الفصل الثاني عشر

المدن المنيعة والأسوار المخترقة١

إن مدينة قائمة على أرض منخفضة ذات مستنقعات كثيرة منتشرة في جنباتها، سيصعب اختراقها، ما دامت تحيط بها تلال وكثبان متصلة تقيها الغارات الهجومية، حتى لو لم تكُن المدينة محوطة بحواجز جبلية منيعة أو أخاديد عميقة، فوقوعها وسط مثل هذه التضاريس يوجب عدم شن الغارة عليها.

وإذا كان العدو المقيم بمدينة قادرًا على أن يوفِّر احتياجاته من مياه الشرب عَبْر امتداد نهر جارٍ، فمثل هذه المدينة يصعب اقتحامها، ومن ثَمَّ فلا حاجة لمهاجمتها. وكذلك فلا ينبغي مهاجمة مدينة تشرف، من الأمام، على وادٍ جبلي عميق الغَوْر، ويحوطها من الخلف جبل مديد الارتفاع، فهي مدينة منيعة تتحدَّى الاختراق (اقرأ في اصطلاح سونبين «مدينة ذكورية»).

إن مدينة قائمة على هضبة مرتفعة، تشرف من زواياها الأربع على منخفض من الأرض، تدخل في عداد المدن المنيعة التي يصعب اقتحامها، فليس ثمَّة موجب لذلك، ومدينة تتخلَّلُها تلال جبلية متعرِّجة ومتصلة، ستقف عقبة كَأْداء في طريق الهجوم.

إذا رابطت قوَّات العدو في موقع (على طريق زحفها) مكشوف من كل الأركان، لا تحيط به ممرات أنهار كبرى أو فروع جداول وقنوات، فهي هدف سهل للإغارة، خصوصًا إذا كانت قد فقدت حماستها للقتال بعد أن تحطمت معنوياتها. إن مدينةً تتكئ أسوارها الخلفية على حواف منخفض عميق من الأرض، وتخلو أجنابها من ستائر جبلية واقية، يمكن أن تكون هدفًا للاختراق بكل سهولة، فلا بد عن مهاجمتها، فإذا كان موقع المدينة (المستهدفة بالهجوم) فوق أرض مجدبة، لا زَرْع فيها ولا نبات، فهي مدينة أنثوية [كذا، بتعبير المؤلف، حرفيًّا]، ومن الممكن مهاجمتها، وإذا ما كانت مياه الشرب المتوافرة لدى العدو بأرض جافَّة شحيحة المقدار، عزيزة المنال، فهي أرض يسهل اختراقها، وعندما تقع إحدى المدن وسط أرض مليئة بالمستنقعات، دون أن تحيط بها وديان عميقة أو أخاديد ممتدة أو تلال جبلية متصلة، فهي مدينة أنثى يسهل اقتحامها، وهو الأمر الذي ينطبق أيضًا على أية مدينة يمكن أن تقع وسط جبال تكتنفها من كل جوانبها، لكنها تقبع مكانها دون أن تحيط بها أخاديد أو وديان أو تلال جبلية متصلة فوق بقاعها، تمدها بأسباب الأمن، فمثل تلك المدينة تصير سهلة الاختراق، ولا ينبغي أن تفوت فرصة مهاجمتها. كما أن مدينة تشرف واجهتها على جبل منيع، ويطل ظهرها [كذا] على وادٍ جبلي عميق، (فتبدو) كأن سدًّا شامخًا يقف قبالتها وجرفًا مخيفًا ينخفض عند ذيلها، يمكن أن تعد سهلة الاقتحام، فلا بد من مهاجمتها.

١  يدور موضوع هذا الفصل، أساسًا، على الخواص الجغرافية للمدن الحصينة التي يصعب اختراقها مقابل تلك التي يسهل الإغارة عليها واقتحامها، وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن عنوان هذا الفصل، في صيغته الحرفية هو «المدن الأنثوية والذكورية»، وحسب الاصطلاح الذي يفضِّله سونبين في هذا الفصل، فالمدن الذكورية هي تلك التي يصعب اقتحامها، أما الأخرى، فعلى العكس من ذلك، بالبداهة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤