرة «أبيس». وعلى أية حال نراه فيما بعد بطبيعة الحال بعد أن فحص المومية (راجع Mariette Ibid., P. 146) يقول: وعلى ذلك فإن المومية الأخرى كان قد مات صاحبها في العام الخامس والخمسين. وهذه الملحوظة لها أهمية إذا كانت المومية التي جُمِعَتْ بقاياها بدلًا من أن تكون مومية «أبيس» كانت مومية «خع-أم-واس» نفسه، وهذا كان أمرًا ممكنًا، وهذه النقطة الجديدة تستحق شرحًا طويلًا. وليتصور الإنسان مومية في هيئة آدمية قد أُتْلِفَ جميع جزئها السفلي من أول الصدر، وكان يغطي وجهها قناع من الذهب السميك محفوظ الآن بمتحف اللوﭬر، وكانت حول رقبتها سلسلتان كذلك من الذهب، عُلِّقَ في إحداها ثلاث تعاويذ مدلاة. أما من الداخل فإن هذه المومية قد انحسرت عن جرم من الأسفلت المعطر، فاختلط بذلك قطع عظام لا شكل لها، وقد وُجِدَتْ في وسطها جوهرتان أو ثلاث لها حواجز من الذهب، ومطعمة بلويحات من الزجاج. وعند هذه النقطة يقول «مريت» إنه وجد جعرانًا وبعض تماثيل جنازية بهيئات بشرية، وكذلك قطعة أو قطعتين من الآثار، وبعد ذلك يستمر قائلًا: وها هو «أبيس» الذي نتحدث عنه. ويمكن أن يقدر الإنسان مقدار الحيرة التي أوجدنا فيها هذا الكشف، وبخاصة عندما نعلم أن كل الآثار التي وُجِدَت على المومية التي نحن بصددها لا تشمل شيئًا آخر غير لقب «خع-أم-واس» واسمه، وعلى العكس نجد أن جميع ما وجد فيما يحيطها يُذْكَرُ عليه اسم «أوزير-أبيس» ووظائفه العادية. فهل هناك «أبيس»؟ وهل هناك مومية «خع-أم-واس»؟ وعلى الرغم من أنه كان من الضروري فحص عظام هذه المومية ليكون الإنسان على يقين تام إذا كانت عظام ثور أو عظام إنسان؛ فإن المجال لا يسمح للنقاش في هذا الموضوع؛ وذلك لأن دفنة مومية ملكية بأية صورة غير كاملة تُعْتَبَرُ من الأمور التي لا يمكن التفكير فيها. فعدو الإنسان فقط هو الذي يفكر في إتلاف جسمه قبل الدفن، كما إنه لا تُدْفَنُ بقاياه بكل الحقوق التي يتمتع بها «أبيس» عند الدفن، ولا يمكن أن يكون لدينا شك يقبله العقل بأن العظام كانت عظام «أبيس» دفنت لتقلد من وجوه عدة جسم أمير.

يدل على ذلك أنه حتى يومنا هذا نجد عندما يُشْفَى أحد الأقباط من مرض خطير يُذْبَحُ له عجل. وكان على المريض الذي في دور النقاهة أن يخطي جسم الذبيح؛ لأجل أن تترك الروح الشريرة جسمه، وتدخل في دم العجل المذبوح.

والآن يتساءل الإنسان هلا يكون من الممكن أن هذه الدفنة كانت بمثابة دفنة بدلًا لدفنة الأمير «خع-أم-واس»؟ وتفسير ذلك أن الأمير «خع-أم-واس» لما مرض أخذ يبحث لنفسه عن علاج بالالتفات العظيم ﻟ «أبيس»، وأخيرًا ذُبِحَ «أبيس» وأكله هذا الأمير؛ لينال بذلك صحة وقوة. وبعد ذلك تُدْفَن بقايا الثور «مع مرض» الأمير (؟). على أنه يكاد يكون من ضروب المستحيل أن يجد الإنسان أي تفسير آخر لهذه الدفنة التي تخطت حد المألوف؛ وتقديم هذا الحل هنا — الذي يتفق مع كل الحقائق — يؤكد نظرية موت «أبيس» كما استعرضناها فعلًا.

وأول دفنة أقيمت في السرابيوم كانت تحتوي على تابوت من الجرانيت يرجع تاريخها إلى الأسرة السادسة والعشرين، وهو التاريخ الذي يشير إليه وصف التحنيط في ورقة «أبيس». وقبل ذلك العهد كانت تُسْتَعْمَلُ توابيت من الخشب فقط لدفن «أبيس». وتحدثنا الآثار أن «بسمتيك الأول» قد ابتدأ سلسلة حجرات جديدة في السرابيوم على نطاق أكبر من أسلافه، وقد تحدثنا عن إصلاحات هذا الملك في السرابيوم والتجديدات التي قام بها هنا في الجزء الثاني عشر من هذه الموسوعة. وكذلك أعطى الملك «نقطانب الثاني» عناية كبيرة لهذه المدافن؛ فبنى معبدًا صغيرًا بجوار مدخل السرابيوم، والحجرات الكبيرة التي أقامها «بسمتيك الأول» ظلت باقية حتى منتصف حكم الملك «إيرجيتيس الثاني». وقد أشار «مريت» في كتاباته إلى مكان في السرابيوم ظل قائمًا حتى عهد الإمبراطور «تيودوسيوس» Theodosius، وفي مكان آخر أشار إلى دفنات للعجل «أبيس» ترجع إلى آخر عهد أباطرة الرومان، غير أنه مما يؤسف له لم نعرف ماذا وجد في هذا العهد المتأخر بسبب مطبوعاته التي لم تكن قد تمت بعدُ عند وفاته.
وجهلنا بالأشياء الذي وجدها «مريت» شيء يؤسف له كثيرًا. فمن بين الأشياء التي أشار إليها في كتابه عن السرابيوم (والتي لم تُذْكَرْ في فهرسه الخطي المحفوظ باللوﭬر) الكثير الذي كان يُعْتَبَرُ غير جدير بالمحافظة عليه، ومن المحتمل أنه إذا أُعِيدَ فحص أتربة الحفائر التي قام بها في منطقة سقارة، وكذلك لو حُفِرَتِ المقابر التي حفرها من جديد، وبخاصة تلك التي ليست معروضة للجمهور؛ لأتت بنتائج مفيدة لعلم الآثار. ولا أدل على ذلك من الحفائر التي قمت بها في منطقة سقارة وجدت فيها أشياء جديدة لم يكن «مريت» قد كشف عنها، وكذلك وجدت نقوشًا لم يكن قد نقلها (راجع: Excavations at Sakkara, Vol. 2). وفضلًا عن ذلك نجده قد ترك ثلاث دفنات من عهد الرعامسة المتأخر جدًّا (رعمسيس الرابع كما يقول «مريت») لم تنظف تمامًا.

هذا، ولم يظهر أي نشر علمي عن هذه المقابر. ومن المحتمل أن القيام بمثل هذه الحفائر يمكن أن يأتي بمحصول علمي كبير، وبلا شك سيكون لدينا بذلك بيانات أكثر عن «أبيس» وعبادة الثور من التي نشرها «مريت» عن حفائره في سقارة خاصة بالسرابيوم.

وأهم الآثار التي يمكن تتبعها من أعمال الحفر التي قام بها «مريت» اللوحات الرسمية، ومن بينها ثمانية كان قد أُعِيدَ إقامتها، وترجع اثنتان منها إلى عهد البطالمة. يُضاف إلى ذلك حوالي مائة وعشرين لوحة لأفراد. ومعظم هذه اللوحات دُوِّنَ باللغة الديموطيقية. وقد نُشِرَتْ كلها في صورة مجموعة.

ويا حبذا لو جمع علماء الآثار الفرنسيون كل ما لم ينشره «مريت» ونشروه نشرًا علميًّا. وعلى أية حال فإن قائمة الآثار التي كشف عنها «مريت» كثيرة جدًّا لا يمكن نشرها هنا حتى ولو بصورة مختصرة.

ومن المعلوم أن السربيوم قد نمت وتطورت مبانيه على حسب العصور التي مر بها حتى أصبح في العهد البطلمي من أهم المراكز الدينية، فقد وُجِدَ في داخل حرمه مؤسسات صغيرة لعدة آلهة كما ذكرنا ذلك من قبل، وكان فيه مراكز حضانة كان يأوي إليها المرضى من كل فج طالبين البرء من أمراضهم. ومن المحتمل أن مؤسسة السرابيوم كانت قد استمرت حتى عهد الإمبراطور «تيودوسيوس». وقد سجل ثور «أبيس» لعام ٣٦٢ ميلادية، وقد ذكر لنا هذا «إميانوس مارسيللينوس» (راجع: Ammianus Marcellinus XXII, 14, 6) غير أننا لا نعرف إذا كان «مريت» قد كشف دفنات ﻟ «أبيس» من عهد الرومان. والظاهر أن عدم وجود لوحات رسمية من هذا العهد يجعل من غير المحتمل وجود أي كشف ﻟ «مريت» في العهد الروماني خاصًّا بالعجل «أبيس».
ومما يُؤْسَفُ له أن «مريت» لم يكن مهتمًّا بدفنات البقرات، وربما كان سبب ذلك هو أن الأشياء التي كانت تُدْفَنُ مع البقرات كانت أقل قيمة من حيث المادة. ولا تُعْرَفُ لوحات لبقرات وُجِدَتْ في السرابيوم. ومن جهة أخرى لم يكن للبقرات لوحات خاصة بها؛ وذلك لأن البقرات كانت تمثل على لوحات الثيران. وكانت في أغلب الأحيان تمثل بجسم إنسان وقرني بقرة. هذا، ولم يذكر «مريت» في سرابيوم «منف» دفنات البقرات إلا مرة واحدة، وكان ذلك عرضًا، ولكنه كان يتحدث بوضوح أكثر في مقالة عن أم «أبيس» (Mémoire sur la Mère d’Apis) فيقول في الصفحة الرابعة عشرة من هذا المقال: لقد وجدت في قبوة بقرات في الشمال من السرابيوم دفنة سليمة لشخص نذكر من بين ألقابه الطنانة الرنانة لقب الكاهن خادم الإله لأم أبيس، هذا بالإضافة إلى لوحة محفوظة الآن بمتحف اللوﭬر باسم شخص يدعى «وننفر» بن «بتوزريس»، وكان يحمل كذلك لقب الكاهن خادم الإله لأمهات «أبيس». وفي هذا نجد أن الآثار تتفق إذن مع ما ذكره «سترابون» … إلهتنا لها رأس بقرة، ويدها مسلحة بصولجان عادي الآلهة، كالذي يُرَى على لوحات السرابيوم … (وهي) أم «أبيس».

ومما يؤسف له أن تقرير «مريت» عن حفر هذا الضريح ليس وافيًا؛ لأنه ليس من المؤكد إذا كان المقصود هنا هو دفنة أم «أبيس» كما يغلب على الظن أو أنها فقط إحدى هذه الجبانات الخاصة لماشية أكثر تواضعًا أُقِيمَتْ حول السرابيوم. أما عن عذرية أم «أبيس» فسنتناول عنها الحديث فيما بعد.

(٤) الثور «بوخيس» والملك «نقطانب الثاني»

لقد اهتم الملك «نقطانب الثاني» (نخت حور-حب) اهتمامًا خاصًّا بسرابيوم «منف»، وفي عهده نجد للمرة الأولى ذكر الثور «بوخيس» ومدفنه المسمى «بوخيوم»، وذلك على الرغم أنه قبل هذا العهد لدينا البرهان على وجود ثور «المدمود» الذي وحد فيما بعد بالثور «بوخيس». فقد ظهر ثور «المدمود» في موكب في عهد الملك «رعمسيس الثالث». غير أن هذا لا يُتَّخَذُ برهانًا قاطعًا على وجود إله متقمص ثورًا في ذلك التاريخ، ولكن ذلك يقدم لنا برهانًا قويًّا على هذا الرأي.

حقًّا كانت توجد عبادة ثور في «المدمود» في عهد الأسرة الثانية عشرة. ويعتقد الأستاذ «فيرمان» أنه قبل عهد الفرعون «نقطانب الثاني» كان يوجد ثور متنقل يزور «أرمنت» و«المدمود» و«طود» و«طيبة»، وقد برهن على ذلك بقوله:٢٧
غالبًا ما ذُكِرَ أن «بوخيس» كان هو نفس ثور «منتو»، ومما لا جدال فيه أن الإله «منتو» لم يصل إلى علاقة وثيقة مع عبادة الثور، ولكن سواء أكانت هذه العلاقة أصلية ونظرية في طبيعة «منتو»، فإن هذا موضوع آخر قابل للشك. ويدل ما لدينا من نقوش على أن ألقاب الثور «بوخيس» تؤكد أنها تميل كل الميل لعبادة «رع»،٢٨ وإن مكانة «منتو» بالنسبة للإله «بوخيس» كانت ثانوية محضة، وعلى ذلك فإن «بوخيس» كان في الأصل من أرومة شمسية، ومن المحتمل أنه لم يكن له علاقة بالإله «منتو». ومن ثم يكون من الأمور الغريبة أن «منتو» كان في بادئ أمره ثورًا مؤلهًا. ولدينا دليل آخر على أن صلة «منتو» بالإله «بوخيس» ليست أصلية فيما نلحظه في لباس الرأس الذي كان يرتديه الإله «منتو»؛ فلباس الرأس الخاص بهذا الإله هو قرص الشمس الذي يعلوه ريش النسر المستقيم، ونجده كذلك حتى عندما يمثل برأس ثور.٢٩ والآن نجد أن «بوخيس» عادة كان يرتدي على رأسه قرص الشمس وريش النعام. ويقول «فرمان» إنه لا يُعْرَفُ أي مثل ﻟ «بوخيس» في صورة بشرية، ولكن كان يُمَثَّلُ برأس ثور، ولا يحمل إلا ريش نعام فقط.٣٠ على أن هذه النقطة الأخيرة قد لا تكون ذات أهمية، ولكن الفرق بين لباس رأس «منتو» وبين لباس رأس «بوخيس» يمكن أن يشير إلى خلاف في الأصل الذي نبع منه كل منهما. ومسألة التيجان المختلفة من المسائل التي لم تُدْرَسْ بعد درسًا دقيقًا. غير أن الكفة الراجحة في موضوعنا تميل الآن إلى أن التاج المزين بريش نعام من أصل شمالي أي من الوجه البحري.٣١
ويتساءل المرء كيف حدث أن عبادة «بوخيس» قد تمركزت في «أرمنت»؟ ولماذا كان «بوخيس» مرتبطًا بالإله «منتو»؟ والبراهين التي في متناولنا للجواب على هذين السؤالين ضئيلة بشدة، ولكن إذا سلمنا على الأقل بالصلات الشمسية ﻟ «بوخيس» وعلاقته ﺑ «رع»، فإنه من الممكن تقديم تفسير منطقي لهذين السؤالين؛ فالصلات الشمسية لعبادة الثور قد اعْتُرِفَ بها منذ زمن بعيد (فمثلًا لا بد أن نفسر عبادة «منيفيس» في تل العمارنة (راجع: Davis Rock Tombs of el Amarna, Vol. XXXII, 21) بصلة «رع» بعبادة الثور) ومن المعقول أن نقترح أنه عندما أخذت عبادة الشمس تنتشر فإن حب المصري لنظام الثنائية في الموازنة بين الوجه القبلي والوجه البحري قد تطلبت منه أن يؤسس في الوجه القبلي عبادات ثور مماثلة لتلك العبادات الموجودة فعلًا في الوجه البحري. ويمكن الإنسان أن يخاطر بفكرة في تفسير اختيار «أرمنت» مركزًا و«منتو» إلهًا لعبادة الثور في إقليم «طيبة». ويظهر أن تفسير ذلك يرجع إلى أن «أرمنت» كانت تُعْتَبَرُ بوجه خاص مرتبطة بعبادة الشمس. فقد كان يوجد معبد للإله «أتون» في «أرمنت»، وكان الكاهن الأكبر ﻟ «أتون» في «أرمنت» يُدْعَى «ور-ماو» (= الرائي الأعظم).٣٢ ويقول في ذلك «كيس»: بعد كل شيء يظهر لي أن تأثير تعاليم الشمس الهليوبوليتية قد وصلت إلى «طيبة» وبوجه خاص إلى «أرمنت».

ومن جهة أخرى لا يمكن الإنسان أن يتغاضى كلية عن إمكان وجود علاقة بين «بوخيس» و«منتو» وأن هذه العلاقة كانت ترجع إلى بعض رابطة بين الإله «مين» والإله «منتو». غير أن هذه أمور تعوزنا لإثباتها البراهين، ولا بد من تتبعها.

وعبادة «بوخيس» كما نعلم حديثة العهد نسبيًّا؛ إذ إن نفس اسم «بوخيس» لم يكن معروفًا قبل عهد الملك «نقطانب الثاني». ومن الجائز أن ذلك كان نتيجة لعناية «نقطانب الثاني» بالعبادات الوطنية وبعبادة الحيوانات، وكذلك إلى رد الفعل في العهد المتأخر الذي قام به المصريون على الغزو والسيطرة الأجنبية. وقد وجد رد الفعل هذا متنفسًا في بعث جديد يشجعه عناية مبالغ فيها للعبادات المصرية الخاصة، وفوق كل شيء عبادة الحيوان.٣٣ وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق.

وعلى أية حال يظهر من غير معقول أن عبادة «بوخيس» قد ظهرت إلى حيز الوجود في عهد الملك «نقطانب الثاني»، ولذا فإنه من الصواب أن نقوم ببحث لنعرف من نتائجه إذا كان هناك أي شيء قد وجد؛ ليكون مقدمة لنموذج سابق لصورة «بوخيس» المتطورة فيما بعد من هذا النموذج.

ونقطة البداية عندنا في هذا البحث هو الإله «منتو»، والعلاقة بين «منتو» والثيران ترجع على الأقل إلى عهد الدولة الوسطى. فلدينا في لوحة «نسومنت»٣٤  Nesumonth الجملة التالية: لقد كنت الوحيد الذي يمكن أن يُسَمَّى ثور «منتو». والواقع أنه قد اقترح أن النعت «الثور الجبار» الذي كان يُنْعَتُ به الفرعون منذ عهد «بطليموس الأول» كان قد تأثر بأهمية «منتو» في إقليم «طيبة» (راجع Sethe, Amun. § 5).
وكان الإله «منتو» يُعْبَدُ في أربع بلدان في مقاطعة «طيبة» وهي: «أرمنت»، و«المدمود» و«طود» و«طيبة». وقد وردت هذه الحقيقة في المتون المصرية. مثال ذلك: أن اسم فلان يبقى مثل أسماء «منتو» الأربعة في مدنه.٣٥ ونجد نفس الفكرة عند ذكر وجوه الإله الأربعة (Sethe. Ibid. § 6 No. 5)، ويوجد تطور لفكرة الأربعة «منتو» يستحق الذكر. فقد ذكر لنا متن أنها تتحد في واحد (راجع: L.D. Text IV., 7). وأخيرًا ذُكِرَ أن هذه الأشكال الأربعة قد اتحدت في ثور واحد؛ أي إن «منتو» أرمنت ومدمود وطيبة وطود قد توحدت مع «نوت» و«نياو» و«حوح» و«كوك» على التوالي. وهذه الآراء قد وضحت في ألقاب «منتو» التالية:
  • (١)
    أربعة الذكور لثامون «الأشمونين» التي أجسامها قد وُحِّدَتْ في ثور (راجع: Ibid. T. 30 b).
  • (٢)
    أربعة الذكور للآلهة الأزلية التي اتحدت أجسامها في ثور قرناه حدان (Sethe. Ibid. 16,110 = 117).
  • (٣)
    ذكور الثامون الموجودة في «منتو» (= Theb. T. 6 b ).
  • (٤)
    ذكور الثامنون المتحدة في واحد (= L.D. IV 64 a).
  • (٥)
    (الأربعة «منتو») قد اتحدت في تمثال في هيئة «منتو». وأنها تجدد نفسها هنا في المدمود بمثابة أربعة ذكور أمام والدها «تنن». (Chronique d’Egypte No 12 July 1930, 266).

ومما سبق نشاهد أسبابًا قيمة تنسب أن أشكال «منتو» الأربعة المحلية كانت ثيرانًا، وكانت تُعْتَبَرُ أنها تتقمص ثورًا. ولكن مما يؤسف له أن كل المتون التي اقتبسناها من عصر متأخر، وبقي علينا أن نعرف إذا كانت هذه الأفكار أو ما يشابهها موجودة في العصور المبكرة.

ولا بد أن نعترف هنا أن البحث في هذا الموضوع لن يكون كاملًا إلا بعد إتمام حفر منطقة «أرمنت»، ومع ذلك يمكن القول في هذا الصدد:

  • أولًا: «أرمنت» يتضح من متون العصر المتأخر وكذلك من لوحات «بوخيس» وكذلك لوحات القرابين؛ أن «أرمنت» كانت تُعَدُّ مسكن «بوخيس» مدة حياته، وأن البوخيوم كان مكان دفنه. ومما يؤسف له أنه ليس لدينا الآن أية براهين عن العصور المتأخرة تدل على عبادته في هذا المكان. وليس لدينا إلا متن واحد جاء فيه: «منتو» رب «طيبة» (الكا) نزيلة «أوني».٣٦ وعلى أية حال لدينا متن من معبد «منتو» بالكرنك (B. I. F. A. O. XII, 80) يقدم لنا بعض ألقاب هامة للإله «منتو» وهي: «منتو-رع»، رب «طيبة»، (الكا) نزيلة «أونو» («أرمنت»)، وسيد «المدمود» نزيل (= الذي في) «طود». ولا نزاع في أن وجود عبارة (الكا) نزيلة «أونو» (أي الذي في) في زمن كان فيه «بوخيس» كما نعرفه على قيد الحياة؛ يُعْتَبَرُ من الأمور الهامة جدًّا.
    ومما يطيب ذكره هنا أنه ليس من الأمور النادرة أن نجد في المتون المصرية التي من العهد الروماني وكذلك من العهد البطلمي كلمة «أونو» قد كُتِبَتْ بدلًا من «أونوشمع». وعلى ذلك فإنه ليس لدينا شك محس في أن الصورة المحلية لثور «منتو» صاحب «أرمنت» كانت «بوخيس» في العهد المتأخر، وأنه على الأقل منذ الأسرة الثامنة عشرة٣٧ كان يوجد ثور «منتو» في هذه البلدة أي «أونو شمع» (= «أونو» الجنوب؛ أي «هليوبوليس» الجنوب، وبذلك تتألف الثنائية).
  • ثانيًا: «المدمود» لقد برهنت نتائج الحفائر التي عُمِلَتْ في «المدمود» بصورة قاطعة على وجود ثور تقمصه الإله «منتو» هناك منذ الأسرة الثانية عشرة، ونفس هذه الحقيقة معروفة من كل نقوش العصور التاريخية المصرية التي أتت بعد ذلك حتى العهد الروماني. وأكثر العبارات شيوعًا في هذه المتون العبارة التالية: «منتو» رب «طيبة» الكانزيلة «المدمود»، و«الكا» العظيمة جدًّا المبجلة في المدمود. أو «الكا في المدمود». وأقدم إشارة للثور الذي في «المدمود» جاء ذكرها في عهد «سنوسرت» الثالث.٣٨
    وفي عهد الأسرة الثالثة عشرة نجد فضلًا عن الأدلة التي نتجت من الحفائر الفرنسية التي قام بها المعهد الفرنسي، وفي ورقة بولاق الخاصة بالحسابات (A. Z. XXIX, 102 ff.) وكذلك فيما كتبه «شارف» (A. Z. LII, 51 ff.) ما قد يلقي بعض الضوء على وجود عبادة الثور في «المدمود» في ذلك العهد.
    وفي عهد الملك «تهرقا» سجل العظيم «منتو محات»٣٩ الأعمال التي أداها في «المدمود»: فيقول: لقد (صنعت) ثور المدمود في هيئته المقدسة وأقمت معبده، وكان أكثر جمالًا عما كان عليه من قبل.٤٠ ومما تجدر ملاحظته هنا أنه على حسب هذا المتن لم يكن ثور «المدمود» حيوانًا عائشًا، وأقل ما يُقال أنه مما يصعب تصديقه على ما يظهر أنه إذا كان يوجد ثور يعيش باستمرار في «المدمود» فلا بد أن تكون له صورة كما جرت العادة في معبده.
    ويمكن تلخيص صفات ثور «المدمود» فيما يلي:
    • (١) أنه كان قد اشترك في حروب مع ثيران أخرى في ساحة خاصة.
    • (٢) أنه كان في قدرته أن يشفي الأمراض، وبخاصة أمراض العين.٤١
    • (٣) وكان له وحي٤٢ ويذكر «كيس» أن «بوخيس» هو الذي كان له وحي في «المدمود».٤٣
    • (٤) كانت اللفظة الهيروغليفية الدالة على الثور تُكْتَبُ أحيانًا باللون الأزرق. وهذا اللون هو لون السماء، وهذا يدل دون أي شك على أن طبيعة ثور «المدمود» كانت شمسية (راجع: Drioton, 1925, Pt. II, 6, and Inscr. 80 p. 38).
    وأخيرًا لا بد من ذكر شيء باختصار عن تمثال «أحمس» بن «سمنتدس» (Cairo 37075, No. 197, of the Kannak Cache). كان «أحمس» كاهنًا (خادم الإله) للملك «نقطانب الثاني»، وألقابه الأخرى هي المحنط والمطهر الإلهي، والذي يدخل في دفنه الثور الذي في «المدمود» (يقصد بوخيس).
  • ثالثًا: «طيبة» إن الصيغة الدينية التي من طراز: «منتو» … (الكا) نزيلة «طيبة» يظهر أنها غير معروفة. ولا بد أن يعترف الإنسان أنه ليس لدينا أي برهان قاطع على وجود صورة ثور ﻟ «منتو» في «طيبة». ومع ذلك لا يكاد الإنسان يشك في أن مثل هذا الثور لا بد كان موجودًا هناك، وأن عدم وجود البراهين على ذلك قد كان محض صدفة، وأنه من الممكن دائمًا أن ثور «منتو» في «طيبة» كان قد طغى عليه في عهد مبكر بعض إله آخر. وقد رأينا أنه كان يوجد ثور أبيض له صلة بالإلهة «مين» في «طيبة» في زمن «رعمسيس الثالث»، وكان بينه وبين «بوخيس» وجه شبه كبير، وقد عده «جوتييه» أنه هو نفس «بوخيس» (راجع Gauthier, Les Fêtes de Dieu Min, P. 83) غير أن في ذلك نوع من المبالغة يجب التحفظ عند الأخذ بها.
  • رابعًا: «طود» إن وجود ثور مقدس في «طود» أمر معروف تمامًا. وقد نشر الأثري «لجران» المعلومات الدالة على ذلك (راجع: B.I.F.A.O. XII 109 ff). وفي عهد «تحتمس الثالث» يظهر أن المعبد هناك كان يُسَمَّى «حت كا» (قصر الثور).٤٤ ويوجد نفس الاسم في متن من «أرمنت».٤٥ ويظهر «منتو» صاحب «طود» نفسه في صورة بشرية برأس ثور.٤٦ وأخيرًا نجد الثور مصورًا على جدران المعبد (Ibid. p. 109). وقد استخلص الأثري «فرمان» من بعض متون أوردها٤٧ أن الثور الذي مُثِّلَ على جدران معبد «طود» هو «بوخيس» نفسه على ما يُظَن، ولكنه لم يجزم بذلك.

    وعلى أية حال لا بد أن نثبت هنا النتائج الرئيسية التي نستخلصها من هذا البحث بصورة مختصرة:

    • أولًا: ليست هناك علاقة محددة بين الإله «منتو» وعبادة الثور حتى الأسرة الثانية عشرة.
    • ثانيًا: أن عبادة ثور «منتو» ترجع بنا إلى عهد الأسرة الثانية عشرة. وفي «أرمنت» و«طود» ترجع إلى الأسرة الثامنة عشرة. ومن المعقول أنه إذا قامت حفائر جديدة فإنها ستظهر أن كل هذه الأشكال المحلية قد نبعت في عهد واحد لا يتعدى الأسرة الثانية عشرة.
    • ثالثًا: أن أعم صيغة في ألقاب أشكال الثور المحلي للإله «منتو» هي: «منتو» رب كذا و(الكا) نزيل كذا. وهذا يدل — على ما يظهر — على أن الثور لم يكن الإله الرئيسي في أي من هذه الأماكن، ولكنه كان إلهًا ثانويًّا، أو بعبارة أدق: إلهًا زائرًا؛ لأن عبارة «حري-اب» تعني الزائر. والواقع أن ثيران «منتو» في «أرمنت» و«المدمود» و«طيبة» و«طود» لم تُعْتَبَرْ أبدًا آلهة أصحاب مكانة عظيمة في تلك الأماكن، وأن الثور الوحيد للإله «منتو» الذي له الحق أن يكون الإله الرئيسي للمكان هو «بوخيس» بوصفه سيد «حت اتم» (= البوخيوم). فمثلًا لم يكن «بوخيس» أبدًا سيد «طيبة» أو «أرمنت» وحتى في العهد البطلمي كان ثور «أرمنت» يُدْعَى «نزيل» تلك المدينة.
    • رابعًا: في عهد الملك «تهرقا» كان معبد «المدمود» يحتوي على تمثال الثور.
    • خامسًا: يظهر أن «بوخيس» كان حاضرًا (بوصفه زائرًا؟) في «طود» في عهد البطالمة.
    • سادسًا: كانت أشكال «منتو» الأربعة المحلية تُعْتَبَرُ ثورًا واحدًا.٤٨ ولا بد أنها كانت تتزاور فيما بينها في فترات محددة، ويحتمل أن ذلك كان مرة في كل شهر. هذا، ونلحظ أن الأستاذ «زيته» قد أشار في العبارة التالية: «أن ذكور الثامون قد اتحدت في ثور»؛٤٩ (أي وحدت في ثور واحد)، والثور المقصود هنا بلا نزاع هو «بوخيس» وأنه في الحالات الأخرى جميعها التي اقتبسناها فيما سبق كان الثور المقصود هو «بوخيس». وعلى ذلك ينتج أنه حتى في العصور المبكرة لم يكن يوجد ثور حي منفصل في «أرمنت» و«المدمود» و«طود» و«طيبة»، بل كان كل منها متحدًا في ثور واحد، كان يزور كل مدينة من المدن السابقة على التوالي، وكان يُمَثَّلُ في غيابه بتمثاله المقدس.

والمفروض أن ما ذُكِرَ هنا ليس إلا نظرية أقيمت على براهين ليست فوق الشبهات، ولكن يمكن إضافة حقيقة أخرى هنا قد تقوي بعض الشيء هذه النظرية، وذلك أن «دريتون» قد نشر أربعة تماثيل للإله «منتو» (برأس ثور) سمى كل واحد منها باسم واحد من أربعة الأشكال المحلية للإله الذي قيل عنه إنه يسكن في حظيرة ثور «مدمود». فهلا تكون الإشارة هنا لزيارة أربع الصور الخاصة بالإله «منتو» مجتمعة في ثور واحد، لمعبد المدمود؟

وهكذا نحصل على إعادة تأليف تاريخ «بوخيس» فيما يلي: في العهد الذي سبق عهد حكم الفرعون «نقطانب الثاني» كان «بوخيس» يتقمص أربعة أشكال الإله «منتو»، وبهذا الوصف زار المدن الرئيسية للإله «منتو» كلا بدورها. وفي هذا العهد على ما يظهر لم يكن قد أُطْلِقَ عليه اسم مميز له. وعلى أية حال نجد أن «نقطانب الثاني» قد أسهم في تطور طبيعة الثور وجعله إلهًا هامًّا مساويًا لكل من «أبيس» و«منيفيس»، ولكن «بوخيس» استمر في زيارته المنظمة لبلاد إقليم «طيبة».

ومهما يكن من أمر فإن هذه النظرية التي وضعها الأستاذ «فيرمان» — على الرغم مما فيها من ثغرات — فإنها تُعْتَبَرُ أحسن ما كُتِبَ عن «بوخيس» إلى أن تظهر متون أخرى تنقض بعض ما جاء فيها أو كله، أو على العكس تثبت صحتها من كل الوجوه.

(٥) الموازنة بين «بوخيس» وبين «أبيس» و«منيفيس»

لا بد أن نفهم أولًا أن النظرية القائلة أن «نقطانب الثاني» قد دفع إلى الأمام من جديد عبادة ثور «المدمود» باسمه الجديد «بوخيس»، وأنه أمده بمدفن جديد أطلق عليه اسم البوخيوم، أو أن نفس الملك قد أدخل فكرة تقمص الإله الثور تقليدًا لكل من الثورين «أبيس» و«منيفيس»؛ هذه النظرية يعتورها الشك والغموض. على أنه لو كانت مسألة التقمص حقيقية فإن «نقطانب» لم يَقُمْ بها إلا ليكسب محبة أهل الجنوب الذين كانوا غرباء بالنسبة له. ومما يلفت النظر هنا أن البيانات التي توضح لنا أوجه الشبه وأوجه الخلاف بين الثور «بوخيس» من جهة وبين كل من الثورين «منيفيس» و«أبيس» من جهة أخرى، دقيقة لدرجة أنه قد أصبح من الصعب استخلاص شيء منها.

وسواء أكان موجودًا ثور يتقمصه إله في «أرمنت» قبل عهد الملك «نقطانب الثاني» أم لا، فإن التغيرات التي أُدْخِلَتْ في عبادته في ذلك الوقت كانت أساسية لدرجة أن أصبح مؤكدًا أن نعتبر حكم هذا الفرعون بداية تاريخ الثور «بوخيس».

بوخيس

كان «بوخيس» يُنْتَخَبُ من بين عجول ذات سن مناسب، على شرط أن يكون به علامات خاصة تميزه عن نوعه. وكان هذا العجل على حسب قول «ماكربيوس»٥٠ يغير لونه كل ساعة، وذكر لنا هذا المؤلف كذلك أن هذا العجل كان أشعث اللون بشعر ينبت إلى الخارج، وذلك على عكس كل الحيوانات. وكانت بشرته بيضاء ورأسه أسود. ولسنا في حاجة إلى القول بأن الوصف الأول الذي وصفه به هذا المؤرخ، الثور «بوخيس»، ما هو إلا حديث خرافة نقله عن نسج خيال التراجمة. أما الوصف الآخر فهو بلا شك له بعض العلاقة بالحقائق المعروفة عن هذا الثور. ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن علماء الآثار الذين قاموا بالحفائر العلمية في «أرمنت» لم يكن في استطاعتهم الحصول على قطعة من جلد ثور من ثيران «بوخيس»، كما لم يسعدهم الحظ حتى بالعثور على جلد بقرة؛ ويرجع السبب في ذلك إلى رداءة طبيعة التربة التي دُفِنَتْ فيها هذه الثيران، يُضاف إلى ذلك أن تحنيط هذه الثيران لم يكن متقنًا لدرجة كافية. ويقول الدكتور «جاكسون» — في التقرير الذي وضعه عن فحص عظام هذه الحيوانات وأنسجتها وتركيبها — إنه لم يجد شذوذًا في تركيب هياكلها. فقد وُجِدَ أن عظامها تشبه بصورة دقيقة جدًّا عظام ثيران بلاد ما بين النهرين و«آسيا الصغرى» وهي التي تنسب إلى سلالة Bos Brachyceros وهي التي تُمَيَّزُ بقرون قصيرة وظهور محدودبة. والظاهر أنه لم تكن في البلاد المصرية منطقة مخصصة لانتخاب العجل «بوخيس»، فقد وُلِدَ ثوران؛ «بوخيس» في «أرمنت»، كما وُلِدَ الثور الثاني الذي عاش في عهد الإمبراطور «أغسطس»، وكذلك الثور الذي عاش في عهد الإمبراطور «تيبريوس»، وثوران آخران في المدينة الجنوبية (يُحْتَمَلُ أن المقصود هنا مدينة طيبة) واحد منهما في عهد الملك «بطليموس السادس» وواحد في عهد «بطليموس الرابع». ويُلْحَظُ هنا أنه أحيانًا كان يُذْكَر اسم صاحب الأرض الذي وُلِدَ فيها الثور «بوخيس» على اللوحات التذكارية، ومن المحتمل أن مثل هذا الحادث كان لا بد مصدر جزاء من الناحيتين المادية والروحية لصاحبه. وكانت أم هذا الثور تُكرم تكريمًا عظيمًا، كما كانت بلا شك تسكن في حرم المعبد ﺑ «أرمنت».

العناية بأم الثور بوخيس

كانت العناية بأم «بوخيس» مفهومة بطبيعة الحال، هذا إذا سلمنا بأنها كانت تحتل مركز الأم العذراء، الذي كانت تحتله أم الثور «أبيس»، وقد ناقش «مريت»٥١ هذا الموضوع بشيء من التفصيل. وقد سلم فيما كتبه بما جاء على لسان الكتاب القدامى في هذا الصدد، واعتبر أن آراء هؤلاء الكتاب قد حققتها النقوش التي جاءت على اللوحات التي كشف عنها، وكذلك ما جاء على بعض الآثار التي عُثِرَ عليها في السرابيوم. وقد اقتبس من الكتاب القدامى أمثال «هردوت»٥٢ و«بومبونيوس٥٣ ميلا»، و«أليان»٥٤ و«بلوتارخ»٥٥ وكذلك اقتبس — من لوحة من لوحات السرابيوم التي تصف «أبيس» — العبارة التالية: «ليس لك والد.» وقد أصر «مريت» على أن المقصود من هذه العبارة هو المعنى الجسدي. وفي الصفحة الثالثة والخمسين من نفس الكتاب نجده يصر على أن «أبيس» كان قد وُلِدَ من أمه بوساطة «بتاح» وأنها حملت في «أبيس» الذي تمثل لأمه نارًا سماوية. ومن أجل ذلك كانت تظل أم «أبيس» عذراء طوال مدة حياتها.
هذا، وقد ترجم «جورج رولنسون» الفقرة التي وردت في «هردوت» عن «أبيس» بالصورة الآتية: «والآن فإن أبيس هذا … هو عجل بقرة لم يكن في مقدورها أبدًا فيما بعد أن تحمل.» ويقول المصريون: إن نارًا تأتي من السماء على البقرة، وعلى ذلك تحمل «أبيس» (Herod. III, 28). أما «بلوتارخ» (De Iside etc XLIII) فيقول: «يقولون إن «أبيس» … يُحْمَلُ فيه عندما تسقط نار خالقة بشدة من القمر، وتلمس بقرة تطلب اللقاح.» ولما كانت المعلومات تعوزنا في هذا الصدد عن أبوة «بوخيس»، فإنه من الأفضل أن نسلم أنه كان يشبه في ذلك «أبيس». ولا نزاع في أن هذه الفكرة التي تنطوي على ولادة تدل على الإعجاز توضح الأسباب التي من أجلها اتُّخِذَتِ العناية لتحقيق العلامات التي لا بد أن تظهر على «بوخيس» الذي وُلِدَ حديثًا. فإذا انْتُخِبَ ثور ليتقمصه إله، فعند نزول الروح عند حفل تقديس أو حتى عند تنصيب الثور نفسه، لا يكفي وقتئذ أن يكون ظاهر الثور يحتوي على تشابه معقول في العلامات المطلوبة، ولكن كان من الضروري من حدوث ولادة تدل على الإعجاز وتدل على دقة اختيار الكهنة. ولدينا البرهان على هذه العناية مما جاء في لوحة خاصة بالعجل الثاني الذي عاش في عهد «بطليموس السادس»، وذلك أنه عندما وُلِدَ هذا العجل — كما تحدثنا عن ذلك من قبل — أُخِذَ إلى البلدة مسقط رأسه (أصفون) حيث قابله الكهنة المفتشون الملكيون وأجناد «البيتين العظيمين». ولا نزاع في أن هذه الفئة من العظماء كانوا قد أُرْسِلُوا ليتحققوا من أن هذا العجل هو المطلوب.

ومن المسلم به أن صاحب العجل كان عليه أن يثبت أن «العجلة» التي وضعته لم يقربها فحل.

وكان هناك بعث آخر مماثل ورد ذكره في حالة العجل «أبيس»، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان من الممكن أن المفتشين الملكيين كانوا قد عُيِّنُوا بوصفهم شهادًا مستقلين؛ ليمنعوا وقوع غش وتدليس في فحص العجل. والآن يتساءل المرء هل من الممكن أن نفس هؤلاء الرجال قد قاموا بعمل مثل هذا العمل مع كل الحيوانات المقدسة؟ والجواب على ذلك هو أن هذا كان أمرًا محتملًا أكثر من أنهم كانوا يقومون بهذا العمل مع أعمال أخرى كانت تُعْتَبَرُ من واجباتهم.

والظاهر أن طبيعة حفل تنصيب العجل «بوخيس» لم تكن واضحة المعالم بأية حال من الأحوال، غير أنه كان — على أية حال — احتفالًا هامًّا يحضره — كما قيل — الملك، ومن الجائز أن الملك كان يحضره في العهد البطلمي؛ وذلك لأن حفل تنصيب العجل «بوخيس» كان لا يحدث أكثر من مرتين في حياة أي ملك، اللهم إلا إذا كان الملك يحضر أحفال تنصيب كل الحيوانات المقدسة في طول البلاد وعرضها.

هذا، ونعلم أن الثيران «بوخيس» التي نصبت في عهد «نقطانب الثاني» و«بطليموس الرابع»، والثور الأول من عهد «بطليموس الخامس»؛ كان يتم تنصيبها في «أرمنت»، في حين أن أحفال التنصيب الأخرى التي نعلم مكانها كانت قد أُقِيمَتْ في «طيبة». وقد نصت اللوحة الثانية التي من عهد «بطليموس السادس» على أن «طيبة» كانت الموقع الذي جرى فيه تنصيب العجل «بوخيس» منذ الأزل. وتدل الأحوال على أن هذا العصر هو العصر الذي أصبح فيه العجل «بوخيس» مرتبطًا بآلهة «طيبة» الثمانية، وفي تلك المدة حدث تغيير عام في مناقبه. وقد ذُكِرَ في نفس اللوحة السابقة حفل تنصيبين إضافيين تابعين للتفتيش الذي أُشِيرَ إليه فيما سبق، وسنتحدث عنهما فيما بعد هنا.

وكان الثور بعد تنصيبه مباشرة في العادة يُحمل في النهر في قارب مقدس من «طيبة» إلى «أرمنت» وفي صحبته جماعة من علية القوم. وعلى ذلك فإن ثور «بطليموس السابع» نصبه الملك نفسه. ففي رحلته في قارب «آمون» مع قوارب الملك كان كل مواطني «طيبة» و«أرمنت» والكهنة خدام الإله ورؤساء الكهنة في صحبته. وبالمثل نعلم أن الثور الأول من عهد «أغسطس» قد نصبته «كليوباترا» العظيمة ومعها زوجها الطفل «بطليموس الثاني عشر». «لقد نصبه الملك نفسه في السنة الأولى ١٩ برمهات، وقد ساحت به في النهر الملكة سيدة الأرضين «كليوباترا»، الإلهة التي تحب أولادها في قارب «آمون» مع قوارب الملك، وكان معه كل سكان «طيبة» و«أرمنت» والكهنة.»

وفي معظم هذه المناسبات كان حضور الملك أمرًا مسلمًا به؛ وذلك لأنه قيل إن «بوخيس» قد صاحبه الملك نفسه في عهد «تيبيريوس». ومن الممكن كذلك أن الملك كان يمثله رسميًّا نائب هام يحل محله. ويُفْهَمُ من الخلاف في الصيغة أن «كليوباترا السادسة» قد رافقت الثور بنفسها كما رأى كل من «ينكر» و«تارن» و«فيرمان».

وقد كتب الدكتور «تارن» عن هذا الموضوع في «تاريخ كمبردج القديم».٥٦

وقد جاء في لوحة العجل الثاني الذي عاش في عهد «بطليموس السادس» — التي أشرنا إليها فيما سبق — الجملة الآتية: «إن حفل تنصيبه (بوخيس) قد أداه كهنته … وقد حُرِّرَ منشور رسمي في حضرة جلالته.» وبعد ذلك حضر الملك إلى «طيبة» وأُقِيمَ احتفال آخر، وهذا الاحتفال الأخير حدث في السنة الرابعة والعشرين، وكان العجل قد وُلِدَ في السنة التاسعة عشرة. غير أن هاتين الحادثتين هما اللتان يمكن تأريخهما فقط، وعلى ذلك فإنه من غير المستطاع أن نعرف كيف كان تقسيم مدة خمس السنوات التي بين عام ٢٤ و١٩ بالنسبة للأحفال السابقة، وأعني بذلك حفل التفتيش وحفل التنصيب الأول. والظاهر جليًّا أن الملك أو وكيله لم يكن في قدرته الحضور عندما كان الكهنة يريدون تنصيب الثور، ومن أجل ذلك كان يُسْمَحُ لهم — بمرسوم ملكي خاص — إقامة الحفل بأنفسهم. ويُفْهَمُ أنه إذا كان هذا الحفل يُقام بعد التفتيش مباشرة، فإنه لا يكون صحيحًا تمامًا، ومن أجل ذلك كان الثور يظل في «طيبة» إلى أن يصبح الملك خاليًا من الأعمال؛ ليقوم بعمل الحفل السليم. ولكن إذا كان حفلا التنصيب يتبع الواحد منهما الآخر مباشرة، فإنه يُفْهَمُ على ما يظهر أنه قد وقع بعض حادث جعل ظهور الملك شخصيًّا بعد التنصيب الذي قام به الكهنة مباشرة ممكنًا أو ضروريًّا. وفي كلتا الحالتين يُفْهَمُ أن سير الحوادث تقوي الرأي القائل أن الملك كان يحضر التنصيبين شخصيًّا، ولو على الأقل في العهد الأول من عصر البطالمة؛ وذلك لأنه كان من الجائز وجود مضايقة كثيرة فيما يخص إبدال نائب بآخر في مثل هذه الأحفال الخطيرة الشأن.

ولدينا حادثان — وُصِفَا على اللوحات الخاصة بالعجل «بوخيس» — لهما أهمية منقطعة النظير؛ الأولى: وقعت في خلال حياة الثور الأول الذي عاش في عهد «بطليموس السادس». فاستمع لما يقول المتن:

لقد وصل إلى «طيبة» في السنة الثانية في الخامس عشر من شهر بابه. وكان هناك هجوم قامت به ممالك أجنبية عدة على مصر في السنة الثانية عشرة، وقد اندلعت نار فتنة داخلية في مصر. وكان سور «طيبة» العظيم محصنًا بالأجانب. وعلى أثر ذلك جاء مواطنو «أرمنت» إلى «طيبة» القوية البأس، وكانت قلوبهم وقتئذ في خوف أليم من أجل هذا الإله، وأدوا شعائر نقله إلى «أرمنت» في السنة الثانية عشرة … ليته يبقى على عرشه أبديًّا.

والحادثان اللذان أشير إليهما هنا هما غزو الملك «أنتيوكوس الرابع» لمصر في عام ١٦٩ق.م والحرب الداخلية التي قامت بين «بطليموس فيلومتور» وأخيه. أما «الأجانب» فيمكن أن يكونوا جنود الإغريق المرتزقين الذين كان يستخدمهم أحد الفريقين المتحاربين.
وعلى أية حال فإن المناوشات التي قام بها أحد الطرفين لم تكن حامية (هذا إذا كانت قد وقعت أية حرب فعلًا)، أو أن الإله وأتباعه قد سُمِحَ لهم بالمرور بين خطوط القتال. ومما يؤسف له أن الحادث الآخر الذي له أهمية في موضوعنا قد ذُكِرَ على لوحة الإمبراطور «دوميسيان» Domitian التي اشتراها المتحف البريطاني في عام ١٩٠٦. والمتن الذي نُقِشَ على هذه اللوحة لا يمكن قراءته إلا جزئيًّا؛ لما فيه من صعوبات لم يمكن التغلب عليها تمامًا حتى الآن، غير أنه أمكن ترجمتها ترجمة مؤقته، وهي تقدم لنا فكرة هامة؛ إذ نقرأ في نقوشها وصف عيد عظيم، غير أننا لا نعرف في أية مناسبة أُقِيمَ هذا العيد. ويتساءل الإنسان هل كان عيد تنصيب الثور أو عيد مماته؟

ولنستمع لما جاء فيها: «كانت هناك جياد عدة أكثر من الرمل، وجنود أكثر من رمال الشاطئ.» وقد وُصِفَ بعض هؤلاء الذين كانوا يصحبون الثور بأنهم «أونتيو»، ويقترح الأستاذ «فيرمان» أنه من الممكن أن يكون هؤلاء كاهنات موسيقيات. ولدينا في المتون الديموطيقية التي وُجِدَتْ على فخارة (موسيقيو «أمون» الراقصون) وكذلك «الراقص» و«مغنو المعبد»، ومن الجائز أن الإشارة في اللوحة تشير إلى هؤلاء. وكذلك ذُكِرَ على لوحة «دوميشيان» هذه عبادة رأس «بوخيس» الذي يتحلى بالتاج في الريشتين: إن «أرمنت» و«طيبة» الجميلة قد اتحدتا في معاقرة بنت الحان، والصياح قد سُمِعَ في السماء، ثم عاد إلى مدينة «أرمنت» في فرح لأجل أن يتسلم عرشه في حياة أبديًّا … ومملكته كان خلودها مثل خلود «رع».

وإذا استثنينا ولادة «بوخيس» وتنصيبه وموته فإن الحوادث الأخرى وكذلك الأعمال اليومية الخاصة بحياته لم تُوضَّحْ بعد بصورة جلية في المتون. هذا، وقد برهن «فيرمان» على أن «بوخيس» كان ثورًا مشاءً، أو بعبارة أخرى: كان جوالًا متنقلًا، فقد جمع في شخصه الآلهة الذكور الذين كانوا في عداد ثامون الآلهة. وتفسير ذلك: أن أشكال الإله «منتو» الأربعة كانت موحدة في هذا الثور بمفرده، وعندما كان يزور كل مدينة من المدن الأربع التي ذكرناها فيما سبق فإنه كان يصبح ثور هذه المدينة. وعلى الرغم من ذلك فإن كل ثور كان يحتفظ لنفسه ببعض شخصيته، وكان كل معبد — عدا معبد «أرمنت» على ما يُظن — فيه تمثال ثور، وهذا التمثال كان يمثله دون شك عندما يكون في جولاته في مكان آخر. وقد اقتُرِحَ أنه كان يزور كل بلدة من هذه البلاد الأربع مرة كل شهر، غير أنه على حسب ما جاء في لوحة «بطليموس السادس» التي تحدثنا عنها آنفًا، يظهر أنه قد أمضى عشر سنوات في «طيبة»، يُضَافُ إلى ذلك أنه لم يكن الإله الرئيسي لأية بلدة من هذه المدن الأربع، ولم يُشَرْ إليه أبدًا بأنه رب «طيبة» أو «المدمود» أو حتى «أرمنت» التي كان يُعْبَدُ فيها، ولكن كان يُنْعَتُ فقط بأنه رب بيت «آتوم»، وهو الاسم القديم لمعبد البوخيوم.

ويظهر من البيانات الديموطيقية التي في متناولنا أن دخل معبد «أرمنت» حيث كان يشرف «بوخيس» (يظهر أن الحسابات كانت أكثر مما يحتاج إليه البوخيوم وحده)؛ كانت أكبر من دخل معبد «تبتونيس». فقد كان يوجد في معبده، كما كانت الحال في معبد «سبك» باللاهون في الدولة الوسطى عشرون موظفًا يتقاضون أجورهم بنظام، يُضاف إلى ذلك أناس آخرون كانوا يتسلمون أجورهم من كهنة مختلفين. ونخص بالذكر من بين هؤلاء العلافين، وهم بلا شك أولئك الذين كانوا يوردون الكلأ للثور؛ لأنه الطعام الأساسي لحفظ صحة الحيوان. وقد ذُكِرَتْ مادة ربما كانت جراية الغلة التي كانت تُقَدَّمُ للثور «بوخيس»، غير أن مقدارها كان يكفي غذاء لأي ثور مدة ثمانية أشهر؛ وحتى إذا سلمنا جدلًا أن جراية أم «بوخيس» كانت محسوبة ضمن هذه الكمية، وأن كلًّا من الثور «بوخيس» وأمه كان يأكل فوق طاقته؛ فإن الكمية التي ذُكِرَتْ كانت أكثر مما يجب. ولكن يحتمل أن «بوخيس» هذا كان له أولاد تأكل في حماه. وكذلك كانت هناك كمية كبيرة من النسيج يدفع ثمنها، ومن الممكن أن بعضه كان يُسْتَعْمَلُ في معبد «بوخيس» الحي. هذا، وقد سبق أن ذكرنا الراقص والموسيقيين الراقصين ﻟ «آمون» ومطربي المعبد.

مركز «بوخيس» بين الآلهة المصريين

لا نزاع في أن الباحث في مسألة مركز «بوخيس» من حيث سلطته الدينية بين الآلهة المصرية يجد نفسه في بحر لجي من الصعوبات؛ وذلك لأنه في الوقت الذي يستخلص منه معظم المعلومات عن هذا الإله، وكل المعلومات عن «بوخيس» بالاسم نجد أن آلهة إقليم «طيبة» قد أصبحت تكاد تكون مختلطة ببعضها بعضًا بدرجة لا يمكن حلها. وليس ذلك بغريب؛ فإن العلاقات المتبادلة بين الآلهة «آمون» و«مين» و«منتو» لم يمكن حتى الآن معرفتها بصورة قاطعة تجعل من السهل فصل الواحد منها عن الآخر، وذلك على الرغم من أن هذه الآلهة معروفة لنا منذ العصور المبكرة من تاريخ مصر. ويرجع السبب في ذلك — في أغلب الأحيان — إلى أن كلًّا من هذه الآلهة قد استولى لنفسه على صفات آلهة أخرى في أحوال سياسية واجتماعية على حسب مركز هذا الإله في نظر الملك الحاكم، وبحسب ما لكهنة هذا الإله من قوة وسلطان في البلاد.

وقد فسر لنا الأستاذ «فيرمان» — عندما تحدث عن ألقاب «بوخيس» — بعض ما وصل إليه في هذا الصدد. فقد برهن على أن «بوخيس» كان الممثل الدنيوي للإله «رع» إله الشمس. على أن صبغة اللون المضبوطة التي يمكن أن نراها من هذا البيان لا تزال يعتورها الشك فيما يتعلق بكل من «بوخيس» و«أبيس». وقد أعطيت تفاسير مختلفة لذلك؛ فقد قيل عنه: إنه الحياة الثانية والمظهر والممثل والمتقمص للإله، وأقدم مناقب «بوخيس» هي صفاته الشمسية ويمكن تأثرها، ويظهر أنها قد سبقت علاقاته بالإله «منتو». ومن الممكن كذلك توحيده بالثور الأبيض، ومن المحتمل أنه يرجع في نسبه إلى الوجه البحري، وقد يكون متناسلًا من الثور الأبيض الذي جاء ذكره على حجر «بلرمو». وتدل الوثائق على أن علاقة «بوخيس» بالإله «مين» كانت أقوى من علاقته بمعظم آلهة التاسوع، ولا غرابة في ذلك، فإن هذا ما كان يُنْتَظَرُ من إله يتصف بالخصب. ويلفت النظر أيضًا أنه في العهود المتأخرة كان قد أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع الإله «منتو» رب «أرمنت». وكان في هذا الوقت له عدة علامات متشابكة مع آلهة أخرى؛ فكان يتقمص ثامون الآلهة، كما كان يُدْعَى والدها وجدها.

وأهم ألقاب «بوخيس» هي:
  • (١)

    الروح الحية ﻟ «رع»: با عنخ (ن) رع.

  • (٢)

    الحياة المكررة ﻟ «رع» (على الأرض).

  • (٣)

    والذي يكرر حياة كل الآلهة (= وحم عنخ ن نترو).

  • (٤)

    والإله العظيم رب بيت «آتوم» (= نترعا-نب. حت أتم)؛ وعبارة «حت-أتم» معناها بيت «آتوم» أي معبد «البوخيوم».

وعندما ننظر في أصول «بوخيس» فلدينا حقيقة واحدة ذات أهمية كُشِفَ عنها في فحص بالٍ لقصص السائح المبكرة لأرمنت فيقول «جرنجر»: (Relation du Voyage fait en Egypte en 1730, Paris 1745, pp. 70-71).
يُرَى بالقرب من (المعبد) حوض جميل أُقِيمَ من أحجار مربعة، طوله ٤٠ قدمًا وعرضه ٣٠ قدمًا، ويُرَى في وسطه عمود لم يَبْقَ قائمًا منه إلا نصفه. ويذكر «أربي» و«منجل» (C.L. Irby & J. Mangles, Travels in Egypt and Nubia. London (1832) p. 136) ما يأتي: «توجد بالقرب من المعبد على الجانب الشرقي بقايا حوض قديم يذكر «دينون» نقلًا عن «أريستديس» أنه في وسطه مقياس نيل، ولكن العمود الذي نُقِشَتْ عليه المقاييس بالتدريج لا يمكن رؤيته الآن …» وبدهي أن بحيرة المعبد تحتوي على مقياس نيل — كالذي وُجِدَ في البحيرة التي في «منف» — متصلة بالمعبد الذي كان يُعْبَدُ فيه «أبيس»، وعلاقة «أبيس» بالنيل معروفة تمامًا، وعلى ذلك فإن مثل هذه العلاقة مع «بوخيس» ليست غير ممكنة. ومن المعلوم أن المعبودين العظيمين للخصب في مصر هما الشمس والنيل، وكل منهما مرتبط ﺑ «أبيس» وبخاصة النيل، وكانت الشمس مسيطرة مع «بوخيس» كما كانت مسيطرة مع «منيفيس» في «هليوبوليس» وكانت «أرمنت» مركزًا لعبادة الشمس في الأسرة الثامنة عشرة. ويقترح الأستاذ «فيرمان» أنه في الوقت الذي كانت فيه عبادة الشمس الهليوبوليتية قد انتشرت نجد أن المصريين بما فُطِرُوا عليه من ميل شديد لمذهب الثنائية قد أسسوا عبادة ثور الشمال في «أرمنت». ومن الجائز كذلك أن «أرمنت» كانت قد اختِيرَتْ مركزًا لعبادة «آتون»، ويرجع ذلك إلى الصبغة الشمسية لعبادة «بوخيس» وبسبب العبادة المحلية أيضًا.

ذكرنا — فيما سبق — أن الملك كان حاضرًا فعلًا أو بالنيابة أو بالمجاملة عند تنصيب «بوخيس» الذي كان بلا نزاع له مكانة عظيمة جدًّا ذات أهمية بالغة في أنحاء البلاد. ولكن دلت الوثائق على أن دخله قد نقص في منتصف حكم الملك «بطليموس الخامس»، ويؤكد لنا هذا حالة المقابر الخاصة به في تلك الفترة. غير أن ذلك — على ما يظهر — كان نتيجة للضرائب التي كان يفرضها الملك على الأهالي لمساعدته في حروبه الخارجية، ويمكن أن يرجع سبب ذلك أيضًا إلى أن كهنة «بوخيس» الذين أقحموا أنفسهم — بحكم الضرورة أو عن قصد وتدبير — مع الأسر التي قامت بالثورة في السنين الأولى من حكم هذا العاهل. وحوالي هذا الوقت حدثت سرقة غير أن ما نجم عنها من أضرار أُصْلِحَ فيما بعد. هذا، ونعلم أن «أرمنت» قد حاربت في صف الجانب الخاسر في خلال الاضطرابات التي وقعت بين «بطليموس السابع» و«كليوباترا الثانية»، ويُلْحَظُ أنه بعد انتهاء هذه الاضطرابات مباشرة كانت المقابر التي أُقِيمَتْ في البوخيوم قد بلغت الغاية من فقر الحال بدرجة محسة. وفي عهد الإمبراطور «تيبيريوس» ظهر انتعاش في مباني البوخيوم، وقد ظلت الحال كذلك حتى عهد الإمبراطور «كاراكلا».

وكانت هناك أسرة واحدة من الأسر الشريفة على اتصال دائم مع «بوخيس»، وهذه هي أسرة «كالازيريس» Kalasiris التي ظهر اسمها على اللوحة الرسمية للثور «بوخيس الأول» الذي عاش في عهد الإمبراطور «أغسطس»، وكذلك ظهر اسم هذه الأسرة مع «بوخيس» في مناسبات أخرى. فنعرف أنه في حظيرة «كالازيريس» بن «كالازيريس» وُلِدَ الثور «بوخيس» الثاني الذي عاش في عهد الإمبراطور «أنتونيوس بيوس» Antonius Pius. ويظهر أنه من المستحيل علينا أن نربط الأسرتين الواحدة بالأخرى، غير أنه ليس من المستحيل كذلك وجود علاقة بينهما. على أنه لم يوجد في البوخيوم أي شيء — عُمِلَ على نفس النطاق — يمكن موازنته بالنذور الهائلة التي كانت تُقَدَّمُ عند دفن «أبيس»، ولكن من جهة أخرى نجد دليلًا على تعبد الأهلين وصلواتهم ﻟ «بوخيس».
فقد عُثِرَ على لوحة لشخص منقوشة بالهيروغليفية، غير أنها لسوء الحظ لم يمكن ترجمتها، كما وُجِدَتْ لوحة من الحجر الرملي دُوِّنَ عليها اسمان بالديموطيقية، وكذلك عُثِرَ على عدد من اللويحات المصنوعة من الحجر الرملي عليها رسومات خاصة، وعدة حصوات نُقِشَ عليها أسماء. وقد عُثِرَ لحسن الحظ — بالإضافة إلى ما سبق — على حصاة من حجر الكوارتز مكسورة نُقِشَتْ عليها أنشودة للثور «بوخيس» دُوِّنَتْ بالديموطيقية (Buch. II, p. 56). ولما كانت هذه الأنشودة عليها مسحة خفيفة من الأسلوب الأدبي، وفي الوقت نفسه تحتوي على مادة هامة بالنسبة للموضوع الذي نفحصه الآن، فقد أوردت ترجمتها هنا بشيء من التصرف:
تعال إلي يا «أوزيس بوخيس»، يا سيدي العظيم!
ليتك تعيش ملايين السنين، وليتك تتمتع بأبدية الشمس.
إني خادمك يا سيدي العظيم.
وإني أناديك بصوت عالٍ ولا أمل النداء.
وإن نداءاتي عديدة ليلًا وجولاتي نهارًا.
إن الهم ثقيل علي.
وإني صغير جدًّا ضدهم جميعًا.
إني أناديك دون أن أمل النداء.
ولا أنصب من نداء الله.
فهل عنده وقت موته عندما لا يصغي؟
إني أناديك وأنت تسمع ما أقول.
وإذا نادينا فإنك تسمع. تعال إلي يا سيدي.
ليتك تعيش ملايين السنين، وليتك تجعل السرور في الأراضي في كل السرمدية.

وعلى الرغم من وجود مثل هذه التضرعات والتمنيات التي يقدمها الأفراد للثور «بوخيس»، فلا بد أن نعترف مع ذلك أن سبب قلتها يرجع على ما يظهر إلى أنه لم يحتل مكانة وثيقة في قلب الرجل العادي في مصر، وإذا كان هذا الدليل قد ظهر مبكرًا عن هذه الفترة، فإن ذلك يُعَدُّ برهانًا على أن «بوخيس» لم يكن الإله المحلي؛ وذلك لأن الآلهة المحليين هم الذين يبقى الناس على الولاء لهم على مر الأزمان، ولكن عندما بدأ يظهر «بوخيس» في الأزمان المتأخرة فإنه يكون من الخطر أن نستنبط أية نتائج. على أنه قد يمكن — إذا قامت حفائر في منطقة معبد «أرمنت» — ظهور آثار تدل على مثل هذا التعبد، أو أن الدفنة الأصلية له إذا عُثِرَ عليها يمكن قرنها بالسرابيوم في هذا الصدد.

وكان الثور «بوخيس» أثناء حياته يلبس تاجًا كالذي كان يلبسه بعد الموت؛ غير أنه كان على ما يحتمل أكبر حجمًا وأمتن صناعة. ويحتمل أن القرص وإطار الريش اللذين كان يلبسهما كانا مصنوعين من ورق من الذهب بدلًا من الخشب المذهب. يُضَافُ إلى ذلك أن التطعيم الذي كان في الريش مصنوعٌ من اللازورد بدلًا من الزجاج. ومن الممكن أن «بوخيس» كان يرتدي شبكة من نسيج ما بقصد إبعاد الذباب عنه، وكانت الأحفال التي تُقَامُ له — كما شاهدنا من الأوصاف التي جاء ذكرها في الأحفال الرسمية التي كانت تقام له أثناء ذهابه من «طيبة» إلى «أرمنت» بعد تنصيبه — غاية في البهجة والعظمة. فقد كان يصحبه الكهنة والموسيقيون وحاشية عظيمة. هذا إلى أن هذه الأحفال كانت مصحوبة بمظاهر الفرح العميم — على الأقل — بصفة رسمية.

والآن يبرز أمامنا سؤال هام عن عزوبية الثور «بوخيس». وليس لدينا برهان مباشر على أن «بوخيس» كانت له أية رفيقة، ولكن تقوم في وجه ذلك معارضة كبيرة لأسباب دينية.

ولدينا الأدلة الغزيرة التي تبرهن على أنه عندما يرى قوم مبدأ الخصب متقمصًا رجلًا — وهو الملك عادة — فإن من المفروض دائمًا أن ينقل هذا الخصب للقوم والأراضي بالاستعمال لا بالحفظ والكبت. ولقد كانت الحال على هذا المنوال لدرجة أنه في كثير من القبائل كان الإنذار بموت الملك وتنصيب آخر مكانه يرجع إلى عدم قدرته على إشباع الغريزة الجنسية عند أزواجه العدة.٥٧ ويظهر نفس المبدأ في عبادة «أفروديت»، وذلك بممارسة مبدأ الإخصاب لا بكبته.٥٨ ولا نزاع في أن المصريين كانوا في عهد ظهور سجلات «بوخيس» غاية في السفسطة، غير أنه من المستغرب إذا كان «بوخيس» رمز الخصب أن يكون أعزبًا، وهذه دون أي جدال فكرة بعيدة كل البعد عن الديانة المصرية، وكذلك عن كل الفكر المصري. ولا يغيب عنا هنا في هذا الصدد أن فكرة كون «أبيس» إله يجلب الخصب لم تكن قد ماتت في العصور التاريخية المتأخرة، فقد روى «يوزيب» في هذا الصدد٥٩ ما يأتي: «إن المصريين كانوا يعبدون كلًّا من العجل «أبيس» والعجل «منيفيس»؛ لأن الثيران قد ساعدت الكاشفين على محصول القمح في زرعهم وفلاحتهم المعتادة.»

وعلى أية حال فإن أول اتجاه يجب أن نولي وجوهنا شطره للحصول على بعض البراهين التي تدل على وجود صاحبة للثور «بوخيس»؛ هو البقرات المقدسات، وبخاصة البقرة «حسات» التي كانت تُعْبَدُ في بلدة «أطفيح» (= أفرو ديتوبوليس)، غير أنه ليس لدينا أي أثر يدل على وجود شيء من هذا، ولذلك فإن مثل هذا الفرض لا يجد ما يبرره. وفي عالم الروحانيات توجد اقتراحات بأن «حتحور» كانت صاحبة «بوخيس»، غير أن ذلك لا يساعدنا في شيء في عالم الماديات.

وأهم سؤال أمامنا — إذا فرضنا أن «بوخيس» كانت له صاحبة — هو التصرف في البقرات والعجول، ودفنات البقرة الوحيدة التي عُثِرَ عليها في جوار البوخيوم هي دفنات أم «بوخيس». وبالقياس مع الملك الذي كان إلهيًّا، فإنه لن يكون وجه اعتراض على زواج «بوخيس» من أمه، غير أنه يحول دون ذلك أنها كانت تُعْتَبَرُ عذراء. ولدينا البرهان القوي من المصادر الكلاسية على أن أم «أبيس» كانت تُعْتَبَرُ عذراء عند ولادة «أبيس» وكذلك فيما بعد، وقد لخص لنا «مريت» هذا الموضوع،٦٠ فنجد أنه قبل الدليل الذي ذكره المؤلفون الكلاسيون. وفي صفحة ٥٣ من هذا المقال نفسه يقول: إن «أبيس» هو صورة «أوزير» نفسه، ولكنه الصورة المكررة لحياة «بتاح» وابن «بتاح» وأن أم «أبيس» حملت من «بتاح» في صورة نار سماوية من السماء. ويناقش «مريت» في الصفحة العاشرة من نفس المقال النظريتين اللتين كان يتمسك بهما في الأزمان الكلاسية عن زواج «أبيس» فيقول: «إن أزواج «أبيس» معروفات لنا.»
ويتحدث «اليان» عن الأماكن التي كانت تُحْفَظُ فيها العجلات المختارة — من بين أجمل ما في مصر — لأجل استعمال «أبيس».٦١ غير أن هذا البيان — الذي لم يذكره إلا «اليان» من بين الكتاب القدامى — يظهر أنه غير أكيد. ومن جهة أخرى نجد أن «بليني» و«أميان» و«مارسيلان» و«سولين» كانوا على حق أكثر عندما أعلمونا أنه في جميع السنين التي كان يعيشها «أبيس» كان تُقَدَّمُ له بقرة عليها بعض علامات مقدسة خاصة، وأنه كان يُقْضَى على البقرة في نفس اليوم بعد أن ينزو عليها «أبيس».٦٢ وغرابة هذا الأمر تُعْتَبَرُ بمثابة ضمان لصدق أولئك الذين عرفونا به، وذلك أنه لما كان المؤرخ «اليان» قد انساق بما تقتضيه قصته وهو يفاخر بهجة معبد «أبيس» قد فرض بطبيعة الحال وجود زوجات عدة للإله جديرات به. وعلى العكس نجد أن «بليني» لم ينقل إلينا إلا ذكر عادة أكيدة، وذلك على وجه التأكيد؛ لأن عادة هذا النوع لا تخترع. وعلى أية حال أليست هذه مسألة مذهب؟ فأبيس بوصفه إلهًا ابن نفسه،٦٣ أليس له الحق في أن ينجب آلهة آخرين؟ وهل يمكنه أن ينجب حيوانات أخرى من نوعه، وهي بوصفها أولاد «أبيس» لا يمكنها أن تكون عجول «أبيس» نفسها، أو بعبارة أخرى تصبح ثيرانًا تتقمص الطوابع الإلهية؟

وبمقدار هذه الاعتبارات التي تجعل ما ذكره «اليان» مستحيلًا، فإنها من جهة أخرى تزيد في قيمة ما ذكره لنا المؤرخون الآخرون، وعلى ذلك فإن «أبيس» كان له زوج، أو بعبارة أصح كانت تقدم له عجلة كل عام، ولكنها بعد أن يأتيها كانت تُذْبَحُ؛ وذلك لأن القانون المصري كان لا يرغب في أن يخلد «أبيس» نفسه.

أما ما جاء على الآثار في هذا الصدد فليس لدينا أية إشارة عن زوجات «أبيس». حقًّا نجد في الفصل الثامن والأربعين بعد المائة من الشعائر ذكر الثور السري وسبع البقرات صاحباته، وكذلك نجد على مسلة «باربريني» Parberine التي نحتها الإمبراطور «أدريان» لتقام أمام قبر «أنتينوس» Antinous؛ نقشًا — خاصًّا بمصر — جاء فيه: «هذه الثيران الأربعة مع إناثها.»٦٤ ولكن نجد في الحالة الأولى أن المقصود هناك حيوانات خيالية محضة، وفي الحالة الثانية لا نعرف إذا كان «أبيس» هو أحد الثيران الأربعة المقتبسة في النص، وإذا كان من جهة أخرى — على حسب ما يقتضيه المعنى اللغوي في هذا العصر — تعني كلمة «حمت» بصورة عامة البقرة أكثر من المعنى الدقيق لها وهو «زوجة»، وعلى ذلك فإن سبع بقرات الشعائر لا تبرهن على شيء أكثر من أنها أربع البقرات التي جاءت على مسلة «باربريني»؛ لأن الأولى على وجه التأكيد ليست تلك البقرات التي جعلها عباد «أبيس» تتبع الإله، وأن الأخرى حتى لو فرضنا أنها لم تكن بقرات أمهات، فيمكن كذلك أنها كانت زوجات لثيران لم يكن «أبيس» يعد من بينها، وعلى ذلك يمكننا أن نعتبر أن الآثار قد صمتت على أن «أبيس» أو «بوخيس» كان له رفيقات.

والسبب الذي أعطاه «مريت» عن قبوله رواية الكتاب الكلاسيين باستثناء المؤرخ «اليان» — وذلك بسبب صعوبات ولادة عجول — صحيح، غير أن «مريت» لم يلتفت إلى جبانات البقرات، وعلى ذلك لم يشر إلى أن هذا التفسير يحل كذلك مسألة التصرف في الزوجات. فإذا كان كل من «أبيس» و«بوخيس» لم يكن متزوجًا، ولكن كان يؤتى له من وقت لآخر بعجلة تُذْبَحُ بعد أن يأتيها، فإن هذه العجلة لن تحمل أية قداسة؛ لأن مركزها كان لا يزيد عن كونها حظية، ولذلك فإنه بعد تضحيتها كان من الممكن أن يأكل الكهنة لحمها دون أي اعتراض. وهناك اعتراض واحد على قبول القصة التي رواها المؤلفون الكلاسيون، وهي أن مثل هذا العمل الذي يؤديه الثور، وهو ما يمكن تصديقه، أكثر من أنه يبقى أعزب؛ لا يكاد يتفق مع ما ينتظر من إله خصب. وعلى ذلك فإن قيام الثور في هذه الحالة بوظيفة فحل يمكن أن يكون نشاطًا محتملًا جدًّا (وتنقلات «بوخيس» تحبذ هذه النظرية)؛ غير أنه إذا لم يكن دليل آخر فلا بد لنا أن نقبل ما رواه الكتاب الكلاسيون عن «أبيس» وتطبيقه على «بوخيس» أيضًا.

النهاية التي كان يلقاها «بوخيس»

أما عن النهاية التي كان يلقاها «بوخيس»، فليس لدينا كذلك أي بيان شافٍ. فلدينا خمسة ثيران، وهي التي عاصرت «بطليموس العاشر»، و«بطليموس الحادي عشر» والأباطرة «أغسطس» (الثور الأول) و«تيبيريوس» و«كمودوس» Commodus، عاش كل منها ثمانية عشرة سنة، وكذلك لدينا ثلاثة ثيران عاش اثنان منها في عهد «بطليموس السادس» وثالثها عاصر الإمبراطور «أغسطس» (الثور الثاني)، وقد عاش كل منها سبع عشرة سنة. وكان متوسط حياة الثور «بوخيس» — باستثناء الثور الثاني الذي عاش في عهد «أنتونيوس بيوس» وقد مات قبل أوانه — عشرين عامًا وثلاثة أشهر وأربعة وعشرين يومًا. وسواء أكان قد وُضِعَ حد مقداره ٢٥ سنة أم ٢٨ سنة لمدة حياة الثور، فإن ذلك لا دخل له هنا؛ لأنه لم يعرف لدينا عجل قد عاش مدة طويلة كهذه. وما يمكن أن نستنبطه بداهة من الأرقام التي أمامنا هو أنه — على الأقل في هذا العصر — كان يترك الثور إلى أن يموت حتف أنفه، ومن الممكن أن العجل كان يُقْتَلُ عندما تظهر عليه علامات المرض أو تبدو عليه أمارات الشيخوخة، وإذا كانت الحالة الأخيرة هي التي قضت بقتله فإن ذلك يرجع إلى أنه لم يَقُمْ بتأدية الوظيفة الجنسية؟

ولا نعرف أبدًا أية حالة قُتِلَ فيها الثور ليحل محله آخر يحمل كل العلامات المطلوبة، كما إنه في كل حالة نجد أن ولادة ثور جديد كانت قد سبقت موت سلفه. ومهما يكن من أمر فإنه من الممكن أن تاريخ ولادة الثور الجديد يكون قد لعب فيها الغش دوره على أيدي الكهنة.

والمعلومات التي لدينا عن موت الثور أغزر بكثير عن التي تحدثنا عن حياته، وأحسن مرشد لدينا عن الأحفال الخاصة بتحنيط الثور، ونقله إلى البوخيوم ما جاء في «ورقة أبيس».٦٥ ففي هذه الوثيقة نجد وصفًا مختصرًا للأحفال كما نجد وصفًا للتحنيط الفعلي للعجل «أبيس». وهاك وصف عملية تجهيز المومية: وهي ترجمة مؤقتة نُقِلَتْ عن الترجمة التي وضعها سبيجلبرج:

يجب عليهم أن يتموا عمل محراب آخر، ويجهزوه بالكتان الأحمر. ويجب على كهنة هذا الإله أن يكونوا مجهزين برباط من الكتان الأحمر، ويجب على الكهنة الذين يرتدون كتان «سشد» أن يدخلوا المحراب المجهز بكتاب أحمر، وعليهم أن يدخلوا المحراب المجهز بكتان سشد، وهم مجهزون بالكتان الأحمر.

وبعد ذلك عليهم أن يحملوا سرير الراحة الذي كان تحت الإله. وعليهم أن يقطعوا أنفسهم ويحضروا اﻟ … ولا بد أن يؤسسوا … ويحضروها إلى المكان الذي نُصب فيه محراب الإله. ويجب عليهم أن يعملوا مسافة من مادة (فوق) السقف المصنوع من السرو الذي بجانب باب قصر الملك الذي يؤدي إلى الحظيرة المقابلة للجدار الجنوبي من مكان الثور «أبيس» الواقع في الجدار الشرقي لبيت «قبح» (التبريد)، ويجب عليهم أن يفتحوا الباب الذي في الجدار الشرقي للحظيرة، ويخرجون من هذا الباب كما وجدوه في السنة الرابعة والعشرين من عهد الفرعون «رعمسيس الثاني»، وذلك من الباب المبني بالحجر الموجود في الجدار الغربي للحظيرة، وهو الذي خرج منه (أي الثور) في السنة الثانية عشرة من عهد الفرعون «إبريز».

ويجب عليهم أن يدخلوا للإله من باب الحظيرة في حين تقف الكاهنات خلفه.

ويجب عليهم أن يدونوا نقشًا على الجدار الغربي للحظيرة التي في الممر.

ويجب أن يُقَامَ جوسق في اليوم الأول على شاطئ بحر الملك بعد أن يكون قبره قد جهز بنسيج، وستكون تعاويذه على حسب اللفافة المذكورة أعلاه، ويجب أن يكسوها أولًا بنسيج مقدس طوله ثمانون ذراعًا كما يأتي: عشرون ذراعًا في مكان … ٦٠ ذراعًا في كل من أركان الجوسق الأربعة. ويجب عليهم أن يدخلوا إلى المكان الغربي أولًا بعد أن يكون قد خرج من المكان الشرقي. وعليهم أن يحضروا اﻟ … إلى المقصورة، ويجب عليهم أن يحضروا طرف الحبل بأيديهم إلى التابوت ويجروه إلى الخارج. وعلى الكهنة أن يجروه إلى الداخل، وعلى كل الناس أن يصيحوا صيحة حزن عظيمة، ويبكون على إله البيت العظيم، وعلى الكهنة أن يأخذوا طرف الحبل من يد (الآحاد الكبار لبيت) إله النيل.

ويجب عليهم أن يدخلوا البحيرة مع «إزيس» و«نفتيس» أمامه، وبأيديهم آنيتان من النطرون وعشرة أربطة «منخت» (رباط من النسيج الأبيض) والإله «وبوات» الوجه القبلي و«وبوات» الوجه البحري و«رع» و«تحوت» وسرير «بتاح» تكون أمام هذا الإله. ويجب عليهم أن يجعلوا الإله يرتاح على سرير من الرمل بحيث يكون وجهه نحو الجنوب، ويجب على الكهنة الذين دخلوا المحراب أن يذهبوا إلى البحيرة، ويذهبوا إلى قارب البردي مع المحراب. ويجب عليهم أن يقوموا بعمل مديري الدفة. ويجب عليهم أن يقرأوا تسع إضمامات بردي على المركب، وهي:
  • (١)

    تعليمات لرحلة اليوم الأول.

  • (٢)

    حماية قارب «نشمت».

  • (٣)

    حماية «بوتو».

  • (٤)

    تصميم وجهك.

  • (٥)

    تأليه «أوزير» المغرق.

  • (٦)

    حماية القارب.

  • (٧)

    طرد «أبيب» (إله الشر).

  • (٨)

    الحظ السعيد.

  • (٩)

    فتح الفم.

ويجب عليهم أن يذهبوا إلى الجوسق للإله، ويفتحوا فمه في أماكن الجوسق الأربعة وحدهم تمامًا. ويجب أن يؤدوا له كل الأحفال التي في الشعائر. ويجب عليهم أن يجعلوا الإله يدخل باب مكان التحنيط. ويجب أن يُقاد هذا الإله إلى باب بيت الأفق إلى قاعة مكان التحنيط. والآحاد العظام لبيت إله النيل يجب عليهم أن يلقوا لبنات أمام التابوت لأجل ألا يمكنه الذهاب إلى مكان التحنيط. ويجب على الكهنة المرتلين والكهنة أن يجروه، ويجب على الكاهن المطهر أن يأخذ المحاريب من أيدي الكهنة الذين يحملونها. ويجب عليهم أن يجعلوه يرتاح في السرادق، ويجب على الكاهن المرتل أن يفك مادة التابوت، ويجب على الكاهن المرتل أن يبرز، ويجب عليه أن يغطيه ويزينه، ويجب عليهم أن يؤدوا شعيرة فتح الفم له بجميع ما يلزم لها، وبعد ذلك يجب على كهنة البحيرة والطريق (؟) والكاهن المرتل أن يجمعوا كل الأشياء التي يحتاجون إليها في حجرة التشريح.

هذا، ولدينا معلومات أخرى معروفة عن التحنيط. ولا نزاع في أن «ورقة أبيس» التي ترجمناها هنا لا تقدم لنا إلا وصفًا غير كامل؛ هذا فضلًا عن أن المتن مليء بالأخطاء، غير أن بعض الأجزاء قد وصفت وصفًا كاملًا. وفي الأماكن التي كان من الممكن أن تعادل البيانات التي جاء فيها بما جاء من نتائج حفائر البوخيوم التي عُمِلَتْ في أرمنت؛ وُجِدَتْ مطابقة كبيرة بين المصدرين.

وطريقة التحنيط التي كانت مستعملة هي الطريقة الثانية التي جاءت في «هردوت». وقد عُثِرَ على مجموعة كاملة من الآلات التي كانت مستعملة في هذه العملية في البوخيوم، وكان الثور يُرْبَطُ بلفائف بدقة وإتقان، وفيما بعد كان يُرْبَطُ في رقعة من الخشب بأربطة ذات دثر مثبتة في الخشب، وكان الرأس يُجبس، ثم يُغَطَّى الجبس بورقة من الذهب. وكان يربط — بين قرني الثور — نسخة طبق الأصل من التاج الذي كان يرتديه الثور في حياته، ومن المحتمل أنه كان بحجم أصغر، وهذه النسخة كانت مصنوعة من الخشب، ومغطاة بورقة من الذهب، في حين أن أزغاب الريش التي كانت في التاج قد صُنِعَتْ من الزجاج الأزرق.

ومن المحتمل أن العينين كانتا تُصْنَعَان — على ما يظن — قبل مرحلة وضع الجبس. ففي بادئ الأمر كانت العينان تُنْحَتَان من الحجر، وتثبتان في مقابض من البرنز، وفيما بعد كانت تُصْنَعُ من زجاج مثبت في مقابض من البرنز، وفي النهاية كانتا تصنعان جميعًا من الزجاج. وأجمل الأمثلة التي عُثِرَ عليها كانت تُصْنَعُ من قطع منفصلة من الزجاج المختلف الألوان، وفي النهاية كانت العين لا تمثل إلا بقطعة من الزجاج الشفيف اللون مع طلاء ذي لون أسود يمثل إنسان العين. ومن المحتمل أنه في حالة الموميات التي ليس لها أعين صناعية كانت العين تُصَوَّرُ بألوان على كتان …

ومن المحتمل أنه في حالة التوابيت التي كانت تتألف من قطعة واحدة من الحجر كانت المومية تُوضَعُ في تابوت قبل أن ينزل الأخير في القبر، غير أنه في أمثلة الدفن التي كانت تحتوي على عدة توابيت حجرية كان العكس هو الذي يحدث. وفي عهد الملك «نقطانب الثاني» كانت الحجرة الجنازية والاستعدادات تُعْمَلُ على نطاق أوسع وأفخم عما كانت عليه فيما بعد. فقد كان لثور «نقطانب الثاني» تابوت من الجرانيت في حجرة مكسوة بالحجر وبجانبها قبوة للقربات، وفيما بعد كانت قبور «بوخيس» تُنْحَتُ في الصخر، وعلى الرغم من وجود ردهة أمامية، فإنها لم تكن تُسْتَعْمَلُ للقربان؛ بل كانت تحتوي على المنزلق الذي ينحدر منه التابوت الذي كان يجر إلى القبر. وفي العهد الذي جاء مباشرة على أعقاب عهد «نقطانب الثاني» أي في حكم كل من «أخوس» و«أرسس» و«الإسكندر الأكبر» و«الإسكندر الرابع»؛ دُفِنَ ثوران، غير أنهما لم يُدْفَنَا في توابيت. وفيما بعد كانت تُسْتَعْمَلُ التوابيت المصنوعة من حجر واحد، غير أنها كانت من الحجر الرملي. ويُلْحَظُ أنه قد حدث تدهور سريع في النصف الأول من عهد «بطليموس الخامس» في صناعة التوابيت؛ إذ كانت وقتئذ تُنْحَتُ التوابيت من نوع رخيص جدًّا من الحجر. وحوالي منتصف النصف الأول من عهد الإمبراطور «تبيريوس» حدثت نهضة جديدة في العناية بالثور «بوخيس»، فقد كشفت أعمال الحفر عن تابوت منحوت نحتًا جميلًا ﻟ «بوخيس»، وقد ظلت هذه العناية مرعية حتى عهد الإمبراطور «كاركلا». وبعد هذا العهد انقطع استعمال التوابيت المصنوعة من الحجر. وقد لوحظ أن آخر ثورين دُفِنَا في ممر في البوخيوم، والثور الذي قبل الأخيرين كان قد دُفِنَ في قبوة للدفنة العاشرة، وهي دفنة ثور «نقطانب الثاني».

ويلفت النظر أنه في كل الدفنات عدا دفنة ثور «نقطانب الثاني» كانت القربات والأثاث نادرة. فكان في هذه الدفنة جرة «نمست» منقوشة باسم «بوخيس» لأجل الملك، وقنانية منقوشة من الشبة وإناء «كبح» من الشبة، وتمثال «إبيس» من الخشب المذهب على زحافة، وابن آوى مصنوع من خشب ملون. ومن الممكن أن الأخير كان واقفًا على صندوق، ويشبه أبناء آوى المصنوعة من الفخار في السرابيوم. وفضلًا عن ذلك كان يوجد مع الثور دون شك القربات التي كانت تتألف من مصابيح وبخور ومائدة قربات من الجرانيت، كما كان يوجد بطبيعة الحال اللوحة الرسمية، وكانت كل لوحة توضع مستندة على سدادة قبرها، وترتكز على لوح من الحجر، وكانت توجد واحدة دون شك لكل قبر في البوخيوم، وكان يُدَوَّنُ — على كل لوحة — الحوادث الهامة في حياة الثور؛ أي ولادته وتنصيبه وموته، وفي العادة كان يُذْكَرُ عليها مدة عمره. وكانت هذه الحوادث يعبر عنها باعتقادات ملؤها الإيمان بفخار حياته في عالم الآخرة. وفي غالب الأحيان كان يسجل على هذه اللوحة بعض الحوادث الأخرى التي وقعت في حياته، هذا وقد رتب الأستاذ «فيرمان» لوحات الثور «بوخيس» في خمسة أنواع على حسب صيغها:

الأول: هي لوحات العهد البطلمي المبكر، وتبتدئ من عهد «نقطانب الثاني» حتى «بطليموس الخامس».
والثاني: عهد البطالمة الوسيط، وقد مُثِّلَ في لوحتين من عهد «بطليموس السادس».
الثالث: عهد البطالمة المتأخر من أول «بطليموس السابع» حتى «بطليموس الحادي عشر».
الرابع: عهد الرومان المبكر من أول «أغسطس» حتى عهد «تبيريوس» (وهنا فجوة كبيرة، واللوحات التي جاءت في خلالها يمكن أن تكون تابعة لهذا النوع أو الذي بعده).
والخامس: هو العهد الروماني المتأخر، ويتبدئ من أول «دوميشيان» حتى «ديوكليشيان».

موائد القربان في مدافن «بوخيس»

لم يكن من المستطاع تأريخ موائد قربان «بوخيس» ولا ترتيب أنواعها من النقوش ولا من الرسومات التي جاءت عليها؛ وذلك لأن كاهنًا كان قد وجد اسمه على إحدى موائد القربان هذه، وقد وجد بوصفه مالك ورق مقوى سرق من الجبانة رقم ٤٠٠ على حسب ترقيم «فيرمان»،٦٦ وهو الآن بالمتحف البريطاني (برقم ٦٩٦٩). وتدل شواهد الأحوال على أن هذه الموائد كانت تستعمل بعد دفن الثور، والبراهين على ذلك نجدها فيما جاء على الاستراكا التي عُثِرَ عليها في هذه الجهة؛ ففي القسم الخاص بالحسابات يوجد مبلغ دُفِعَ لسقاء ماء ملح؛ وكان من المسلم به أنه يُقَدَّمُ هذا الماء الغريب بمثابة شراب للثور المتوفى.

وكذلك وُجِدَتْ كميتان من عطور المر والبخور موردة لمعبد البوخيوم على دفعتين بتاريخ لم يكن من الممكن فيه حدوث دفن ثور. وكان من الممكن أن يُقَرَّبَ المر والبخور في مباخر في المصابيح التي عُمِلَتْ لهذا الغرض، ولكن النطرون والماء الملح كان كل منهما يُصَبُّ على مائدة القربان. أما المصابيح العالية التي عُثِرَ عليها خارج المقابر فمن الجائز أنها كانت للقربات أو لمجرد الإضاءة. ومن الجائز أن ممرات البوخيوم كانت تفتح أبوابها في مناسبات خاصة لعامة الناس كما كانت الحال في السرابيوم، وعندئذ كان يحتاج للمصابيح لإضاءة كل من اللوحة التذكارية والمكان الخاص لتقديم القربات. وكانت توجد كذلك قربات تؤكل، وهذه كانت بعد أن تُقَرَّبَ رسميًّا للثور تصبح ملكًا للكهنة الذين كانوا يأكلونها. وكان جزء من الدخل الكهني يتألف من مثل هذه الهبات.

كهنة البوخيوم وعددهم

من الصعب أن يقدر الإنسان عدد موظفي البوخيوم من كهنة وغيرهم. فالحسابات الديموطيقية التي عُثِرَ عليها ذكرت عشرين أو أكثر من الموظفين، ولكن يظهر أن هؤلاء هم موظفو المعبد الذي كان يسكن فيه «بوخيس» لا موظفي البوخيوم. والظاهر أنه لم تكن هناك أبنية فوق البوخيوم كافية لسكنى عشرين موظفًا، ومن جهة أخرى فإن اسم الكاهن الأكبر وهو «بتوسور بوخي» يرجح أن يكون اسم الكاهن الأكبر للبوخيوم أكثر من أن يكون كاهنًا أكبر لأي معبد آخر في «أرمنت». ومن المهم في هذه المناسبة أن نلحظ هنا على حسب ما ذكره المؤرخ «بيفان»٦٧ أن فردًا يدعى «بتيسيس» Petisis (في عام ٩٩ق.م) كان محنطًا لكل من «أبيس» و«منيفيس». والظاهر أن محنط البوخيوم لم يكن يُسْتَخْدَمُ على ما يظهر لتحنيط أي حيوان آخر، غير أنه مما لا يكاد يُشَكُّ فيه أن المحنطين كانوا يعملون في تحنيط أشخاص عاديين عندما لا يكونون مشتغلين بدفن ثور. وجاء على تذكرة مومية إغريقية٦٨ النص التالي:
إلى «هرمونيس» «تا إزيس» Thaisis ابنة «سنتوتيوس» Senthoteutis لتورد بوساطة ابن زوجها (المسمى) «بيكوس» إلى «بسنونريس» Pseneoneris حفار القبر مع إشعار عند البوخيوم ﻟ «بسنوتريس» حانوتي الحيوان المؤله «بوخيس»، بأنه قد دفع أجر الشحن والضريبة والمصاريف، ٢٦ كيهك.

وعلى أية حال فإن هذا الجسم المقصود هنا كان قد حُنِّطَ، وأنه لم يكن مطلوبًا من أجله غير الخدمات الخاصة بالبوخيوم.

ومن المحتمل أن الكاهن «أحمس» بن «سمنديس» الذي ورد ذكره فيما سبق هو أحد كهنة البوخيوم الأول إن لم يكن أولهم. ولم نجد أية آثار تدل على وجود مكان للكهنة إلا بقايا مبنى عديم الأهمية جدًّا في داخل جدار حرم المعبد، يُضَافُ إلى ذلك أن المباني التي كانت تُقَامُ فوق البوخيوم كانت كذلك لا قيمة لها، والظاهر أن كل الوظائف الكهنية كانت تؤدى في معبد «أرمنت»، وأنه لم يكن في البوخيوم أكثر من الحرس إلا الشيء اليسير. وتوجد بقايا ما يمكن أن يُطْلَقَ عليه مساكن الكهنة في قرية البقارية الرومانية. وكان الكهنة يُدْفَنُونَ على الأقل في خلال العهد المتأخر من حكم البطالمة في الجبانة رقم ٤٠٠، وتقع في الجنوب الغربي للبوخيوم بالقرب من جدار حرم المعبد، وهذه الجبانة قد نُهِبَتْ نهبًا ذريعًا، ولكن بقي لنا قبر أو قبران لم تمسهما يد اللصوص. ويُرى في متاحف العالم المختلفة توابيت من الورق المقوى في المقابر المنهوبة. وكان الكهنة يُدْفَنُونَ مع أقاربهم في أضرحة أسرية. وكانت تُسْتَعْمَلُ وقتئذ توابيت مصنوعة من الفخار، وكانت تُغَطَّى كل مومية بكرتون ملون. ولم يوجد لقب كاهن «بوخيس» إلا على واحد من هذه الكرتونات، وهو محفوظ بالمتحف البريطاني برقم ٦٩٦٩. أما سائر الكرتونات التي كُشِفَ عنها فكانت إما قد أصابها التلف بصورة بالغة، فلم يكن من المستطاع معرفة صاحبها، أو أن القسم الذي فيه النقش الذي يحتوي على اسم صاحبه وألقابه قد ضاع.

والجزء الخاص بالتابوت رقم ٦٩٦٩ جاء فيه:

نطق: يا أوزير المحنط ﻟ «أوزير بوخيس»، و«حب إب رع» المبرأ. أن «أنوبيس» الذي في لفائفه. سيد «تاجسر» (الأرض العالية = الجبانة) يأتي إليك ليمنحك دفنة «طيبة» في غربي «طيبة». والكاهن الذي ذُكِرَ اسمه هنا قد جاء اسمه على مائدة قربان من البقارية. ويمكن تأريخ الورق المقوى الذي يغطي تابوته بحوالي ٦٠ق.م.

ويُلْحَظُ أن البوخيوم في العصر الروماني المتأخر كان في تدهور مستمر يشبه ذلك التدهور الذي كان يحدث في معظم الفنون والعادات المصرية القديمة. وتوجد بعض الأدلة على أنه في هذا التاريخ كانت أم «بوخيس» قد أخذت تحتل مكانة أكثر أهمية بالنسبة ﻟ «بوخيس» عما كانت عليه من قبل. واللوحة الوحيدة المنقوشة لبقرة يرجع تاريخها للإمبراطور «كوموديوس». وكانت البقرات في خلال كل العصر الروماني تُدْفَنُ في مقابر مبنية بناء حسنًا؛ فكانت قبواتها تُقَامُ بالآجر، غير أن ذلك يمكن أن يكون سببه فقط للفرق بين الصخر عند الموقعين. وأول مقابر أقيمت في البقارية هما دفنتان لبقرتين في قبوتين من اللبنات، وكانت كل منهما تحتوي على تابوت من الحجر الرملي، في حين أن الدفنة الثانية في البوخيوم لم يكن لها تابوت، ويُفَسَّرُ ذلك بأنه إذا كانت أم الثور الذي عاش في عهد «الإسكندر الأكبر» قد ماتت في خلال عهد «نقطانب الثاني»، وأن قبرًا كان قد بُنِيَ وقتئذ لها يشبه القبر الذي كان قد أُقيم لسالفتها.

والدفنات المبكرة في بقارية كانت عمومًا أفقر من التي كانت في البوخيوم، وأم الثور الذي عاش في عهد «نقطانب الثاني» قد أقيم من اللبنات، وعلى ذلك لم يكن لها قبوة من الحجر كالتي كانت لابنها، يُضَافُ إلى ذلك أنه لم يكن لها قبوة للقربات.

والدفنات التي من عهد البطالمة لم يكن فيها توابيت، وكانت الثيران تُدْفَنُ في حجرات منحوتة في الصخر نحتًا رديئًا كما لم تكن منتظمة الشكل. هذا، وقد عُثِرَ على موائد قربان في البقارية، وكذلك عثر على مصابيح تشبه التي وُجِدَتْ في البوخيوم، ولم يُعْثَرْ على لوحات غير اللوحة التي تُنْسَبُ إلى عهد «كوموديوس» وهي التي ذكرناها فيما سبق، وكذلك لوحة محفورة غير أنها ليست منقوشة من عهد «دقلديانوس» عُثِرَ عليها في دفنة منفصلة خارج البقارية. وقد تعرض البوخيوم في خلال كل تاريخه إلى تصدعات في السقف، وفي جدران كل من المقابر والممرات، ولم تنج البقارية من نفس هذه الكوارث، ويرجع السبب في ذلك إلى رداءة الصخر؛ إذ لم يكن في كل من الموقعين صالحًا لمثل هذه الأضرحة؛ وكذلك يرجع السبب جزئيًّا للكهنة الذين لم يتركوا مسافات كبيرة كافية بين المقابر إلا في الدفنات الأولى القليلة العدد. وقد عُمِلَتْ محاولات مختلفة لإصلاح هذه التصدعات في العهد البطلمي غير أنها كانت تعمل دون عناية ودقة.

وفي العهد الروماني بُذِلَتْ مجهودات حقيقية لمعالجة هذه التصدعات؛ ففي البوخيوم أُقِيمَتْ جدران قوية من الآجر ودعامات في الممر الجنوبي، وفي مقبرتين كانتا آيلتين للسقوط، وفي البقارية عُمِلَتْ كذلك إصلاحات متقنة؛ فقد أقيمت قبوة من الآجر في طول الممرين الشمالي والجنوبي باستثناء النهاية القصوى.

وعلى أية حال فإن نهاية تاريخ البوخيوم ليس مؤكدًا؛ فالثور الذي كان في عهد «دقلديانوس» دُفِنَ في البوخيوم ومعه لوحة رسمية، وهي أحدث لوحة في الوجود نُقِشَتْ باللغة المصرية القديمة. أما أمه فقد دُفِنَتْ كما وصفنا ذلك من قبل. وتوجد لوحتان أخريان غير منقوشتين حُفِرَ على كل صورة بقرة بوجه كامل، وقد بِيعَتَا على أنهما مستخرجتين من «أرمنت». ومن الممكن تمامًا أنه إذا كان خلف الثور الذي عاش في عهد «دقلديانوس» قد أتلف فإن أمه لا بد كانت قد دُفِنَتْ بالطريقة الصحيحة قبل ذلك الوقت، غير أنه من المدهش تمامًا أن تكون عبادة هذا الثور قد قُضِيَ عليها في تاريخ مبكر كهذا، فالسرابيوم لم يكن قد قُضِيَ عليه حتى عهد «تيودوسيوس» (٣٧٩–٣٩٥ م) Teodosius، والمعتقد بوجه عام هو أن الديانات الوثنية قد عاشت زمنًا أطول في ذلك العهد في الوجه القبلي أكثر مما عاشت في الوجه البحري. ومن جهة أخرى كان للديانة المسيحية مركز هائل في إقليم «طيبة»، ومن الممكن أن أتباع «بوخيس» قد أصبح عددهم ضئيلًا لدرجة أن عبادته قد تلاشت، وبعبارة أخرى: قد صفى حسابها طوعًا بمقتضى الأحوال. ومهما كانت حقيقة نهاية أمر هذه العبادة، فإن السادس من شهر هتور (٣ نوفمبر) من عام ٢٩٥ بعد الميلاد كان يُعَدُّ آخر قبس للنشاط الديني في البوخيوم، وذلك بعد احتلال دام أكثر من ٦٥٠ عامًا. وعلى الرغم من أن هذا العهد كان قصيرًا إذا ما قرن بتاريخ السرابيوم فإنه يجاري في طوله معظم الكاتدرئيات، وقد كان من الممكن أن يعيش بعد الانحطاط الذي كان يمر به في العهد الروماني المتأخر، كما عاش بعد الانحطاط الذي ألم به في العصر البطلمي المتأخر، ولكن كان هناك عدو أقوى من فساد نفس أعوانه أنفسهم، ومن أجل ذلك نجد أن هذه العبادة قد سقطت مع سائر الديانة الوطنية تحت سلطان انتشار المسيحية، وكان أثر هذا التغير على مدنية المصريين وأخلاقهم عميقًا وباقيًا إلى أن جاء الإسلام، فبدأ صفحة جديدة في حياة مصر قلبت كل الأوضاع في نفوس الشعب من حيث الدين واللغة، ومع ذلك لا تزال آثار العادات المصرية القديمة تلعب دورها في نفوس القوم حتى يومنا هذا على الرغم من محاربتها بكل الوسائل الممكنة؛ مما يدل على أن الشعب كان حريصًا على عاداته وأخلاقه أمام كل التقلبات السياسية والدينية والاجتماعية، والاقتصادية على السواء. والله الموفق لما فيه خير مصر الناهضة لإحياء تراثها المجيد في الشرق أجمع.
١  تحدثنا عن عبادة الثيران باختصار في الجزء السابع من هذه الموسوعة.
٢  راجع: J.E.A. XIX p. 42 ff.
٣  راجع: Wilcken Urkunden der Ptolemaerzeit, I. p. 14.
٤  يحتمل جدًّا أنه لو عُمِلَتْ حفائر في هذه المنطقة بالذات لكشف على ما أعتقد عن سرابيوم «منيفيس».
٥  راجع: Peitschmann on Apis (5), Pauly Wissova.
٦  راجع اللوحات: Serapeum de Memphis, découvert et décoret par Aug. Mariette, ouvrage dedié à S.A.I. Mgr. le Prince Napoleon, et publié sous les auspices de S.E. M. Achille Fould Ministre d’Etat, Paris 1859.
وهذا الكتاب الأخير يجب ألا يُخْلَطَ بينه وبين كتاب آخر بنفس الاسم ونفس المؤلف، وهو الذي سنشير إليه في كل هذا المقال باسم Le Serapeum de Memphis واسم هذا الكتاب بالكامل هو Le Serapeum de Memphis par Auguste Mariette Pasha publié d’après le manuscrit de l’auteur. Par G. Maspero, Paris 1882.
٧  راجع: Herod III. P. ar. 28.
٨  راجع: Strabo XVII, 807.
٩  راجع: Diod. I. 85.
١٠  راجع: Aelian XI, 1c.
١١  راجع: Eusbuis Praep. Ov. III, 13.
١٢  راجع: Cyrill. Ibid.
١٣  راجع: Plunus VIII, 184.
١٤  راجع: Hopfner Tierkult Der Alten Agypter, P. 78.
١٥  راجع: La mise à mort rituuelle d’Apis. Rec. Trav, T, XXXVIII pp. 33–60.
١٦  راجع: Plutarch De Iside etc. LVI.
١٧  راجع: Pliny. N.H. VIII, 46.
١٨  راجع: Ammianus Marcellinus XXII, XIV, 7.
١٩  راجع: Solinus, 32.
٢٠  راجع: Hopfner Ibid, p. 842.
٢١  راجع: Le Serapeum de Memphis pp. 63-64.
٢٢  إمنتي (= عالم الآخرة).
٢٣  راجع: Ibid. p. 137.
٢٤  راجع: Cemeteries of Abydos Part III, p. 44.
٢٥  راجع: Hopfner Ibid. p. 83.
٢٦  راجع: Mariette Ibid p. 58.
٢٧  راجع: The Bucheum, vol. II, pp. 40–50.
٢٨  راجع: The Bucheum vol I. p. 41.
٢٩  راجع: B.I.F.A.O. XII., 12 (Tod).
٣٠  راجع: Champ., not. descr. I. 377.
٣١  راجع: Blakman in Myth and Ritual (ed. S.H. Hooke), 31.
٣٢  راجع: Kees AZLIII. 81–3 and p. 83, cf. (Legrain A.S. IV. p. 147, Bec. Trav. XXIII, 62).
٣٣  راجع: Wiedemann Der Alte Orient XIV, 21.
٣٤  راجع: A.Z, S. L. XXI p. 153.
٣٥  راجع: Brugsch Dict. Georg. 1058-9, cf, Pap. Cairo 59007, recto 4, 3 Golenischeff, Les Pap. Heratiques (Cairo Catalogue), p. 33 and also pp. 64, 76.
٣٦  عبارة الإله نزيل المكان كذا تدل في اللغة المصرية القديمة على أن الإله المذكور كان ضيفًا في المكان الذي ينزل فيه، ولم يكن الإله الأصلي لهذا المكان. عبارة النزيل بالمصرية هي (حري-إيب).
٣٧  راجع: Rec. Trav. XIX. 14: Amenhotep II.
٣٨  راجع: Bisson de Ra Roque and J. J. Clère Medamoud 1928, Irsc. 501, p. 113.
٣٩  راجع: Wreszinski O.L.Z. XIII. 385 ff. pl. III. 25.
٤٠  راجع: Drioton, Medamoud (1926), pt. Les Inscriptions 10, 11.
٤١  راجع: Ibid. p. 9.
٤٢  راجع: Drioton, Medamoud (1925), pt. II, 6, 42–5.
٤٣  راجع: Kees Kulturegeschecte des Alten Orient, I, Agypten 333.
٤٤  راجع: Legrain Ibid. p. 114.
٤٥  راجع: L. D. IV, 62 f.
٤٦  راجع: Legrain Ibid figon p. 120.
٤٧  راجع: Bucheum II. P. 49.
٤٨  راجع: Amun § 178. note 1.
٤٩  راجع: L. DIV. 64a.
٥٠  راجع: Nacrobius Saturn 1, 21, 20.
٥١  راجع: Mariette sur La Mère d’Apis p. 20.
٥٢  راجع: Herod., III, 28.
٥٣  راجع: Pomponius Mela, 1, 9, 58.
٥٤  راجع: Aelian (Hist. Anim. XI, 10).
٥٥  راجع: Plutarch. (Iuaest. Conv. VIII, 1, 3–718b).
٥٦  راجع: Cambridge Ancient History X. 36.
٥٧  راجع: G. Frazer the Golden Bough. Abdidged Ed. Pp. 246.
٥٨  راجع: Ibid., pp: 335–341.
٥٩  راجع: Eusehius Praeparatio Evangelica II,.
٦٠  راجع: Mémoires sur la Mèrs d’Apis (Paris), 1856.
٦١  راجع: Aelian, Hist. Anim I. XI. 10.
٦٢  راجع: Pliny, N.H. VIII, 186, Solin 32, 20. Ammiaanus Marcellinus XXII, 14, 7.
٦٣  كان الإله وكذلك الملك يسمى ثور أمه أي هو الذي يأتيها فتضع، وبذلك كان يسمى ابن نفسه.
٦٤  راجع: G. Zoega, de Usu et orig. Obliscorum, Roma, 1797, L.M. Ungarelle Interpretatio Urbis Roma 1842, Planches.
٦٥  راجع: Demat. Pap. Wien No. 27, A.Z. LVI, p. I. Ein Bruchstuck des Bestatungstritual der Apissture.
٦٦  راجع: J.E.A. XVII, pp. 223 ff. p1. XLII ff.
٦٧  راجع: E.R. Bevan History of Egypt, The Ptolemaic Dynasty p. 136 n. I.
٦٨  راجع: The Bucheum vol. II. P. 27.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤