الفصل التاسع

القوة الضاربة١

قال سونبين: كل المخلوقات من ذوات الأسنان [المناقير] القاطعة، والقرون المشرعة الصلبة فوق الرءوس والمخالب الحادة [كالطيور وأشباهها] يلتئم أفراد فصائلها معًا عندما تطمئن بها الأحوال، أما إذا وقع بينها العراك، انتفضت غضبًا وأنشبت في أجساد رفاقها مخالب الحرب وآذنت أبناء جلدتها بأشرس قتال (فتلك طبيعتها المركوزة في خصالها) ولا مُبدِّل لمثل تلك الطبائع.

ثم إن بني البشر الذين لم تكُن لهم مخالب حرب وأذناب قتال طبيعية (كتلك التي نجدها لدى فصائل الحيوان) صنعوا لأنفسهم أدوات يخوضون بها القتال، فكان ذلك من طبع الحكمة (كان علامة العبقرية الإنسانية)، وكان الإمبراطور «هواندي» [الإمبراطور الأصفر]، هو الذي صنع السيوف، مما يمكن اعتباره إشارة رمزية إلى فكرة التشكيل القتالي (البدائي)، ثم كان الزعيم القبلي الملقَّب ﺑ «إي» [تنطق كما في «إيفان»] [أحد قادة القبائل في عهد أسرة «شيا» الملكية ٢١٠٠–١٦٠٠ق.م.] هو الذي اخترع القوس والسهم فيما يمكن أن يمثِّل صورة رمزية للقوة القتالية الضاربة، (وأخيرًا) فقد كان الملك «يو» [عاش زمن أسرة «شيا» المذكورة آنِفًا] بما ابتكره من العربات والسفن الحربية، قد أضاف دلالة ترمز بوضوح إلى قوات الاحتياطي.

بل إن ما ابتكره كلٌّ من الإمبراطور «طانغ» [أسرة «شانغ» ١٦٠٠–١١٠٠ق.م.] والملك «أو» [تُنطق كما في «أوبرا»] من الرماح والحراب ذات المقابض، فيشير، رمزيًّا، إلى معنى السلطة السيادية. وهذه النقاط الأربع توضِّح أسس وقواعد العلوم العسكرية، لكن يثور، هنا، التساؤل حول السبب الذي دعاني إلى تشبيه السيوف بالتشكيل القتالي (وأجيب قائلًا) بأن حقيقة الأمر تتمثَّل في أن السيوف دائمًا ما تكون لصيقة بأجساد المحاربين دون حتى أن يكونوا مشتبكين في قتال، وهو ما ينطبق تمامًا مع مسألة توزيع القوات والتشكيلات إلى وحدات دون اندلاع قتال، فمن ثَمَّ قام وَجْه الشبه بين الموضوع ودلالته.

إن سيفًا رديئًا منثلم النصل، لن يُجدي [فراغ] حتى لو تقلَّده البطل «منغ بن»، وكذلك فإن تشكيلًا مقاتلًا بغير طليعة وقائد باسل (مثل القائد المشهور بالشجاعة، ذلك الملقب ﺑ «منغ بن») لن يجسر على اقتحام صفوف العدو ودَحْر قواته، مما يُفهم منه بوضوح أن أي قائد يقوم على رأس مثل هذه القوات، لا يمكن أن يكون على دراية بفنون الحرب، ثم إن سيفًا بغير مقبض، لن يصلح [فراغ] حتى لو تقلَّده أمهر المقاتلين. وبالمثل، فإن رجلًا يتولَّى قيادة جيش بغير مُؤخِّرة وبغير أفراد مؤهلين للقتال، لا يمكن أن يكون مُدرِكًا لبديهيات أصول الحرب.

فمن هنا أقول إن تشكيلًا مقاتلًا ذا طليعة ومؤخرة يتناوبان التنسيق على نحو سليم، بما يشيع الثبات والصلابة في القوات، لا بد أن يهزم العدو ويدمر فلوله ويجبرها على الهرب. أما إذا لم يكُن هناك طليعة ولا مؤخِّرة للقوات، ﻓ [فراغ] وهو ما يخالف المبادئ العسكرية.

لكن كيف يمكن فَهْم الصِّلة بين الرماية والقوة العسكرية الضاربة؟ ألا ترى أن سهمًا منطلقًا من بين رأس الكتف والصدر يمكن أن يصيب العدو على حين غرَّة، ولو على مبعدة مائة قدَم، ومهما حاول العدو تحديد موقع الضرب ومكان الرامي، فلا يهتدي إلى شيء. بل كيف يمكن فهم وجه الشبه بين العربات والقوارب البحرية، والتكيُّف مع الحالات الطارئة؟ [فراغ] وعلى أي أساس تقوم المقابلة بين الرماح المشرعة وبين سلطة الأوامر الحازمة في ميدان القتال؟ (فاعلم أن أساس هذه المقابلة يتضح في …) قدرة هذه الرماح على تكبيد العدو خسائر فادحة، سواء أكان المقاتل قاعدًا على الأرض أم واقفًا [فراغ]. فهي تُصيب من العدو مقتلًا؛ إذ تطيح برءوس أفراده أو تنشب في أجسادهم مباشرة، أيًّا كانت مواقع إطلاقها أو هيئة الضارب بها، وعلى أي مسافة؛ فلذلك صارت أقرب شبهًا، في مزاياها، بما تتحلَّى به سلطة القيادة الحازمة وسط ميدان القتال. ومن ثَمَّ يتضح أن تلك النقاط الأربع [فراغ] الأساس الضروري الذي يتحتَّم الالتزام به لفَهْم فن استخدام القوات، ذلك أن مَن يُتقن هذا الفن، فلا بد أنه سيُحرز النصر المظفر الذي يذيع في الممالك شهرة جلالة الملك، أما من أهمل شأن تلك الأسس، فلن يخلد مأثرة أو يحرز إنجازًا ذا قيمة. وتتلخَّص أسس استخدام القوات في أربعة، هي: تشكيل القوات، والقوة الضاربة [يمكن ترجمتها، حسب المفهوم الوارد في الهوامش إلى «التفوق الاستراتيجي»]، والمرونة مع الأحداث الطارئة، والسلطة الميدانية الحازمة، فمَن أدركَ أهميتها كانت له الغلبة على أعدائه، فأثخن في صفوفهم، ووقعت في قبضته رءوس المبرزين من مهاجميه [فراغ]. فالقوة الضاربة [… التفوق الاستراتيجي، في معنًى ما …] هو مباغتة العدو ومهاجمته، دون أن يتخذ للقتال أهبته [فراغ]، حيث يبدو في أعين الرائي قريبًا، في حين أن إصابة الهدف أبعد ما يُمكن تحقيقه.

أما المعنى المقصود من «السلطة التي تملك زمام المبادرة في ميدان القتال، فيقصد بها كيفية قيادة القوات باستخدام الرايات في الصباح، والطبول في الليل الدامس، فتلك الموضوعات الأربعة تمثل التطبيق المادي الملموس [للأسس الأربعة سالفة الذكر] أثناء القتال، وبرغم أن الجميع يعرفونها ويطبقونها في ميادين القتال، فإن (كثيرين لم يستطيعوا) فهم المغزى الكامن فيها على نحو تام ونهائي.»

***

[حاشية] … [فراغ]، فمَن عمل بتلك النقاط الأربع فاز، ومَن أهملها وتغاضى عنها، هلك [فراغ].
١  يعقد هذا الفصل مقابلةً بين السيوف والسهام والرماح، والعربات وبين طرق استخدام القوات، مشددًا على أهمية عناصر أربعة، هي: التشكيل القتالي، عناصر القوة، والمرونة، والسلطة الحازمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤