الفصل الرابع عشر

دَرْسٌ صَغِيرٌ فِي الْحِسَابِ

لَا تَقُلْ إِنِّي لِلْحِسَابِ كَارِهٌ،
وَكَمْ هُوَ ثَقِيلٌ وَمُضْجِرٌ؛
فَالْحِسَابُ مُمْتِعٌ وَسَاحِرٌ.
فَقَطْ حَاوِلْ وَلَا تُكَابِرْ.

اعْتَادَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون أَنْ يَكْرَهَ الْحِسَابَ، لَكِنَّ هَذَا تَغَيَّرَ الْآنَ؛ لَمْ يَرَ قَطُّ جَدْوَى فِي إِجْهَادِ نَفْسِهِ فِي التَّفْكِيرِ فِي الْعَمَلِيَّاتِ الْحِسَابِيَّةِ بِالْمَدْرَسَةِ. قَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَيُّ شَيْءٍ مُمْتِعٍ، لَا شَيْءَ سِوَى الْمَشَقَّةِ. اعْتَادَ كَذَلِكَ عَلَى التَّذَمُّرِ مِنْ مَادَّةِ الْحِسَابِ فِي الْمَنْزِلِ، وَكَانَ الْمُزَارِعُ براون يُنْصِتُ إِلَيْهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَقُولُ: «إِذَا عِشْتَ طَوِيلًا بِمَا يَكْفِي يَا بُنَيَّ، فَسَتَجِدُ أَنَّ الْأَرْقَامَ تُخْبِرُكَ بِأُمُورٍ وَتَكْشِفُ لَكَ عَنْ أَرْوَعِ الْأَشْيَاءِ.» وَدَائِمًا مَا كَانَتْ تَلْمَعُ عَيْنَاهُ وَهُوَ يُخْبِرُ ابْنَهُ بِذَلِكَ.

بِالطَّبْعِ أَدْرَكَ الْآنَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون أَنَّ وَالِدَهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْأَرْقَامَ تَتَحَدَّثُ بِالْفِعْلِ، بِالطَّبْعِ لَا. لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَمْ يَفْهَمْ قَطُّ مَا كَانَ يَقْصِدُهُ أَبُوهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُهْتَمًّا لِيُحَاوِلَ؛ لِذَلِكَ اسْتَمَرَّ ضِيقُهُ مِنَ الْحِسَابِ وَتَمَنَّى أَلَّا يُعْطِيَهُ الْمُعَلِّمُ مِثْلَ هَذِهِ الدُّرُوسِ الصَّعْبَةِ. وَعِنْدَمَا بَدَأَتِ الْإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ الطَّوِيلَةُ، نَسِيَ تَمَامًا أَمْرَ الْحِسَابِ وَالْجَمْعِ حَتَّى اكْتَشَفَ بوب وايت وَأُسْرَتَهُ وَهُمْ يُسَاعِدُونَهُ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانِ وَالْحَشَائِشِ الضَّارَّةِ.

بَعْدَ أَنِ اكْتَشَفَ أَمْرَهُمْ، كَانَ يَذْهَبُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْحَدِيقَةِ لِمُرَاقَبَتِهِمْ، وَسُرْعَانَ مَا اكْتَشَفُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْذِيَهُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْقُوا لَهُ بَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلِ اهْتَمُّوا مُبَاشَرَةً بِالْعَمَلِ مِنْ حَوْلِهِ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ تَمَثَّلَ فِي مَلْءِ بُطُونِهِمْ بِالْبُذُورِ وَالدِّيدَانِ وَالْحَشَرَاتِ. وَذَاتَ يَوْمٍ، أَكَلَ بوب وايت اثْنَتَيْ عَشْرَةَ يَرَقَانَةً بَيْنَمَا كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُرَاقِبُهُ. أَخْرَجَ الْوَلَدُ قَلَمًا قَصِيرًا سَمِيكًا وَوَرَقَةً.

قَالَ وَهُوَ يُقَطِّبُ حَاجِبَيْهِ: «إِذَا تَنَاوَلَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أُسْرَةِ بوب وايت اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دُودَةً فِي الْوَجْبَةِ الْوَاحِدَةِ، فَسَيُصْبِحُ الْمَجْمُوعُ … سَأَرَى؛ هُنَاكَ بوب وايت وَزَوْجَتُهُ وَصِغَارُهُمَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ، سَيَكُونُ مَجْمُوعُهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ. الْآنَ، إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، تُضْرَبُ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ.» كَتَبَ الْأَرْقَامَ عَلَى قُصَاصَةِ الْوَرَقِ، وَحَاوَلَ حَلَّ الْمَسْأَلَةِ لِعِدَّةِ دَقَائِقَ، ثُمَّ تَمْتَمَ: «فَسَيُصْبِحُ الْعَدَدُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَ يَرَقَانَاتٍ فِي الْوَجْبَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي شَهْرٍ مُكَوَّنٍ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَيَكُونُونَ قَدِ الْتَهَمُوا سِتَّةَ آلَافٍ وَمِائَةً وَعِشْرِينَ يَرَقَانَةً، هَذَا إِذَا أَكَلُوا وَجْبَةً وَاحِدَةً فِي الْيَوْمِ، لَكِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ وَجَبَاتٍ عَدِيدَةً فِي الْيَوْمِ، وَيَعْنِي ذَلِكَ …» وَقَفَ لِيُحَمْلِقَ فِي الْأَرْقَامِ بِقُصَاصَةِ الْوَرَقِ بَيْنَمَا اتَّسَعَتْ عَيْنَاهُ فِي ذُهُولٍ، ثُمَّ أَطْلَقَ صَفِيرًا خَافِتًا قَلِيلًا مِنْ فَرْطِ الِانْدِهَاشِ وَهَتَفَ: «لَا غَرَابَةَ أَنَّ لَدَيَّ حَدِيقَةً جَمِيلَةً بِفَضْلِ عَمَلِ هَؤُلَاءِ الرِّفَاقِ فِيهَا!»

ثُمَّ جَلَسَ لِيُرَاقِبَ زَوْجَةَ بوب وايت وَهِيَ تَلْتَقِطُ فَرَاشَاتِ الْمَلْفُوفِ الْبَيْضَاءَ الَّتِي يَعْلَمُ أَنَّهَا سَتَبِيضُ وَسَيَخْرُجُ مِنَ الْبَيْضِ دِيدَانٌ؛ وَمِنْ ثَمَّ يَفْسُدُ الْمَلْفُوفُ. حَسَبَ عَدَدَ مَا الْتَقَطَتْهُ مِنْ حَشَرَاتٍ بَيْنَمَا كَانَتْ فِي مَجَالِ رُؤْيَتِهِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مَعَ أَحَدِ صِغَارِ بوب وايت وَكَانَ يَلْتَقِطُ خَنَافِسَ الْخِيَارِ، وَآخَرَ كَانَ يَصْطَادُ الْجَرَادَ. ثُمَّ قَامَ بِالْمَزِيدِ مِنَ الْحِسَابَاتِ عَلَى قُصَاصَةِ الْوَرَقِ. عِنْدَمَا انْتَهَى، نَهَضَ وَذَهَبَ مُبَاشَرَةً إِلَى حَقْلِ الذُّرَةِ حَيْثُ كَانَ يَعْمَلُ الْمُزَارِعُ براون.

قَالَ الْوَلَدُ: «الْآنَ أُدْرِكُ مَا قَصَدْتَهُ عِنْدَمَا اعْتَدْتَ إِخْبَارِي بِأَنَّ الْأَرْقَامَ سَتُخْبِرُنِي بِأُمُورٍ. لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أَكْثَرَ مِمَّا كُنْتُ أَتَصَوَّرُ! لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عَائِلَةَ بوب وايت هُمْ أَفْضَلُ الْأَصْدِقَاءِ الَّذِينَ حَظِينَا بِهِمْ، وَأَنَّ السَّبَبَ فِي أَنَّنَا قَدْ حَصَلْنَا عَلَى أَفْضَلِ حَدِيقَةٍ فِي الْمَكَانِ كُلِّهِ هُوَ أَنَّهُمْ مَنْ جَعَلُوهَا كَذَلِكَ. إِنَّ هَذِهِ الطُّيُورَ الْبُنِّيَّةَ الصَّغِيرَةَ تُكْسِبُنَا الْمَالَ، وَلَمْ نُخَمِّنْ ذَلِكَ قَطُّ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤