الفصل الثاني عشر

مع فرانك كراين

حَولَ كِتاب: لماذا أنا مسيحي؟١

نشرنا في العصور من قبل بحثًا لخصناه عن الفيلسوف الكبير برترند رسل تحت عنوان «لماذا أنا ملحد؟» والحقيقة أن اسم الكتاب «لماذا أنا غير مسيحي؟» غير أننا اخترنا أن ننشر التلخيص بهذا العنوان تخفيفًا لوقعه في آذان إخواننا المسيحيين. ولم يكد نظري يقع على عنوان هذا الكتاب «لماذا أنا مسيحي؟» حتى عادت بي الذاكرة إلى كتاب «رسل» فقلت في نفسي إن هذين الكتابين عنوان على ما في هذه الحياة من التناقض الغريب؛ رجل يشرح لماذا هو مسيحي، وآخر يحاول أن يفهم الناس لماذا هو غير مسيحي، والفرق شاسع وشقة الخلاف بعيدة. على أن كلا الرجلين يعيش عيشة راضية حسن الأخلاق بعيدًا عن الإضرار بالناس. فهل يمكن أن يكون أساس الأخلاق في هذه الدنيا مسألة عقلية لا دينية؟ وأن الدين عبارة عن خلاص الإنسان في الآخرة تلقاء أعماله في هذه الدنيا من غير احتياج إلى الاعتقاد بمجموعة من الأقوال والحوادث التي تتنافر مع العقل والعلم، وتؤدي بالباحث إلى حيث وصل «رسل».

قال أحد القديسين إن كل شخص سوف يعامل في الآخرة بحسب شريعته. هذا ليعلل أن عظماء الوثنية سوف يحاسبون على مقتضى شريعتهم، فمنهم من يدخل الجنة ومنهم من يدخل جهنم اقتصاصًا منه تلقاء ما فرط في حق الوثنية. فإذا صح هذا القول وصح تطبيقه على الوثنيين الذين عبدوا الله من طريق الوهم والأصنام، فكيف يصح على المسلمين في نظر الاثنين، وعلى أهل كل الأديان في نظر الجميع، والكل في نظر النصارى وعلى النصارى في نظر المسلمين، وعلى الموسويين في نظر الاثنين وعلى أهل كل الأديان في نظر الجميع، والكل يعبدون الله من طريق اختاره لهم من لا اختيار لهم في اختياره؟

«لماذا أنا مسيحي؟» سؤال لا يمكن أن يجيب عليه المسلم أو اليهودي جوابًا يختلف عن الجواب الذي يجيب به النصراني. فالكل يقولون ولأول وهلة لأن أبي كان نصرانيًّا أو مسلمًا أو يهوديًّا. إذن لا اختيار للإنسان في دينه، كما أنه لا اختيار له في أن يوجد أو لا يوجد في هذه الحياة. والحقيقة أن كل الأجوبة التي أجاب بها مؤلف الكتاب ردًّا على سؤاله هذا، يمكن أن يجيب بها المسلم واليهودي والبوذي والزرادشتي والبراهمي، بل وجميع أهل الأديان الذين يقطنون هذه الأرض. والحقيقة أن الناس ما أضاعوا من وقتهم ومن جهودهم بقدر ما أضاعوا من الإجابة على مثل هذه الأسئلة العقيمة التي لا تؤدي إلى شيء أصلًا.

على أننا ندعو الناس على اختلاف مللهم ونحلهم إلى قراءة هذا الكتاب. فإن كلًّا منهم سيجد فيه ما يعزز به معتقده الديني بصرف النظر عن مسيحيته أو إسلامه أو يهوديته أو وثنيته.

١  تأليف الدكتور فرانك كراين، وعربه بتصرف الأرشمندريت أنطونيوس بشير، ونشره يوسف توما البستاني في ٣٤٦ صفحة من القطع الصغير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤