الفصل الثامن عشر

الصَّيَّادُ الْمُحْبَطُ

إِيَّاكَ أَنْ تُعَلِّقَ آمَالَكَ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تَتَأَكَّدَ بِذَاتِكَ
فَكَثِيرًا مَا سَتَخِيبُ تَوَقُّعَاتُكَ، وَنَادِرًا مَا سَتُرْضِي طُمُوحَاتِكَ.

ابْتَسَمَ الصَّيَّادُ الَّذِي أَوْقَعَ بِأَحَدِ صِغَارِ بوب وايت، وَسَارَ فِي سَعَادَةٍ لِحَمْلِ الطَّائِرِ الْبُنِّيِّ الصَّغِيرِ الْمِسْكِينِ. كَانَ يُمَارِسُ مَا يَدْعُوهُ رِيَاضَةً، لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ قَطُّ التَّفْكِيرُ بِمَا سَتَشْعُرُ بِهِ أُسْرَةُ بوب وايت. أَغْلَبُ الظَّنِّ أَنَّهُ لَمْ يُفَكِّرْ أَنَّ لَدَيْهِمِ أَيَّ مَشَاعِرَ، كَانَ سَعِيدًا بِأَنَّهُ أَصَابَ الْهَدَفَ، وَكَانَ سَعِيدًا أَيْضًا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ حَظِيَ بِطَائِرٍ بُنِّيٍّ صَغِيرٍ لِيَأْكُلَهُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ بِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنْ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ؛ حَيْثُ تَتَوَافَرُ لَدَيْهِ أَشْيَاءُ أُخْرَى لِيَأْكُلَهَا.

لَكِنْ عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي رَأَى فِيهِ بوب وايت الصَّغِيرَ يَسْقُطُ، لَمْ يَجِدِ الطَّائِرَ الْبُنِّيَّ الصَّغِيرَ. أَجَلْ، لَمْ يَجِدْ أَيَّ أَثَرٍ هُنَاكَ لِلطَّائِرِ الْبُنِّيِّ الصَّغِيرِ سِوَى بَعْضِ الرِّيشِ الْبُنِّيِّ، وَهَكَذَا لَمْ يَكُنِ الصَّيَّادُ قَدْ قَتَلَ بوب وايت الصَّغِيرَ كَمَا اعْتَقَدَ، لَكِنَّهُ قَدْ كَسَرَ أَحَدَ جَنَاحَيْهِ فَحَسْبُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اسْتِطَاعَةِ الطَّائِرِ الطَّيَرَانُ. لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَطْبٌ فِي قَدَمَيْهِ، وَفَوْرَ سُقُوطِهِ عَلَى الْأَرْضِ جَرَى بِأَقْصَى سُرْعَةٍ لَدَيْهِ بَيْنَ الْقَشِّ؛ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بوب وايت الصَّغِيرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ الصَّيَّادُ يَبْحَثُ فِيهِ.

بِالطَّبْعِ سَاعَدَهُ كَلْبُهُ فِي الْبَحْثِ عَنِ الطَّائِرِ الصَّغِيرِ، وَبِأَنْفِهِ الْبَارِعِ عَثَرَ سَرِيعًا عَلَى رَائِحَةِ بوب وايت الصَّغِيرِ وَاتَّبَعَهَا بِشَغَفٍ. تَصَادَفَ أَنَّهُ بِالْقُرْبِ مِنْ مَكَانِ سُقُوطِ بوب وايت الصَّغِيرِ يُوجَدُ بَيْتٌ قَدِيمٌ لِلْخُلْدِ جوني، وَكَانَتِ الرِّمَالُ تُحِيطُ بِمَدْخَلِ الْبَيْتِ. إِنَّ الرِّمَالَ لَا تَحْتَفِظُ بِالرَّائِحَةِ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ بوب وايت الصَّغِيرُ يَعْلَمُ هَذَا، لَمْ يَكُنْ قَدْ عَاشَ لِوَقْتٍ طَوِيلٍ لِيَتَعَلَّمَ كُلَّ مَا يَجِبُ عَلَى طُيُورِ السُّمَّانِ تَعَلُّمُهُ، لَكِنَّهُ رَأَى الْمَدْخَلَ الْمَفْتُوحَ لِلْبَيْتِ، فَرَكَضَ فَوْقَ الرِّمَالِ الصَّفْرَاءِ نَحْوَ مَدْخَلِ الْبَيْتِ وَاجْتَازَ دَاخِلَهُ مَسَافَةً قَصِيرَةً، حَيْثُ اخْتَبَأَ أَسْفَلَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْبُنِّيَّةِ الْجَافَّةِ، الَّتِي حَمَلَتْهَا الرِّيَاحُ إِلَى هُنَاكَ. كَانَ لَوْنُهُ مِثْلَ لَوْنِ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ بَيْنَمَا كَانَ يَجْلِسُ الْقُرْفُصَاءَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْأَرْضِ، وَضَمَّ رِيشَهُ حَوْلَ جَسَدِهِ، وَبِهَذَا كَانَ يَقُومُ بِعَمَلٍ حَكِيمٍ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ حِينَهَا؛ فَعِنْدَمَا ضَمَّ رِيشَهُ إِلَى جَسَدِهِ هَكَذَا مَنَعَ انْبِعَاثَ رَائِحَتِهِ الَّتِي قَدْ تَدُلُّ أَنْفَ الْكَلْبِ الْفُضُولِيِّ عَلَى مَكَانِهِ.

فَقَدَ الْكَلْبُ الرَّائِحَةَ عِنْدَ حَافَةِ الرِّمَالِ، وَلَمْ يُفَكِّرْ هُوَ أَوِ الصَّيَّادُ فِي النَّظَرِ فِي الْحُفْرَةِ الْقَدِيمَةِ؛ لِذَلِكَ بَيْنَمَا كَانَا يَبْحَثَانِ، ظَلَّ بوب وايت الصَّغِيرُ فِي مَكَانِهِ دُونَ حَرَاكٍ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ جَنَاحَهُ الْمَكْسُورَ كَانَ يُؤْلِمُهُ بِشِدَّةٍ؛ مِمَّا جَعَلَ عَيْنَيْهِ تَفِيضَانِ بِالدُّمُوعِ. وَأَخِيرًا اسْتَسْلَمَ الصَّيَّادُ؛ فَقَدْ كَانَ مُتَلَهِّفًا لِصَيْدِ الْمَزِيدِ.

قَالَ دُونَ أَنْ يُفَكِّرَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْأَوْجَاعِ الَّتِي يُسَبِّبُهَا الْجُرْحُ: «لَا بُدَّ أَنَّنِي جَرَحْتُهُ فَقَطْ، فِي غَالِبِ الْأَمْرِ سَيَلْتَهِمُهُ ثَعْلَبٌ. أَنَا أَثِقُ فِي أَنَّنِي سَأَقْتُلُ الطَّائِرَ الْمَرَّةَ الْقَادِمَةَ!»

وَبِهَذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ لِيُحَاوِلَ الْعُثُورَ عَلَى إِخْوَةِ وَأَخَوَاتِ بوب وايت الصَّغِيرِ، وَكَانَتْ بُنْدُقِيَّتُهُ الْمُرِيعَةُ فِي وَضْعِ الِاسْتِعْدَادِ لِإِطْلَاقِ النَّارِ فَوْرَ رُؤْيَةِ أَحَدِهِمْ. بَيْنَمَا يُمَارِسُ ذَلِكَ الصَّيَّادُ رِيَاضَتَهُ الْعَظِيمَةَ، كَانَ بوب وايت الْبُنِّيُّ الصَّغِيرُ يَرْقُدُ فِي بَهْوِ بَيْتِ الْخُلْدِ جوني الْقَدِيمِ يَكَادُ يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْأَلَمِ وَالْخَوْفِ الشَّدِيدَيْنِ. إِنَّ الذُّعْرَ الَّذِي مَرَّ بِهِ شَيْءٌ سَيِّئٌ بِمَا يَكْفِي، لَكِنَّ مَا زَادَ الطِّينَ بِلَّةً هُوَ جَنَاحُهُ الْمَكْسُورُ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا شَعَرَ الطَّائِرُ الصَّغِيرُ بِالْعَجْزِ التَّامِّ؛ فَلَا يُوجَدُ وَضْعٌ أَسْوَأُ مِمَّا هُوَ فِيهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤