ثورة المتاحف … والوضع الراهن في مصر

في هذه الحقبة من العصر، امتدَّت ثورة التكنولوجيا إلى عالَم المتاحف وتركَّزت الجهود حول تطوير هذه المنشآت الثقافية الهامة وتهيئتها لمواجهة دورها الثقافي الكبير في حياة الجماهير.

لم يَعُد مقبولًا أن تظل المتاحف قصورًا مغلقة على محتوياتها، محافظة على وسائلها التقليدية وأساليبها القديمة في العرض، وإنما أصبح مطلبًا ملحًّا أمر الإفادة من معطيات التطور العلمي والأساليب التكنولوجية الحديثة، لجعل المتاحف أماكنَ نابضة بالحياة، تحقِّق من خلال مجموعاتها حوارًا متصلًا بالجماهير، وتُحدِث فيها أعمق الآثار عن طريق تطوير العرض، واستخدام وسائل الإضاءة الحديثة، وتحقيق أكبر قدرٍ من الإفادة من الفكر المعماري الحديث والفن المتحفي وإتاحة السبيل للأدوات الجديدة كالسينما والتليفزيون للمساهمة في إضفاء حياة متجدِّدة على المتاحف، والخروج بها من صورتها التقليدية إلى صورةٍ ملائمة لروح العصر.

وقد شاركت الآثار القاسية التي خلقتها الحرب العالمية الثانية في دفع الفن المتحفي ومسايرته لروح التطور؛ إذ إن الدمار الذي أصاب كثيرًا من هذه المنشآت الثقافية، والظروف التي أدَّت إلى إغلاقها وتخزين مجموعاتها حِقبة طويلة، كلُّ ذلك دعا المسئولين عن الثقافة إلى ضرورة عودة المتاحف في صورة جديدة حية.

ولقد قابلت ألمانيا بعد الحرب هذه المشكلةَ بحلول عملية؛ إذ كان متعذرًا عليها قبل إصلاح نظام النقد سنة ١٩٤٨م، واستقرار الأحوال المعيشية، أن تواجه نفقات إقامة وتجديد متاحفها، فاتَّجه الرأي إلى استخدام البيوت والقلاع القديمة خارج المدن وتحويلها إلى متاحف للآثار والفنون.

وبدأت مدينة كولونيا إقامةَ متحف جديد وفق أحدث النظريات المتحفية، من حيث تصميم قاعات العرض، والخروج بها عن الرتابة التقليدية، وتحقيق نوع من الاستقلال والذاتية لكل قاعة، لتحول بين المُشاهد والمَلل الذي يصيبه من أسلوب العرض في قاعات كبيرة متشابهة، كذلك استخدمت تطورات أساليب الإضاءة من الناحية التكنولوجية في إعطاء كل لوحة ضوءها الخاص، وتحقيق التنوُّع داخل الوحدة الشاملة للمجموعات الفنية.

وبدأت يوغوسلافيا في أعقاب الحرب حركةَ تشييد كبرى للمتاحف حتى بلغ ما أقيم منها خلال خمسة عشر عامًا مائة وعشرين متحفًا.

أما فرنسا فقد أخذت تجدِّد داخل الأبنية القديمة القائمة، ذلك لأن الأعمال الفنية الشهيرة ارتبطت بأماكنَ معينة، وبطراز من المباني عايشته وأضفى عليها معنًى ووجودًا؛ فاللوفر لا يُتصوَّر بغير هذا البناء العتيد القائم على ضفاف السين، والأعمال التي يحتويها أصبحت جزءًا من كيانه … فليمضِ التجديد إذن في وسائل العرض وأساليب الإضاءة داخل إطار البناء القديم، وتلك نظرةٌ تستمد وجودها من الواقع العملي ومن الإمكانيات المتاحة، ومن الاعتزاز بالقيم المعنوية لأماكنَ أضفى عليها التاريخ جلاله.

على هذا النحو مضى التجديد في الحركة المتحفية بفرنسا … ويفسِّر جيرمان بازان الناقد الفني وكبير الأمناء بمتحف اللوفر هذا الخطَّ الفلسفي في سياسة المتاحف بفرنسا من خلال تجربة التجديد في متحف الفنانين التأثريِّين القائم بقصر جي دي بوم في حديقة التويليري، وهو يرى أن الفن المتحفي يستند الآن إلى دعاماتٍ أغنتها الخبرة والتجربة، وهذه الدعامات هي التي تشكِّل أسلوب العمل في تطوير المتاحف، يصاحبها إحساسٌ بأن المتحف ليس بناءً جميلًا مشيدًا، وإنما هو قبل كل شيء موقعٌ له شاعريته التي يجب أن ينبض بها البناء، وروح ينبغي أن تسهم الجهود في إفساح المجال لإشعاعها الذي يلمس وجدان المشاهدين، بل إن المتحف ينبغي أن يكون في تصميمه وتنسيقه عملًا فنيًّا له إيحاؤه ووقعه وأثره الفعَّال في إثراء حساسية رواده، وعلى الفن المتحفي أن يستخلص من طريقة تجميع الأعمال وتوزيعها وعلاقتها بالمكان جوًّا أخاذًا يخلف في الزائر أثرًا لا يُنسى.

ولقد استطاع أمناء المتاحف بمواهبهم وخبراتهم أن يشيدوا — بإمكانيات متواضعة — متاحفَ تحمل نبض الحياة، شيَّدوها بما لديهم من مَلَكة التنسيق والحس الشاعري والإدراك الواعي بمعنى المتحف، وحققوا نتائجَ رائعة.

ولقد جرت تجربة التجديد في إطار المبنى التقليدي لقصر جي دي بوم … وهي تجربةٌ أروع ما فيها أنها أتاحت للوحات التأثرية أن تعانق النور والأشجار وجمال الطبيعة التي انبثقت منها، وذلك من خلال النوافذ الزجاجية الكبيرة التي ربطت هذه الأعمال بالجو الخارجي. ولقد استطاع المصمِّمون بلمسات ساحرة أن يربطوا أعمالًا معينة بالمَشاهد الطبيعية المحيطة بها، والتي تتوافق معها، كما أنهم أجروا على أساليب الإضاءة تجديدًا يحقِّق مزيدًا من عمق الرؤية للمجموعة المعروضة، وأحاطوا المُشاهد بمجموعة من اللافتات الشارحة صيغت بمقدرة رائعة وعلى نحو يقدِّم المذهب التأثري منذ إرهاصات مولده حتى سرى في تيار الحياة الفنية وتدفَّقت روافده، كما أنه يشيع ختام العصر الذهبي للتأثريِّين بعباراتٍ نابضة بالحب. هذه اللافتات قد جمعت في تصميماتها الفنية عالَم التأثرية الذي يعايشنا في هذا المكان.

ويمضي العرض في أسلوب أخَّاذ أروع ما فيه أنه استطاع أن يتجنَّب الإرهاق المتحفي الذي يصيب زوار المعارض من رتابة العروض وثبات الإضاءة ووحدة تصميم القاعات والأثاث، وهي كلها أمور أصبح الفن المتحفي الحديث يتجنَّبها خروجًا على النظرة التقليدية في تنسيق المتاحف.

تجربة أخرى عرض لها الناقد الفني جان كاسو، هي تجربة التجديد الدائم في أساليب العرض بالبناء الخاص بمتحف الفن الحديث بقصر شايو في باريس … هناك يساهم الفن المتحفي في إعادة تنسيق البناء الداخلي على ضوء التطورات في أحجام قاعات العرض، واستخدام الفواصل في تحقيق التنوُّع في مساحات هذه القاعات، مع إعادة النظر في تجميع الأعمال وفق النظرات التشكيلية المتطورة، وإضفاء الجو الخاص لكل عمل فني، ليتحقق بينه وبين المُشاهد حوارٌ نابض خلاق … وقد تجنَّبت هذه التجربة أيَّ توسع في الإنفاق أو محاولة لإعادة الهدم والبناء داخل عمارة المتحف، وإنما اكتفت بالاستعانة بعناصر خارجية من الخامات لإجراء تجارب التطوير المستمرة، وهذه الخامات التي يتغير بها سمات البناء بدون المساس بجدرانه هي خامات قليلة التكاليف، كما أنها قابلة للتعديل والتكييف وفق ما يلمسه أمناء المتاحف من حاجة إلى التطوير، ولقد أمكن من هذه التجارب إجراء تعديلات جذرية في طريقة عرض مجموعة متحف الفن الحديث، بل إن هذه التعديلات أتاحت رؤيةَ روائع الفن رؤيةً جديدة في إطار جديد.

غير أن التجربة الفرنسية ما زالت تتَّسم بالقصور والتحفُّظ إزاء الثورة في عالَم المتاحف التي حوَّلت أسلوب الرؤية، وطوَّرت وظيفة المتحف، واستخلصت أقصى إمكانيات هذه الأداة الهامة في نشر المعرفة واجتذاب الجماهير.

وقد اجتاحت فرنسا في الفترة الأخيرة موجةٌ من الثورة على متاحفها، وأخذت مجلة كونسانس تدعو إلى برنامج للإصلاح يستهدف الحفاظ على المباني القائمة تجنبًا للتوسع في الإنفاق وحفاظًا عليها مع إضفاء حياة جديدة على المتاحف؛ فليس سائغًا أن تبقى المتاحف في عصر التليفزيون وبيوت الثقافة مجرَّد مدافن للتحف ولو كانت رائعة الضخامة.

وقوام برنامج الإصلاح عشرون نقطة تستهدف تغييرًا أساسيًّا في المتاحف وتتلخَّص فيما يلي:

(١) العناية بالجو المحيط بالمتحف وواجهته الخارجية بما في ذلك اللافتات والنوافذ والأبواب المؤدية للخارج.

(٢) ينبغي أن تكون مداخل المتاحف فسيحة، وضَّاءة النور، وأن تنسَّق بها أماكن لبيع المطبوعات والشرائح والمستنسخات، مع إعطاء عناية خاصة للإعلام في مداخل المتحف، وإتاحة الفرصة للمرتادين لتدوين ملاحظاتهم في سجلات حتى يقف المتحف دائمًا على اتجاهات الرأي العام ومطالبه.

(٣) إعداد نشرة موجزة وخريطة للمتحف تقدَّم لجميع الزائرين ليتاح لهم التعرُّف على المتحف وفكرته ومحتوياته وخط سير الزيارة.

(٤) المواءمة بين مواعيد المتاحف وحركة النشاط العام في المدينة، وفي ذلك يقترح برنامج الإصلاح أن تكون مواعيد الافتتاح من العاشرة صباحًا حتى السادسة مساء بدون توقُّف، مع تنظيم زيارات مسائية دورية يُفتح فيها المتحف حتى العاشرة مساء.

(٥) تهيئة أسباب الراحة للرواد عن طريق المطاعم والمشارب الصغيرة الملحقة بالمتاحف.

(٦) إبراز شخصية المتحف في أسلوب العرض عن طريق التأكيد على بعض الأعمال التي تتمثَّل فيها سِمات المتحف ومميزاته الخاصة.

(٧) العناية بعرض المجموعات وفقًا لخط فكري معيَّن يجمع المدارس المتشابهة والموضوعات في قاعاتٍ معينة، والعمل على إعادة عرض المجموعات وفق نهج أو آخر لتأكيد معنًى معين لدى الزائر.

(٨) البطاقات الشارحة والمطبوعات الصغيرة وسيلةٌ هامة من وسائل الإعلام بالمتحف، ومن ثَم ينبغي إعطاؤها مزيدًا من الاهتمام.

(٩) توفير أماكن الراحة للزوار ليتجنبوا الإرهاق المتحفي الذي يصيب الزائر من طول الوقت الذي يقضيه بالمتحف وتعذُّر وجود مكان للتأمل والراحة.

(١٠) ينبغي أن يُلحق بكل متحف قاعة للدراسات تزوَّد بالكتب والأدوات البصرية والسمعية الحديثة لتعميق معنى الرؤية الفنية لدى المشاهد.

(١١) الاهتمام بالمحاضرات والزيارات الشارحة مع تخصيص زيارات خاصة للأطفال تصحبها برامجُ تتَّفق وقدراتهم وتجتذبهم إلى المتاحف.

(١٢) ليكون الفن مصاحبًا للحياة ينبغي أن تخصَّص قاعة للأحداث الفنية الجارية يُركَّز فيها على عرض لوحات هامة في مناسبات معينة، وتجميع أعمال الفنانين في احتفالات ذكراهم، وعرض المشروعات العمرانية، ويمكن أن تخصَّص القاعة أيضًا للاجتماعات والمناقشات حول مشروعات التجميل أو أحداث الفن الهامة.

(١٣) تخصيص قاعة للفنون البصرية حتى لا يظل هناك فصامٌ بين فنون الماضي وفنون الحاضر.

(١٤) إعداد مكان في المتاحف للأطفال تتجمَّع فيه ضروب مختلفة من النشاط الفني والأشغال اليدوية والموسيقى والرقص تأكيدًا لمعنى وحدة الفنون.

(١٥) ينبغي أن يحتضن المتحف فكرةَ الإبداع الفني والحِرفي عن طريق إعداد مراسم ومحترَفات لفناني الإقليم أو المنطقة وللصنَّاع الفنيِّين.

(١٦) على إدارة كل متحف أن تُعِدَّ برامج تثقيفية تتفق ورسالته تقدَّم في المدارس وفي المتحف نفسه.

(١٧) إن اندماج المتحف في تيار الحياة الجارية يتطلَّب أن تكون له مطبوعاته ونشراته الثقافية في الصحف وبرامج خاصة في الإذاعة والتليفزيون.

(١٨) مع مراعاة اعتبارات الأمن الفني، ينبغي أن يخرج المتحف ببعض مجموعاته إلى الحياة عن طريق عرضها في المدارس وفي المنشآت العامة وفي الميادين والحدائق حتى يؤكِّد امتلاك المجموع لتراثه الفني.

(١٩) إن تبادل مجموعات المتاحف مسألةٌ بالغة الأهمية في إضفاء مزيد من الحياة على النشاط المتحفي.

(٢٠) لا يجوز أن يبقى المتحف مغلقًا على أمنائه، وإنما ينبغي أن يكون نافذةً مفتوحة لجمهور من المتطوعين يساهمون في نشاطه وفي دعم وجوده.

وقد طُرح هذا البرنامج على كثير من رجال الفن ونقاده والمعنيِّين بالمتاحف ليشاركوا بالرأي في حركة الإصلاح.

فعلَّق الناقد جان فرنيو على البرنامج قائلًا إن الأمر يتطلب أيضًا مزيدًا من انفتاح المتحف على الحياة لإدخال الحياة إلى المتاحف.

وأكَّد رينيه ويج أهميةَ الثقافة المباشرة التي يعطيها المتحف عن طريق المشاهدة والنظر، وأبدى اهتمامًا خاصًّا بضرورة اكتشاف المتحف بمعرفة الأطفال، وباتساع رقعة جمهور المتاحف وامتداده إلى طبقات جديدة، وهو يرى إزاء ذلك أن اقتضاء رسوم على دخول المتاحف أمرٌ مَشين، في حين ركَّز فرانسوا ريفيل على أهمية عدِّ المتاحف مراكزَ للحركة والحياة، لا مجرَّد أماكن لحفظ الأعمال الفنية، وأشار إلى أن التحوُّل لن يكون إلا إذا آمن به الجميع وأرادوه.

وقد عرض رينيه بيرجيه خلاصة تجربة رائدة في متحف لوزان، قوامها أن المتاحف ليس مهمتها فقط الحفاظ على الثروات الفنية، ولكن مهمتها أيضًا الإعلام وتحريك الوجدان والتجريب.

وهو يرى أن المتاحف لا بديل عنها في تعميق الثقافة الفنية، وأن اللقاء المباشر بأعمال ميكيل أنجلو ورمبراندت وماتيس لا تغني عنه رؤية أي مستنسَخ من أعمالهم مهما بلغت دقَّته.

ولقد أعدَّ متحف لوزان برامجَ متعددة للإعلام على كافة المستويات، وربط موقعه بكثير من المعارض الدولية الدورية كبينالي النسجيات الذي ينظِّمه جان لورسا.

وفي مجال تحريك الوجدان استخدم المتحف التليفزيون كوسيلة لربط رواده بروائع الفنون في العالم؛ فمن خلال هذه الأداة الجديدة التي تمثِّل حضارة الصورة، أعدَّ المسئولون عن المتحف مجموعة ضخمة من اللوحات يتوالى عرضها بدون شروح أو موسيقى؛ فالصورة وحدها كما أرادها مبدعها تفرض وجودها على الرائي … والجوهر هو في الرؤية وتحريك الفكر والوجدان، ليترك المشاهد لتأمله ولانطباعه الذاتي … لا عليه أن يعرف تاريخَ الصورة أو اسم مبدعها، وإن كان في إمكانه أن يطالع ذلك في لوحةٍ منفصلة حسْبه فقط أن يعيش لحظات في فيض من إبداع العباقرة.

وفي مجال التجريب أفسح المتحف قاعاتٍ لإبداع الأطفال، وقاعاتٍ للشباب لممارسة تجاربهم الفنية، كما أنه ربط الفن بالطبيعة من خلال العروض التي تقدِّمها المتاحف النباتية ومتاحف الحيوان، وهي عروض تستهدف إيقاظ الرؤية، واستثارة الوجدان … وابتدع أيضًا أساليبَ لإتاحة الفرصة لمرتادي المتحف، ليشاركوا في تنظيمه، ليقيم كلٌّ منهم متحفه الخاص في الأماكن والقاعات التي يُتاح للهواة فرصة إعادة تنسيقها وفق ذوقهم الخاص.

وقد حرص المتحف على أن يسعى إلى الجمهور عن طريق الارتباط بالمدارس والنقابات والمنشآت العامة، فاتَّسع بذلك نطاق روَّاده، وجذبتهم إليه وسائل العرض الجديدة وأدوات الإبداع التي أتاحها لهم. كل ذلك مع حرص المتحف على نشر الفن بدون تحويله إلى سلعة دارجة، وإنما مع الحفاظ عليه كتجربة إنسانية عميقة ينبغي أن يستوعبها الفنان من أعماقه، لا أن يحفظها من خلال المستنسخات الرخيصة تُباع في أكشاك الحلوى والسجائر إلى جانب المجلات الخليعة.

أمام هذه الثورة في عالم المتاحف يستوقفنا الوضع في مصر بين متاحفها الأثرية ومتاحفها الفنية.

إن لدينا خطة ثقافية طموحة تركَّزت منذ سنة ١٩٦٠م على إقامة متحف جديد للآثار المصرية بديلًا عن خطة أخرى كانت تتطلَّع إلى تأكيد تطوير المتحف الحالي.

ولكن هذه الخطة ما زالت تصميمات على الورق قد يطول بها المدى في هذه الظروف.

ولقد كان مقدَّرًا للمتحف الجديد أن يضم مختارات من روائع آثارنا منذ العصور القديمة حتى العصر الإسلامي، يقابله متحف آخر لمدينة الإسكندرية.

كما أن خطة طموحة أخرى تمثَّلت في إقامة قصر شاهق للفنون.

غير أن هذا الطموح الكبير والتطلُّع إلى مخطَّط طويل الأجل ينبغي ألا يحجب عنَّا ضرورة السعي إلى حركة إصلاح متحفي واسعة المدى … حركة في حدود الإمكانيات المتاحة لا تستهدف إقامةَ مبانٍ جديدة ولا ترتُّب إنفاقات ضخمة … وإنما تستهدف إضفاءَ الحياة على المتاحف القائمة … تحويلها إلى مراكز إشعاع ثقافي لا مخازن للتحف … تطوير وسائل العرض وأدوات الإضاءة … العناية بمطبوعات المتاحف، وبتحقيق مزيد من الترابط بينها وبين الجمهور عن طريق المعارض والمحاضرات والأفلام.

وما أجدرَ دولة نامية أن تهتدي في تطلُّعها الثقافي بأمثلة الدول التي اعتنقت أسلوب التطوير بالوسائل المتاحة وبتحقيق استخدام أفضل لها … تلك خطةٌ تتطلب مزيدًا من التأمل في أبعاد الثورة في الحركة المتحفية ووضع برنامج شامل للتطوير … برنامج قائم على الواقع … الواقع بكل معطياته وبكل معوِّقاته مع محاولة التعادل بين المعطيات والمعوِّقات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥