الفصل الثامن

الهارب

دخل «سعيد الميدانى» على مدير دار الكتب — حين أذن له — وهو يحيى وينشر الجريدة التى كانت مطوية تحت إبطه، وقال وهو يقدمها له: «هل قرأت هذا يا بك؟ إن الحملة واضحة التلفيق، ولهذا جئت وفى مرجوى أن أظفر منك ببيان للرد عليها».

فتناولها منه المدير وألقاها على طرف المكتب، ولم يكتم ضجره وهو يقول: «تفضل.. تفضل.. إن كل ما يعنى رواد الدار هو أن يجدوا ما يطلبون — كل ما يطلبون — فيها وأن يهتدوا إليه بسرعة وسهولة وبغير عناء أو تضييع وقت. ومتى كان هذا حاصلا فلست أبالى ما تكتب الصحف أو يقول غيرها. وهذا حسبى وحسبك بيانا، فإذا اقتنعت به فذاك.. وإلا فأمرى إلى الله، فما أستطيع أن أضيع وقتى فى الكلام الفارغ».

وكان أمامه وهو يقول هذا كتاب ضخم وضع بين صفحتين منه قلما أحمر غليظا. وكان ينظر إلى إحدى الصفحتين ويشير بأصبعه إلى سطور فيها كأنما يتلو منها ما ينطق به. بل لقد خيل إلى سعيد أن الأمر كذلك، ولكنه هز رأسه كأنما يريد أن يطرد هذا الخاطر، فقد استأذن من غير أن يبين الغرض من المقابلة. وكان سعيد من أحدث خريجى كلية الآداب بالجامعة المصرية، ومن أنشطهم وأشدهم إقبالا على التحصيل والاطلاع ونزوعا إلى الاستقلال والعمل الحر. وخال فيه صاحب جريدة «الأحوال» الخير من لمحاته، وآنس الرشد من أعماله.. فألحقه بمساعديه الكثيرين، وما لبث أن صار يعتمد عليه فى تعقب الأخبار وتقصى الحقائق.

ورأى المدير أن سعيدا ينظر إلى الكتاب الذى بين يديه، فمسح جبينه العريض بأنامله ثم قال: «على فكرة.. هل عندكم فى «الأحوال» ملفات خاصة بترجمة المشهورين»؟

ثم كأنما تذكر أمرا، فقال: «متى أسست جريدة الأحوال»؟

فقال سعيد: «بعد الحرب العظمى.. سنة ١٩١٩م — أو ١٩٢٠م».

وقال المدير: «إذن لا فائدة..».

فقال سعيد: «هل تسمح لى أن أسأل ما هى الحكاية لعلى أستطيع أن أساعد».

فقال المدير: «الحقيقة أنها مسألة غريبة.. كنت أمس أقرأ كتابا لعبد القادر التميمى، وهو كاتب مصرى وشاعر أيضا.. وإن كان شعره قد ضاع بإهماله — أو على الأصح — لأنه هو أبى أن ينشره لأنه كان يستضعفه ولا يرى رأى الناس فيه. وقد كان مشهورا منذ أربعين سنة، ثم اختفى فجأة ولايدرى أحد أهو حى فيُرجى أم ميت فيُبكى.. وقد رجعت اليوم إلى المستدرك — وأشار بيده إلى الكتاب الذى بين يديه — وهو كما تعلم الجزء الرابع من كتاب الأعلام للزركلى، فوجدت فيه نبذة عن الرجل فيها تاريخ ميلاده وأسماء كتبه إلى آخر ذلك، وليس فيها تاريخ لوفاته. والمفهوم من هذا بداهة، أنه كان حيا حينما صدر الجزء الرابع من الأعلام — أعنى المستدرك. ولعل صاحب الأعلام لم يقف على تاريخ لوفاته إذا كان قد مات، ولكنه كان حينئذ خليقا أن يذكر تاريخا تقريبيا لوفاته على عادته. لهذا أرجح أن الرجل كان حيا وقت صدور الكتاب. ولكن المسألة تبقى مع ذلك بلا حل … فهل هو لا يزال حيا؟ أم تراه مات؟ وأين؟ هذه هى المسألة. ولست أعتقد أن فى وسعك أن تساعدنى، ولكن أدر المسألة فى خاطرك عسى أن تهتدى إلى شىء فتخبرنى؟ إذا سمحت ولك الشكر».

ونهض واقفا إيذانا بانتهاء المقابلة.. ولكن سعيدا كان مطرقا، وكان يفرك جبينه بأصابعه، فلم ير المدير يقف.. فعاد ذاك إلى مقعده على مهل وقد جال بذهنه أن لعل هذا الشاب يعرف شيئا أن يصغى إليه، وتنبه سعيد ورفع رأسه وقال وعينه على السقف: «عبد القادر التميمى؟ أى نعم.. أذكر هذا الاسم، وإن كنت لم أقرأ له شيئا. قرأت عنه ولكن لم أقرأ له، وسمعت من أستاذنا فى الجامعة أن الناس فى عصره كانوا فى حيرة من أمره، وكان أكثرهم لا يعرف له جدا من هزل.. وكان يتهكم بكل شىء.. كل شىء حتى نفسه. وكان أسلوبه جديدا فى بابه فأخذ الناس على غرة وكثر مقلدوه، ولكنهم أخفقوا فأقصروا».

وهنا تململ المدير، فما كانت به حاجة إلى من يصف له الرجل.. وإنما كانت حاجته إلى من يدله عليه أو على مكان قبره.

ومضى سعيد فى كلامه غير عابئ بضجر المدير، فقال: «نعم.. وأذكر أن أستاذنا قال: إنه رحل من مصر وخلف أسرته بها، وترك لها كل ما جمع من مال. وكان ابنه قد كبر وصار ذا عمل يكسب منه رزقه، ولم يرجع الأب بعد ذلك.. ولكن من المحقق أنه لم يمت وإن كانت أخباره قد انقطعت.. نعم أذكر هذا».

فقال المدير: «أواثق أنت من ذلك»؟

قال سعيد: «كل الثقة.. ولكن أين هو؟ لا يدرى أحد».

قال المدير: «ولكنه إذا كان لا يزال حيا — لابد أن يكون الآن قد جاوز الثمانين.. انتظر.. ولد.. ولد.. نعم.. سنة ١٨٥٠، فهو الآن فى السادسة والثمانين؟ يألله! أتظن؟ أنى لا أكاد أصدق، لقد كان معروفا عنه أنه مسرف فى إنفاق حياته.. لا يبالى أعاش أم مات.. فكيف يمكن..»؟

فقال سعيد: «مثل هؤلاء الذين لا يبالون أعاشوا أم ماتوا هم الذين يعمَّرون».

فقال المدير وهو شارد: «ربما.. ربما.. ولكن ٨٦ سنة.. هذا عمر.. هذا..».

فنهض سعيد ومد يده إلى المدير، وقال: «سأعنى بالبحث.. وإذا وفقت إلى شىء فسأخبرك».

فمد المدير إليه يده، وهو يقول كالمحدث نفسه: «٨٦ سنة.. أما لو كان حيا؟ ولكن كيف يمكن؟ كيف يمكن»؟

•••

مضى شهران على هذا الحديث لم يسمع فى خلالهما كلمة من سعيد، ولم يكف هو أثناءهما عن البحث والتقصى — عبثا — فأقصر يائسا وصرف نفسه أسفا عن عبد القادر التميمى. وكان جميل بك — أو إذا شئت اسمه كاملا، جميل بك أحمد القناوى — رجلا مخلصا عطوفا رقيق القلب، وقد شق عليه جدا أن يحدث فى القرن العشرين أن يختفى أديب مشهور وأن تنقطع أخباره نحوا من أربعين سنة، فتنساه الدنيا التى يسرها ويملؤها حبورا وجذلا، ولا تعود تعرف عنه حتى أبسط ما ينبغى أن يعرف: «أهو حى أم تراه ميت»؟ وكان جميل بك يرى أن هذه فاجعة إنسانية لأنه لم يشك فى أن اختفاء هذا الأديب وانقطاع أخباره سببهما يأس عميق آخذ بالكاتب، وهو مع ذلك الذى يرفه بكتابته عن الناس وينعش نفوسهم ويهذبها بفكاهته ويفيض على حياتهم البشر والسرور كما تفعل الشمس، ولم يسعه الا أن يعجب لاختفاء رجل مشهور فى عالم لا يكاد يختفى فيه شىء فى هذا العصر، ورجح عنده لهذا أن الرجل لابد أن يكون قد لقى حتفه فى أول مراحل هجرته — إذا صح أن تسمى هجرة — ولا يبعد أن يكون قد تنكر واتقى ألا يحمل معه ما يدل على حقيقته. وأخلق به حينئذ أن يكون قد دفن حيثما اتفق بالاسم الجديد الذى تنكر به، وهز جميل بك كتفيه ومط شفتيه، ثم زفر زفرة طويلة وقال: «إيه لا حول ولا قوة الا بالله» وشرع يشعل سيجارة وإذا بالتليفون يدق إلى جانبه، فتناول السماعة متثاقلا وقال: «نعم» ولكن ما عتم أن أعتدل فى جلسته، وصاح: «أيه ماذا تقول»؟

ولكن الذى خاطبه اكتفى بما قال، فوضع جميل بك السماعة، وقام يتمشى بسرعة ويشعل سيجارة ويضعها فى الطبق وينساها ويروح يشعل غيرها حتى اجتمع فى الطبق أربع سجاير بعضها أقصر من بعض وهو ذاهل عنها جميعا. وأنه ليهم بإشعال الخامسة، وإذا بالخادم — فقد كان فى بيته — ينبئه أن «سعيد أفندى الميدانى» قد حضر، فيقول له بلهفة: «أدخله.. أدخله» ويسبقه هو إلى الباب.

ويدخل سعيد أفندى ويده فى يد جميل بك، وهو يقول: «نعم وجدته.. فى غرفة فى ربع قديم فى أعتق أحياء هذه المدينة.. أو هو من أعتقها..».

فيقول جميل بك: «وكيف وجدته»؟

فيقول سعيد أفندى: «أوه.. هذه حكاية طويلة. وليس المهم كيف وجدته، بل المهم أنى وجدته. ويمكننى أن أقول لك إنى استعنت بابنه، وقد كان اعتقاده أنه مات لا محالة، ولكنى زعزعت له هذا الاعتقاد بعنف بل بقسوة.. هل تعلم أن ابنه أحيل على المعاش منذ سنتين، وإن له حفيدة تزوجت وولدت بنتا».

فيقول جميل بك: «ليس عجيبا أن يعتقد ابنه أن أباه مات وشبع موتا، ولكن كيف وجدته؟».

فيقول سعيد مرة أخرى: «لقد قلت لك أن هذه الحكاية طويلة».

فيقول جميل بك: «إنما أعنى كيف حاله».

فيقول سعيد: «حاله.. وماذا تنتظر أن يكون حال رجل قارب التسعين وأقعدته شيخوخته العالية عن العمل.. فقر وضعف وعمش … حال لا يعلم بها إلا الله».

– ولكن كيف يعيش؟

– كان يستعين به طابعو الكتب القديمة لضبطها وهم يجهلون شخصيته لأنه يسمى نفسه عبد القادر ناجى.. أليس اسما غريبا؟ إن اختياره له يشى بثقته بالله وبحسن المآل على كل حال.. لقد أدهشنى منه أنه لايزال يبتسم للدنيا ويؤمن بحسن حظه فى الحياة على الرغم مما هو فيه من الفاقه الشديدة.. ولكن من يدرى؟ لعله قد خرف فهو لا يقدر سوء ما هو فيه. فسأله جميل بك: «ألا يعرف أن ابنه موجود»؟

فقال سعيد: «يعرف، ولكنه أبى أن يذهب إليه حين عاد من رحلاته لأنه استكبر أن يجعل نفسه حميلة عليه، وخشى أن يأنف ابنه من الانتساب إليه إذا وقف على حالته الزرية».

– وهل قابل ابنه؟

– بالطبع … وقال له حين رآه: من يصدق أنك ابنى؟ إنى أبدو أصغر منك.. على كل حال، يمكنك دائما أن تنسى أنى مازلت على قيد الحياة.. فما أشك فى أن عثورك علىّ حيا صدمة لك بعد أن وطنت نفسك على موتى. وأحسب أن بعثى الآن قد خيب أملك فى.. كذلك قال لابنه.. مدهش.. إن ذهنه لا يزال حافظا لقوته.. قال لابنه فى جملة ما قال: إنى لما كبرت كنت أقول: لو عاش أبى لما عاشرته، لأنى أستنكف أن أكون فرعا وأحب أن أشعر أنى أنا أصل مستقل بنفسه عما عداه وعما غذاه ونماه. ولكن ذهنه يشرد أحيانا فيخلط فى كلامه، لأنه يكر راجعا إلى ذكرياته الطويلة فى حياته الحافلة، من غير أن يشعرك بالانتقال أو الرجعة.. فتحس أنك تهت وضللت طريقك، وقد تظنه يهذى ولكنه ليس هذيانا بل كر الذهن إلى الوراء فجأة بغير انذار. ولما قلت له أنك تبحث عنه، ضحك وقال هل يريد أن يغلفنى ويضعنى على رف.. وقال عن كتبه لما عرض ذكرها: إن خيرها ما لم يكتبه.. ولا تزال أسنانه باقيا بعضها، وقد قال لى إن متانتها وسلامتها من الآفات هما السبب فى بقائه حيا إلى الآن.. ولما قلت له إن من واجبه أن يملى مذكراته على بعضهم، صاح بى: «أعوذ بالله يا شيخ.. حرام عليك.. اتق الله فى يابنى».

فسأل جميل بك: «وماذا كان يعمل كل هذه السنين الطويلة»؟

– أوه كل شىء.. قال لى أنه لم يعش لنفسه ساعة واحدة أيام كان يشتغل بالأدب، وأن كل ما كان يرى نفسه تشتهيه كان يرى أنه محروم منه. وكان مما يثقل عليه جدا أنه لا يرى نفسه يفعل إلا ما يكره فهو لا يحب المجالس التى يكثر فيها الناس ولا يرتاح إلى أحاديثها ولا يغتبط بالزوار ويحب أن يشعر أن بيته حصن منيع لا يقتحم، ويود ألا يجلس إلا الذين يصطفيهم من الإخوان ويأنس بهم ويطمئن إليهم، ولكنه كان يجد — لسبب خارج عن إرادته بل ضد إرادته — أنه يعيش كما يعيش الناس، ويفعل ما يستثقل، ويحرم ما يحب، وقد كبر فى ظنه أنه سيظل حياته هكذا. ولم يستطع أن يروض نفسه على السكون إلى هذه الحياة أو أن يوطنها على احتمال هذا التقيد الذى لا يعرف ماذا يفرضه عليه، وشق عليه أن يظل هكذا.. يعرف أنه حر ولا ينعم مع ذلك بحريته، فكره هذه الحرية الظاهرية، ومل السخط على نفسه.. وود لو أنه مقيد حقيقة بإرادة غيره ليتسنى له على الأقل أن ينحى باللائمة على هذه الإرادة الخارجية ويجعلها غرضا لذمه وطعنه. ولهذا فر من مصر والتحق بشركة أجنبية للملاحة، وركب على بواخرها البحار.. وأقام فى الموانئ مندوبا لها، ثم ترك ذلك وعمل وكيلا تجاريا يجوب المدن ويذرع الأرض داعيا مرغبا، ثم انقلب مدرسا للغة العربية فى بلاد الأفغان حتى أقعدته الشيخوخة ولم تقعده فى الحقيقة، ولكن الناس كانوا يرون أن سنه علت فهم يزهدون فيه من أجل ذلك ويؤثرون من هم أدنى منه سنا، وكان قد جمع مالا فى رحلاته الكثيرة فصار ينفق من رأس ماله حتى قارب النفاد فعاد إلى مصر فدخلها ومعه نحو تسعين جنيها. قال لى — وهو يضحك: إنه حدث نفسه أنه ينبغى أن يموت بعد أن تنفد، فما له رزق سواها. ولكنه كان يخرج ويتردد على المكاتب التجارية، فأنس به أصحابها وأدركوا أنه عالم وأن فى وسعهم أن يستغلوه، فكان يضبط لهم الكتب القديمة التى يعيدون طبعها، وساعده ذلك على إطالة عمره، فقد أغناه عن الإنفاق من رأس ماله أو ما بقى منه. ومعنى ذلك عنده أن عمره طال لأنه يحسب عمره بما لديه من المال، فعلى حسب كثرته أو قلته يكون ما بقى له فى الدنيا من السنين.. فهل رأيت أعجب من هذا؟

فأطرق جميل بك شيئا، ثم رفع رأسه وقال: «لا شك أن الأمر عجيب ولكن ابنه … ألم يأخذه بعد أن اهتدى إليه»؟

فقال سعيد: «أوه.. إن الرجل شاذ كما تعرف وقد أبى كل الإباء أن يذهب إلى بيت ابنه، لأن هذا خليق أن يحدث فى رأيه اضطرابا لا داعى له فى حياة ابنه. وقد أطال النظر إلى البذلة الأنيقة التى يلبسها ابنه، ثم ألقى نظرة على الجلباب البسيطة الذى يرتديه هو وأشار بيده المعروقة إلى الثوبين، وقال: «دعنى لشأنى، فإنه غير شأنك» ولم يزد بعد على الابتسام كلما ألح عليه ابنه فى القيام معه».

فقال جميل بك: «والآن ألا نستطيع أن نصنع شيئا لهذا الرجل الذى كشفنا عنه؟ إن رجال الآثار يملأون الدنيا ضوضاء كلما وقعوا على حجر قديم، أفلا ينبغى أن ننبه الناس إلى حقيقة هذا الرجل الذى لا يزال حيا وإن كان محسوبا فى أهل القرون الخالية»؟

فقال سعيد: «بالطبع نستطيع.. يمكن مثلا أن نقيم احتفالا كبيرا فى أكبر الفنادق ندعو إليه رجال الأدب والعلم والصحافة وطائفة من كبار الرجال ونقدم إليهم صاحبنا.. غرابة الموضوع نفسه كفيلة وحدها بنجاح الحفل».

فهز جميل بك رأسه، وقال: «لا شك.. ولكن صاحبنا لا يبالى هذا ولا فائدة له منه على كل حال، وأنا أخشى إذا دعونا إلى الاكتتاب أن لا نفوز بشىء يستحق الذكر.. فنكون قد أهنَّا الرجل بلا داع.. ثم من يدرى.. فقد يأبى هذا وذاك..».

فقال سعيد، وهو ينهض: «أقول لك.. دع هذا لى. والله الموفق».

لم يكن الأستاذ عبد القادر التميمى يبرح بيته، وكان يجلس طول النهار على سريره الضيق تحت النافذة ويطل منها ولا يكاد يحول عينه عنها. ولم يكن يرى شيئا فى الحقيقة الا أشكال المبانى القريبة، وذاك لضعف بصره.. ولكنه لم يكن ينظر ليرى شيئا، ولا كان يعنى بأن يرى أو أن تأخذ عينه المناظر، وإنما كان يحدق كالذاهل. وكانت أسارير وجهه المتجعد تنبسط أو تعمق الأخاديد التى حفرها الزمن، فيخيل إلى الناظر إليه أن هذا وقع ما يشاهده. ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك وعلى نقيضه، فما كان يبصر شيئا وإنما كان يدير عينه فى قلبه أى فى ماضيه، فيبدو عليه السرور أو الألم أو غير ذلك، كما يبدو على وجه من يشاهد قصة معروضة فى دار السينما. وكان سعيد يزوره كل يوم مرة — وأحيانا مرتين — فى اليوم ويصغى إليه — أكثر الوقت، وهو يهضب ويسح بذكرياته التى لا آخر لها وقال له مرة: «ما رأيك يا أستاذ.. أن خبر عودتك قد شاع وذاع بين الأدباء ورجال الصحف وكلهم متلهف على رؤيتك».

فقال بإيجاز: «فليتلهفوا». فقال سعيد: «ولكنهم لابد أن يصلوا إليك فى النهاية.. كما وصلت أنا.. ولا سبيل إلى صدهم». فتجهم الرجل وقال: «ولكن يجب أن يُمنعوا.. إن المكان لا يليق.. ما العمل.. أشر..» قال: «اسمع منى وأطعنى.. خير ما يمكن أن نصنع هو أن يروك كلهم دفعة واحدة». قال: «ولكن كيف يتسنى ذلك؟ هذا مستحيل». قال: «كلا.. الضرورة تفتق الحيلة.. وقد رأى المعجبون بك أن خير ما يصنع هو أن يقيموا حفلة يدعون إليها الأدباء والعلماء ورجال الصحف ورجال الدولة أيضا.. فنفرغ من الأمر كله فى ساعة». قال: «ساعة؟ يا حفيظ». قال: «هذا أهون من أن تظل كل يوم ساعة معرضا لحضورهم إلى هنا وإزعاجك.. فكر..». قال: «صدقت.. ولكن حفلة؟ حفلة. إن هذا صعب».

قال: «لماذا.. أين الصعوبة؟ ما عليك إلا أن تحضر وتجلس معهم ساعة أو بعض ساعة ثم ننصرف جميعا، وكفى الله المؤمنين القتال».

فأطرق الرجل قليلا ثم قال: «ولكنى لا أريد أن أختصر حياتى.. إنى أستطيع أن أعيش.. دعنى أنظر..».

فعالجه سعيد حتى صرفه عن التفكير فيما تكلفه الحفلة من النفقات للثياب، فقد كان هذا هو الذى يفكر فيه ويستثقله خوفا على عمره.

ولكن المشكل لم يُحلّ مع ذلك، فقد كان ابنه على بك — فقد صار بيكا — عبد القادر التميمى، فى حيرة شديدة من أمره من جراء عناد أبيه، فإنه — أى على بك — رجل ذو مركز ومقام فى المجتمع، وقد زوج ابنته منذ عهد قريب لرجل له مركز ومقام فى المجتمع أيضا، وليس يليق أن يكون أبوه — أى أبو على بك — هذا الرجل الرث الهيئة الزرى اللباس الرقيق الحال الساكن فى غرفة حقيرة فى رَبْع عتيق أو جديد إذا أمكن أن يكون هناك ربع جديد — وقد استطاع أن يرجئ لقاء بنيه ونسيبه لهذا الأب الذى جاء من حيث لم يكن يحتسب، فقد زعم لهم أن العثور عليه أو الاهتداء إليه أحدث له رجَّة عصبية يحسن معها اتقاء إزعاجه إلى حين. ولكن الصحف بدأت تكتب وتفيض، ولا سبيل إلى كبح الصحف أو صرفها عن الموضوع.. فما كل يوم يختفى أديب كانت له شهرة واسعة، ثم يظهر بعد أربعين سنة. وقد حرص جميل بك وسعيد أفندى على إخفاء مسكن الرجل، ولكن الصحف لا يسعها أن تصبر على ذلك.. ومن حقها أن تعرف أين يسكن أو يقيم وإلا كانت معذورة إذا هى استرابت فى الأمر كله. أضف إلى ذلك أن حفلة ستقام ويشهدها مئات من الخلق. وقد كانت فكرة الحفلة هى التى أعانت جميل بك على إقناع الصحف بالصبر والانتظار، وجعلت الموضوع شيقا وخليقا أن يجد القراء فيه مثل لذة الأساطير. ولكن هذا لا يمكن أن يدوم ولا مفر آخر الأمر من كشف الحقيقة كلها، فما العمل؟

لهذا لجأ إلى سعيد وجميل بك ورجا منهما أن ينقذاه ويحولا دون الفضيحة التى يجزع منها ولا يعرف له قدرة على احتمالها، فاتفق الثلاثة أن يحملوا الرجل — ظهر يوم الحفلة — بعد أن يلبسوه بذلة إلى بيت ابنه، ومن هناك يذهبون به إلى الحفلة فى المساء.

•••

وجاء يوم الاحتفال، فذهب إليه سعيد بعد الظهر ومعه ثياب أراد أن يلبسه إياها.. فأبى واستكبر وغضب أيضا، وقال إنه ليست به حاجة إلى ثياب ولا إلى أحد من الناس، وإنه لا يريد أن يحضر هذه الحفلة أو يرى وجه إنسان، وإنه ما يعيب ثيابه على كل حال؟ أليس قد قابل بها الناس فى مصر وفلسطين والشام والحجاز والأفغان والعراق وإيران.. فاذا كانت لا تكفى هؤلاء المعجبين به والذين يريدون أن يحتفوا ببعثه، فإنه يحسن بسعيد أن يحمل إليهم ما جاء به من الثياب على مشجب، ويقول لهم إن هذا ما يطلبون وهو كل ما يستحقون أن يروا.

ولم يقل هذه الألفاظ بعينها ولا ما يقرب منها، بل فاه بما هو أعنف. وكان صوته متهدجا وكلامه متقطعا، وكانت لحيته الطويلة الكثة تضطرب وأسنانه الباقية تصطك، فلم يجد سعيد بُدًّا من السكوت والكف عن الإلحاح عليه بعد أن وضحت له قلة جدواه، وسأل الله فى سره الستر والسلامة فى هذه الليلة.

وخرجا من الغرفة.. سعيد فى ثيابه الإفرنجية التى يلبسها الأفندية من أمثاله، والأستاذ التميمى فى جلباب فضفاض وجبَّة قديمة وحذاء أصفر صارت الرقع فيه أكثر من الأصل فكأنه مركوب أبى القاسم، وطربوش مصرى سوى أنه طرى وعليه لغة كانت فى الأصل مزركشة فأصبحت ألوانها حائلة باهتة.

وكان سعيد قد جاء فى مركبة وتركها تنتظر فى الطريق أمام الباب، فأحاط بها غلمان الحارة.. هذا ينط على السلم وذاك يعبث بالغطاء ويطويه وينشره ويكرر ذلك مرات، والسائق يصيح بهم أن يكفوا ويلعن الساعة التى دخل فيها هذه الحارة، ويقرقع بسوطه ليزجرهم ويخيفهم فينفضون متضاحكين ثم يعودون إلى غيهِّم حتى كاد عقل السائق يطير. فلما ركب الرجلان راح الغلمان يجرون وراء المركبة ويتعلقون بها من خلفها ويصيحون، والسائق يلوح لهم بالسوط ويضرب به ظهر الغطاء حتى خرج إلى الطريق العام.

ولا نطيل.. ولا نحاول أن نصف لقاء الرجل بأحفاده، فقد خاب أمل الأسرة كلها حين رآه أعضاؤها وأخذت عيونهم الفاحصة قدم الثياب ورثاثتها. وكان ابنه أعظمهم خيبة أمل وأشدهم قلقا واضطرابا، ولا سيما حين عرف إصرار أبيه على هذه الثياب الوضيعة المخجلة حتى لقد أشفق عليه سعيد أفندى أن يفلج، فراح يحاور الأستاذ التميمى ويداوره مرة أخرى عسى أن يهديه الله.. ولكن الرجل كان جبلا لا يتزعزع، ولما قال: «أنا كما أنا.. فمن كان يقبلنى على علاتى فأهلا به، وإلا فإنى أرجع إلى غرفتى.. فما طلبت أن أجىء ولا أردت أن يعرف ابنى أو سواه أنى على قيد الحياة»، عندئذ أمسك سعيد أفندى وأقصر.

وكانت الحفلة فى فندق من أكبر فنادق المدينة وفى أوسع قاعاتها، وقد دُعى إليها — أو على الأصح اشترك فيها — نحو مائتين من رجال الأدب والعلم والصحافة والحكم والوجاهة. وكان أكثرهم قد بكر وجاء قبل الموعد.. وجاء غير المدعوين — أو المشتركين — كثيرون، وقفوا بحيث يرون الداخلين، واحتشد جمهور غفير على الرصيف ليروا هذا الأديب الذى بُعث بعد أربعين سنة، والذى دأبت الصحف عدة أيام متوالية على الكتابة عنه. واستعد المصورون لاستقباله وتصويره فى القاعة الكبرى بآلاتهم ومصابيحهم القوية.

ثم أقبل أحد الشبان يعدو، وقال: «جاء الأستاذ»، فساد السكون وانقطع حتى الهمس وتعلقت الأنفاس واشرأبت الأعناق، واتجهت العيون إلى الباب لرؤية هذا الذى كأنما قام من القبر. ودخل الأستاذ فى الثياب التى أبى سواها، وقد أخذ بذراعيه جميل بك وسعيد أفندى، وأقبل ابنه وراءهم. ولكن الناس لم يعيروا الابن أدنى التفات وإنما كانت عيونهم على هذا الرجل الهرم ذى الثياب العتيقة واللحية البيضاء والجبين المقطب والعين الثابتة اللماعة وإن كانت لا تَرى إلا قليلا. وكان قد ثقل عليه ما رأى من ابنه، فآلى ليرجعن إلى غرفته. وعرض جميل بك المدعوين على الأستاذ بأسمائهم، فصافحوه واحدا بعد واحد حتى كاد ينخلع ذراعه وإن كانوا جميعا قد ترفقوا به وحرصوا على الاكتفاء بلمس راحته. ولم يبد عليهم ما خشيه ابنه من الاشمئزاز أو الاستخفاف، حين تقع عيونهم على ما هو فيه من الهلاهيل.

وأديرت ألوان الطعام، فكان الأستاذ يسأل عما يعرض عليه، ما اسمه؟ وكيف يصنع؟ ولا يتناول إلا بقدر. وكان المدعوون فى أول الأمر يحدجونه بعيونهم، ولكنهم ما لبثوا أن انصرفوا إلى الطعام والحديث. ولكل شىء آخر — انتهى الأكل وبدأت الخطب والقصائد والأستاذ مطرق كأنه يصغى، وكان يهز رأسه من حين إلى حين كمن سره شىء — أو ما يسمع.

وانتهى هذا أيضا على طوله، فهمس جميل بك فى أذن الأستاذ: «ألا تحب أن تتفضل بكلمة ترد بها عليهم»؟

فقال الأستاذ مستغربا: «أنا؟.. أقول كلمة؟.. أرد على ماذا؟ الحقيقة أنى لم أكن مصغيا.. لم أكن مصغيا.. لم يكن بالى إليهم».

فذعر جميل بك — فما كان يتوقع هذا — وقال: «ولكن يا أستاذ. لابد من كلمة.. لا نستطيع أن نقول لهم إنك لم تكن مصغيا إلى كلامهم.. أرجو يا أستاذ.. كلمة شكر قصيرة.. القليل منك كثير».

فهز الأستاذ كتفيه، وقال: «إن هذا غريب! لقد كنت أفكر فى ليلة قضيتها فى كهف..».

فقال جميل بك مقاطعا: «فيما بعد الحفلة نسمع ماكنت تفكر فيه.. لابد أنه كان شيئا غريبا.. ولكن الآن.. أرجو يا أستاذ».

فالتفت إليه، وقال: «ماذا قلت إنهم كانوا يقولون؟ إنى لم أكن مصغيا».

فقال جميل بك: «كانوا يثنون عليك ويمدحونك ويذكرون كتبك العديدة ويصفون ما فيها.. كلام كثير يصعب أن ألخصه لك الآن. أنا أيضا قلت كلمة ولكنك لم تسمع مع الأسف.. نهايته.. لابد من الرد، فاصنع معروفا».

وكان سعيد — حلال المعضلات — قد أدرك وهو فى مكانه أن فى الأمر شيئا، فخف إلى جميل.. فلما عرف المسألة انحنى على الأستاذ، وهمس فى أذنه: «إن هؤلاء الناس خليقون أن يتوهموا أننا ضحكنا عليهم أو أننا مخدوعون، وأنك لست الأستاذ التميمى وأنما أنت رجل غيره ينتحل اسمه، فقم قل كلمة وإلا …» ولم يتمها فقد نهض الأستاذ معبسا، ورفع رأسه كأنما يحاول أن يقيم ما قوسه الزمن، وكانت لحيته تضطرب، وشفته تختلج، وكفاه لا تثبتان على المائدة التى وقف معتمدا عليها، وظل هكذا نحو دقيقة كان من الواضح فى أثنائها أنه يعالج نفسه ليردها إلى السكون، ويحاول أن يضبط أعصابه ويفىء بها إلى الاتزان ثم فتح فمه، وقال بصوت خافت: «أيها السادة» وسكت شيئا وثبت حملاقه فكأنه تمثال نصب فى مكانه، ثم ابتسم فجأة وبدأ يتكلم بلا توقف. ولم يشكرهم كما رجا منه جميل بك، بل قال لهم فى صراحة سرّت فريقا وساءت آخرين، إنه وجد بالتجربة الطويلة أن من العسير أن يهرب المرء فى هذه الدنيا من الناس — ومن الأدب والأدباء وعشاق الأدب على الخصوص — المخلصين والمتكلفين والذين يظلون يوحون إلى نفوسهم أنهم يحبون الأدب حتى يؤمنوا بذلك. كلا، لا سبيل إلى الهرب.. وطالب الفرار لابد له من الجرى الطويل والذهاب إلى أبعد مما كانت الحاجة تدعو إليه قبل نصف قرن. وهو يتكلم عن خبرة فيجب أن يصدقوه، بل إن وجوده الليلة بينهم دليل مادى على تعذر الهرب فى هذا الزمان الذى امتد به العمر إليه. وكيف يهرب الإنسان؟ إلى أى مكان يذهب وكل مكان فيه ناس؟ وقد صار الناس أكثر والاتصال بينهم أسرع وأسهل.. ومن أى مكان يهرب؟ إن الهرب الصحيح مستحيل.. وقد يستطيع المرء أن يعيش فى الصين، ولكنه لا يستطيع أن ينكر أو ينسى أن القاهرة والإسكندرية ودمشق والقدس موجودة. والهرب من الزمان أصعب. نعم، يتوهم المرء أنه يعيش لا فى الحاضر بل فى المستقبل وللمستقبل، ويروح يعزى نفسه عما هو كائن بما يزعم أنه سيكون، ويذهب يعمل ليقلب الدنيا ويجعلها كما ينبغى أن تكون، «إنى أؤكد لكم أنى أعرف هذا. فقد فعلته — أعنى توهمته — وعشت فى سكرة طويلة ونشوة مستمرة وحلم دائم بما سيكون».

وقال لهم إن هذا كله عبث فى عبث، وأكد لهم أنه لا مسوغ على الإطلاق لأن يفترض الإنسان أن للجنس الإنسانى مستقبلا.. هذا أولا. وثانيا أن ما نسعى له ونلح فى طلبه أو تمنيه، قد يكون مستحيل التحقيق. وهب أن تحقيقه ميسور، فقد يتبين أنه ليس مما يسيغه أو يرتاح اليه أو يرضى به الجنس الإنسانى. وسألهم هل هم يعتقدون أن الإنسان ينشد السعادة؟ ولو كانت السعادة الدائمة الخالدة التى لا تزول ولا تتغير ممكنة، ألا يستفظعها الإنسان ويفرق من تحقيقها؟ على أن التفكير فى المستقبل والسعى له لا يمنعان أن الحاضر موجود وأنه مؤثر بوجوده.. وهناك مهرب آخر إذ يتعلق المرء بالمثل العليا وصور الكمال، ولكن اللجوء إلى الخيال لا ينفى الحقائق المحيطة بالإنسان. وانتهى إلى أن المهرب الوحيد الصحيح لا يكون فى الحياة وهذا لا يعد مهربا، لأن المرء لا يشعر به ولا ينعم بإدراكه أنه استطاع الهرب.. ولو كان هذا مهربا حقيقيا للجأ إليه! وابتسم وقال إنه يرجو أن لا يلجئوه إلى هذا الذى ليس مهربا..

واستطرد بطريقة ما إلى كتبه وما يلقى التكريم من أجله، فقال إنه واثق أن أكثر الموجودين لم يسمعوا باسمه، ولم يكونوا يعلمون أن له كتبا، وأن الذين قرأوها فهموا منها غير ما أراده، وقد يكون هذا عيبه هو كما قد يكون عيبهم هم، ولكنه الواقع على كل حال. والمجتمع لا ينتظم أمره إلا بالمجاملة وهى شىء حسن فى ذاته، ولكنه هو فرغ من ذلك كله وأخرجته سنه من المجتمع وأعفته من ضروراته. وهو ليس من هذا الزمن، فيحسن أن يرتد ويتراجع إلى ما أخرجوه منه لأنه ليس إلا قطعة متخلفة من زمن سابق، ولا شك أنهم أدركوا غلطتهم حين خرجوا به إلى زمانهم.

وظل يهضب على هذا النحو الذى لم يكن منتظرا ولا كان فى حساب أحد. وطال الأمر فمل الناس وأحس هو الهمس.. فلم يترفق بالذين ضجروا كأنما أراد أن ينتقم لنفسه أو أن يبغضها إليهم فيتركوه بعد ذلك فى سلام. ولم يطق البعض المقام أو طوله، فتسلل خارجا وتبعه غيره وغيره حتى لم يبق إلا ما دون النصف.

ولكل شىء آخر.. عاد الأستاذ إلى غرفته لا إلى بيت ابنه واستلقى على فراشه بثيابه، فقد أضناه الكلام والوقوف أكثر من ساعة ونصف ساعة.

وفى الصباح جمع ثيابه وأشياءه، وانتقل إلى ربع آخر.

وجاء سعيد بصحف الصباح وفيها وصف الحفلة التى ظلت أياما تدعو لها وتروج، وفى صدر أكثرها خطبته التى عنى سعيد بتدوينها.

فلم يجد الأستاذ، وأعياه أن يعرف أين ذهب.. فأسرع إلى ابنه على بك يخبره ويسأله ما العمل، فقال على بك وهو يرسل الدخان فى الهواء: «أظن أن الواجب أن نحترم إرادته ونعفيه من الإثقال عليه».

فمضى عنه سعيد وهو يهز رأسه ويفكر فى على بك، أكثر مما يفكر فيمن عاد فاختفى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤