الفصل الخامس عشر

ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَشْعُرُ بِالسُّخْطِ

أَنْ تَكُونَ سَاخِطًا يَعْنِي أَنَّكَ غَاضِبٌ لِسَبَبٍ وَجِيهٍ. إِذَا ثَارَتْ ثَائِرَتُكَ وَاسْتَسْلَمْتَ لِلْغَضَبِ لِأَنَّ الْأُمُورَ لَمْ تَسِرْ كَمَا تَشْتَهِي، فَإِنَّكَ لَسْتَ سَاخِطًا، بَلْ غَاضِبٌ بِبَسَاطَةٍ. وَلَكِنْ إِذَا مَا دَخَلَ الْغَضَبُ قَلْبَكَ بِسَبِبِ أَذًى أَوْ ظُلْمٍ تَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ آخَرُ، أَوْ حَتَّى تَعَرَّضْتَ لَهُ أَنْتَ، فَإِنَّكَ سَتَشْعُرُ بِالسُّخْطِ.

أَمْضَى ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَقْتَ فَرَاغِهِ فِي الْحَدِيقَةِ لِيُرَاقِبَ بوب وايت وَأُسْرَتَهُ. فِي الْوَاقِعِ، ذَهَبَ إِلَى هُنَاكَ كَثِيرًا حَتَّى صَارَ أَفْرَادُ عَائِلَةِ بوب وايت يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ كَشَخْصٍ مُسَالِمٍ، بَلْ وَصَدِيقٍ أَيْضًا. لَمْ يَعْبَئُوا بِوُجُودِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنَّهُمْ بَاشَرُوا عَمَلَهُمْ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا. كَانَ عَمَلُهُمْ تَخْلِيصَ الْحَدِيقَةِ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانِ وَالْحَشَائِشِ الضَّارَّةِ؛ لِيَمْلَئُوا بِهَا بُطُونَهُمْ. مَا أَسْعَدَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون هُوَ أَنَّ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانَ الَّتِي يُفَضِّلُونَهَا، كَانَتِ الْأَكْثَرَ ضَرَرًا عَلَى النَّبَاتَاتِ النَّامِيَةِ.

كَانَ هُنَاكَ حَقْلٌ مِنَ الْقَمْحِ وَرَاءَ الْحَدِيقَةِ، وَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ الْقَمْحَ هُوَ مَصْدَرُ الطَّحِينِ الَّذِي نَصْنَعُ مِنْهُ الْخُبْزَ. وَكَانَتْ هُنَاكَ حَشَرَةٌ صَغِيرَةٌ تُدْعَى حَشَرَةَ الْحِنْطَةِ، وَهِيَ حَشَرَةٌ بَغِيضَةٌ فِي غَايَةِ الشَّرَاهَةِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهَا عِنْدَمَا تَغْزُو هِيَ وَمَا عَلَى شَاكِلَتِهَا حَقْلًا مِنَ الْقَمْحِ، تُفْسِدُ الْمَحْصُولَ كُلَّهُ عَادَةً؛ فَقَدْ كَانَتْ تَمْتَصُّ تِلْكَ الْحَشَرَاتُ عُصَارَةَ النَّبَاتَاتِ؛ وَمِنْ ثَمَّ يَذْبُلُ النَّبَاتُ وَيَمُوتُ. كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدْ سَمِعَ جِيرَانَهُ يَشْتَكُونَ أَنَّ حَشَرَاتِ الْحِنْطَةِ كَانَتْ فِي غَايَةِ الضَّرَاوَةِ هَذَا الْعَامَ، وَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ بِالْفِعْلِ مِنْ مَنْظَرِ الْقَمْحِ فِي مَزَارِعِ جِيرَانِهِ، لَكِنَّ قَمْحَ الْمُزَارِعِ براون كَانَ بِخَيْرٍ كَمَا كَانَ يَبْدُو؛ كَانَ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِحَشَرَاتِ الْحِنْطَةِ هُنَاكَ، وَكَانَ غَالِبًا يَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، فِي حِينِ أَنَّ الْحَشَرَاتِ غَزَتِ الْحُقُولَ الْأُخْرَى لَدَى جِيرَانِهِ عَلَى نَحْوٍ غَايَةٍ فِي الضَّرَاوَةِ.

لَاحَظَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون أَنَّ بوب وايت وَعَائِلَتَهُ أَمْضَوُا الْكَثِيرَ مِنَ الْوَقْتِ فِي حَقْلِ الْقَمْحِ. فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، رَأَى بوب وَهُوَ يَلْتَقِطُ شَيْئًا مِنْ سَاقِ نَبَاتِ الْقَمْحِ، فَذَهَبَ لِيَرَى مَاهِيَّةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ. بِالطَّبْعِ هُرِعَ بوب مُبْتَعِدًا، وَلَكِنْ عِنْدَمَا فَحَصَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْقَمْحَ، وَجَدَ بَعْضًا مِنْ حَشَرَاتِ الْحِنْطَةِ؛ ثُمَّ عَرَفَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ بوب؛ لَقَدْ كَانَ يَلْتَقِطُ وَيَأْكُلُ تِلْكَ الْحَشَرَاتِ الْبَغِيضَةَ الصَّغِيرَةَ، وَعَلِمَ كَذَلِكَ لِمَ حَقْلُ الْقَمْحِ الْخَاصُّ بِهِمُ كَانَ الْأَفْضَلَ بَيْنَ كُلِّ مَا حَوْلَهُ عَلَى مَسَافَةِ أَمْيَالٍ عَدِيدَةٍ؛ لَقَدْ كَانَ بِسَبَبِ صَيْدِ بوب وايت وَعَائِلَتِهِ لِتِلْكَ الْحَشَرَاتِ وَالْتِهَامِهَا بِسُرْعَةٍ كُلَّمَا ظَهَرَتْ.

صَاحَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «أَحْسَنْتُمْ! إِنَّكُمْ أَعْظَمُ مُسَاعِدِينَ قَدْ يَحْصُلُ عَلَيْهِمُ الْمُزَارِعُ!» وَأَسْرَعَ لِيُخْبِرَ أَبَاهُ بِمَا اكْتَشَفَهُ.

ثُمَّ مَرَّ الصَّيْفُ، وَحَلَّتْ أَيَّامُ الْخَرِيفِ بِلَسْعَاتِ الْبَرْدِ. كَانَ الْقَمْحُ قَدْ حُصِدَ وَجُمِعَتِ الْخَضْرَاوَاتُ وَخُزِّنَتْ. ثُمَّ بَدَأَ الصَّقِيعُ يَكْسُو أَشْجَارَ الْقَيْقَبِ الْحَمْرَاءَ وَالصَّفْرَاءَ، كَانَتِ الْحَدِيقَةُ جَرْدَاءَ، وَكَانَ لَوْنُ بَقَايَا الْحَصَادِ فِي حَقْلِ الْقَمْحِ ذَهَبِيًّا يَمِيلُ إِلَى الْبُنِّيَّةِ. طَارَتِ الْكَائِنَاتُ الصَّغِيرَةُ مِنْ ذَوَاتِ الرِّيشِ الَّتِي لَا تُحِبُّ الطَّقْسَ الْبَارِدَ بَعِيدًا نَحْوَ الْأَرْضِ الْجَنُوبِيَّةِ الْمُشْمِسَةِ، وَتَقَدَّمَهَا الصَّقْرُ حوام الْعَجُوزُ. كَمَا انْشَغَلَ السِّنْجَابُ الْمُخَطَّطُ وَالسِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار وَالسِّنْجَابُ الرَّمَادِيُّ جاك السَّعِيدُ مِنَ الصَّبَاحِ حَتَّى اللَّيْلِ فِي تَخْزِينِ الْحُبُوبِ وَالْجَوْزِ الَّتِي سَيَأْكُلُونَهَا فِي الشِّتَاءِ الْبَارِدِ الطَّوِيلِ. كَانَتْ أَيَّامًا رَائِعَةً، وَأَحَبَّ بوب وايت كُلَّ يَوْمٍ فِيهَا.

ذَاتَ صَبَاحٍ، قَالَ الْمُزَارِعُ براون: «يَا بُنَيَّ، لَا بُدَّ أَنَّ عَائِلَةَ بوب وايت تِلْكَ أَصْبَحَتْ سَمِينَةً الْآنَ بَعْدَ أَنْ نَعِمُوا بِحَيَاةٍ هَادِئَةٍ. وَنَظَرًا لِأَنَّنَا زَوَّدْنَاهُمْ بِالطَّعَامِ طَوَالَ الصَّيْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَانَ دَوْرُهُمْ لِإِطْعَامِنَا؟ أَعْتَقِدُ أَنَّ السُّمَّانَ الْمَشْوِيَّ مَعَ الْخُبْزِ سَيَكُونُ طَيِّبَ الْمَذَاقِ. سَيَبْدَأُ الْأُسْبُوعَ الْقَادِمَ مَوْسِمُ الصَّيْدِ؛ لِذَلِكَ أَعْتَقِدُ أَنَّكَ سَتُخْرِجُ بُنْدُقِيَّتَكَ لِتَصْطَادَ بَعْضًا مِنْ آلِ بوب وايت مِنْ أَجْلِنَا.» ظَهَرَ فِي عَيْنَيِ الْمُزَارِعِ براون بَرِيقٌ طَيِّبٌ أَثْنَاءَ حَدِيثِهِ.

لَمْ يَلْحَظْ الِابْنُ ذَلِكَ الْبَرِيقَ، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ بِغَضَبٍ عَارِمٍ؛ فَقَدْ شَعَرَ بِالسُّخْطِ. كَانَ سَاخِطًا لِلْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَالِدَهُ لَنْ يُلَمِّحَ أَبَدًا إِلَى شَيْءٍ كَهَذَا، وَلَكِنَّ هَذَا لَمْ يُنْسِهِ احْتِرَامَهُ لِوَالِدِهِ.

قَالَ: «لَا يَا سَيِّدِي! لَنْ أَصْطَادَ أَيًّا مِنْهُمْ مَهْمَا كَانَ الْمُقَابِلُ! لَيْسُوا مَدِينِينَ لَنَا بِأَيِّ شَيْءٍ، بَلْ نَحْنُ مَنْ نَدِينُ لَهُمْ؛ فَلَوْلَاهُمْ مَا كُنَّا سَنَجْنِي نِصْفَ مَحْصُولِ الْقَمْحِ، وَكَانَتْ حَدِيقَتُنَا سَتُصْبِحُ جَرْدَاءَ مِثْلَ حَدَائِقِ جِيرَانِنَا. أَنَا لَنْ أَصْطَادَهُمْ، وَلَنْ أَدَعَ أَيَّ أَحَدٍ يَصْطَادُهُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي وُسْعِي، هَذَا كُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤