الفصل السادس

خمسة أنواع من الجيوش١

هناك خمسة أنواع من الجيوش المعادية: الأول: جيش يتسم بالجرأة والإقدام. والثاني: يتميَّز بالغرور والصلف. والثالث: يتصف بالتصلُّب والعناد. أما الرابع: فمُتردِّد هيَّاب. والأخير: ضعيف مُتخاذِل. فكلُّ نوع منها يتطلَّب، أثناء القتال، طريقة ملائمة تتناسب مع طبيعته. وبالتالي، فثمَّة خمس طرق لمواجهة تلك الطبائع المختلفة للجيوش. وهكذا فلا بد من مُصانعة النوع الأول من الجيوش، بحيث يتطلَّب الأمر تكلُّف مظاهر الخضوع والضعف، أما النوع الثاني، فلا بأس من إظهار شيء من التقدير لمزاياه على أن يتم استغلال الفرصة السانحة لمهاجمته والقضاء عليه، وبالنسبة للجيش الذي يتسم بالعناد وجمود الرأي، فالمطلوب الإيقاع به والترصُّد له بالحيلة والخديعة، أما المتردِّد الحائر الذي لا يحزم أمره، فلا بدَّ من مبادأته بالهجوم الأمامي، وإثارة القلاقل والاضطرابات على أجنابه ومحاصرته بالأخاديد المحفورة في الوديان أو الحصون العالية فوق التِّلال وقطع طرق إمداداته، وفيما يتعلَّق بذلك النوع من الجيوش التي يغلب عليها الضعف والتخاذل، فيمكن إثارة الفزع في صفوفها بواسطة دقَّات الطبول الهادرة ومصادمتها مع اتخاذ مظاهر القوة المناسبة، ثم الهجوم عليها عند أول بادرة لتحرُّكاتها، أو التأهُّب لمحاصرتها في كلِّ الأحوال، حتى وهي مُقيمة في ثكناتها، مرابطة في مواقعها، دون أن يبدر عنها ما يفيد التحرُّك.

عندما تقتحم الجيوش أراضي أعدائها، فهي تلجأ، في العادة، إلى طريقة من اثنتين في التعامل مع العدو، أول هذه الطرق تُسمَّى ﺑ «السلوك الأخلاقي الرفيع»، والثانية توصف ﺑ «الأسلوب الوحشي الإرهابي». ولكلٍّ منها خمس حالات، أو خمس مراحل متدرِّجة؛ فلذلك سُمِّيَت ﺑ «التيسيرات والتغليظات الخمس»، لكن ما هي التيسيرات الخمس؟

إن جيشًا يقتحم أرض عدوِّه ثم يسلك نهجًا يقوم على الفضائل، سوف تضيع مهابته وتسقط مكانته التي كان يتحلَّى بها في سابق الأيام، فإذا ضاعفَ من سلوكه الأخلاقي، فلن يَجِد ما يسدُّ به رمَقَه من الغذاء، فإذا واصل (في المرة الثالثة) سلوكه الأخلاقي، فلا بدَّ أنه سيخسر معركته، (وفي المرة الرابعة، فإنه …) سيموت جوعًا، فإذا تشبَّث بسلوكه هذا في المرة الخامسة، فلن يتمكَّن من إنجاز مهامه القتالية. (فإذا كان هذا هو أسلوب التيسير) فما هو سلوك التغليظ إذَن؟

(اعلم) أنه إذا لجأت قوات الاحتلال إلى أساليب البطش والإرهاب، بادئ ذي بدء، فسوف ينظر إليها الناس بوصفها «القوات المعتدية»، وإذ يتضاعف توسُّلها بالطغيان، فسوف يقول عنها الناس إنها قوات الشر، وفي المرة الثالثة، وبتزايد توجُّهها الإرهابي، فسوف تطبع في النفوس إحساسًا بالخوف والجزع، (وفي درجة رابعة …) وإذ يتأصَّل سلوكها العدواني، فسوف يلجأ الأهالي إلى تضليل جنودها وتعمية عيونها، فتغيب عن القوات حقائق الأحوال، فإذا تضاعف سلوكها الإرهابي (إلى الدرجة الخامسة …) كان حتمًا أن تتعرَّض لخسارة فادحة. فمن ثَمَّ، كان من الواجب على القوات المغيرة على أرض العدو أن تراوح بين تلك الملاطفات والتغليظات الخمسة (حسب الأحوال)، بما يضمن لها إحراز النصر.

***

[ورد في آخِر المتن العنوان التالي «المبادئ (الأخلاقية) الخمسة» وتحتها، مباشرة، كُتب الرقم «مائتان وستة وخمسون»، دونما إشارة إلى دلالة هذا الترقيم، وعلاقته بالسياق.]

١  الترجمة الحرفية لعنوان هذا الفصل هي: «خمسة أنواع»، أو «خمسة تقديرات رفيعة»، وكانا في الأصل عنوانَين لفصلَين مستقلين، ثم جُمِعا في فصل واحد، في النص الأصلي، يتناول أولهما خمسة طُرق مختلفة في التعامل مع خمسة تشكيلات قتالية متباينة للعدو، أما الثاني، فيتحدَّث عن وسائل التعامل مع العدو بعد اقتحام حدوده، وهي الوسائل التي تتراوح بين العنف والمرونة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤