الفصل الخامس عشر

فوز النفس الكبيرة

ولما كانت الساعة الثامنة، وهو لم يزل في غرفته قُرِع بابه ففتح؛ فإذا مع الخادم رسالة يدل مغلَّفها على أنها من جريدة الدايلي نيوز، ففضها وقرأ ما يأتي:

سيدي، قرأت لجنة المحررين في إدارة «الدايلي نيوز» قصيدتكم «النرجسة الذابلة» المندرجة في الدايلي ميل فأعجبت بها؛ ولذلك قرَّرت أن تقترح عليكم نظم قصائِد مختلفة على نمطها وتبتاعها منكم بالثمن الموافق.

المدير
ﻫ. ص.

فسُرِّيَ عن قلب إدورد شيئًا، وتناول قصيدته الثانية، وجعل يقرأها فكان يطرب بها، وغالط نفسه مرارًا في أنها بديعة، ولكن كان إعجابه بها يتغلَّب على المغالطة، وأخيرًا قال لنفسه: «لا ريب أن مدير الدايلي ميل الذي رفضها بالأمس جاهل لا يفهم الشعر.» ثم لفها ووضعها في جيبه، وقصد إلى الدايلي نيوز فمشى ساعة إلى أن وصل، فلما قرأها المدير نقدهُ ثمنها مَئة جنيه، فعاد من إدارة الجريدة بمركبة ونور البِشر يمزق غياهب اليأس التي تلبدت في سماء أمانيه في الأيام السابقة.

جاء توًّا إلى الفندق وكتب لخاله ما يأتي:

سيدي المحترم

أشكر فضلك الذي لن أنساه ولن أقدر أن أفيكه، بعت اليوم قصيدة من نظمي بمئة جنيه. عشرة جنيه تكفيني نفقة شهر، فخذ التسعين الباقية من أصل الأموال الغزيرة التي أنفقتها عليَّ. ما دمتُ في قيد الحياة، وما دمت أكسب أفيك بعض فضلك، لا تكلف نفسك أن تسعى إليَّ فأنا أحتاج إليك فأسعى إليك.

إدورد سميث

أما ما كان من المستر هوكر بعد غياب إدورد الفجائي؛ فإنه بحث كل ذلك الأسبوع عن مُقامهِ إلى أن هداه إليه أحد معارفه الذي صادفه مرة خارجًا من ذلك الفندق، فقصد إليه لكي يراه ويقدم له المئة جنيه، فلم يتفق له أن يجتمع به فترك له المبلغ مع الرسالة كما ذُكِرَ آفًا، ومضى على نية الرجوع في فرصة أخرى، ولكن لما رجعت له رسالته والمئة جنيه التي أودعها مع الفندقاني لإدورد بكى، ثم تجلَّد وعدل عن زيارته ليرى ماذا يكون من أمره، ولما أرسل إدورد له التسعين جنيهًا طي تلك الرسالة الملأى من الأنفة كبر الأمر عليه، وصمم على تركه ثم رد المبلغ له، فأرسله إدورد ثانية فقبله المستر هوكر وكتب لإدورد: إني أدَّخرهُ باسمك في بنك التوفير، فأجابه إدورد: إني أنكرها. وبقيت هذه الأموال موضوع تدافع لا تنازع بين الخال وابن الأخت.

وقد أصرَّ إدورد على كل ذلك؛ أي على هجران بيت المستر هوكر، ورد الأموال التي أنفقها عليه أوَّلًا؛ لكيلا يكون مقيدًا بجميل لخاله، ولا تبقى له عليه دالة الأب على الابن، فيضايقه حينًا بعد آخر بعرض أليس عليه زوجةً، وثانيًا لتغيُّظه منه لأنه رجح بل أكد أن سخط اللايدي بنتن وإباءَتها دخوله إلى القصر ومعاشرة ابنها روبرت لا يمكن أن يكون سببهما الرسالة التي طلب فيها يد لويزا؛ لأن جُلَّ ما للايدي بنتن من الحق هو أن ترفض الطلب لا أن تسخط، فلا بدَّ إذن أن يكون سببهما رسالة بعث بها خاله للايدي بنتن يشي فيها بهِ وشاية تستوجب سخطها عليه، فإما أن يكون قد أرسلها على أثر محاورته الأخيرة معه التي انتهت بنزول المستر هوكر من البيت ساخطًا حانقًا، أو على أثر إرسال إدورد رسالة الطلب للايدي بنتن. والذي حمله على هذا الظن الثاني إنما هو الكلمة التي قالها له خاله وهما لدى المائدة في مساء اليوم الذي كتب فيه رسالة الطلب وهي: «غدًا تنتظر خيرًا إن شاء الله يا عزيزي.» فمن هذه الكلمة ظن إدورد أن خاله عرف برسالة الطلب، ولما علم من لويزا أن أمها سخطت قَدَّر أن خاله أردف الرسالة المذكورة برسالة وشاية تُغضِب اللايدي بنتن، وتكفها عن قبول الطلب إذا كان ممكنًا أن تقبله، وأنه فعل ذلك لكي يزيل العقبة الناهضة في سبيل مشروعه؛ أي إغراء إدورد على أخذ يد أليس.

على أن ظَنَّ إدورد هذا بعيد الاحتمال جدًّا، ولكن الإنسان متى خابت آماله توهم كل الناس حتى أقاربه أعداءَه، وإدورد نفسه استضعف هذا الظن، ولم يجسر أن يعاتب خالهُ على موضوعهِ، وإنما بقي متغيِّظًا في نفسهِ ومقسمًا ألَّا يعود عالة عليهِ، بل صمَّم على أن يفيه كل ما أنفقه، وأن ينشئ لنفسه مجدًّا يستحق بهِ يد لويزا من غير أن يستعين بفضل خالهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤