الفصل الثاني

لقاء مع الملك وي

لمَّا الْتَقى سونبين بالملك وي، حاكم دولة تشي، قال لجلالته: لا ينبغي أن تكون الحرب هي الحل الدائم على طول المدى … (واعلم، يا مولاي، إن هذا الرأي ليس من ابتكاري بل هو …) نتاج ما توصَّل إليه الأباطرة بالتجربة على مدى السنوات الطويلة … (ذلك أنه) … إذا تحقَّق النصر بالقتال، تجدد البقاء لأمة كانت على حافة الخطر، وكُتب لأهلها وعشائرها حياة باقية ووجود جديد، أما إذا مُنيت في الحرب بالهزيمة، تنازلت عن أرضها صاغرة مستسلمة، وتعرَّضت الأوطان وأهلها لمخاطر تتهدَّد الوجود والحياة. ومن ثَمَّ فالحرب مسألة تستحق كل الاهتمام والتأمل الجاد والدراسة الدقيقة. (وعلى مرِّ الزمان، منذ العصر القديم وحتى اليوم …) كان المُولَعون بالحرب والقتال هم الذين جلبوا على الأوطان الدمار والضياع، وكان الساعون وراء النصر بأي ثمن هم الذين حاقَ بهم الخزي والعار. إن دفع القوات إلى الحرب ليس مسألة عبثية، كما إن السعي إلى النصر ليس مجرَّد أمل أعمى. إن الشيء الوحيد الذي يعود بنفع حقيقي هو اتخاذ الاستعداد التام للحرب مسبقًا وقبل الشروع في أي تحرُّكات (… فذلك قمين بأن يجلب الانتصار) [وهكذا … نستطيع أن نفهم كيف كانت …] مدينة صغيرة تستبسل في الصمود، لا لشيء إلا لأنها تعتمد، بشكل أساسي، على موارد وفيرة ولديها مدد كافٍ بفضل الاستعداد الدائم. [… ونستطيع أن نفهم أيضًا كيف كان …] عدد محدود من الجند يناضلون بقوة وصمود وثبات، لمجرَّد أنهم يقفون في الصف الذي يحارب لأجل قضية عادلة. لن يثبت في قتال كل مَن أراد المثابرة دون سند من استعداد ورصيد من المؤن، ولن يحقِّق أي نصر، من شنِّ حرب جائرة.

(… وأذكر لجلالتك، فيما يلي، طرفًا من سيرة الأباطرة القدماء، فعندما …) تولَّى الإمبراطور «ياو» زمام الحكم فوق الممالك قديمًا، أعلنت سبع قبائل العصيان ورفضت الإذعان لسلطته، كانت اثنتان منهما تقعان في المنطقة الشرقية (… حيث تقطن القبائل الهمجية)، بينما كانت أربعة منها تقيم في المنطقة الوسطى. وكان أنْ قامَ الإمبراطور بالإغارة على المناطق البعيدة المتاخمة لساحل البحر، فأغناه ذلك عن بَسْط نفوذه في الأقاليم الشمالية؛ ذلك أن أهل تلك الأقاليم أذعنوا للسلم (دون قتال)، ثم ما لبث أن أغار على أحد أكبر زعماء القبائل (المتمردة)، ويدعى «قون كونغ»، فكان في ذلك الكفاية، حتى أنه لم يعُد في حاجة إلى إعلان الحرب بعد ذلك على أحدٍ من المتمرِّدين، (لدرجة أن بقي الجيش غير منشغل بأعباء قتال بعدها …)، وظلَّ الحال على ذلك بضع سنين حتى هرم الإمبراطور وأدركته الشيخوخة، فلم يعُد يقوى على حكم البلاد، فسلم زمام المُلك للإمبراطور «يوشون» من بعده، وحدث أن يوشون هاجم القبائل المتمردة تحت زعامة «هواندو»، وقبض عليه ونفاه إلى منطقة نائية تُسمى «تشونشان»، ولم يَكَد يتم له ذلك حتى قاد هجومًا آخَر ضد «قون»، وهو أحد متمرِّدي القبائل وحكم عليه بالنفي إلى منطقة «يوشان». وبالإضافة إلى ذلك، فقد غزا تجمعات القبائل في «سان مياو» وطارد فلولها حتى إقليم «سانوي»، ثم ما لبث أن قام بسحق العصاة والخارجين عليه في المناطق الوسطى من أهالي قبيلة «يوخو» القديمة، غير أن بعضًا ممَّن بقي على قيد الحياة من قبيلة «سان مياو» اتحدوا فيما بينهم، واشتد ساعدهم وقويت شوكتهم مرَّةً ثانية، وصاروا قوة لا يُستهان بها. وهنالك كان الإمبراطور يوشون قد تقدَّم به العمر كثيرًا وعجز عن تسيير دفة الحكم في البلاد، فسلَّم السلطة إلى خلفه الملك «شيا يو» الذي مهَّد الطرق عبر المناطق الوسطى، وأزال الحشائش والأعشاب البرية والغابات الكثيفة (بغرض استصلاح الأرض للزراعة) وطارد قبائل «سان مياو» حتى نزحوا تجاه الغرب ومن ثَمَّ (… وهكذا، فاعلم أنه …) لا غلبة للقاعدين؛ فالنصر لا يتحقَّق لمَن ركنوا إلى الاسترخاء والدعة، ولا تنقاد الجموع وتذعن بالخضوع إلا لمَن قهر أعداءه، وتحقق له الرسوخ والتمكين.

وممَّا تشهد به وقائع التاريخ البعيد أن الإمبراطور «شينو نغ» قاد معركة ضارية ضد قبائل «بوسوي» [يقال بأنها أول المعارك الصينية الموثقة تاريخيًّا]؛ أمَّا الإمبراطور الأصفر (هواندي) فقد أحرز نصرًا مُظفَّرًا على القبائل المتمردة تحت زعامة تشيو، وذلك في معركة «جولو»، وكذلك قاد الإمبراطور «ياو» حملة تأديبية ضد قائد المتمردين «قونكونغ»، ويُذكَر أن الملك شون قد أغار على «جوقوان» [اسم قبيلة أو زعيم متمردين …] هذا، وقد قام الملك «طانغ» بإقصاء الملك «جيه» عن العرش ونفاه بعيدًا [«جيه»، آخِر ملوك أسرة «شيا» الملكية، كان طاغية غشومًا]، ولم يتوانَ الملك «أو» عن الإغارة على الملك «جو» [آخِر حكام أسرة «يين» الملكية، وقد خلعه الملك «أو» عن الحكم وأجبره على الانتحار حرقًا]، بل إن القون (لقب، بمعنى الوالي أو الأمير) «تشو» قد قام على رأس قوات ذات عدة وعتاد ليسحق التمرُّد الذي تردَّد في جنبات دولة «شانيان» [وهو التمرُّد الذي شجَّع عليه سليل أسرة «يين» البائدة، الأمير «أوكن»، حيث قام بعقد تحالفات بين الإمارات: «شيو»، و«يان» وغيرهما للوقوف في وجه أسرة «جو» الحاكمة].

ونخلص من ذلك كله إلى نتيجة مفادها أن أولئك الذين يزعمون أنهم يهدفون إلى تجنيب اللجوء إلى القتال واهمون في زعمهم؛ فأفكارهم في هذا الصَّدَد محض تصوُّرات جوفاء، (والغريب في الأمر أنهم يزعمون هذا الزَّعم برغم أنهم …) ليسوا على شيء ممَّا كان يملكه الأباطرة الخمسة من الحكمة [تندرج كثير من الأسماء تحت مسمَّى «الأباطرة الخمسة»، لكن المؤكد منها ثلاثة استحقوا هذا اللقب المقدس عن جدارة، هم: «الإمبراطور الأصفر»، «ياو»، «شون»]، ولا حازوا شيئًا ممَّا كان يملكه القون تشو من العلم والمعرفة، وحجتهم في هذا القول أنهم سيطبقون سياسات قائمة على المبادئ الإنسانية، والتعاليم والآداب وقواعد السلوك القويم؛ للحيلولة دون قيام أسباب الحرب من الأساس.

إلا أنهم يجهلون أن الأباطرة والملوك القدامى [حرفيًّا: الملوك، وهم: «طانغ»، «ياو»، الأباطرة، هم: «يو»، «شون»]، قد سبقوهم إلى انتهاج تلك الوسائل والسياسات، لكنها لم تغنهم عن اللجوء إلى القتال؛ فلا مفرَّ من الحرب وسيلة لتسوية الأزمات.١
١  جاء في كتاب «سجلات تاريخية» [أقدم وأشهر مدونة تاريخية من العصر القديم] أن القائد تيانجي قام بتقديم سونبين إلى جلالة الملك وي، حاكم دولة تشي، حيث طلب إليه، جلالته، أن يشرح له أفكاره الأساسية في فنون الحرب، ثم ما لبث أن أصدر قرارًا بتعيينه قائدًا عامًّا للجيش، [وسنورد في الملحق أحد النصوص المدونة في السجلات التاريخية، مترجمًا عن الأصل] وهذا الفصل يعرض لأهم أفكار سونبين التي تتلخَّص في أن الحرب «ليست أبدًا هي الوسيلة المثلى للتسوية في كل الأحوال»، مع أنها «الوسيلة التي لا يمكن تجنُّبها تمامًا …» مع الأخذ في الاعتبار بأن مناط النصر يتعلَّق ﺑ «الاستعداد بالموارد الكافية»، بالإضافة إلى شرط أساسي، وهو أن تكون الحرب عادلة. وعنوان هذا الفصل من وضع نقاد الكتب التراثية — كمعظم عناوين الكتب القديمة — إذ لم يكُن موجودًا في النسخة الأصلية من الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤