الفصل الثالث

بوب وايت يُقَرِّرُ بِنَاءَ مَنْزِلٍ

لَمْ تَخْتَلِفْ زِيَارَةُ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ لِبوب وايت عَنْ زِيَارَةِ الثَّعْلَبِ ريدي كَثِيرًا؛ فَقَدْ كَانَ سَعِيدًا لِلْغَايَةِ، وَأَخْبَرَ بوب وايت أَنَّهُ يَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ كَبِيرَةٍ بِالطَّبْعِ؛ لِأَنَّ بوب قَدْ حَضَرَ إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَيَتَمَنَّى أَنْ يَمْكُثَ هُنَا، وَكَانَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ غَايَةً فِي التَّهْذِيبِ، وَكَذَلِكَ كَانَ بوب، لَكِنَّ بوب لَمْ يَنْخَدِعْ بِالطَّبْعِ. كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ عَنِ الثَّعْلَبِ ريدي؛ فَقَدْ شَعَرَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ بِالسَّعَادَةِ الْبَالِغَةِ لَدَى رُؤْيَةِ بوب؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْمُلُ فِي اصْطِيَادِهِ فِي يَوْمٍ مَا، وَلَكِنَّ بوب وايت لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا تَافِهًا كَهَذَا يُزْعِجُهُ؛ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمُطَارَدَةِ مِنْ قَبْلُ، وَلِهَذَا السَّبَبِ اتَّخَذَ حِذْرَهُ بِالْوُقُوفِ فَوْقَ عَمُودِ السِّيَاجِ عِنْدَمَا يَشْرَعُ فِي الصَّفِيرِ؛ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ أَوِ الثَّعْلَبُ ريدي الْوُصُولَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ. وَمَا إِنْ رَحَلَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ، حَتَّى رَأَى بوب وايت شَخْصًا آخَرَ مُتَّجِهًا نَحْوَهُ، وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ لَمْ يَنْتَظِرْ؛ فَقَدْ كَانَ الصَّقْرُ أحمر الذيل هُوَ مَنْ يَتَّجِهُ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَمُودُ السِّيَاجِ مَكَانًا آمِنًا لِاسْتِقْبَالِهِ.

بَسَطَ بوب وايت جَنَاحَيْهِ وَحَلَّقَ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى بِاتِّجَاهِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَهَبَطَ بَيْنَ ثِمَارِ الْعَلِيقِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَكَانِ جُلُوسِ الْأَرْنَبِ بيتر، وَقَالَ لَهُ: «لَمْ تَتَوَقَّعْ أَنْ آتِيَ لِرَدِّ زِيَارَتِكَ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا بيتر؟»

أَجَابَهُ بيتر: «بَلَى، وَلَكِنَّنِي فَرِحٌ لِلْغَايَةِ بِرُؤْيَتِكَ. هَلْ تَلَقَّيْتَ زِيَارَةً سَارَّةً مِنَ الثَّعْلَبِ ريدي؟»

رَدَّ بوب وايت بِضِحْكَةٍ خَافِتَةٍ: «سَارَّةٌ لِلْغَايَةِ، لَقَدْ كَانَ سَعِيدًا جِدًّا لِرُؤْيَتِي شَأْنُهُ شَأْنُ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ، وَلَكِنَّنِي لَمْ أَنْتَظِرْ لِمَعْرِفَةِ مَا يَرْغَبُ الصَّقْرُ أحمر الذيل أَنْ يُخْبِرَنِي بِهِ، فَأَنَا أَشْعُرُ بِأَنَّهُ كَانَ يَوَدُّ الِاقْتِرَابَ مِنِّي أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ. أَتَرَى يَا بيتر أَنَّكَ لَسْتَ الشَّخْصَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَذِرًا وَيَقِظًا طَوَالَ الْوَقْتِ؟ فَهُنَاكَ كَثِيرُونَ يُطَارِدُونَنِي مِثْلَكَ، وَلَكِنَّنِي لَا أَدَعُ هَذَا الْأَمْرَ يُؤَثِّرُ عَلَى شُعُورِي بِالسَّعَادَةِ؛ فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْرَعُ فِي الصَّفِيرِ، أَعْلَمُ أَنَّ هُنَاكَ أَحَدًا قَادِمًا لِمُطَارَدَتِي، وَمَعَ ذَلِكَ لَا أَتَوَقَّفُ عَنِ الصَّفِيرِ. هَذَا مَا أَرْغَبُ فِي فِعْلِهِ، فَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ مَا تَحْوِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ مَتَاعِبَ، فَبِهَا الْكَثِيرُ مِنْ أَشْكَالِ السَّعَادَةِ، وَتَسْتَحِقُّ أَنْ نَعِيشَهَا. وَالْآنَ لَدَيَّ سِرٌّ أَوَدُّ أَنْ أَبُوحَ لَكَ بِهِ.»

سَأَلَهُ بيتر فِي لَهْفَةٍ: «مَا هُوَ؟»

قَالَ بوب وايت آمِرًا: «عِدْنِي بِأَلَّا تَبُوحَ بِهِ لِأَيِّ أَحَدٍ.»

أَجَابَ بيتر: «أَلَا يَسَعُنِي إِخْبَارُ زَوْجَتِي بِهِ؟ فَكَمَا تَعْلَمُ، أَنَا لَا أُخْفِي عَنْهَا أَيَّ أَسْرَارٍ.»

قَالَ بوب: «حَسَنًا، يُمْكِنُكَ أَنْ تُخْبِرَهَا بِهِ إِذَا وَعَدَتْكَ بِكِتْمَانِ السِّرِّ.»

أَكَّدَ بيتر: «أَعِدُكَ بِذَلِكَ نِيَابَةً عَنْهَا وَعَنْ نَفْسِي. فَمَا السِّرُّ؟»

أَجَابَ بوب وايت: «لَقَدْ قَرَّرْتُ الِانْتِقَالَ لِلْعَيْشِ هُنَا.»

سَأَلَهُ بيتر بِحَمَاسٍ: «هُنَا فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؟»

أَجَابَ بوب وايت: «كَلَّا، وَلَكِنْ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ هُنَا. سَوْفَ أَعُودُ إِلَى الْمَرْعَى الْقَدِيمِ لِأَبْحَثَ عَنْ زَوْجَتِي، وَسَوْفَ نَبْنِي الْمَنْزِلَ عَلَى الْفَوْرِ.»

صَاحَ بيتر وَهُوَ يُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ: «مَرْحَى! أَيْنَ سَتَبْنِيهِ؟»

أَجَابَ بوب وايت: «هَذَا الْقَرَارُ سَتَتَّخِذُهُ زَوْجَتِي.»

صَاحَ بيتر: «وَعِنْدَمَا تُقَرِّرُ، فَإِنَّكَ سَوْفَ تُطْلِعُنِي عَلَى مَكَانِهِ لِآتِيَ لِزِيَارَتِكَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟»

أَجَابَ بوب وايت: «لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ، فَكَمَا تَعْلَمُ، إِنَّ هُنَاكَ بَعْضَ الْأُمُورِ مِنَ الْأَفْضَلِ أَلَّا تَعْرِفَهَا.»

رَدَّ بيتر: «كَلَّا، لَا أَرَى هَذَا؛ فَأَنَا صَدِيقُكَ وَلَا أَرَى أَيَّ ضَرَرٍ سَيَعُودُ عَلَيَّ إِذَا عَرَفْتُ مَكَانَ مَنْزِلِكَ.»

أَجَابَ بوب وايت: «فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَتَسَبَّبُ الْأَصْدِقَاءُ فِي أَشَدِّ الضَّرَرِ دُونَ قَصْدٍ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا كَثِيرِي الْكَلَامِ. الطَّرِيقُ آمِنٌ الْآنَ، عَلَيَّ أَنْ أَتَعَجَّلَ فِي الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَرْعَى الْقَدِيمِ لِأُطْلِعَ زَوْجَتِي عَلَى جَمَالِ الْمَكَانِ هُنَا.» وَحَلَّقَ بوب وايت بَعِيدًا.

تَمْتَمَ بيتر: «مَاذَا كَانَ يَقْصِدُ بِالْأَصْدِقَاءِ الْكَثِيرِي الْكَلَامِ؟ تُرَى هَلْ كَانَ يَقْصِدُنِي أَنَا؟!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤