الليلة الثامنة والعشرون

وعُدْتُ ليلةً أخرى وقرأتُ عليه أشياء من هذا الفن، منها:

عَقَد هشام بن عبد الملك لسعيد بن عمرو الجُرَشيِّ أيام الترك، فقال سعيد: يا فتح، يا نصر، خذا اللواء. فقال هشام: أعمدًا قلتَ هذا؟ قال: لا، ولكنهما غُلاماي دعوتهما. قال هشام: هو الفتح والنصر إن شاء الله. وكان ذلك كذاك.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَعْرِض، فمر به حية بن نكَّاز، فقال: لا حاجة لنا في هذا، هذا حية وأبوه يَنْكُز.١
ورمى رجلٌ الجمار فأصاب صلعة عمر بحصاةٍ فشجَّه، فقال رجل: أُشْعِرت يا أمير المؤمنين،٢ لا يقوم عمر هذا المقام أبدًا. فكان ذلك كذلك.٣

وخرج رجل ينظر الحسن بن علي صلوات الله عليه فلقي رجلًا فقال له: ما اسمك؟ قال: عِقال. قال: ابنُ من؟ قال: ابن عَقِيل. قال: من بني مَنْ؟ قال: من بني عُقَيل. قال: عقَلْته عقَلَك الله.

هذا الجزء أيها الشيخ — أبقاك الله ما تمنيت البقاء — هو الجزء الثاني، والثالث يتلوه، والظن الجميل بك يعدنا بالحسنى منك، وقد علمت الغرض في جمع هذا كله والتعب فيه، وأرجو ألا يخيب الأمل ولا يبور العمل، وإن كان ذلك لا يخلو من بعض الخلل والزلل. فإذا أخذتَ بحكم الفضل الذي هو عادتك وديدنك مع الصغير والكبير والقريب والبعيد؛ فاز قِدْحي، وصدق نَوْئي، وصح زجْري وفألي. حرس الله نفسَك، وصان نعمتك، وكبت كل عدوٍّ لك.

١  ينكز: من النكز، وهو لسع الحية بأنفها، ومنه أُخذ اسم هذا الرجل «نكاز»، كما أن النكاز نوع من أخبث الحيات.
٢  في «أ»: «أم المؤمن»، وهو تحريف.
٣  وردت هذه القصة في اللسان مادة (شعر)، ونصها: «أن رجلًا رمى الجمرات فأصاب صلعته بحجر فسال الدم. فقال رجل: أُشْعِر أمير المؤمنين. ونادى رجل آخر: يا خليفة. وهو اسم رجل، فقال رجل من بني لهب: ليقتلن أمير المؤمنين. فرجع فقُتل في تلك السنة. ولهب قبيلة من اليمن فيهم عيافة وزجر. وتشاءم هذا اللهبي بقول الرجل: أُشعر أمير المؤمنين، فقال: ليقتلن. وكان مراد الرجل أنه أُعلم بسيلان الدم عليه من الشجة كما يُشعَر الهدي إذا سيق للنحر. وذهب به اللهبي إلى القتل لأن العرب كانت تقول للملوك إذا قُتلوا: أُشعِروا، وتقول لسوقة الناس: قُتلوا. ولما قال الرجل: أُشعر أمير المؤمنين، جعله اللهبي قتلًا فيما توجه له من علم العيافة، وإن كان مراد الرجل أنه دمي كما يدمى الهدي إذا أُشعر. وحقت طيرته، لأن عمر رضي الله عنه لما صدر من الحج قُتل.» والإشعار: الإدماء بطعن أو رمي أو وجءٍ بحديدة. ا.ﻫ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤