كلمة الأميرة

اجتمعنا معشرَ أهل التوحيد تحت اللواء المحمدي المبارك، نازلين عند قوله — عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فرفعنا ستور الجنسية وأزلنا حوائل القومية، فأصبحنا جميعًا منذ ذلك اليوم بنعمة الله إخوانًا، أسرة واحدة، تجمعهم فكرة واحدة، فما أجمل هذا النداء الإلهي الذي ضمن لنا السلام والوئام.

أمْيَزُنا عند الله أكثرُنا استقامة لقوله الجليل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، فيا لله من جمال هذا الدستور الذي يغري الأمة بمكارم الأخلاق!

البلاد الآهلة بالإسلام هي وطننا الديني، والعلم الأخضر ذو الهلال والنجوم الثلاث هو لواؤنا الملي، لنا ماضٍ مجيد ينحدر حتى أعماق أربعة عشر عصرًا، ولنا تاريخ مملوء بالعظائم، وقد كانت لنا حضارة تُزري بحضارة الرومان، ولنا ذكريات طيبة تبعث في النفس الطمأنينة، مضتْ علينا أيام رأينا فيها شمس المعارف تشرق في ديارنا، فأبصرنا بنور العلم ما حولنا ووقفنا بقدرة الفن على كل حال وشأن لنا، فيا للسعادة!

لم نثبت في موقفنا، لم نتمسك بأهداب العلم، تلك فرصة سنحت لم نقتنصها، فيا للحسرة!

غربت شمس المعارف في شرقنا وبزغتْ في غربهم، فأمسينا في ظلامٍ دامس وعَشِيَتْ أبصارنا عن ماضينا حتى كدنا ننسى تاريخنا المجيد، فيا للأسف!

تعكس مرآة ماضينا صورًا شتى لرجال التاريخ ولعظائم الأعمال عندنا كما تشهد بذلك الآثار الباقية في أيدينا مما هو محفوظ في مكاتب الشرق والغرب؛ فالأسفار مشحونة بذكر عظمائنا وحوادث أيامهم ووقائع أزمانهم، وفي نشر تلك الوقائع وعرضها على أنظار القوم عظة بالغة وعبرة فائقة، يُرينا كيف كان حالنا وما صرنا إليه في يومنا!

لا أريد لقومي أن ينظروا إلى الغرب نظرة سطحية تُريهم الأشياء على غير حقيقتها كمن يرى الأشباح البعيدة عنه على غير حجمها الطبيعي، لا أرى لقومي أن يروا في الغرب كل شيء مستسلمين إليه في كل شأن، بل أردت أن أذكِّرهم بمجدهم السالف وعظمتهم الماضية وأن يعتقدوا بأن حق تحصيل العلوم لا يسقط بمضي الزمن، أردت لهم كل ذلك ليتشبهوا بعظماء الرجال من ماضيهم الزاهي المشرق، فإنهم بذلك يجلُّون أنفسهم ويرفعون من قدْر ذواتهم ويتذوقون معنى الحياة.

بهذا الدافع الإنساني قام في ذهني أن أجمع حوادث الشهيرات من نساء السلف وتراجم أحوالهن، مستعينة على ذلك بالمآخذ المهمة والمراجع الموثوق بها، فأوصلني البحث إلى تراجم أحوال الكثيرات من النساء ممن اشتهرن بالفضل والكمال في أصقاعٍ مختلفة من البلدان الإسلامية، سواء من العرب أم من الترك أو الهند أو جاوة أو العجم إلى غير ذلك.

لا بد للإنسان أن يجني ثمار ما يبذره من بذور الخير إن قليلًا وإن كثيرًا، وقد يصل إلى ما يريد بالجد والسعي. بهذه الروح، داومت تتبعاتي وأبحاثي حتى صيَّرني البحث والاستقراء إلى وقائع ذات بال لنساء كنَّ مثال الفضيلة، جديرات بالتقدير، لعِبْنَ أدوارًا هامة في التاريخ الإسلامي، وسيكون هذا الجزء — هو أول الأجزاء — بمثابة مقدمة مباركة للأجزاء الأخرى التي عزمتُ على إصدارها، اثنتان من بطلات هذا الجزء من أمهات المؤمنين وهما: والدتانا السيدتان خديجة الكبرى وعائشة الصدِّيقة، رضي الله عنهما، زوجتا الرسول ، فخر الكائنات، توَّجتُ بهما هذا الجزء تبرُّكًا وتيمُّنًا بسيرتهما الطاهرة؛ ولأن لهما حق التقدم على غيرهما من كل الوجوه.

الثالثة: بنت خليفة وأخت خليفة، وأعني بها العباسة بنت المنصور وأخت الرشيد. والرابعة: أول ملكة في الإسلام، وأعني بها الملكة المصرية شجرة الدر، تلك التي قُرئ اسمها على المنابر في خطب صلوات الجمعة؛ فهذا الأثر الذي شرعتُ في إنجازه مدفوعة بعامل الخير قد تمَّ لغاية حميدة، وما أطلبه من الجزاء أن يكون له بعض الأثر في نفس أمتي. ومِن الله التوفيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤