الفصل الثالث عشر

ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَزْدَادُ فُضُولًا

حَقِيقَةٌ لَا تَجْعَلْهَا عَنْكَ تَغِيبُ؛
إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ يَحْدُثُ سَبَبًا.

فِي صَبَاحِ أَحَدِ الْأَيَّامِ وَعَلَى طَاوِلَةِ الْإِفْطَارِ، قَالَ الْمُزَارِعُ براون لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ، لَقَدْ أَصْبَحَ لَدَيْنَا أَجْمَلُ حَدِيقَةٍ فِي الْمِنْطَقَةِ مِنْ حَوْلِنَا. أَنَا لَا أَذْكُرُ مُطْلَقًا أَنَّهُ كَانَتْ لَدَيْنَا حَدِيقَةٌ لَمْ تُؤْذِهَا الْحَشَرَاتُ وَالدِّيدَانُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْقَلِيلِ، جَمِيعُ جِيرَانِنَا يَشْكُونَ مِنْ أَنَّ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانَ أَكْثَرُ ضَرَرًا هَذَا الْعَامَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، وَأَنَّهَا تَلْتَهِمُ حَدَائِقَهُمْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُونَهُ. أَنَا فَخُورٌ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي تَتَّبِعُهَا لِلِاعْتِنَاءِ بِحَدِيقَتِنَا.»

تَوَرَّدَتْ وَجْنَتَا ابْنِ الْمُزَارِعِ براون فَرَحًا، لَقَدْ عَمِلَ بِجِدٍّ فِي هَذِهِ الْحَدِيقَةِ مُنْذُ غَرْسِ الْبُذُورِ، وَكَافَحَ الْحَشَائِشَ الضَّارَّةَ وَالْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانَ، وَلَكِنَّ هَذَا مَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْجِيرَانِ أَيْضًا، وَدُمِّرَتْ حَدَائِقُهُمْ تَقْرِيبًا مَعَ ذَلِكَ. وَعَمِلُوا بِالْجِدِّ نَفْسِهِ الَّذِي عَمِلَ بِهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ، وَلَكِنْ كَانَتِ الْحَشَرَاتُ وَالدِّيدَانُ كَثِيرَةً لِلْغَايَةِ؛ لَمْ يَفْهَمِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لِمَ تَمَكَّنَ هُوَ مِنَ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا بَيْنَمَا فَشِلَ الْآخَرُونَ، لَا بُدَّ أَنَّ هُنَاكَ سَبَبًا؛ فَثَمَّةَ سَبَبٌ لِكُلِّ شَيْءٍ.

اعْتَمَرَ الصَّبِيُّ بَعْدَ تَنَاوُلِ الْإِفْطَارِ الْقُبَّعَةَ الْقَدِيمَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنَ الْقَشِّ، وَتَوَجَّهَ نَحْوَ حَدِيقَتِهِ لِيَتَفَقَّدَهَا، وَهُوَ لَا يَزَالُ فِي حِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ حَوْلَ السَّبَبِ الَّذِي جَعَلَ حَالَ حَدِيقَتِهِ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ مِنَ الْحَدَائِقِ الْأُخْرَى. كَانَ هُنَاكَ لَوْحٌ خَشَبِيٌّ عَتِيقٌ عِنْدَ حُدُودِ الْحَدِيقَةِ، رَفَعَهُ مِنْ إِحْدَى نِهَايَتَيْهِ وَنَظَرَ أَسْفَلَهُ. نَظَرَ إِلَيْهِ الضِّفْدَعُ الْعَجُوزُ ثُمَّ طَرَفَ بِعَيْنَيْهِ فِي نُعَاسٍ، وَلَكِنْ عَلَى نَحْوٍ وَدُودٍ لِلْغَايَةِ. كَانَ مِعْطَفُ الضِّفْدَعِ الْعَجُوزِ مُنْتَفِخًا لِلْغَايَةِ حَتَّى بَدَا أَنَّهُ شَدِيدُ الضِّيقِ وَلَا يُنَاسِبُهُ. ابْتَسَمَ الصَّبِيُّ وَهُوَ يَضَعُ اللَّوْحَ بِرِفْقٍ، فَقَدْ عَلِمَ سَبَبَ ضِيقِ الْمِعْطَفِ؛ إِذْ إِنَّهُ يَمْتَلِئُ بِالْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانِ الَّتِي الْتَهَمَهَا الضِّفْدَعُ. تَمْتَمَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «هَذَا أَحَدُ الْأَسْبَابِ.»

وَبَعْدَ أَنْ سَارَ لِمَسَافَةٍ أُخْرَى وَجَدَ صَدِيقَهُ الصَّغِيرَ الْعُصْفُورَ الْمُغَرِّدَ سونج مَشْغُولًا جِدًّا بَيْنَ شُجَيْرَاتِ التُّوتِ، ابْتَسَمَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَقَالَ: «وَهَا هُوَ سَبَبٌ آخَرُ.» وَعِنْدَ نِهَايَةِ مَمَرٍّ طَوِيلٍ، جَلَسَ لِيُفَكِّرَ، لَيْسَ هُنَاكَ شَكٌّ أَنَّهُ كَانَ مُمْتَنًّا لِلضِّفْدَعِ الْعَجُوزِ وَصَدِيقِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الْكَائِنَاتِ ذَاتِ الرِّيشِ بِالْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ لِمَا فَعَلُوهُ فِي حَدِيقَتِهِ الْجَمِيلَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِمْ فِي السَّنَوَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَلَمْ تَكُنِ الْحَدِيقَةُ تَبْدُو بِنِصْفِ جَمَالِهَا الْحَالِيِّ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانَ فِي السَّابِقِ لَمْ تَكُنْ بِهَذَا الْكَمِّ الَّذِي تَشْهَدُهُ هَذِهِ السَّنَةُ. إِذَنْ مُسَاعَدَةُ تِلْكَ الْكَائِنَاتِ لَهُ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الدِّيدَانِ وَالْحَشَرَاتِ إِلَى جَانِبِ عَمَلِهِ الشَّاقِّ فِي الْحَدِيقَةِ يُعْتَبَرَانِ جُزْءًا مِنْ سَبَبِ ظُهُورِ الْحَدِيقَةِ بِهَذَا الْمَظْهَرِ الْجَمِيلِ؛ لِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْحَيْلُولَةَ دُونَ التَّفْكِيرِ فِي وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ لَا يَعْرِفُهُ.

كَانَ يُفَكِّرُ بِعُمْقٍ، حَتَّى إِنَّهُ ظَلَّ جَالِسًا دُونَ حَرَاكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي مَكَانِهِ. فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ نَظَرَتْ عَيْنَانِ بَرَّاقَتَانِ فِي خُلْسَةٍ مِنْ أَسْفَلِ شُجَيْرَةِ التُّوتِ، ثُمَّ خَطَا أَمَامَهُ كَائِنٌ صَغِيرٌ مُهَنْدَمٌ وَذَكِيٌّ فِي زِيِّهِ الْبُنِّيِّ وَالرَّمَادِيِّ ذِي الزَّرْكَشَةِ السَّوْدَاءِ؛ لَقَدْ كَانَ بوب وايت. أَطْلَقَ بوب وايت نِدَاءً نَاعِمًا، فَخَرَجَتْ زَوْجَتُهُ وَصِغَارُهُمَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ! وَبِكَلِمَةٍ مِنْهُ انْتَشَرَ الْجَمِيعُ وَشَرَعُوا فِي الْعَمَلِ بَيْنَ النَّبَاتَاتِ.

حَبَسَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون أَنْفَاسَهُ وَهُوَ يُرَاقِبُ مَا يَحْدُثُ، لَمْ يَنْتَبِهُوا إِلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ دُونَ حَرَاكٍ. كَانَ بَعْضُهُمْ يَنْبُشُ الْأَرْضَ مِثْلَمَا يَفْعَلُ الدَّجَاجُ فِي الْبُيُوتِ، ثُمَّ يَلْتَقِطُونَ أَشْيَاءَ بَالِغَةَ الصِّغَرِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرَى مَا هِيَ، لَكِنَّهُ عَرَفَ؛ عَرَفَ أَنَّهَا حُبُوبٌ صَغِيرَةٌ، وَلِأَنَّ جَمِيعَ الْحُبُوبِ الَّتِي غَرَسَهَا هُوَ وَأَبُوهُ براون قَدْ نَمَتِ الْآنَ وَأَصْبَحَتْ نَبَاتَاتٍ قَوِيَّةً، كَانَ يُدْرِكُ أَنَّ هَذِهِ الْحُبُوبَ هِيَ بُذُورُ الْحَشَائِشِ الضَّارَّةِ.

كَانَ بوب وايت نَفْسُهُ فِي غَايَةِ الِانْشِغَالِ بَيْنَ نَبَاتَاتِ الْبَطَاطَا، وَكَانَ عَلَى مَقْرُبَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الصَّبِيِّ حَتَّى تَسَنَّتْ لِلصَّبِيِّ رُؤْيَةُ مَا يَفْعَلُهُ بوب وايت؛ كَانَ يَأْكُلُ الْخَنَافِسَ الْمُخَطَّطَةَ الَّتِي كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدْ حَارَبَهَا لِوَقْتٍ طَوِيلٍ حَتَّى صَارَ يَكْرَهُهَا. أَخَذَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُحْصِي عَدَدَهَا: «وَاحِدَةٌ، اثْنَتَانِ، ثَلَاثٌ، أَرَبْعٌ، خَمْسٌ، سِتٌّ، سَبْعٌ، ثَمَانٍ، تِسْعٌ، عَشْرٌ، إِحْدَى عَشْرَةَ.» حِينَئِذٍ تَحَرَّكَ بوب إِلَى مَكَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ رُؤْيَتَهُ فِيهِ. اسْتَطَاعَ رُؤْيَةَ زَوْجَةِ بوب وايت بَيْنَ نَبَاتَاتِ الْقَرْعِ، وَكَانَتْ تَلْتَقِطُ الْحَشَرَاتِ سَرِيعًا مِثْلَ بوب وايت وَهُوَ يَلْتَقِطُ خَنَافِسَ الْبَطَاطَا. لَمْ يَعْرِفْ مَا الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ الْآخَرُونَ، وَلَكِنَّهُ اسْتَطَاعَ أَنْ يُخَمِّنَ.

وَفَجْأَةً صَاحَ فِي انْتِصَارٍ: «هَا هِيَ بَاقِي الْأَسْبَابِ!» تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَفِي لَمْحِ الْبَصَرِ اخْتَفَى الْجَمِيعُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤