خاتمة في سطور
إذا أخذنا بالمقدمات التي رتبها الثقات في إحصاءاتهم وآرائهم — وهي جديرة أن يؤخذ بها — فنحن أمام نتيجة منتظرة نلمحها من وراء السنين عند نهاية القرن العشرين وبعد القرن العشرين، ولا نقول إننا أمام أمل مشروع وحسب، فإن الأمر هنا إلى الحساب أقرب منه إلى الرجاء.
وزبدة هذه النتيجة في سطور: إن موارد العالم كافية لسكانه، وإن التكافؤ بين عدد السكان، ومقادير المؤن والأزواد مستطاع بفضل التقدم في العلم والصناعة وأحوال الاجتماع، تعترضه عقبات قابلة للتذليل إلا أن تكون عقبة الحرب العالمية التي يخشى أن تعاجل العالم قبل استيفاء مطالبه من التقدم والكفاية، فلا يؤمن أن تطيح بجميع ما وعاه من حضاراته الماضية، ومن حضاراته الصناعية القائمة أو المرجوة، ولا عصمة للإنسان من تلك الحرب المحظورة إلا أنها — كما يعلم — أخطر الأحوال التي يخشاها، وأنها الهول الذي لا يخشى بعده هول، ولا يبقى بعده من يخشى.
فإذا انتفع بهذه العصمة فالعالم ماض في طريق الصلاح والأمان: تتعاون أممه وأجناسه، ويبطل النزاع بين الطبقات في الأمة الواحدة، وتئول «الشخصية الإنسانية» مع تعاون الأمم والطبقات إلى حياة منزهة من سموم العداء وضغائن المنافسة، متفتحة لأشواق النفس الرفيعة وأمثلتها العليا، فيمضي النوع الإنساني في جملته إلى غاية كماله، ويبلغ الإنسان الفرد ما في وسعه أن يبلغه باجتهاده وتيسير بيئته، مالكًا لزمام فكره وعاطفته بنجوة من طغيان الجماعة عليه.
وإذا انتقلنا من هذه النتيجة المرتقبة إلى الأمل المشروع، فمن الأمل المشروع أو من التفاؤل الحسن أن نؤمن بمصير الإنسانية إلى إيمان بالحق يعززه العلم، ويلتقي فيه عالم المادة بعالم الغيب فلا يتنازعان، ولا ينشطر بينهما الضمير الإنساني شطرين، يورثانه مرض النفس، ويبتليانه في قرارة وجدانه بفصام دخيل، يخيل إليه أن الإيمان، وهو نقيض الإيمان.
ونترخص في الأمل، دون أن نجاوز به آفاق الأمل المشروع، فنقول: إننا خلقاء ألا نيأس من الأزمات التالية بعدما شهدناه من عواقب الأزمات الماضية، وقد سمحت لنا حربان عالميتان أن نقول مرة: «إن الصراع الأكبر الذي نشهده اليوم سينتهي أيضًا إلى عاقبة فيها بعض الاطمئنان أو كل الاطمئنان؛ لأنها تناقض القوة العمياء؛ قوة الحديد والنار، وتشايع القوة البصيرة، قوة العدل والحرية.»
ولقد كان إنسان الأمس كفئًا لأزماته، ولا يئوده الغد أن يلقى عظائمه بما هو أعظم منها، أفقًا بعد أفق، وقمة فوق قمة، ومصيرًا وراء مصير.