الفصل السادس

الحرب والطوالع الفلكية١

قال سونبين: «ليس أعظم من الإنسان قدرًا، فيما بين الأرض والسماء [فراغ]، إن لم تؤخذ في الاعتبار، ثلاثة عوامل، وهي: التوقيت الزمني، وطبيعة الأرض، والتآلف بين الأفراد، (أو، بمعنى ما، التلاؤم بين العنصر البشري والظروف الزمانية والمكانية المعلومة)،٢ فلن يكون ثمَّة نفع من النصر إذا تحقَّق بل سيكون الانتصار، حينئذٍ، نذير كارثة. ومن ثَمَّ فلا بد من اتخاذ الاستعداد الكافي لتوافق هذه العوامل الثلاثة عند خوض الحرب، إذا لم يكُن هناك مفر من خوض غمارها. إن مَن يحرص على الخضوع لشروط الزمان [حرفيًّا: التلاؤم مع أسباب السماء] لن يكرِّر حملاته القتالية، أما مَن لم يعمل لثلاثتها حسابًا، فقد تواتيه أنصبة من حظوظ النصر، لا لشيء إلا لما توالى عليه من أنصبة الفوز من عند السماء [حسب اعتقاد قدماء الصينيين في أن مواقيت الازدهار والنصر والعمران والضعف والاضمحلال، كلها، تنزل بقدر من السماء].»

وقال سونبين: «ما نال امرؤ النصر في ست معارك، من بين عشرة معارك يخوضها، إلا بفضل الطوالع الفلكية المواتية، فإذا أحرز أحد النصر في سبع مرات — من بين عشرة اشتباكات — فلأن البرج الشمسي قد هيأت له الميقات الملائم، أما إذا كان النصر حليفه، في ثماني معارك؛ فذلك لأن البرج القمري كان يمده بأسباب التمكين، ثم إن الظفر في تسع معارك — من بين اشتباكات عشرة — [فراغ] (واعلم)، أن تحقيق النصر في المعارك العشر كلها يقوم على براعة القائد واقتداره بالدرجة التي أدَّت إلى الفوز العظيم الذي يفوق في أسبابه كل مقادير السماء وطوالع الأفلاك، وبمجرد أن [فراغ].»

***

[ثم يتلو المتن قطعة صغيرة، باللغة الصينية القديمة، غير مترجمة إلى اللغة الحديثة، فاجتهدت في نقلها إلى العربية، على النحو التالي: …]

«… [فراغ]. هناك أسباب خمسة تحول دون تحقيق النصر، كل واحد منها كفيل بذاته (دون الباقي) بالحيلولة التامة دون كَسْب أي معركة. (فكثيرًا ما تنشأ مثل هذه الحالات التالية، أثناء القتال …) فهناك مَن يثخن في أعدائه فيصيب بالقتل عددًا هائلًا من الأفراد دون أن يتمكَّن من الإيقاع بالضباط والمقاتلين (من الطرف المناوئ) في الأسر، وهناك مَن يوقع بالضباط والأفراد في الأسر دون أن يتمكَّن من اقتحام مواقعه وثكناته، وقد تستطيع القوات أن تقتحم مواقع عدوها، لكنها تعجز عن أن تأسر قائدها، وهناك (أخيرًا) من قد يُقدم على إبادة خصمه — جنودًا ومقاتلين — ويقضي على قادتهم بالكامل. (فمن ثَمَّ نخلص إلى نتيجة مفادها) إن من يجيد قواعد الحرب، لن يدع لأعدائه فرصة الفرار من الهزيمة أو تفاديها (بل سيدعهم يعيشون حتى يرونها رأي العين) … [فراغ] ..»

الرقم ثمانون
١  يتناول هذا الفصل العلاقة بين الحرب والطوالع الفلكية، أو — بمعنًى أدق — العلاقة بين دور البشر في الحرب، في إطار ما هو ملائم من ظروف جغرافية وزمنية مناسبة، مع التأكيد على أهمية الدور الإنساني في كل الأحوال. والمؤلف — بطبيعة ما كان سائدًا في زمنه من تصوُّرات — يرى ثمة علاقة بين عوامل النصر والهزيمة في القتال وطوالع الأفلاك ومواقع النجوم. وقد كان سونبين، وهو ابن زمانه — ورغم وجاهة الكثير من أفكاره واقترابها من مناهج التحليل الموضوعية — يرى أن أفضل وقت ملائم للقتال، عندما يكون القمر بدرًا؛ ذلك أن انمحاق ضوئه نذير شؤم، لا يستحب معه تحريك القوات إلى جبهات المعارك.
٢  المعنى يحتمل كلا التأويلين؛ فلطالما كان التآزُر بين الأفراد شرطًا لإحراز أي تقدُّم أو نجاح — بالمطلق — حسب المفاهيم التقليدية في المجتمع الصيني القديم، لكنَّ قدرًا من التأويل ينسحب — ممكن — لمعنى التلاؤم بين معطيات الظروف الموضوعية، هنا، والعنصر البشري؛ فتلك مسألة يصعب تحديدها بدقة، وتلك أيضًا إحدى ظواهر التعقيد المبالغ في صياغة معاني الصينية الكلاسيكية [ليس هناك معنى معطى بسهولة في النصوص القديمة!]

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤