الفصل العشرون

ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُعَبِّرُ عَنْ رَأْيِهِ

كَثِيرًا مَا تَغْلِبُنَا الْحِيرَةُ فِي أُمُورٍ؛
فَلَا نَعْرِفُ إِلَى خَيْرٍ أَمْ شَرٍّ سَتَئُولُ.

عِنْدَمَا زَحَفَ بوب وايت الصَّغِيرُ الْمِسْكِينُ وَهُوَ يَتَأَلَّمُ أَسْفَلَ السِّيَاجِ، كَانَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أَرْضِ الْمُزَارِعِ براون، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. وُضِعَتْ عِنْدَ الْأَرْضِ لَافِتَةٌ تُحَذِّرُ جَمِيعَ الصَّيَّادِينَ مِنْ الِاقْتِرَابِ، وَأَنَّ الصَّيْدَ مَحْظُورٌ هُنَا، وَعِنْدَمَا نَظَرَ الصَّغِيرُ إِلَى أَعْلَى وَرَأَى أَمَامَهُ وَاحِدًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ذَاتِ السَّاقَيْنِ، وَكَانَ يُشْبِهُ صَاحِبَ الْعَصَا النَّارِيَّةِ الْمُخِيفَةِ، تَبَدَّدَتْ جَمِيعُ آمَالِهِ، فَقَدْ تَمَكَّنَ الْحُزْنُ مِنْ قَلْبِهِ وَالْمُعَانَاةُ الشَّدِيدَةُ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّعَرُّفَ عَلَى ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

كَانَ مَنْ يَقِفُ أَمَامَهُ هُوَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون. كَانَ الْوَلَدُ يَشْعُرُ بِالْقَلَقِ الشَّدِيدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضُ الصَّيَّادِينَ إِلَى أَرْضِ وَالِدِهِ بِالرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ اللَّافِتَاتِ، كَانَ قَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَنَاوَلَ فَطُورَهُ، وَرَأَى الصَّيَّادَ فِي أَرْضِ الْمُزَارِعِ جونز، وَسَمِعَ دَوِيَّ إِطْلَاقِ النَّارِ. تَمَنَّى الْوَلَدُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ أَنْ يَكُونَ الصَّيَّادُ قَدْ أَخْطَأَ فِي إِصَابَةِ الْهَدَفِ. نَظَرَ إِلَى الْأَسْفَلِ، وَرَأَى الطَّائِرَ الصَّغِيرَ الْمُعَذَّبَ، وَعَرَفَ أَنَّ الصَّيَّادَ لَمْ يُخْطِئِ الْهَدَفَ، وَتَمَلَّكَ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ قَلْبَهُ. نَسِيَ تَمَامًا وَقْتَهَا أَنَّهُ نَفْسَهُ اعْتَادَ عَلَى الصَّيْدِ بِبُنْدُقِيَّةٍ مُخِيفَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَعْرِفَ وَيُحِبَّ سُكَّانَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمَرْعَى الْقَدِيمِ.

تَوَقَّفَ الْوَلَدُ، وَبِرِفْقٍ شَدِيدٍ حَمَلَ بوب وايت الصَّغِيرَ الَّذِي أَغْلَقَ عَيْنَيْهِ وَاطْمَأَنَّ الْآنَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سُرْعَانَ مَا سَيَنْتَهِي.

قَالَ الْوَلَدُ: «أَيُّهَا الصَّغِيرُ الْمِسْكِينُ! أَيُّهَا الصَّغِيرُ الْمِسْكِينُ!» بَيْنَمَا نَظَرَ إِلَى الْجَنَاحِ الْمُمَزَّقِ وَالْمَكْسُورِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الصَّيَّادِ عَلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى وَتَجَهَّمَ فِي ضَرَاوَةٍ. وَقْتَهَا رَآهُ الصَّيَّادُ عَلَى الْفَوْرِ وَاتَّجَهَ نَحْوَهُ. كَانَ الصَّيَّادُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إِذَا أَعْطَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون الْمَالَ، فَسَيَسْمَحُ لَهُ بِالصَّيْدِ فِي أَرْضِ أَبِيهِ، فَكَانَ يَعْلَمُ أَنْ بوب وايت وَأُسْرَتَهُ قَدْ طَارُوا إِلَى هُنَاكَ. عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى السِّيَاجِ، رَأَى بوب وايت الصَّغِيرَ فِي يَدَيِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون.

صَاحَ الصَّيَّادُ فِي دَهْشَةٍ: «مَرْحَبًا! أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا طَائِرِي!»

رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «أَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ!»

أَجَابَ الصَّيَّادُ: «بَلْ إِنَّهُ كَذَلِكَ، أَطْلَقْتُ النَّارَ عَلَيْهِ مُنْذُ بُرْهَةٍ قَصِيرَةٍ، وَلَكِنَّهُ هَرَبَ مِنِّي، سَأَكُونُ مُمْتَنًّا لَكَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي إِيَّاهُ أَيُّهَا الْفَتَى.»

رَدَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «لَنْ تَمْتَنَّ لِي عَلَى الْإِطْلَاقِ، رُبَّمَا هُوَ الطَّائِرُ الَّذِي أَطْلَقْتَ عَلَيْهِ النَّارَ، وَهُوَ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَخْجَلَ مِنْهُ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مِلْكَكَ، إِنَّهُ لِي. عَثَرْتُ عَلَيْهِ فِي أَرْضِنَا، وَإِنْ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى أَحَدٍ، فَهُوَ يَنْتَمِي إِلَيَّ.»

رَغِبَ الصَّيَّادُ فِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِحِدَّةٍ، وَلَكِنَّهُ تَذَكَّرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْحُصُولَ مِنَ الْفَتَى عَلَى إِذْنٍ لِلصَّيْدِ فِي أَرْضِ الْمُزَارِعِ براون؛ لِذَلِكَ تَرَاجَعَ عَنِ الرَّدِّ الْغَاضِبِ وَقَالَ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ: «لِمَ لَا تَدُقُّ عُنُقَهُ؟ إِذَا اسْتَطَعْتَ إِقْنَاعَ وَالِدِكَ بِالسَّمَاحِ لِي بِالصَّيْدِ هَنَا، فَسَوْفَ أَقْتُلُ وَاحِدًا لَكَ، وَسَوْفَ تَحْصُلُ عَلَى عَشَاءٍ شَهِيٍّ.»

احْمَرَّ وَجْهُ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون وَصَاحَ: «إِيَّاكَ أَنْ تَعْبُرَ هَذَا السِّيَاجَ وَتَطَأَ بِقَدَمَيْكَ هُنَا! يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّنِي أَعَزُّ صَدِيقٍ لَدَى أُسْرَةِ طَائِرِ السُّمَّانِ بوب وايت، لَقَدْ عَمِلُوا لَدَيَّ طَوَالَ الصَّيْفِ. وَهَلْ تَظُنُّ أَنَّنِي سَوْفَ أَسْمَحُ بِأَنْ يُصِيبَهُمْ مَكْرُوهٌ بَيْنَمَا يُمْكِنُنِي مَنْعُ ذَلِكَ؟ انْظُرْ كَيْفَ يَتَعَذَّبُ الصَّغِيرُ الْمِسْكِينُ وَأَنْتَ فَعَلْتَ بِهِ هَذَا مِنْ بَابِ مُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ! يَسْمَحُ لَكَ الْقَانُونُ بِصَيْدِهِمْ، وَلَكِنَّهُ قَانُونٌ جَائِرٌ، إِنَّهُ قَانُونٌ مُرِيعٌ. لَوْ كَانُوا يَتَسَبَّبُونَ فِي أَذًى لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُسَبِّبُونَ أَيَّ أَذًى، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ عَمِلُوا لَدَيْنَا طَوَالَ الصَّيْفِ، فَهَلْ عِنْدَمَا نَحْصُدُ الْمَحْصُولَ الَّذِي سَاعَدُونَا فِي الْحِفَاظِ عَلَيْهِ نَسْمَحُ بَعْدَ ذَلِكَ بِصَيْدِهِمْ؟! لَا يُمْكِنُ صَيْدُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، وَأُرِيدُكَ أَنْ تَرْحَلَ مِنْ هُنَا عَلَى الْفَوْرِ.»

وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَشْتَاطَ الصَّيَّادُ غَضَبًا، ضَحِكَ بِشِدَّةٍ وَقَالَ: «حَسَنًا، سَوْفَ أَبْتَعِدُ عَنْ أَرْضِكَ يَا بُنَيَّ. لَكِنْ لَا تَأْخُذْكَ الْحَمَاسَةُ هَكَذَا، فَهُمْ مُجَرَّدُ طُيُورٍ، وَخُلِقُوا كَيْ نَصْطَادَهُمْ.»

رَدَّ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «إِنَّهُمْ مَخْلُوقَاتٌ مِثْلُكَ! لَدَيْهِمْ مَشَاعِرُ مِثْلُكَ، وَهَذَا الصَّغِيرُ يَرْتَجِفُ بِضَعْفٍ فِي يَدَيَّ. لَنْ أَدُقَّ عُنُقَهُ، بَلْ سَوْفَ أَذْهَبُ لِعِلَاجِهِ.» وَبِهَذَا أَدَارَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون ظَهْرَهُ إِلَى الصَّيَّادِ وَسَارَ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَكَانَ بوب وايت الصَّغِيرُ الْمِسْكِينُ لَا يَفْهَمُ مَا يَجْرِي؛ لِذَا ظَنَّ أَنَّهُ انْتَهَى أَمْرُهُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤