راغب عيَّاد
معلومات تاريخية
-
وُلد بالقاهرة في ۱۰ مارس سنة ۱۸۹۲م.
-
التحق بمدرسة الفنون الجميلة سنة ۱۹۰۸م.
-
تولَّى تدريس الرسم بمدرسة الأقباط الكبرى.
-
أُوفد، في سنة ١٩٢٥م، في أول بعثة حكومية إلى روما لمدة خمس سنوات؛ حيث التحق بالمعهد العالي للفنون الجميلة، وأقام أول معرض له في روما للمناظر الخلوية اللاتينية سنة ۱۹۲۹م.
-
عُيِّن بعد عودته رئيسًا لقسم الزخرفة في كلية الفنون التطبيقية، سنة ۱۹۳۰م، ثم عُيِّن في سنة ١٩٣٧م أستاذًا بكلية الفنون الجميلة، ورئيسًا للقسم الحر بها.
-
انتُدِب لتنظيم المتحف القبطي سنة ١٩٤١م.
-
عُيِّن مديرًا لمتحف الفن الحديث بالقاهرة، سنة ١٩٥٠م.
-
ساهم في تكوين الجماعات الفنية، وفي لجان وزارة الثقافة، وفي المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
-
شارك في كثيرٍ من المؤتمرات الدولية الفنية بالخارج، ونال وسامًا رفيعًا من الحكومة الإيطالية تقديرًا لفنه.
-
أقام معارض خاصة عديدة لأعماله، قاربت الأربعين معرضًا، فضلًا عن مشاركاته في المعارض بمصر والخارج.
-
يحتفظ متحف الفن الحديث بالقاهرة، ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية بمجموعاتٍ من أعماله، فضلًا عن لوحاته بالمجموعات الخاصة والعامة بمصر والخارج.
-
نال جائزة الدولة التقديرية للفنون سنة ١٩٦٥م.
راغب عيَّاد، ثورة على الأكاديمية
كان إنشاء مدرسة الفنون الجميلة، سنة ١٩٠٨م، بداية اتصال مصر بالتجربة الغربية في الفن، وفاتحة عصرها الفني الحديث، وقد تمثَّل في هذه البداية التحوُّل من الرؤيا التجريدية، التي كانت من مميزات فنون مصر الإسلامية إلى الرؤية التشخيصية التي تميَّز بها فنُّها المعاصر.
غير أن اعتناق الاتجاه التشخيصي في الفنون جاء امتدادًا للأساليب الأكاديمية التي كانت تعلِّمها مدارس الغرب، وينقلها إلى طلاب الفن في مصر مجموعةٌ من الأساتذة الفرنسيين والإيطاليين، أحاطوا بعنايةٍ خاصةٍ هذا الجيل، الذي زحف مع مطلع هذا القرن إلى مدرسة الفنون.
من هذا الجيل، أفراد قدِموا لدراسة الفن من الريف، ومنهم من جاء من أحياء القاهرة القديمة، ولم يكن لدى معظم هؤلاء إدراك للثقافة الفنية، حين بدءوا يتعلَّمون الفن، إلا إذا استثنينا الطلاب الأجانب المستوطنين بمصر، وقلة نادرة من الطلاب المصريين.
وكان من بين هذه القلة، طالب تلقَّى دراسته الأولى بمدارس الفرير، واتصل في حي الخرنفش بمراسم الفنانين الأجانب، الذين اتَّخذوا من هذا الحي في مطلع القرن مركزًا لنشاطهم الفني، ولهذا فقد طرق الطالب راغب عيَّاد أبوابَ مدرسة الفنون، وفي ذهنه إدراكٌ ما لمعنى الفن.
وكان الفن بالنسبة لأفراد الجيل الذي ظهر فيه عيَّاد اكتشافًا باهرًا، ملأهم بالزهو والاعتزاز والحماس؛ فراحوا يتلقَّفون النماذج الأوروبية، ويطوفون مع أساتذتهم أحياء القاهرة، وأسواقها، وضواحيها، ينقلون ذلك كله، ويسجلونه في دأبٍ ومثابرةٍ، وقد تفتحت فيهم حاسة الفن، وإدراك الجمال.
وما كادت أعوام الدراسة تمضي في مدرسة درب الجماميز، حتى صدمت مرارة الواقع الجيل الأول من الفنانين المصريين، فبرغم ما كان في سنوات ما قبل الحرب الأولى من بوادر النهضة في مصر، تلك السنوات التي شهدت نشأة الجامعة المصرية الأهلية، وازدهار الشعر، وظهور المسرح الغنائي والتراجيدي، وبرغم ظهور أفراد ممتازين مهَّدوا الطريق لتقدير الفنون، وبشَّروا بها، أمثال محمد عبده ولطفي السيد وقاسم أمين وفرح أنطون، فإن مجالات العمل الفني لم تكن قد وجدت طريقها، ونشاط الفن، كحركةٍ في المجتمع، لم يكن قد اتخذ كيانه؛ فما كادت القاهرة تستقبل في سنة ١٩١١م المعرض الذي جمع أعمال الخريجين الأُوَل، حتى انصرفت عن هذه الظاهرة الجديدة في الحياة المصرية؛ فوقف نشاط المعارض، وتوزَّع الجيل الأول بحثًا عن مصيره. أما مختار، فقد لقي طريقه إلى باريس ليستكمل إعداده الفني، وأما محمد حسن، فقد اتجه إلى التدريس بمدرسة الفنون والصنائع، ووجد في هذه البيئة مجاله، حتى أُوفِد في بعثة إلى إنجلترا، سنة ۱۹۱۷م، وعاد منها ليستمر في خط الفنون الزخرفية والفنون التطبيقية.
وبقي اثنان من دعامات هذا الجيل، ارتبط اتجاههما بخطٍّ واحدٍ، واقترن اسمهما بكفاحٍ وجهودٍ، من أجل رسالة الفن، وما زالا حتى الآن يُذكَران معًا، وظلَّا زمنًا يُشاهَدان، في شيخوختهما الجليلة، يتناولان أدوات الفن بحيوية وشباب، هذان هما يوسف كامل وراغب عيَّاد. تراهما في مطلع هذا القرن قبيل الحرب لا يجدان مجالًا لموهبتهما غير وظيفة مدرس الرسم التقليدية، التحق أولهما بالمدرسة الإعدادية؛ فأتيح له أن يزامل جيلًا من الأدباء والمفكرين، جمعتهم وظيفة التدريس بهذه المدرسة. وأما الثاني — راغب عيَّاد — فقد عُيِّن بمدرسة الأقباط الكبرى. ولم يجد كلاهما في هذا العمل مَقنعًا؛ فبدأ يوسف كامل يرسم، في ساعات فراغه، بينما اتجه عيَّاد إلى أوروبا، يزور صيف كل عام منابع الفن في إيطاليا وفرنسا، تلك التي كان يصبو أن يستكمل فيها إعداده الفني، ويعود ليتخذ له مرسمًا ببيت الفنانين، في حي القلعة؛ فيجد في هذا الجو الفني بعض العوض عن ساعاته الضائعة في مقاعد التدريس.
وظل كلاهما يقضي أيامه بين أحياء القاهرة القديمة، ومحيط مدرسته، غير أنهما كانا يصبوان إلى أوروبا بالفكر والروح. ولمَّا وجدا باب البعوث الفنية مُوصدًا، بدا لهما أن يعتمدا على جهودهما في استكمال تكوينهما الفني، وكانت أمامهما عقبة المال، وعقبة العمل؛ فاستطاعا أن يُقنِعا المسئولين عن المدرستَين بأن يقوم كلٌّ منهما بعمل الآخر خلال فترة يُسمَح له فيها بالسفر، على أن يتقاضى مرتبه أثناء سفره، وبهذا يُتاح لهما، تباعًا، فرصة استكمال تكوينهما الفني عن طريق هذه الإجازة المدفوعة.
وبهذا انتظمت أول إجازة دراسية بمرتبٍ، عن طريق هذه الجهود الفردية، حين كانت الوسائل الرسمية قاصرة عن أن تهيئ الفرص للنابغين.
وسافر يوسف كامل في سنة ۱۹۲۲م إلى إيطاليا، مبعوثًا من راغب عيَّاد، ثم لحق به زميله في الإجازة الصيفية، وهناك لقيا سعد زغلول في طريقه إلى مصر، بعد خروجه من منفاه في سيشل، ووجد سعد في هذا التعاون الرائع، وتلك الإخوة من أجل الفن والوطن، التي قامت بين الصديقين، أكثر من رمز ودلالة، وشجعهما على استكمال ما بدآ، فلما عاد إلى مصر، وتولَّى الوزارة، وبدأت الحياة النيابية، كانت قصة هذا الكفاح حية في ذاكرته. وما كاد ويصا واصف يثيرها في البرلمان، وينوِّه بكفاح الجيل الفني الأول، حتى أيَّد سعد زغلول مطالب هذا البرلماني المُدافِع عن الفن، فتقرر، في سنة ١٩٢٤م، أول اعتماد لتشجيع الفنون الجميلة، قدره عشرة آلاف جنيه، ومن هذا الاعتماد أُوفدت أول بعثة فنية رسمية؛ فسافر يوسف كامل وراغب عيَّاد ومحمد حسن إلى إيطاليا، وأُوفد أحمد صبري إلى فرنسا، وأخذ جيل المصورين الأول يتهيَّأ لدوره الكبير في حركة النهضة.
وكان عيَّاد، قبل سفره، قد شارك في إقامة المعارض، وتنظيم الجماعات الفنية، كما أنه بدأ يتجه بجرأة إلى تصوير المقاهي البلدية والأحياء الشعبية والراقصات، وفي سنة ١٩٢١م، كتب ناقدٌ فني أجنبي يقول «إن فخر صالون الربيع، الذي افتُتح بشارع المناخ، يتقاسمه يوسف كامل وراغب عيَّاد.»
غير أن إقامة عيَّاد بإيطاليا ردَّته، مرة أخرى، إلى استكمال تكوينه الفني، وأساليب الأداء الحِرفية التي نوَّه النقاد، قبل سفره، إلى ضرورة تنميته لها؛ ليقدم لبلاده فنانًا عظيمًا.
وفي أعمال هذه المرحلة الإيطالية يلُوح حسُّه التصويري المرهف، وإدراكه للقِيَم اللونية المختلفة، ويبدو عيَّاد أستاذًا متمكنًا، يضفي على الأكاديمية لمحةً من شاعرية الأداء، حتى إنه ليدهشنا إذ يعود من هذه الرحلة، في سنة ۱۹۲۹م، مع زوجته الفنانة إيما كالي عيَّاد؛ فنراها تشق طريقها الأكاديمي الرصين، بينما نراه هو وكأنه نسي كل ما تلقَّاه، ونفَّض عن نفسه التأثيرات الأكاديمية، وبدأ يشكِّل الملامح الأولى للغته الخاصة المميزة.
لا يستطيع أن يقدِّر جرأة هذه الخطوة إلا من عرف معارض الفن قبل الثلاثينيات، وأدرك ولع الناس بالفن الوصفي، كولعهم بالأدب الوصفي واهتمامهم برنين البلاغة التشكيلية في تصوير الأشياء، كما تراها العين في الطبيعة، والعناية بالزينة والزخرف، والاهتمام باللوحة، كحدثٍ وقصة، ومحاكاة، أكثر من الالتفات إلى عناصرها التشكيلية، وقدرتها على استخدام هذه العناصر في التعبير.
لقد خرج عيَّاد عن الإطار التقليدي للإدراك العام للفن، إلى رؤيته الخاصة؛ فلم يصوِّر الأزهار ومداخل البيوت الجميلة والطبيعة الصامتة ومناظر الغروب وبريق القمر على صفحة النيل، وإنما صوَّر أسواق الجاموس والباعة الجائلين وروَّاد المقاهي الشعبية، وصوَّر رقصة الدلوكة باستخدامٍ جريء للقيم اللونية، وتعبير واقعي مباشر عن الحركة.
وكان اسم راغب عيَّاد في الثلاثينيات يمثِّل قِمة من قِمم التحرر الفني؛ فخطوطه العارمة القوية خرجت عن مألوف الرصانة والسجع التشكيلي، ونظرته التحليلية التي يصور بها التجمعات في تحركها، وحشودها في ملاعب الخيل والموالد والأفراح، تأبى التزام العمود الأكاديمي في تكوين اللوحة وتوزيع الأشخاص، وعنايته بالناس في واقعهم العادي البسيط ثورة على الجو الرومانسي الذي كان يسود أعمال بعض الفنانين، وعلى الأكاديمية الباردة التي تسود أعمال آخرين.
ويستوي عنده أن يكون الموضوع دارجًا، أو يكون له جلال التاريخ أو الدين؛ فهو في جميع الأحوال يستخدم التعبير المباشر المجرد من ظلال الرومانسية والزخرف الأكاديمي. وعندما أراد أن يصوِّر «الرحيل إلى مصر»، خرج عن كل المألوف الفني في تناول هذا الموضوع الديني؛ فالعذراء عنده فلاحة بسيطة، والمسيح طفل من الريف، ويوسف النجار رجل من عِداد أفراد الشعب الكادحين، واستخدامات اللون في اللوحة، والتضاد بين مكونات الألوان يصدم الرؤية المألوفة لهذا الموضوع الديني.
على أن راغب عيَّاد يحقق في هذه المرحلة أروع خصائصه اللونية في مجموعة لوحاته الزيتية، وفي تأكيده لقِيم الألوان المختلفة، من خلال ملامسها الخشنة التي تكمل معالم جرأته في الخطوط والتكوينات.
وهو، في هذه اللوحات، لا يعنيه الإنسان من حيث هو، إنما يعنيه من حيث كونه شكلًا وعنصرًا من عناصر تكوين شامل، ومكملًا للإحساس بالحركة التي نلمحها في لوحاته.
من أجل هذا تغيب ذاتية الفرد في أعماله، وسط حشود الجموع، وتتخذ تعبيراته مسحة ساخرة، جعلت البعض يرى في أعماله عنصرًا قريبًا من الكاريكاتير، كما كانت أعمال «تولوز لوتريك» و«أونوريه دومييه» وأسلوبهما التصويري تحمل معاصريهما إلى هذا الخطأ … ولكن عيَّاد فنانٌ تعبيري، قد لا يطيل تأمُّل الناس من داخلهم، لأن همَّه هو التعبير عنهم في تجمعاتهم وحركتهم، ومع هذا، فهو يحقق في بعض أعماله هذا التزاوج بين السخرية والشعر، وخاصة في مرحلته التي شغل فيها بتصوير حيوانات البيئة المصرية.
وينتقل عيَّاد من مرحلته الزرقاء في الثلاثينيات إلى مرحلة استخدم فيها خليطًا من أدوات التعبير الفني … الألوان المائية، والحبر والأقلام الملونة، يستخرج منها طاقاتٍ تعبيرية عن موضوعاته التي شغل بها، وتابع فيها الموالد والأعياد، وتجمعات الناس في الزار، والخيل في البرجاس، والجمال والجاموس في الأسواق. وهو في هذه الأعمال يجد الجو الملائم لمزاجه الفني، ويستخدم هباته للتعبير عن الحركة والجموع، في إطارٍ من الملاحظة السريعة والمعايشة العاجلة.
ومن العلامات التي نستطيع أن نضعها على طريق إنتاجه، ونحدد بها مراحله، تلك الأعمال التي تلت مرحلة الأفراح والأعياد، وركَّز فيها طاقاته التعبيرية لتصوير «العمل»، من خلال لوحاته الريفية، التي امتدت في حقبة الخمسينيات، واستخدم فيها التكوين المصري القديم، في تتابع التجمعات على سطح اللوحة، مع الاستعاضة عن تصوير البُعد الثالث بالتكوين الرأسي للجموع. في هذه الحقبة، تستعيد اللوحة الزيتية في فن عيَّاد مكانتها، وتهيِّئ السبيل، بعد لوحاته عن العمل في السد، إلى رحلة من التأمُّل الصامت الوئيد، شيء يشبه الصلاة في فن عيَّاد، نراه في مجموعة لوحاته الأخيرة عن الأديرة … في هذه المجموعة يخلِّص العمل الفني من ضجة الحركة، وزحمة الجموع، ليترك المباني في أصفى أشكالها، تعبِّر عن ذاتها … خطوط معمارية وألوان بيضاء دون حركة أو ناس، يتمثَّل فيها تعبير عيَّاد عن اتصال الإنسان بالمطلَق، وإحساسه بإنسانية الجموع في تحركاتها؛ فهجع إلى ظلٍّ عايشه بقلبه، وقارب الإحساس الشعري في تعبيره عنه.
لقد مهَّد راغب عيَّاد طريقًا طويلًا للفن المصري المعاصر، بإنتاجه الذي يُعتبَر من أغزر إنتاج فنانينا المعاصرين، وبمعارضه التي جاوزت الحصر. وهو ما زال، حتى الآن، دائب الإنتاج والنشاط، على أنه رغم إنتاجه الغزير لم يضن عن المشاركة بمجهوده في الحياة الفنية العامة؛ فهو إلى جانب نشاطه، كأستاذٍ لأجيالٍ من الفنانين في كلية الفنون التطبيقية أو الفنون الجميلة، ساهم بنصيبٍ كبيرٍ في تنظيم المتحف القبطي، وفي تنظيم متحف الفن الحديث، وفي تجميع كثير من أعمال مختار، وإقامة جناح مؤقت لها، قبل أن يقام متحفه الحالي، وهو صاحب الدعوة إلى إنشاء الأكاديمية المصرية للفنون الجميلة في روما.
ولقد لمس عيَّاد العناء الذي كابده من أجل تكوينه الفني، واستمرار إنتاجه؛ فكان في مقدمة الدُّعاة إلى فكرة التفرغ، تلك الفكرة التي لمستها اللجنة الاستشارية للفنون الجميلة سنة ١٩٢٨م، فأرادت أن تهيئ له، ولزملائه عند عودتهم من بعثاتهم، فرصة التفرغ من التزاماتهم الحكومية، لمدة عامَين، وقصر جهودهم على الإنتاج الفني، فلما وقفت العقبات في سبيل استمرار الفكرة، ظل عيَّاد يدعو إليها، ويشير إلى الوقت كعنصرٍ أساسي للفنان، وإلى الحرية باعتبارها دعامة حياته، وهو في كلماته يشير إلى الفن كمظهرٍ من مظاهر الحرية، وانطلاقة من الإنسان الحر لاستكشاف نفسه.
ولقد عاش عيَّاد حتى شهد التفرغ نظامًا ترعاه الدولة، وحتى لمس تقدير الدولة للفنانين، ورعايتها لهم، وإتاحة مجالات الإبداع أمامهم، وهي مقومات لم ينلها في سنوات كفاحه الفني، وإن كان هذا الكفاح قد نال أكبر تقديرٍ رسمي، حين مُنِح جائزة الدولة التقديرية للفنون، اعترافًا بفضله، وأثره على الفن.
فهو من هؤلاء البنَّائين، الذين نبتت في أرضهم أزهار كثيرة، وهو من الذين تفتَّحت رؤى جيلنا على ثورتهم الفنية بأبعادها.
لقد استطاع راغب عيَّاد أن يحقِّق في الفن أثرًا شبيهًا بما حقَّقه المازني في الأدب؛ فكلاهما حرَّر أسلوبه من بلاغة المقامات التقليدية، واتَّجه إلى الواقع اليومي؛ فقدم منه صورًا رائعة، وهو أستاذ لعديدٍ من أفراد هذا الجيل، الذي أدرك مفهوم عمله، ومضى على نهجه. وهذه الأعمال الفنية التي تتجه اليوم إلى صميم الحياة الشعبية، وتنفذ أحيانًا إلى تصوير داخلها وسحرها وأسرارها، إنما تمُت بقرابةٍ إلى أعماله؛ فهي من سلالتها، وثورة عيَّاد، التي بدأت في الثلاثينيات، مهَّدت الطريق لاتجاهات التحرر في فن التصوير المصري المعاصر.






