الفصل السابع عشر

ويأتيك بالأخبار من لم تُزوِّد

على أن إدورد رأى أن بلوغه إلى قمة المجد الذي يبتغيهِ — إن كان ممكنًا — غير قريب، بل لابد لهُ من أعوام، فلم يُطِقْ صبرًا طويلًا على إمساك لويزا عنه وكتمان هواهما؛ فجعل يفكِّر عساه يجد حلًّا قريب المنال لهذه المسألة، فكان لا يتوسد فراشه إلا وهو يهجس فيها. وقد خطرت له وسائل عديدة لمبتغاه، ولكنها تراءَت له كلها عقيمة أو صعبة، وممَّا خطر له أن يبحث عن نسبهِ لعلهُ يتوصَّل منه إلى ما يشفي غله، ولكن هذا الخاطر كان أعقم خواطرهِ، بل رآه غرورًا وسخافة فيما يتعلق ببغيتهِ، على أنهُ تذكر في ذات ليلة حديثه مع المستر جاكوب داي صاحب الحانوت الذي ضمَّد جرحه، وذكر قوله لهُ أن يبحث عن نسبه من قبيل العلم بالشيء؛ فهاجت هذه الملاحظة خاطره، ومال شيئًا فشيئًا إلى البحث؛ حتى اشتد فيهِ هذا الميل وصار يفكر في كيف يبحث ومن يسأل. ولا ريب أن يخطر له أيضًا أن ذلك الشيخ الحانوتي يعرف شيئًا عن نسبه، ولكنهُ يكتمهُ لسببٍ وإلَّا لما نبههُ إليهِ، فعزم على أن يقصد إليه ويتسقَّط منه ما يعرفهُ من الأخبار من هذا القبيل إن كان يعرف شيئًا.

وفي اليوم التالي كان إدورد يتنزَّه على ظهر جواده كعادتهِ في عصر أحد الأيام، فمرَّ بحانوت المستر جاكوب داي، فلما رآه الشيخ خرج من حانوته، وترحَّب بهِ وألحَّ عليه أن ينزل على ظهر جواده ويستريح ريثما يشرب كأسًا من الشراب، فنزل وقعدا يتحدثان.

– سمعت أنك تشتغل في السياسة الآن يا بنيَّ.

– نعم.

– مستقبل مجيد إن شاء الله. ولماذا خاصمت خالك؟

– من قال لك؟!

– أنسيت أن ابني هنري خادم عنده، وقد عرف كل شيء حتى ما لا يمكن أن يعرفه الخدم وهو يأتي في الأسبوع يومًا، ويسرد لي كل ما يعرف.

– ماذا عرف؟

– عرف أن خالك عرض عليك أن تتزوَّج ابنته أليس فتتمتع بمال ومجد معًا، وأنك ضحيت المال والمجد لأجل حب فتاة بعيدة المنال، وأنك افترقت عن خالك وتفيهِ الآن أمواله التي أنفقها عليك؛ لكيلا يبقى له سبيل لإغرائك على إنجاز أمنيتهِ …

فدهش إدورد لهذا القول وسأل: كيف عرف ذلك؟

– إن ابني ذكي نبيه ومع ذلك هو طيب القلب يحبك فلا توجس منه.

– ولكن كيف عرف؟

– عرف من دموع مس أليس، ومن بعض ألفاظ كانت تبلغ أذنيهِ عن غير إصغاء منه وأنتم على المائدة، ومن الأوراق المنفية التي كنت تطرحها في السلة، وهو يرميها مع الزبالة و…

فانتبه إدورد إلى ذلك، وقال لنفسه بصوت مسموع: «إذن كذا عرف خالي أمر الرسالة.» ثم وجَّه خطابه للشيخ داي: نعم أيها العم. فإني أشفق على أليس ابنة خالي؛ تحبني حب الفتاة للشاب، وأنا أحبها حب الأخ للأخت لأننا ربينا معًا كالأخوين، فيستحيل عليَّ أن أحبها غير هذا الحب الأخوي، ولا سيما لأني مولع بحب فتاة نبيلة، ولكن حصولي على يدها عزيز عليَّ جدًّا لأن أمها من سلالة بيت شريف وزوجة شريف، فلا تشاء أن تزوجها إلَّا شريفًا؛ ولذلك تراني أجاهد في عالم السياسة الآن لعلي أرقى إلى قمة الشرف، على أني مللت هذا التوقُّع ونفد صبري.

– على ذكر السلالة فكَّرتني. ألم تزل تجهل نسبك؟

فتنبه إدورد لهذا السؤال جيدًا، وحزر أن الشيخ داي لا يسأله هذا السؤال اعتباطًا، بل لا بد أن يكون ينوي شيئًا أو يعرف سرًّا؛ فصبر ليرى ماذا ينتهي بهِ تسآله الخفي هذا وسأله: وأي فخر بنسبي يستحق أن أبحث عنه؟ سألت خالي مرة فقال لي ما كان يقوله من قبل، وأخاف أني إذا بحثت عن أقاربي لأبي أجرُّ على نفسي عارًا أو حقارةً من تقرُّبهم إليَّ إذا كانوا منحطين.

– ولكن قد يكونون معتبَرين فتفخر بهم، وربما كانوا أعوانك في مطامحك وإلَّا فتنكر قرابتهم مدَّعيًا أنك من أسرة سميث أخرى غير أسرتهم، لأن أسرات سميث عديدة.

فأشرق وجه إدورد لهذا القول، ورجَّح في يقينهِ أن الشيخ يعرف كثيرًا عن سر نسبه، فقال متغافلًا: دعني مهما كانوا فإني على ما أظن أرفع مكانة منهم، ولو كانوا شيئًا في الدنيا لبحثوا عني ولم يتركوني لعناية أهل أمي.

فسكت الشيخ وعلى وجهه أمائِر الكلام، فقال له إدورد: تكلَّم. في وجهك دلائل كلام أحب أن تقوله، وإن كان سرًّا فبح به ولا تخف، فإن صدري بئر أسرار بلا قرار.

– لا أسرار عندي وإنما خطر لي أن أستفتيك بمسألة مهمة جدًّا، وأرجح أنك تقدر أن تصيب بالفتيا؛ لأنك تشتغل بالسياسة والصحافة الآن، ومسألتي قضائية سياسية.

– قل.

– إنما هي حكاية طويلة بعض الطول، فأخاف أن تملَّها.

– كلَّا، بل أسمعها بلذة مهما كانت؛ لأني ككاتب أعرف كيف أستفيد من حكايتك.

واستوى إدورد في مكانه، وكان كأنه كله آذان يستوعب بها حديث الشيخ داي، وصار ينتظر أن يسمع منه سرًّا غريبًا فقال الشيخ: إذن خذ كأسًا أُخرى من الوسكي وأعرني أذنك.

وناوله كأسًا واعتدل في كرسيه وجعل يتكلم.

– كان فتى غنيٌ من عامة الناس شريكًا لفتى شريف على معمل كبيرٍ، وكانت بينهما صداقة متينة جدًّا، وكان للفتى الشريف أخت، فطمع الشاب الغنيُّ بيدها وطلبها إلى أبيها وأخيها شريكه فقبلاهُ بعلًا لها. أما هي فسخطت وغضبت لأنها كانت متكبرة جدًّا، وحسبت أن قبولهما بطالب ليس من الأشراف إهانة لها، وقالت: «أنا الآن «لايدي» فكيف أرضى أن أصير «مسزًا»؟ لا أرضى بعلًا إلا لوردًا كأبي؛ لكي أبقى لايدي كما أنا، وكما كانت أمي من قبلي.» فأغريت بثروة ذلك الفتى فلم تُغْرَ؛ لأنها كانت تؤثر ألقاب الشرف على كل غنى، ولما نفدت حيل الفتى في استمالتها صمَّم على أن يبذل جهدهُ في تذليل كبريائها مهما استطاع، ووضع نصب عينيهِ مشروعًا لذلك وهو: أن يغري شريكه اللورد أخا تلك اللايدي بأن يتزوَّج أخته أي أخت الفتى العامي الغني، فكان يبالغ في إكرامهِ والتودُّد إليهِ، والفتاة لم تدَّخر جهدًا في محاسنتهِ؛ حتى وقع اللورد في حبها وطلب أن يتزوجها، فاستشار أباهُ وأخته في ذلك فأبيا كل الإباءَة، وقد كان لأخته المتصلِّفة تأثير عجيب على أبيها، فحملته أن يتهددهُ بحرمانه من لقبهِ وميراثهِ إذا تزوج تلك الفتاة؛ لأنه يشق عليها جدًّا أن تكون امرأة أخيها غير شريفة الحسب.

ولكن الفتى الشريف كان يحب الفتاة حبًا شديدًا، فأشار عليه أخوها أن يتزوجها سرًّا ويبقي الزواج مكتومًا، ريثما يموت أبوه فيعلن زواجه؛ وإذا ذاك لا تعود إباءَة أخته تجدي شيئًا. فاستصوب الفتى الشريف هذا الرأي، وعقد الزواج شرعيًّا سرًّا، وكان يتردد على زوجته وهي في بيت أخيها من غير أن يعرف أبوه أو أخته شيئًا من ذلك، بيد أن خادمه الأمين الذي كان يحبه جدًّا كان عارفًا بكل ذلك، ولا بد من معرفته ما دام لا مندوحة لسيده وسيدته الجديدة من خدمة.

وما انتهت السنة بعد عقد الزواج حتى ولدت الزوجة ذكرًا، وماتت على أثر النفاس؛ فحزن عليها زوجها حزنًا شديدًا حتى كاد يجن، وعلى الأثر مات أبوه فازداد حزنه وانتظر فرصة موافقة لإعلان زواجه وإظهار ابنه اليتيم لأختهِ، ولكنه كان في إبان حزنه يُسَرِّي عن نفسه تارة بالشرب إلى حد السكر، وطورًا بالألعاب، وآخر بالمقامرة.

وكان ضعيف القلب جدًّا بحيث أن تلك الأحزان وأساليب معيشتهِ المختلفة قضت عليه فجاءَة في ذات ليل وهو في فندق القمار قبل أن يعلن زواجه وابنه لأخته كما نوى؛ أي بعد بضعة أيام لوفاة أبيه. واتفق أن كان خادمه معه إذ أصابه الخفقان العاجل الذي لم يُمهلهُ عشر دقائق، فاستدعى الخادم شريكه أخا زوجته في الحال، فلما دخل هذا عليه ورآه جثة بلا حراك بكى بكاءً مرًّا، وتمتم قائلًا: «مات قبل أن أُنفِّذ مأربي، ولكني سأجعل هذا المأرب أتمَّ إن شاء الله.» ثم جلس يتأمل، فقال له الخادم: «يجب أن نأخذه إلى قصره، ولكن لا بد أن تعلم أخته بعض أمره قبل أن تراه؛ لئلا تقضي عليها هذه المفاجأة الرهيبة.»

فقال: «ولكن قبل كل شيء يجب أن أعرف كيف مات.» فقال الخادم: «فجأة مات.»

– «لا يمكن؛ لأن لون وجههِ يدلَّ على أنهُ مات مسمومًا.»

فذهل الخادم من هذا الظن، وقال: «لازمته طوال النهار فلم أرَ مَنْ يدسُّ السمَّ له، فلا يمكن أن يكون مسمومًا، وإنما مات فجاءَة بعلة قلبية؛ لأني كنت أسمع الأطباء ينصحونه أن يغير أسلوب معيشتهِ؛ لأن قلبهُ ضعيف جدًّا فيخشى عليهِ من السكتة القلبية، وقبل أن يسلم روحه قال: أشعر بخفقان شديد.»

– «لا. لا يفيد هذا التعليل.» ونظر إليهِ نظرة غضب مخيفة.

ثم نهض وخرج خارجًا وعلى وجههِ أمارات الشر؛ فأوجس الخادم منهُ شرًّا فتبعه من حيث لا يدري، فسمعه يقول لخادم الفندق: «ادعُ الشرطي حالًا.» فسأله خادم الفندق السبب فقال: «إن اللورد الذي مات عندكم مات مسمومًا، ولا بد أن يكون خادمه قد دسَّ له السم طمعًا في نقودهِ.»

فلما سمع خادم اللورد هذا الحديث المختصر اضطرب وخاف جدًّا، وقال في نفسهِ: لعلَّ أحدًا دسَّ السم لسيدي فماتَ فتثبت عليَّ الشبهة بي، فما خطر لذلك المسكين البريء إلا الفرار، فاختبأ في زاويةٍ ريثما عاد أخو زوجة الميت إلى الغرفة، وفي لحظة أصبح الخادم خارج الفندق، فركب مركبة درجت به إلى قرب ضواحي المدينة، فتركها وأوهم أن يدخل منزلًا ريثما عاد الحوذي بمركبته، ثم استأنف السير مسافة، واكترى مركبة أخرى نقلته إلى آخر الضواحي، ومن هناك مشى إلى أقرب محطة، فركب السكة الحديدية إلى ليفربول، وأقام فيها باسم غير اسمه، وحلق لحيته وشاربيه وبدَّل ملابسه؛ فصار رجلًا آخر وجعل يشتغل آمنًا. وقد مضى على هذا الحادث أكثر من عشرين عامًا. فهل يُقبَضُ على الخادم كجانٍ الآن لو أعلن نفسه؟ هذه مسألتي لك.

– لا أظن أنه يُقبض عليه بعد هذه المدة الطويلة.

وكان إدورد يسمع هذه الحكاية مبهوتًا، وهو يقول في نفسه: «من هذا اللورد ومن هذا الفتى الغني؟» ولكنه صبر ريثما استتلى حديث الشيخ.

فبعد إذ أجابه على سؤاله سألهُ: ولكن قل لي هل ثبت أن اللورد مات مسمومًا؟

– ذلك ما لا أدريه، ولكني أرجح أن الخادم صادق فيما رواه عن موتة سيدهِ بالسكتة القلبية.

– ولكن لماذا يتهمه أخو زوجة اللورد بهذه التهمة؟

– فكرَّتُ كثيرًا في هذا الأمر، فخطر لي أنه يودُّ أن يكتم أمر زواج أختهِ ريثما يجد مشروعًا آخر لتنفيذ أمنيتهِ في إغاظة الشريفة المتصلِّفة التي رفضته بعلًا لها. وبما أن الخادم هو الشخص الوحيد الذي كان يعرف سر ذلك الزواج لم يَرَ بدًّا من إبعاده، ففعل ما فعل لكي يحمله على الهرب والاختفاء وإنكار كل علاقة له بالشريف وأهله.

– ولكن ماذا يفيده كتم زواج أخته المتوفَّاة في تنفيذ مأربهِ؟

فابتسم الشيخ قائِلًا: يفيده.

– كيف؟

– كان لذلك العهد قد تزوج ورُزِق فتاةً، فيظهر لي أنه خطر له أن يحفظ ابن أختهِ عنده ريثما يشب مع ابنته فيزوِّجه إياها؛ وثم يعلن نسبهُ وحينئذٍ لا تدري تلك الشريفة المتكبرة إلَّا ولها ابن أخ شريف، وقد تزوَّج ابنة الرجل الذي رفضته بعلًا.

فحدق إدورد في الشيخ جاكوب داي برهة، ثم قال: عمَّن تتكلَّم؟

– ماذا يعنيك؟

– أرى قصتك انتهت بمثل بدء قصتي، فقل بربك من هذا الرجل الغني، ومن ابن أختهِ وابنته، ومن الشريفة المتكبرة، ومن أخوها؟ قل لي.

– ذلك سرٌّ يا بني لا أقدر أن أبوح به لئلا يُؤذى الخادم.

– بربك لا تكتم السرَّ عني، فأني أقسم لك أني لا أبوح بهِ إذا تحققت أن الخادم يؤذي. أفأنت الخادم؟

– نعم أنا هو واسمي الحقيقي جوزف برون، والرجل الغني هو المستر جوزف هوكر، وابن أختهِ اللورد إدورد سميث ابن اللورد هركورت سميث.

فانقضت صاعقة من الرعب على هيكل إدورد زلزلت مفاصله، وانتصب منها شعر رأسهِ، وتجمدت صمامات فؤادهِ؛ حتى كاد يُقضَى عليه كما قُضي على أبيهِ في فندق القمار منذ عشرين عامًا واكفهرَّ وجهه، وفي الحال امتلك روعه وقال: أتقسم أنك صادق فيما تقول؟

– إذا لم تصدقني، فلا تصدق قَسَمي، فسلني عن بيِّنة حسية.

– أعندك بينة حسية؟ تكاد تجنني بهذا البيان حتى أظنني في حلم.

– بل أنت في حقيقة يا سيدي اللورد، عرِّ ظهرك فأريك بواسطة المرآة صليبًا موشومًا على الجانب الأيمن منه هو دليل لتحقيق شخصيتك، وقد أُثبت هذا الدليل في ورق بإمضاء أبيك كتب على أثر ولادتك بناءً على مشورة خالك.

فما انتهى المستر داي من الكلام حتى كان إدورد قد خلع ثوبهُ، وتناول الشيخ في الحال مرآتين صغيرتين ووضع الواحدة مقابل الوشم والأخرى مقابل الأولى، بحيث يرى إدورد فيها العلامة واضحة، وجعل يتأمل الوشم تارة ويفكِّر في الحكاية أخرى، ثم لبس ملابسهُ وسأل: أين الورق الذي تسجلت فيهِ شخصيتي بإمضاء أبي؟

– لا بد أنه يوجد عند خالك مع الأوراق التي تثبت شرعية زواج أبيك. هذا إذا لم يكن خالك قد أتلفها.

– ويلاه، إلى عهد انفصالي عنه كانت لم تزل عنده، وبعد ذلك لا أدري ماذا فعل بها.

– وهل رأيتها عندهُ؟

– نعم رأيتها. رأيتها محفوظة في حقيبة، ولكن لم يقل لي ما هي بل قال: فيها مجد عظيم لي ومفتاحها الوحيد اقتراني بابنته، فلم أعبأ بقولهِ حينئذٍ ولا خطرت أهميته لي.

– أتقدر أن تصف لي هذه الحقيبة؟

– هي من جلد أزرق صغيرة توضع بالجيب، وقد رُسِم عليها بماء الذهب اسم خالي نفسه.

– هي هي إذن بلا مشاحة يا سيدي.

– أتظنهُ أتلفها بعد جفائي لها؟

– لا، لا أظنه يتلفها؛ لأن بقاءها معه يظل مفيدًا له بعض الفائدة إذا لم يستطع أن يستفيد منها كل الفائدة التي كان يبتغيها.

– تُرى ماذا يستفيد؟

– إذا لم يتسنَّ له أن يثبت بها أن صهره هو اللورد إدورد سميث ابن شقيق اللايدي سميث سابقًا، فيثبت بها أن ابن أخته هو ذلك اللورد، وحسبه ذلك.

– ومن هي اللايدي سميث؟

– علمت بعدئذٍ أنها هي اللايدي مرغريت بنتن الآن.

فاقشعر بدن إدورد وانتصب شعر رأسه، وما درى نفسه إلا وهو واقفٌ على قدميه وصرخ.

– يا للعجب! ألويزا ابنة عمتي؟

– نعم، إن التي أولعتَ بها يا سيدي اللورد ابنة عمتك.

– هنئتُ بكِ يا لويزا وهنئتِ بي، هنئني يا سيدي الشيخ الخادم الأمين لأبي والرسول السعيد لي، قبِّلني كثيرا يا سيدي العم كابن سيدك كما حملتني صغيرًا، فإن سعادتك مقرونة بسعادتي.

فقبَّله الشيخ وضمه إلى صدره، وذرف دمعتين على خديه.

ثم جلس إدورد وهو كمن يرتاب فيما سمع، ولكن كل لمحة من ملامح الشيخ كانت تدفع ريبه، وكل حرف من حروف الحكاية كان ينطبق على معاملة خاله له؛ ولذلك كان يتهلَّل ويبش كأن شمسًا تشرق عن جبينه، وبعد افتكار قليل قال: أتظن خالي لم يزل يحفظ الأوراق عنده؟

– أرجح ذلك جدًّا؛ لأنه عاقل ومهما يكن متغيظًا منك فلا يبلغ غيظه هذا إلى حد غيظه من اللايدي بنتن التي شمخت عليه وجرحت عزة نفسه برفضها إياه، بل بالأحرى يفضل أن يعلن نسبك لأنه يغيظ اللايدي بنتن إذ تعلم أن ابن أخيها هو ابن أخت المستر هوكر الذي خذلته. ولا أظن أن خالك يتغيَّر قلبه عليك إلى درجة أن يحرمك مجدًّا عظيمًا بلا حرج ولا إثم منك.

– وأنا أظن كذلك؛ لأنه يحبني حبًّا شديدًا، ولكن أتظنه يمنحني الورق بلا تردد أو بلا شرط إذا طلبتُه منه؟

– هذا ما لا أدريه.

– أخاف أن يشترط عليَّ أن أتزوج أليس.

– ربما يفعل. وماذا يضرك أن تتزوجها؟

– أواه! ليتني أقدر، فإني أودها وأجلها، ولكني أحب لويزا ابنة عمتي. أحبها وحدها فماذا أفعل؟

وأشرق وجه إدورد عند قوله «ابنة عمتي.» وقال في نفسه: «أحقيق أنا ابن خال لويزا؟ ما أسعدني! حسبي أن أكون ابن خالها.»

– إذن لا أظنك وأنت الكاتب الشاعر تعجز عن إقناعه والحصول على الورق.

– أخاف أن يغضب ويحتد فيمزق الورق إذا أصررت على عدم موافقته.

– إذا لاحظت أنه على وشك الاحتداد، فأقصر الحديث معه ولاطفه ودعه إلى فرصة أخرى.

– وبعدئذٍ؟

– تفتكر بأسلوب آخر.

– إذن الآن أستودعك الله إلى عهد قريب فأخبرك النتيجة.

– أرجوك أن تكتم أمري لئلا ينقم عليَّ خالك فيؤذيني.

– لا تخف، لا أظنك مسئولًا عن شيء البتة، ولا أظن أن دعوى خالي بتسمُّم أبي تجاوزت الفندق الذي هربت منه.

ثم مضى إدورد والفرح يستفزُّه عن الأرض، ولا ريب أن القارئ الكريم يتوقع أن أول ما يقصده مقابلة لويزا وكذا كان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤