مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين، وبعدُ، زارني يومًا الشاعر الصديق السيد أحمد الصافي النجفي في عام ١٩٥٠، وجلسنا نتحدث في مواضيع مختلفة إلى أن جرَّنا الحديث إلى الطبيخ أيام العباسيين، فقال السيد الصافي إن لديه كتابًا في الطبيخ عند العرب، فريد في بابه، مؤلَّف قبل ألف عام، وقد طبعه الدكتور جلبي الموصلي، ونفدت الطبعة وأصبح الكتاب نادرًا، فإذا اهتممت به وطبعته فإنك تُحْيي تراثًا قديمًا نحن اليوم بحاجة إليه لمعرفة كيفية الطبخ في أيام عز العرب. فوعدته بالقيام بهذا العمل، وأخذت الكتاب ونسيته في مكتبتي، ومضى بضع سنوات على ذلك والكتاب في المكتبة، وفي العام الماضي بينما كنت أقلِّب في كتبي وقع الكتاب في يدي فأخذته وجلست أطالع به، وفكرت باقتراح السيد الصافي منذ بضع عشرة سنة، وكنت جمعت عدة مواضيع مختلفة من كتب الأدب والتاريخ في مدة خمسين عامًا، كما أني كنت جعلت أجمع الكلمات الدخيلة على العربية، فكنت كلما مرت بي كلمة أدوِّنها في مفكراتي، إلى أن عزمت على إعداد الكتاب للطبع. وكنت قد أعددت سبعة دفاتر لكتاب ضبط الأسماء وسبعة أجزاء من مذكراتي، وأغاني البارودي، وأزجال البارودي، وموشحات البارودي، ومواويل البارودي، وكنانة الأديب، وهي مائة وكسور موضوع، وسأذكرها في مذكراتي الآتية، وكتاب الأجوبة المُسكِتة، وكلها كانت حاضرة ومهيأة للطبع.

وكنت مريضًا بالفراش لا أغادره، وقد زارني ابن عمي رشيد بن سهيل البارودي ودعاني للذهاب معه إلى الزبداني وقضاء بضعة أيام في داره، فتمنَّعت وأصرَّ، وكان الوقت صيفًا، وذلك في شهر تموز، وبعد إصراره الشديد قبلت وتُركت جميع الكتب التي ذكرتها في مكتبتي، واصطحبت معي كتاب معجم الدخيل وكتاب الطبيخ، وقلت أتمم في الزبداني تحضيرهما، وغادرت دمشق في الساعة الثالثة بعد الظهر في يوم السبت الواقع في ١٣ تموز عام ١٩٦٣، وبعد مرور بضعة أيام قامت في دمشق حركة انقلابية دخل بعض الثوار في يوم الخميس ١٨ تموز داري وأطلقوا الرصاص على دائرة الأركان المقابلة لها، فأجابتهم حاميتها بنيران شديدة، فأصابت بعض القنابل داري فاحترقت كلها مع مكتبتي، ولم يسلم من كتبي إلا التي اصطحبتها وهي بعض القواميس والكتب اللازمة للتسلية لبضعة أسابيع.

وكنت خابرت الصديق الدكتور صلاح المنجد بما كنت أُعدُّه للطبع، فقال لي: إذا أمكنك جمع كتاب بمأكولات دمشق اليوم وكيفية طبخها تكون بيَّنت الفرق بين الأطعمة العربية بعد مُضيِّ ألف عام وخدمت مدينتنا دمشق. وقد راقتني الفكرة وجعلت أكلِّف أقاربي الذين يحسنون الطبخ فلم أوَفَّق إلى غايتي، وقد رأتني شقيقتي أم حذام مهتمًّا بهذا الأمر فقالت: أنا أساعدك. وبالفعل كلفت بنتها حذام فكتبت لها هذا الكتاب الذي جعلناه ذيلًا لكتاب الطبيخ، وها أنا أنشره اليوم ليقف القارئ على طعام العرب قبل ألف سنة واليوم، والله أرجو أن يحوز رضا القراء ويكون منه فائدة للتاريخ في الحاضر والمستقبل، والسلام.

فخري البارودي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤