الفصل الثاني عشر

صِغَارُ بوب وايت فِي الْمَدْرَسَةِ

إِلَى الْمَدْرَسَةِ! إِلَى الْمَدْرَسَةِ!
سَيَذْهَبُ الْجَمِيعُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ؛
مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ.

بِالطَّبْعِ هُنَاكَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمَدَارِسِ، وَلَكِنْ عَلَى الْجَمِيعِ الذَّهَابُ إِلَى نَوْعٍ أَوْ آخَرَ مِنْهَا. الْعَدِيدُ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَدْرَسَةِ، وَلَكِنَّهُمْ يَذْهَبُونَ بِالْفِعْلِ. إِذَا سَأَلْتَهُمْ أَيَّ مَدْرَسَةٍ يَرْتَادُونَهَا، فَسَيُخْبِرُونَكَ أَنَّهُمْ لَا يَرْتَادُونَ أَيَّ مَدْرَسَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ جَمِيعًا يَرْتَادُونَ الْمَدَارِسَ مَعَ ذَلِكَ. إِنَّهُمْ يَرْتَادُونَ أَكْثَرَ الْمَدَارِسِ صُعُوبَةً، إِنَّهَا مَدْرَسَةُ تَجَارِبِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ الْمَدْرَسَةُ الَّتِي نَتَعَلَّمُ فِيهَا جَمِيعًا كَيْفَ نَعِيشُ وَنَهْتَمُّ بِأَنْفُسِنَا، وَهَذَا هُوَ الْحَالُ مَعَ سُكَّانِ الْمَرْجِ الصَّغِيرِ وَالْغَابَةِ. ذَهَبَ أَطْفَالُ الْخُلْدِ جوني وَزَوْجَتِهِ بولي الْأَرْبَعَةُ إِلَى مَدْرَسَةٍ فِي الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ مَا إِنْ صَارُوا كِبَارًا بِالْقَدْرِ الَّذِي يُمَكِّنُهُمْ مِنَ الرَّكْضِ فِي الْأَنْحَاءِ. حَدَثَ الْأَمْرُ نَفْسُهُ مَعَ صِغَارِ الْأَرْنَبِ بيتر فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَكَذَلِكَ صِغَارُ فَأْرِ الْمُرُوجِ داني وَزَوْجَتِهِ ناني فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَأَيْضًا أَطْفَالُ الْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ النَّشِطُونَ بِالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَكَذَلِكَ طِفْلَا ثَعْلَبِ الْمَاءِ جو الطَّمُوحَانِ، اللَّذَانِ يَعِيشَانِ فِي الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ. وَبِالطَّبْعِ جَمِيعُ صِغَارِ طَائِرِ السُّمَّانِ بوب وايت بَدَءُوا فِي الذَّهَابِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ مَا إِنْ خَرَجُوا مِنَ الْبَيْضِ.

كَانَ أَوَّلُ مَا تَعَلَّمُوهُ هُوَ أَنْ يَنْتَبِهُوا إِلَى وَالِدَيْهِمْ، وَهُوَ الدَّرْسُ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ الصِّغَارِ أَنْ يَتَعَلَّمُوهُ. شَرَحَتْ لَهُمْ أُمُّهُمْ بَيْنَمَا كَانُوا يَسْتَلْقُونَ تَحْتَ جَنَاحَيْهَا: «كَمَا تَرَوْنَ يَا أَعِزَّائِي، إِنَّ الْعَالَمَ مَلِيءٌ بِالْمَخَاطِرِ، وَخَاصَّةً لِصِغَارِ بوب وايت؛ وَلِهَذَا إِذَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَكْبُرُوا لِتَصِيرُوا طُيُورًا جَمِيلَةً وَذَكِيَّةً مِثْلَ أَبِيكُمْ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَنْتَبِهُوا جَيِّدًا لِمَا نَقُولُهُ لَكُمْ.»

لِذَلِكَ نَظَرًا لِأَنَّ جَمِيعَ الصِّغَارِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ أَرَادُوا أَنْ يَكْبُرُوا وَيَصِيرُوا طُيُورًا ذَكِيَّةً وَجَمِيلَةً مَثْلَ وَالِدِهِمْ، فَقَدْ حَرَصُوا كَثِيرًا أَنْ يَنْتَبِهُوا فَوْرَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بوب وايت أَوْ زَوْجَتُهُ. عِنْدَمَا كَانُوا فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، كَانُوا فِي أَمَانٍ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتِ الْأُمُّ تُصْدِرُ لَهُمْ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ إِشَارَةَ الْخَطَرِ؛ مِمَّا يَعْنِي أَنَّ عَلَيْهِمُ الْجُثُومَ فِي مَكَانِهِمْ وَالْبَقَاءَ دُونَ حَرَاكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَوْ تُصْدِرُ لَهُمْ نِدَاءً يَحُثُّهُمْ عَلَى الْمَجِيءِ رَكْضًا نَحْوَهَا بِأَقْصَى سُرْعَةٍ لَدَيْهِمْ. لَمْ تَقُدْهُمْ إِلَى الْخَارِجِ نَحْوَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بَيْنَ الْحَشَائِشِ وَالْأَعْشَابِ إِلَّا بَعْدَ أَنِ اطْمَأَنَّتْ أَنَّهُمْ تَعَلَّمُوا أَنْ يَنْتَبِهُوا إِلَيْهَا فَوْرَ أَنْ تَتَحَدَّثَ.

وَهُنَاكَ كَانَ يُوجَدُ دَائِمًا خَطَرٌ حَقِيقِيٌّ يُوَاجِهُهُمْ حَرَصَتِ الْأُمُّ عَلَى إِخْبَارِهِمْ بِهِ. كَانَ هُنَاكَ خَطَرٌ فِي السَّمَاءِ مِنْ أَعْلَاهُمْ حَيْثُ يُحَلِّقُ الصَّقْرُ أحمر الذيل بَحْثًا عَنِ الصِّغَارِ الْمُتَهَوِّرِينَ وَالْمُسْتَهْتِرِينَ فِي الْأَسْفَلِ. وَأَيْضًا خَطَرٌ يَتَمَثَّلُ فِي الثَّعْلَبِ ريدي وَالْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَالْقَيُّوطِ الَّذِينَ يَحُومُونَ طَوَالَ الْوَقْتِ بِأَعْيُنِهِمُ الثَّاقِبَةِ وَآذَانِهِمُ الْمُصْغِيَةِ وَأُنُوفِهِمُ الْقَوِيَّةِ بَحْثًا عَنِ الصِّغَارِ الْمُتَهَوِّرِينَ. كَذَلِكَ الْخَطَرُ الَّذِي يُمَثِّلُهُ الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ وَبَعْضُ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ فِي صَمْتٍ فَوْقَ الْحَشَائِشِ.

لِذَلِكَ تَعَلَّمَ صِغَارُ بوب وايت أَنْ يَنْتَبِهُوا وَهُمْ يَرْكُضُونَ فِي أَيِّ طَرِيقٍ بَحْثًا عَنِ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانِ، وَلَدَى سَمَاعِهِمْ أَيَّ صَوْتٍ ضَئِيلٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ، كَانُوا يَجْثُمُونَ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَيَنْتَظِرُونَ إِشَارَةَ أُمِّهِمْ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ. عَلَّمَتْهُمْ أُمُّهُمْ كَذَلِكَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الصَّقْرِ حوام الْعَجُوزِ، الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُؤْذِيَ أَيًّا مِنْهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالصَّقْرِ أحمر الذيل الَّذِي كَانَ يَحُومُ دُونَ أَنْ يُرَفْرِفَ بِجَنَاحَيْهِ. وَمَا إِنْ تَعَلَّمُوا الطَّيَرَانَ قَلِيلًا، حَتَّى عَلَّمَتْهُمْ أُمُّهُمْ أَنْ يَتَحَقَّقُوا مِنْ أَمَاكِنِ أَقْرَبِ الشُّجَيْرَاتِ أَوِ الْأَشْجَارِ الَّتِي يُمْكِنُهُمُ الطَّيَرَانُ إِلَيْهَا فِي حَالَةِ ظُهُورِ خَطَرٍ مُفَاجِئٍ عَلَى الْأَرْضِ. عَلَّمَتْهُمْ أَيْضًا كَيْفَ يَعْثُرُونَ عَلَى أَكْثَرِ الْأَمَاكِنِ أَمَانًا لِقَضَاءِ اللَّيْلِ. كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ أَمَامَ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ لِيَتَعَلَّمُوهُ! نَعَمْ، بِالطَّبْعِ، وَلَنْ يَنْفَعَهُمْ شَيْءٌ إِذَا نَسُوا أَمْرًا وَاحِدًا مِمَّا تَعَلَّمُوهُ. إِنَّ النِّسْيَانَ وَلَوْ لِمَرَّةٍ يَعْنِي وُقُوعَ حَدَثٍ مُرِيعٍ؛ لِذَلِكَ لَمْ يَنْسَوْا. كَذَلِكَ عَلَّمَهُمْ بوب وايت بِنَفْسِهِ الْعَدِيدَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، كَانَ بوب وايت عَلَى دِرَايَةٍ كَبِيرَةٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِسُبُلِ الْعَيْشِ فِي الْعَالَمِ الْفَسِيحِ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْآبَاءِ. وَهَكَذَا كَبُرَ صِغَارُ بوب وايت يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ حَتَّى صَارَ جَنَاحَا أُمِّهِمْ لَا يَتَّسِعَانِ لَهُمْ لِيَسْتَقِرُّوا تَحْتَهُ، كَذَلِكَ أَصْبَحَ فِي مَقْدُورِهِمُ الطَّيَرَانُ بِأَجْنِحَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَوِيَّةٍ، وَطَوَالَ الْوَقْتِ كَانُوا تَلَامِيذَ فِي الْمَدْرَسَةِ دُونَ أَنْ يُدْرِكُوا ذَلِكَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤