الفضاء
كان السؤال الشائع بين المشغولين بأمر الطيران في مطلع القرن العشرين: هل من الممكن أن يطير في الفضاء جسم أثقل من الهواء؟
وكان المرتابون في إمكان ذلك كثيرين، بينهم فئة معدودة من العلماء وخبراء الصناعة، غلب على اعتقادهم وتفكيرهم أن الطيران لا يتأتى بغير وسيلة واحدة، وهي وسيلة المناطيد التي تحملها القباب مملوءة بأنواع من الغاز أخف من الهواء، وما عدا ذلك فهو خرق لقانون الطبيعة كما فهموه.
وتقدم القرن العشرون إلى منتصفه، ثم جاوز منتصفه بسنوات فأصبح السؤال الشائع بعد نيف وخمسين سنة: هل من الممكن أن نستغني عن الهواء في تسيير الطيارات؟
لم يتغير شيء في هذه السنين من قوانين الحركة، ولا من العلم الذي يرصدها ويتولى تطبيقها، وإنما تغير التطبيق فأصبح خبراء العلم نفسه يسألون عن إمكان الاستغناء عن الهواء بعد أن كان السابقون لهم في مدى سنوات يحسبونه «وسطا» لا يصلح للطيران.
وجواب الثقة عن هذا السؤال: نعم! إن تزويد الطائرة بالأجهزة التي تدفعها في فضاء لا هواء فيه ممكن، وإن استخدام الوسائل الكيمية والكهربية يذلل الصعوبة التي كانت قبل الآن عصية على التذليل بغير الدفع الجوي، فليس من المستحيل، ولا من البعيد في الواقع أن تصنع الطيارة التي تجوب الأفلاك العليا فوق جو الأرض وبين آفاق السيارات، ولا تعرف الآن صعوبة فنية تحول دون الرحلة إلى الكواكب إذا استطاعها الإنسان، أما استطاعة الطائرات أن تصمد لتلك الرحلة فليس فيها الآن خلاف.
يقول سير جورج تومسون صاحب جائزة نوبل في الطبيعيات: «ومهما تكن الطريقة المتبعة، فإن تسارع الصاروخ على مهل بعد مجاوزته جو الأرض أمر لا يعرف له مانع، ولا يعارض قاعدة من القواعد الطبيعية، ورد الفعل النووي كفيل بتدبير الطاقة الطرفية، ولا خوف من الإفراط في التسخين مع استخدامه على مهل، في حين أن المواد اللازمة ليست مما يمتنع تدبيره، مع الدفع بهذه السرعة، وقد يحوم هذا الصاروخ في مدار المنظومة الشمسية ويطيف بالسيارات وبالقمر، ويعتمد على الأجنحة عند عودته إلى الأرض لنقص السرعة بمقاومة الطبقات العليا من الجو.»
وبعد أن شرح الأستاذ تومسون كل ما يرد على خاطر العالم من مصاعب السفر إلى الكواكب قال: «إن الظاهر من هذه العجالة أن صعوبات السفر بين الكواكب كثيرة عدا صعوبة الإفلات من أفق الأرض، ولكن لا يرى أن هناك صعوبة أساسية، ولا يسعنا إلا أن نطمئن على ثقة بأن براعة المهندسين تتغلب عليها خلال الخمسين أو المائة السنة التالية.»
ويقول مهندس الأقمار الصناعية في مقدمته لهذا الكتاب: «إن تحقيق المخترعات الصاروخية المطلوبة لا يعوزه شيء من معرفة المبادئ العلمية والصناعية، وكل ما يحتاج إليه عزيمة ومال.»
والمؤلفان يستهلان كتابهما ببيان الأغراض التي توجب على أبناء العصر الحاضر متابعة النظر في تحقيق رحلات الفضاء، فيذكران في مقدمتها حب الاستطلاع، ويستشهدان بكلام للمهندس الكبير فون برون يقول فيه: «إن سببًا من أول أسباب البحث في كل كشف أو ارتياد جديد يتلخص في مجرد التشوف وحب الاستطلاع، وليس من الحكمة ولا من الخبرة الواقعية أن نصر — سلفًا — على المسوغات لكل بحث من هذا القبيل على أساس المنفعة العاجلة والنتائج العملية المحتملة، فإن تاريخ الفنون والمعارف الصناعية زاخر بالأمثلة التي تثبت أنها لا تقدر على دراية الإنسان بالأنباء عما تسفر عنه الكشوف والمخترعات.»
ويلي هذا السبب المفروض في جميع البحوث والمحاولات سبب معروف النتيجة يقوم على غريزة حب الحياة، والدفاع عن الذات، ويكفي أن يكون الاختراع صالحًا لاستخدامه في هجوم أمة على أمة كي يكون العلم به واجبًا لاتخاذ الحيطة والدفاع، ويقول المؤلفان: إن تنظيم البعثات المشتركة لارتياد الفضاء فوق القمر محتمل، بل قريب الاحتمال، ولكن الاتفاق على احتلال القمر بعيد؛ لأن استخدامه في الأغراض الحربية يغري السابقين إليه بالاستئثار واجتناب المشاركة فيه جهد المستطاع.
أما السبب الذي لا شك فيه ولا اختلاف عليه فهو جمع المعلومات، وكشف الحقائق عن أسرار العناصر المادية، وأسرار الضوء والطاقة المغناطيسية والجاذبية، وما إليها من الأسرار التي تتفتح مغاليق الطبيعة أمام من يعلمها، وتزيده عرفانا بحقائق الكون وما فيه ومن فيه من الأحياء العاقلة، إن كان فيه أحياء عاقلة غير الإنسان، وقد يشهد البشر يومئذ شهادة العيان أمورًا من خفايا الغيب ظلت آلاف السنين حيرة للأفكار، ومسبحًا لشوارد الظن والخيال.