حافظ إبراهيم شاعر النيل

١٨٧٢–١٩٣٢
figure

هو صِنو شوقي في إحياء دولة الشعر، ولئن تميَّز عنه شوقي بالزعامة كما أسلفنا في الحديث عن شوقي، فإن حافظًا يمتاز عنه بأن نشأته وحياته كانت شعبية، في حين كانت نشأة شوقي وحياته أرستقراطية؛ فكان حافظ أقرب إلى روح الشعب ومشاعره، وأقدر على تصوير آلامه التي شاركه فيها، واكتوى بلهيبها، فكان لذلك أبلغ في التعبير عنها، وكانت عباراته أسهل وأقرب إلى إدراك معانيها من عبارات شوقي؛ لأنه كان يُحِس إحساسًا قويًّا أنه يُخاطِب الشعب في مجموع مُثقَّفيه وقارئيه.

وُلِد حافظ إبراهيم سنة ١٨٧٢ من أب مصري وأم من أسرة تركية، كان أبوه إبراهيم أفندي فهمي مهندسًا يُشرِف على قناطر ديروط حيث وُلِد حافظ، وتُوفِّي وحافظ في الرابعة من عمره، فكفله خاله محمد أفندي نيازي، وعاش في كنفه عيشة الطبقات المتوسطة التي كانت أقرب إلى الضيق منها إلى اليسار، فأحس حافظ منذ صباه بما تُعانيه الطبقات الشعبية من جهد ورقة حال، ولما ظهرت مواهبه الشعرية كان الترجمان الصادق الأمين لهذه الطبقات.

تلقَّى التعليم الابتدائي وجزءًا من التعليم الثانوي، ولكنه لم يُتِمه، وانتقل مع خاله إلى طنطا، وكان مهندس تنظيم بها، وانقطع حافظ وقتًا عن متابعة التعليم، واتجهت نفسه إلى الأدب والشعر.

واشتغل وقتًا وجيزًا بالمحاماة بطنطا، ولكنه لم يستمر فيها؛ إذ لم يجد من نفسه ميلًا إليها لما كانت تقتضيه من دأب على العمل المتواصل وهو لم يكن يميل إلى التقيد بمثل هذا الدأب بل كان كالطير ينطلق مُغرِّدًا بين مختلف الأشجار والأغصان.

ولقد فكَّر في أن يكون ضابطًا بالجيش؛ إذ كانت الحياة العسكرية مما يستثير في نفسه روح الشعر والخيال، أو لعله أراد أن يُقلِّد البارودي في نشأته العسكرية، فالتحق بالمدرسة الحربية بالقاهرة، وتخرَّج منها سنة ١٨٩١ ضابطًا برتبة ملازم ثانٍ، وكان إذ ذاك في سن العشرين تقريبًا، وانتظم في حملة السودان بقيادة اللورد كتشنر سردار الجيش المصري وقتئذٍ، ولما انتهت الحملة بانفراد الإنجليز بحكم السودان عافت نفسه البقاء في ربوعه، فالتمس إحالته إلى المعاش، وأُجيبَ طلبه وعاد إلى مصر، وغشي مجالس الشعراء والأدباء والعلماء، وأفاض فيها من شعره وأدبه، فتألَّقَت شاعريته، وعرف له معاصروه فضله ومكانته في عالم الأدب والشعر، وإذ كان الشعر لا يُدِر عليه ما يحفظ مكانته من الوجهة المادية فقد عيَّنه أحمد حشمت وزير المعارف في سنة ١٩١١ رئيسًا للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية، وظل بها إلى فبراير سنة ١٩٣٢ إذ أُحيلَ إلى المعاش لبلوغه السن القانونية، وتُوفِّي يوم ٢١ يوليو سنة ١٩٣٢.

كان حافظ شاعرًا بطبعه، ظهرت مواهبه الشعرية وهو في السادسة عشرة من عمره، لم يتلقَّها عن مُعلِّم أو أديب، ولا تعلَّمها في المدارس التي انتظم بها، بل كانت وحي الإلهام والسليقة، فكان يقول الشعر وهو في هذه السن المُبكِّرة، ويأخذ نفسه بالمطالعات الشعرية ويحفظ قصائد فحول الشعراء المُتقدِّمين، واشتدت به الرغبة إلى محاكاتهم في جيد الشعر، فواتته سليقته الشعرية وساعدته على تحقيق رغبته، وبذَّ مع الزمن أولئك الشعراء، وبلغ الذروة في عالم الشعر والأدب.

وحافظ يمتاز في شعره بقوة البلاغة، وإشراق الديباجة، وطلاوة الأسلوب، والروح الخطابية، ولقد أنصفه شوقي إذ قال في رثائه:

يا حافظ الفصحى وحارس مجدها
وإمام مَن نجلَت من البلغاءِ١
ما زلتَ تهتف بالقديم وفضله
حتى حميت أمانة القدماءِ
خلَّفتَ في الدنيا بيانًا خالدًا
وتركت أجيالًا من الأبناءِ
وغدًا سيذكرك الزمان ولم يزَل
للدهر إنصاف وحسن جزاءِ

أضفَت الوطنية على شعر حافظ هالة من العظمة والمجد؛ فقد كان بلا مراء خير ترجمان للشعب في أحاسيسه وآماله، وخير مُواسٍ له في مآسيه وآلامه، وتغنى بمصر والنيل في قصائده الغُر، ولعل بقاءه في السودان عدة سنين، ومشاهدته غدر الإنجليز هناك، وتدابيرهم في تحقيق أغراضهم الاستعمارية، قد زاده سخطًا على الاستعمار واستمساكًا بوحدة وادي النيل، وتجلَّت هذه المواهب في شعره في شتى المناسبات حتى سُمِّي بحق «شاعر النيل»، وهو إلى جانب ذلك شاعر الوطنية والاجتماع والأخلاق، كان لا يفتأ يدعو قومه إلى التمسك بالأخلاق في جهادهم للحرية؛ إذ يرى الأخلاق قوام الجهاد الصحيح، وبلغت دعوته إلى الأخلاق حد التقريع في مخاطبته لبني وطنه ومجابهتهم بالحق الصريح.

وحافظ وإن كانت ثقافته شرقية إلا أنه قد تعلَّم الفرنسية على كِبَر، واقتبس من الآداب الفرنسية ما استطاع أن يقتبسه، وساعده ذكاؤه وألمعيته على محاكاة الشعر الغربي أحيانًا، وكان يميل إلى التجديد في شعره، وفي ذلك يقول:

آن يا شعر أن تفُك قيودًا
قيَّدَتنا بها دعاة المُحالِ
فارفعوا هذه الكمائم عنا
ودعونا نشم ريح الشمالِ

ولقد نجح حافظ في أن يرتفع بشعره في كثير من المواطن إلى التجديد واقتباس المعاني والأفكار والأساليب الحديثة، فزاد شعره طلاوة ورنينًا موسيقيًّا حبَّباه إلى النفوس وجعلا بعض قصائده أشبه بالأغاني والتغاريد.

الوطنية في شعر حافظ

تتجلى الروح الوطنية ويتألق نورها في شعر حافظ، ولقد وجدت الحركة الوطنية في قصائده البديعة قوة تستمد منها الحماسة والصمود في الجهاد، والثورة على الاحتلال.

كان شعره مَعينًا لا ينضب من الكفاح الوطني، وكان حبه للوطن يملك عليه شغاف قلبه، ويُلهِمه الذود عن حريته واستقلاله، ولقد عبَّر عن هذه العاطفة المُلتهِبة بقوله من قصيدة له سنة ١٩٠٠:

متى أرى النيل لا تحلو موارده
لغير مُرتهِب لله مُرتقِبِ
فقد غدت مصرُ في حال إذا ذُكرَت
جادت جفوني لها باللؤلؤ الرطبِ
كأنني عند ذكرى ما ألمَّ بها
قرمٌ تردَّد بين الموت والهربِ٢
إذا نطقتُ فقاعُ السجن مُتكَأ
وإن سكتُّ فإن النفس لم تطِبِ
أيشتكي الفقرَ غادينا ورائحنا
ونحن نمشي على أرض من الذهبِ؟!

وقوله في قصيدة له سنة ١٩٠٩:

لعمرك ما أرقتُ لغير مصر
وما ليَ دونها أملٌ يُرامُ
ذكرتُ جلالها أيام كانت
تصول بها الفراعنة العظامُ
وأيامَ الرجالُ بها رجال
وأيامَ الزمانُ لها غلامُ

وقوله من قصيدة له سنة ١٩١٠:

كم ذا يُكابِد عاشقٌ ويلاقي
في حب مصر كثيرة العُشاقِ
إني لأحمل في هواكِ صبابة
يا مصرُ قد خرجت عن الأطواقِ٣
لهفي عليكِ متى أراكِ طليقةً
يحمي كريمَ حماك شعبٌ راقي
كلِفٌ بمحمود الخلال مُتيَّم
بالبذل بين يدَيكِ والإنفاقِ

وقوله من قصيدة له سنة ١٩١٩ نظمها في «ملجأ الحرية»:

فتعاهَدنا على دفع الأذى
بركوب الحزم حتى نظفرا
وتواصَينا بصبر بيننا
فغدَونا قوةً لا تُزدرى
أنشرَت في مصر شعبًا صالحًا
كان قبل اليوم مُنفَك العُرا٤
كم مُحِب هائم في حبها
ذاد عن أجفانه سرحَ الكرى٥
وشبابٍ وكهولٍ أقسموا
أن يشيدوا مجدها فوق الذُّرى٦

حافظ ومصطفى كامل

عاصَر حافظ مصطفى كامل، وكان صديقًا له مُعجَبًا بجهاده، رغم صداقته وصلته بخصومه السياسيين، وكان مصطفى شديد الإعجاب بشعره وأدبه، وعندما ظهر الجزء الأول من ديوانه سنة ١٩٠١ قرَّظه في «اللواء»٧ تقريظًا يدل على عظم تقديره لشاعر النيل، وأسهب في الثناء عليه سنة ١٩٠٣ حين عرَّب كتاب «البؤساء» لفيكتور هيجو.

قصيدة حافظ في حفلة مدرسة مصطفى كامل

ويبدو إعجاب حافظ بمصطفى وجهاده في قصيدته التي ألقاها يوم ٢٩ نوفمبر سنة ١٩٠٦ في احتفال مدرسة مصطفى كامل تعليقًا على خطبة مصطفى، قال في مطلعها:

سمِعنا حديثًا٨ كقَطر الندى
فجدَّد في النفس ما جدَّدا
وأضحى لآمالنا مُنعِشًا
وأمسى لآلامنا مُرقِدا

وقال يستثير في النفوس روح الأمل والحياة وهي الدعوة المُحبَّبة إلى الفقيد:

فدَيناكَ يا شرقُ لا تجزعنْ
إذا اليومُ ولَّى فراقِب غدا
فكم محنة أعقبَت محنة
وولَّت سراعًا كرجع الصدى
فلا يُبئسنَّك قِيلُ العداة
وإن كان قيلًا كحز المُدى٩
أتُودَع فيك كنوز العلوم
ويمشي لك الغرب مُسترفِدا١٠
وتُبعَث في أرضك الأنبياء
ويأتي لك الغرب مُسترشِدا
وتقضي عليك قضاة الضلال
طوال الليالي بأن ترقُدا؟
أتشقى بعهدٍ سما بالعلوم
فأضحى الضعيف بها أيِّدا١١
إذا شاء بزَّ السُّها سِره
وأدرك من جريه المَقصدا١٢
وإن شاء أدنى إليه النجوم
فناجى المَجرة والفرقدا١٣
وإن شاء زعزع شُم الجبال
فخرَّت لأقدامه سُجَّدا
وإن شاء شاهد في ذرة
عوالم لم تحيَ فيها سدى
زمانٌ تُسخَّر فيه الرياح
ويغدو الجمادُ به مُنشِدا١٤
وتعنو الطبيعة للعارفين
بمعنى الوجود وسر الهدى
إذا ما أهابوا أجاب الحديد
وقام البخار له مُسعِدا١٥
وطارت إليهم من الكهرباء
بروقٌ على السلك تطوي المَدى

•••

أيجملُ من بعد هذا وذاك
بأن نستكين وأن نجمُدا؟
وها أمة «الصُّفر» قد مهَّدَت
لنا النهجَ فاستبِقوا المَوردا١٦

وقال فيها مُخاطِبًا الشباب:

فيا أيها الناشئون اعملوا
على خير مصر وكونوا يدا
ستظهر فيكم ذوات الغيوب١٧
رجالًا تكون لمصر الفِدا
«فيا ليت شعريَ من منكم
إذا هي نادت يُلبِّي النِّدا؟»

وقال في ختامها مُخاطِبًا مصطفى كامل:

لك الله يا «مصطفى» من فتًى
كثير الأيادي كثير العِدى
إذا ما حمدتُك بين الرجال
فأنت الخليق بأن تُحمَدا
سيُحصي عليك سجل الزمان
ثناءً يُخلَّد ما خُلِّدا
«ويهتف باسمك أبناؤنا
إذا آن للزرع أن يُحصَدا»

والقصيدة من أبلغ شعر حافظ، وتأمل في البيت الأخير منها تجد حافظًا يُقِر لمصطفى بأنه المُوجِد للحركة الوطنية، وأنه الجدير بأن تعرف الأمة له هذا الفضل عندما تجني ثمار هذه الحركة، وقد ظل على هذا الرأي بعد وفاة الفقيد وبعد ظهور زعامة سعد زغلول للحركة الوطنية سنة ١٩١٩، وجهر به في رثائه للمرحوم محمد فريد في ديسمبر سنة ١٩١٩، إذ قال مُناجِيًا روح فريد:

قُل ﻟ «صبِّ النيل»١٨ إن لاقيته
في جوار الدائم الفرد الصمدْ
إن مصرًا لا تَني عن قصدها
رغم ما تلقى وإن طال الأمدْ
جئتُ عنها أحمل البشرى إلى
«أول البانين» في هذا البلدْ
فاسترِح واهنأ ونمْ في غِبطة
قد بذرتَ الحب والشعبُ حصدْ

فحافظ يعترف هنا أيضًا لمصطفى بأنه أول البانين في صرح الحركة الوطنية، وبأنه بذر الحب وأن الشعب حصد وجنى ثمار ما بذر، ورأي حافظ سنة ١٩١٩ هو تأييد وتوكيد لرأيه سنة ١٩٠٦.

قصيدة حافظ في حادثة دنشواي

لقيت حادثة دنشواي١٩ صداها في شعر حافظ، فنشر في ٢ يوليو سنة ١٩٠٦ — أي بعد صدور الحكم فيها بخمسة أيام — قصيدته المشهورة عن الحادثة؛ ندَّد فيها بسياسة الاحتلال، وسبق بها شوقي بعام؛ إذ إن شوقي لم يقُل قصيدته عن الحادثة إلا بعد عام من وقوعها.

قال حافظ في مطلع قصيدته مُخاطِبًا المحتلين:

أيها القائمون بالأمر فينا!
هل نسيتم وَلاءنا والودادا؟!
خفِّضوا جيشكم وناموا هنيئا
وابتغوا صيدكم وجُوبوا البلادا
وإذا أعوزَتكمُ ذات طَوق٢٠
بين تلك الرُّبا فصيدوا العبادا
إنما نحن والحَمام سواء
لم تُغادِر أطواقنا الأجيادا٢١
لا تظنوا بِنا العقوق ولكن
أرشِدونا إِذا ضللنا الرشادا
لا تُقِيدوا من أمة بقتيل
صادت الشمس نفسه حين صادا٢٢

وقال يصف الحادثة وفظائع المحاكمة والتنفيذ:

جاء جُهالنا بأمر وجئتم
ضعفَ ضعفَيه قسوةً واشتدادا
أحسِنوا القتل إن ضننتم بعفو
أقصاصًا أردتمُ أم كيادا؟
أحسِنوا القتل إن ضننتم بعفو
أنفوسًا أصبتمُ أم جمادا؟

•••

ليت شعري أتلك «محكمة التفـ
ـتيش» عادت أم عهد «نيرون» عادا؟
كيف يحلو من القويِّ التشفِّي
من ضعيف ألقى إليه القيادا؟
إنها مُثلةٌ تشفُّ عن الغيـ
ـظ ولسنا لغيظكم أندادا
أكرِمونا بأرضنا حيث كنتم
إنما يُكرِم الجوادُ الجوادا
إن عشرين حِجة بعد خمس
علمَتنا السكون مهما تمادى
أمة النيل أكبرَت أن تُعادي
مَن رماها وأشفقَت أن تُعادى
ليس فيها إلا كلام وإلا
حسرة بعد حسرة تتهادى

وقال مُخاطِبًا المُدعي العمومي في القضية:

أيها المدعي العمومي٢٣ مهلًا
بعض هذا فقد بلغتَ المرادا
قد ضمنَّا لك القضاء بمصر
وضمنَّا لنجلك الإسعادا
فإذا ما جلستَ للحكم فاذكر
عهد «مصر» فقد شفيتَ الفؤادا
لا جرى النيل في نواحيكِ يا «مصـ
ـر» ولا جادكِ الحيا حيث جادا٢٤
أنتِ أنبتِّ ذلك النبت يا «مصـ
ـر» فأضحى عليكِ شوكًا قتادا
أنت أنبتِّ ناعقًا قام بالأمـ
ـس فأدمى القلوب والأكبادا

•••

إيهِ يا مِدرة القضاء ويا مَن
سادَ في غفلة الزمان وشادا
أنتَ جلَّادنا فلا تنسَ أنَّا
قد لبسنا على يدَيك الحدادا

والقصيدة كما ترى من أروع ما قال حافظ، وفيها تصوير لتلك الحادثة الفظيعة التي أظهرت مبلغ الظلم البريطاني ومبلغ هوان المصري في نظر الاحتلال، وقد حمل حافظ بأسلوبه اللاذع القوي على هذا الظلم حملات اهتزت لها أركانه، كما حمل على الضعف الذي كان من أسباب استفحال هذا الظلم؛ فكانت هذه الحملة دعوة صادقة إلى اطراح الضعف والأخذ بأسباب النهوض والقوة في محاربة الاحتلال.

قصيدته في استقبال اللورد كرومر بعد حادثة دنشواي

وعاد يصف فظائع الاحتلال في حادثة دنشواي في قصيدة له قالها في أكتوبر سنة ١٩٠٦ لمناسبة عودة اللورد كرومر المعتمد البريطاني من إجازته، وكان صاحب الحَوْل والطَّوْل وقتئذٍ في البلاد.

«قصرَ الدُّبارة»٢٥ هل أتاك حديثنا
فالشرق رِيعَ له وضجَّ المغربُ
أهلًا بساكنك الكريم ومرحبًا
بعد التحية إنني أتعتَّبُ
نقلَت لنا الأسلاك عنك رسالة
باتَت لها أحشاؤنا تتلهَّبُ

إلى أن قال:

إن ضاق صدر النيل عما هاله
يوم الحمام فإن صدرك أرحبُ٢٦
أوَكلَّما باح الحزين بأنَّة
أمسَت إلى معنى التعصُّب تُنسَبُ٢٧
رِفقًا عميدَ الدولتَين بأمة
ضاق الرجاء بها وضاق المذهبُ
رِفقًا عميدَ الدولتَين بأمة
ليست بغير ولائها تتعذبُ
إن أرهقوا صيَّادكم فلعلهم
للقوت لا للمسلمين تعصبوا
ولربما ضنَّ الفقير بقوته
وسخا بمهجته على من يغصبُ
في «دنشواي» وأنت عنا غائب
لعبَ القضاء بنا وعزَّ المَهربُ
حسبوا النفوس من الحمام بديلة
فتسابقوا في صيدهنَّ وصوَّبوا
نُكِبوا وأقفرت المنازل بعدهم
لو كنتَ حاضر أمرهم لم يُنكَبوا!
خلَّيتَهم والقاسطون٢٨ بمرصد
وسِياطهم وحبالهم تتأهبُ
جُلِدوا ولو منَّيتَهم لتعلقوا
بحبال من شُنِقوا ولم يتهيَّبوا
شُنِقوا ولو مُنِحوا الخيار لأهَّلوا
بِلظى سِياط الجالدين ورحَّبوا٢٩
يتحاسدون على الممات وكأسُه
بين الشفاه وطعمه لا يَعذُبُ
مَوتانِ؛ هذا عاجلٌ مُتنمِّر
يرنو وهذا آجلٌ يترقبُ
والمستشار٣٠ مُكاثِر برجاله
ومُعاجِز ومُناجِز ومُحزِّبُ
يختال في أنحائها مُتبسِّمًا
والدمع حول ركابه يتصببُ
طاحوا بأربعة فأردَوا خامسًا
هو خير ما يرجو العميد ويطلبُ
حبٌّ يُحاوِل غرسه في أنفُس
يُجنى بمَغرسها الثناء الطيِّبُ
كن كيف شئتَ ولا تكِل أرواحنا
للمستشار فإن عدلك أخصبُ
وأفِض على «بُند»٣١ إذا وليَ القضا
رفقًا يهشُّ له القضاء ويطربُ

قصيدته في شكوى مصر من الاحتلال

قالها في يناير سنة ١٩٠٧:

لقد كان فينا الظلم فوضى فهُذِّبت
حواشيه حتى بات ظلمًا مُنظَّما
تمُنُّ٣٢ علينا اليوم أنْ أخصَبَ الثرى
وأن أصبح المصريُّ حرًّا مُنعَّما
أعِد عهد «إسماعيل» جَلدًا وسخرةً
فإني رأيت المنَّ أنكى وآلَما
عملتم على عز الجماد وذلِّنا
فأغليتمُ طينًا وأرخصتُمُ دما
إذا أخصبَت أرضٌ وأجدب أهلها
فلا أطلعَت نبتًا ولا جادها السَّما
نهشُّ إلى الدنيار حتى إذا مشى
به ربه للسوق أَلْفاه درهما
فلا تحسبوا في وفرة المال — لم تُفِد
متاعًا ولم تعصم من الفقر — مَغنما
فإن كثير المال — والخفضُ وارفٌ —
قليلٌ إذا حلَّ الغلاء وخيَّما٣٣

قصيدته في استقالة اللورد كرومر

فتى الشعر هذا موطن الصدق والهدى
فلا تكذب التاريخ إن كنت مُنشِدا
لقد حان توديع العميد وإنه
حقيقٌ بتشييع المُحِبين والعِدى
فودِّع لنا الطود الذي كان شامخًا
وشيِّع لنا البحر الذي كان مُزبِدا

إلى أن قال:

يُناديك قد أزريتَ بالعلم والحِجا
ولم تُبقِ للتعليم يا «لورد» معهدا
وأنك أخصبتَ البلادَ تعمُّدًا
وأجدبتَ في مصر العقول تعمُّدا
قضيتَ على أم اللغات وإنه
قضاءٌ علينا أو سبيلٌ إلى الردى٣٤
ووافيتَ والقُطران في ظل راية
فما زلت ﺑ «السودان» حتى تمرَّدا
فطاح كما طاحت «مُصوَّع» بعده
وضاعت مَساعينا بأطماعكم سدى
حجبتَ ضياء الصحف عن ظلماته
ولم تستقِلْ حتى حجبتَ «المؤيدا»٣٥
وأودعتَ تقرير الوداع مغامزًا
رأَينا جَفاء الطبع فيها مُجسَّدا
غمزتَ بها دين النبي وإننا
لَنغضبُ إن أغضبتَ في القبر «أحمدا»

•••

يُناديك أين النابغون بعهدكم
وأي بناء شامخ قد تجدَّدا؟
فما عهد «إسماعيل» والعيشُ ضيِّق
بأجدب من عهد لكم سال عَسجدا
يُناديك ولَّيتَ الوزارة هيئة
من الصم لم تسمع لأصواتنا صدى
فليس بها عند التشاور من فتًى
أبيٍّ إذا ما أصدر الأمر أوردا
بربك ماذا صدَّنا ولوى بنا
عن القصد إن كان السبيل مُمهَّدا؟
أشرتَ برأي في كتابك لم يكن
سديدًا ولكن كان سهمًا مُسدَّدا
وحاولتَ إعطاء الغريب مكانة
تجر علينا الويل والذل سرمدا
فيا ويل مصرٍ يومَ تشقى بندوة
يبيتُ بها ذاك الغريب مُسوَّدا٣٦

•••

ألم يكفِنا أنَّا سُلِبنا ضياعنا
على حين لم نبلغ من الفطنة المَدى
وزاحَمَنا في العيش كل مُمارِس
خبير وكنا جاهلين ورُقَّدا
وما الشركاتُ السودُ في كل بلدة
سوى شَركٍ يُلقي به من تَصيَّدا

قصيدته في استقبال السير جورست

استقال اللورد كرومر أو أُقيلَ من منصبه في أبريل سنة ١٩٠٧ على أثر حادثة دنشواي، وخلفه في منصبه السير إلدون جورست، فاستقبله حافظ بقصيدة عبَّر فيها عن شكوى مصر من الاحتلال وآثامه، قال فيها في أسلوب التهكم والسخرية:

أذيقونا الرجاء فقد ظمِئنا
— بعهد المُصلِحين — إلى الورودِ
ومُنُّوا بالوجود فقد جهِلنا
— بفضل وجودكم — معنى الوجودِ
إذا اعلَولى الصياح فلا تلُمنا
فإن الناس في جهد جهيدِ!٣٧
على قدر الأذى والظلم يعلو
صياح المُشفِقين من المزيدِ!
جِراحٌ في النفوس نغَرنَ نغرًا
وكنَّ قد اندملنَ على صديدِ٣٨
إذا ما هاجَهنَّ أسًى جديد
هتكنَ سرائر القلب الجليدِ

إلى أن قال:

فما جئنا نُطاوِلكم بجاهٍ
يطولكمُ ولا ركن شديدِ
ولكنا نُطالِبكم بحق
أضرَّ بأهله نقضُ العهودِ

وعاد إلى ذكر حادثة دنشواي وكيف كانت مبعث اليقظة والحياة للحركة الوطنية:

رمانا صاحب التقرير ظلمًا
بكفران العوارف والكنودِ٣٩
وأقسَم لا يُجيب لنا نداءً
ولو جئنا بقرآن مجيدِ
وبشَّر أهلَ مصر باحتلال
يدوم عليهمُ أبد الأبيدِ
وأنبت في النفوس لكم جفاءً
تعهَّده بمُنهَلِّ الصدودِ
فأثمر وحشةً بلغت مَداها
وزكَّاها بأربعةٍ شهودِ٤٠
قتيل الشمس أورثَنا حياة
وأيقظ هاجع القوم الرُّقودِ٤١
فلَيتَ «كرومرًا» قد دام فينا
يُطوِّق بالسلاسل كل جِيدِ
ويُتحِف «مصر» آنًا بعد آنٍ
بمجلود ومقتولٍ شهيدِ
لينزع هذه الأكفان عنا
ونُبعَث في العوالم من جديدِ

رثاؤه لمصطفى كامل

في يوم ١١ فبراير سنة ١٩٠٨ حين شيَّعت مصر جنازة مصطفى كامل وقف حافظ على قبره وأنشد قصيدته الرائعة في رثائه قال:

أيا قبرُ هذا الضيفُ آمالُ أمة
فكبِّر وهلِّل والقَ ضيفَك جاثيا
عزيزٌ علينا أن نرى فيك مصطفى
شهيد العُلا في زهرة العمر ذاويا
أيا قبر لو أنا فقدناه وحده
لكان التأسي من جوى الحزن شافيا٤٢
ولكن فقدنا كل شيء بفقده
وهيهات أن يأتي به الدهر ثانيا
فيا سائلي أين المروءة والوفا
وأين الحِجا والرأي؟ ويحَك ها هيا!
هنيئًا لهم٤٣ فليأمنوا كل صائح
فقد أُسكِت الصوت الذي كان عاليا
ومات الذي أحيا الشعور وساقَه
إلى المجد فاستحيا النفوس البواليا

•••

مدحتُك لما كنتَ حيًّا فلم أُجِد
وإني أُجيد اليومَ فيك المراثيا
عليك٤٤ وإلا ما لذا الحزن شاملًا
وفيك وإلا ما لذا الشعب باكيا
يموت المُداوي للنفوس ولا يرى
لما فيه من داء النفوس مُداويا
وكنا نيامًا حينما كنت ساهدًا٤٥
فأسهدتَنا حزنًا وأمسيتَ غافيا
شهيدَ العُلا لا زال صوتك بيننا
يرنُّ كما قد كان بالأمس داويا
يُهيبُ بنا: هذا بناءٌ أقمتُه
فلا تهدموا بالله ما كنتُ بانيا
يصيح بنا: لا تُشعِروا الناسَ أنني
قضيتُ وأن الحي قد بات خاليا
يُناشِدنا بالله ألا تفرَّقوا
وكونوا رجالًا لا تَسرُّوا الأعاديا
فرُوحيَ من هذا المقام مُطِلة
تُشارِفكم٤٦ عني وإن كنت باليا
فلا تُحزِنوها بالخلاف فإنني
أخاف عليكم في الخلاف الدواهيا

•••

أجلْ أيها الداعي إلى الخير إننا
على العهد ما دُمنا فنَمْ أنت هانيا
بناؤك محفوظ وطيفُك ماثل
وصوتك مسموع وإن كنتَ نائيا
عهِدْناك لا تبكي وتُنكِر أن يُرى
أخو البأس في بعض المواطن باكيا
فرخِّص لنا اليوم البكاء وفي غدٍ
ترانا كما تهوى جبالًا رواسيا
فيا نِيلُ إن لم تجرِ بعد وفاته
دمًا أحمرًا لا كنتَ يا نيلُ جاريا
ويا «مصر» إن لم تحفظي ذكر عهده
إلى الحشر لا زال انحلالك باقيا
ويا أهل «مصر» إن جهلتم مُصابكم
ثِقوا أن نجم السعد قد غارَ هاويا

•••

ثلاثون عامًا٤٧ بل ثلاثون دُرة
بجِيد الليالي ساطعات زواهيا
ستشهد في التاريخ أنك لم تكن
فتًى مُفرَدًا بل كنتَ جيشًا مُغازيا

قصيدته في حفلة الأربعين

وله في رثاء مصطفى قصيدة أخرى ألقاها في حفلة الأربعين، قال:

نثروا عليك نواديَ الأزهارِ٤٨
وأتيتُ أنثُر بينهم أشعاري
زَينَ الشبابِ وزَينَ طُلاب العلا
هل أنتَ بالمُهَج الحزينة داري؟
غادرتَنا والحادثاتُ بمرصد
والعيش عيش مَذلَّة وإسارِ
ما كان أحوجَنا إليك إذا عدا
عادٍ وصاحَ الصائحون: بدارِ
أين الخطيب وأين خَلَّاب النُّهى؟
طال انتظار السمع والأبصارِ
بالله ما لك لا تُجيب مُناديًا
ماذا أصابك يا أبا المغوار؟
قُم وامحُ ما خطَّت يمينُ «كرومر»
جهلًا بدِينِ الواحد القهارِ
قد كنتَ تغضبُ للكنانة كلما
همَّت وهمَّ رجاؤها بِعثارِ
غضبَ التقيِّ لربه وكتابه
أو غَضبةَ «الفاروق للمختارِ»٤٩
قد ضاق جسمك عن مَداك فلم يُطِق
صبرًا عليك وأنت شعلةُ نارِ
أودى به ذاك الجهادُ وهدَّه
عزمٌ يهدُّ جلائل الأخطارِ
لعبَت يمينك باليراع فأعجزت
لعب الفوارس بالقنا الخطَّارِ٥٠
وجريتَ للعلياء تبغي شأوها
فجرى القضاءُ وأنتَ في المضمارِ
أوَكلَّما هزَّ الرجاءُ مُهنَّدًا
بدرَت إليه غوائل الأقدارِ؟

•••

عزَّ القرارُ عليَّ ليلةَ نَعيه
وشهدتُ موكبه فقرَّ قراري٥١
وتسابَقت فيه النعاةُ فطائرٌ
بالكهرباء وطائرٌ ببخارِ
شاهدتُ يومَ الحشر يومَ وفاته
وعلمتُ منه مراتب الأقدارِ
ورأيتُ كيف تفي الشعوبُ رجالها
حقَّ الولاء وواجب الإكبارِ
تسعون ألفًا حول نعشك خُشَّع
يمشون تحت «لوائك» السيَّارِ
خطُّوا بأدمعهم على وجه الثرى
للحزن أسطارًا على أسطارِ
آنًا يُوالون الضجيجَ كأنهم
ركبُ الحجيج بكعبة الزُّوَّارِ
وتخالُهم آنًا لفرط خشوعهم
عند المُصلَّى يُنصِتون لقاري
غلب الخشوع عليهمُ فدموعهم
تجري بلا كلَح٥٢ ولا استنثارِ
قد كنتُ تحت دموعهم وزفيرهم
ما بين سيل دافق وشَرارِ
أسعى فيأخذني اللهيب فأنثني
فيصدُّني مُتدفِّق التيارِ
لو لم ألُذ بالنعش أو بظلاله
لقضيتُ بين مراجلٍ وبخارِ

•••

كم ذاتِ خدرٍ يومَ طافَ بك الردى
هتكَت عليك حرائرَ الأستارِ
سفرَت تُودِّع أمة محمولة
في النعش لا خبرًا من الأخبارِ
أمنَت عيون الناظرين فمزَّقَت
وجه الخِمار فلم تلُذ بخمارِ٥٣
قد قام ما بين العيون وبينها
سِترٌ من الأحزان والأكدارِ

•••

أُدرِجتَ في العَلم الذي أصفيتَه
منك الوداد فكان خير شعارِ
عَلَمان٥٤ من فوق الرءوس كلاهما
في طيِّه سِرٌّ من الأسرارِ
ناداهما داعي الفراق فأمسَيا
يتعانقان على شفيرٍ هاري
تالله ما جزع المُحب ولا بكى
لنوًى مُروِّعة وبُعدِ مزارِ
جزع «الهلال» عليك يوم تركتَه
ما بين حَرِّ أسًى وحرِّ أُوارِ٥٥
مُتلفِّتًا مُتحيِّرًا مُتخيِّرًا
رجلًا يُناضِل عنه يومَ فخارِ
إن الثلاثين التي بك فاخرَت
باتَت تُقاس بأطولِ الأعمارِ
ضمَّت إلى التاريخ بضعَ صحائف
بيضاء مثل صحائفِ الأبرارِ
شبَّهتُهنَّ بنقطة عطرية
وسعَت مُحصَّل روضة مِعطارِ٥٦
خلَّفتَها كالمَشق يحذو حذوَها
راجي الوصول ومُقتفي الآثارِ
ماذا على الساري وهُنَّ٥٧ مَنائر
لو سار بين مَجاهلٍ وقفارِ

•••

مازلتَ تختار المواقف وعرةً
حتى وقفت لذلك الجبَّارِ٥٨
وهدمتَ سورًا قد أجاد بناءه
فرعون٥٩ ذو الأوتاد والأنهارِ
ووصلتَ بين شكاتنا ومشايخ
في «البرلمان» أجِلة أخيارِ
كشفوا الغطاء عن العيون فأبصروا
ما في الكنانة من أذًى وضِرارِ
نبذوا كلام «اللورد» حين تبيَّنوا
حنَقَ المَغيظِ ولهجةَ الثرثارِ
ورماهمُ بمُجلَّدَين٦٠ رمَوهما
في رتبة الأصفار لا الأسفارِ

•••

واهًا على تلك المواقف إنها
كانت مواقفَ ليثِ غابٍ ضاري
لم يَلوِه عنها الوعيد ولا ثنى
من عزمه قولُ المُريب: حَذارِ
فاهنأ بمنزلك الجديد ونَم به
في غبطةٍ وانعَم بخيرِ جِوارِ
واستقبِل الأجر الكبير جزاءَ ما
ضحَّيتَ للأوطان من أوطارِ
نِعمَ الجزاء ونِعمَ ما بُلِّغتَه
في منزلَيك٦١ ونِعمَ عقبى الدارِ

قصيدته في الذكرى الأولى للفقيد

وله قصيدة ثالثة عند قبره يوم ١١ فبراير سنة ١٩٠٩ في الاحتفال بإحياء ذكراه الأولى، وهي من أبلغ روائع الشعر العربي، قال:

طُوفوا بأركان هذا القبر واستلِموا٦٢
واقضوا هنالك ما تُقضى به الذممُ
هنا جنانٌ تعالى الله بارئه
ضاقت بآماله الأقدار والهممُ
هنا فمٌ وبنانٌ لاح بينهما
في الشرق فجرٌ تُحيِّي ضوءه الأممُ
هنا فمٌ وبنانٌ طالما نثَرا
نثرًا تسير به الأمثال والحِكمُ
هنا الكميُّ٦٣ الذي شادت عزائمه
لطالب الحق ركنًا ليس ينهدمُ
هنا الشهيد هنا ربُّ اللواء هنا
حامي الذِّمارِ هنا الشهم الذي علموا

•••

يا أيها النائم الهاني بمَضجَعه
ليَهنِك النومُ لا همٌّ ولا سقمُ
باتت تُسائلنا في كل نازلة
عنك المنابر والقرطاس والقلمُ
تركتَ فينا فراغًا ليس يشغله
إلا أبيٌّ ذكيُّ القلب مُضطرِمُ
مُنفَّر النوم٦٤ سبَّاق لغايته
آثاره عمَمٌ آماله أممُ

•••

إني أرى وفؤادي ليس يكذبني
روحًا يحفُّ بها الإكبار والعِظمُ
أرى جلالًا أرى نورًا أرى ملَكًا
أرى مُحيًّا يُحيِّينا ويبتسمُ
الله أكبر هذا الوجه أعرفه
هذا فتى النيل هذا المُفرَد العلَمُ
غُضُّوا العيون وحيُّوه تحيته
من القلوب إذا لم تُسعِد٦٥ الكلِمُ
«وأقسِموا أن تذودوا عن مبادئه
فنحن في موقف يحلو به القسمُ»

•••

لبَّيك نحن الأُلى حرَّكتَ أنفسهم
لما سكنتَ ولما غالك العدَمُ
جئنا نُؤدِّي حسابًا عن مواقفنا
ونستمد ونستعدي٦٦ ونحتكمُ
قيل اسكتوا فسكتنا ثم أنطقَنا
عسفُ الجفاة٦٧ وأعلى صوتَنا الألمُ
قد اتُّهمنا ولما نطَّلب جللًا
إن الضعيف على الحالَين مُتهَمُ
قالوا لقد ظلموا بالحق أنفسهم
والله يعلم أن الظالمين همُ
إذا سكتنا تَناجَوا: تلك عادتهم
وإن نطقنا تنادَوا: فتنةٌ عمَمُ

•••

قد مرَّ عامٌ بنا والأمرُ يحزبنا٦٨
آنًا وآونةً تنتابنا النِّقمُ
فالناس في شدة والدهر في كَلَب٦٩
والعيش قد حارَ فيه الحاذق الفهِمُ
وللسياسة فينا كلَّ آونة
لونٌ جديد وعهدٌ ليس يُحترَمُ
بينا نرى جَمرها تُخشى مَلامسه
إذا به عند لمس المُصطلِي فحَمُ
تُصغِي لأصواتنا طورًا لتخدعنا
وتارةً يزدهيها الكِبرُ والصمَمُ
فمن مُلايَنةٍ أستارُها خدعٌ
إلى مُصالَبةٍ أستارُها وهَمُ

•••

ماذا يريدون؟٧٠ لا قرَّت عيونهمُ
إن الكنانة لا يُطوى لها علَمُ
كم أمةٍ رغبَت فيها فما رسخت
لها — على حولها٧١ — في أرضها قَدمُ
ما كان ربُّك ربُّ البيت تاركَها
وهي التي بحبال منه تعتصمُ
لبَّيك إنا على ما كنت تعهده
حتى نسود وحتى تشهد الأممُ
فيعلمَ النيل أنَّا خيرُ مَن وردوا
ويستطيل اختيالًا ذلك الهرمُ

إلى أن قال:

يا أيها النشء سيروا في طريقته
وثابروا: رضيَ الأعداءُ أو نقموا
فكلُّكم «مصطفى» لو سار سيرته
وكلُّكم «كامل» لو جازه٧٢ السأمُ
قد كان لا وانيًا يومًا ولا وكِلًا٧٣
يستقبل الخَطبَ بسَّامًا ويقتحمُ
وأنت يا قبر قد جئنا على ظمأ
فجُد لنا بجوابٍ جادَك الدِّيَمُ٧٤
أين الشباب الذي أودعتَ نضرته
أين الخلالُ — رعاك الله — والشِّيَمُ؟
وما صنعتَ بآمال لنا طُويَت
يا قبرُ فيك وعفَّى رسمَها القِدَمُ؟
ألا جوابٌ يُروِّي من جوانحنا؟
ما للقبور إذا ما نُوديَت تَجِمُ؟٧٥
نَم أنت يكفيك ما عانيتَ من تعب
فنحن في يقظة والشمل مُلتئمُ
هذا «لواؤك» خفَّاقٌ يُظلِّلنا
وذاك شخصك في الأكباد مُرتسَمُ

تحية العام الهجري

أعد الشباب في سنة ١٩٠٩ (١٣٢٧ هجرية) احتفالًا كبيرًا بالعام الهجري الجديد، تولَّى الطلبة تنظيمه برعاية نادي المدارس العليا، وكان احتفالًا رائعًا أُقيمَ بدار التمثيل العربي مساء الجمعة غاية ذي الحجة سنة ١٣٢٦ (٢٢ يناير سنة ١٩٠٩) برئاسة أحمد بك لطفي، وألقى فيه حافظ قصيدته المشهورة في تحية العام الجديد. قال في مطلعها:

أطلَّ على الأكوان والخلقُ تنظرُ
هلالٌ رآه المسلمون فكبَّروا
تجلَّى لهم في صورةٍ زادَ حسنَها
على الدهر حسنًا أنها تتكررُ
وبشَّرهم من وجهه وجبينه
وغُرته والناظرَين مُبشِّرُ
وأذكرَهم يومًا٧٦ أغرَّ مُحجَّلًا
به تُوِّج التاريخ والسعد مُسفِرُ
وهاجَر فيه خيرُ داعٍ إلى الهدى
يَحُف به من قوة الله عسكرُ
يُماشيه جبريل وتسعى وراءه
ملائكةٌ ترعى خُطاه وتخفرُ
بيُسراه برهانٌ من الله ساطعٌ
هدًى وبيُمناه الكتاب المُطهَّرُ
فكان على أبواب «مكة» ركبُه
وفي «يثربٍ»٧٧ أنواره تتفجرُ
مضى العام ميمونَ الشهور مُبارَكًا
تُعدَّد آثارٌ له وتُسطَّرُ
مضى غيرَ مذموم فإن يذكروا له
هنَاتٍ فطبعُ الدهر يصفو ويكدرُ
وإن قيل أودى بالألوف أجابهم
مُجيب: لقد أحيا الملايين فانظروا
«إذا قيس إحسانُ امرئٍ بإساءة
فأربى عليها فالإساءةُ تُغفَرُ»
ففيه أقام النائمون وقد أتت
عليهم كأهل الكهف في النوم أعصُرُ
وفي عالم الإسلام في كل بقعة
له أثرٌ باقٍ وذِكرٌ مُعطِّرُ

وبعد أن سرد الحوادث في مختلف الأقطار الإسلامية طوال العام المُنصرِم، عرَّج على الحركة الوطنية في مصر فحيَّاها أحسن تحية وكان ترجمان الشعر والأدب في تمجيدها وتأييدها، قال:

وفيه سرَت في مصر روحٌ جديدة
مُبارَكةٌ من غيرةٍ تتسعرُ
خبَت زمنًا حتى توهَّمتُ أنها
تجافت عن الإيراء لولا «كرومرُ»٧٨
تصدَّى فأوراها وهيهات أن يرى
سبيلًا إلى إخمادها وهي تزفرُ
مضى زمن التنويم يا نيلُ وانقضى
ففي مصر أيقاظٌ على مصر تَسهرُ
وقد كان «مرفين» الدهاء مُخدِّرًا
فأصبح في أعصابنا يتخدرُ
شعرنا بحاجات الحياة فإن ونَت
عزائمنا عن نيلها كيف نُعذَرُ؟
شعرنا وأحسسنا وباتت نفوسنا
من العيش إلا في ذرا العز تسحرُ
«إذا الله أحيا أمةً لن يردَّها
إلى الموت قهَّار ولا مُتجبِّرُ»

وحيَّا الشباب بقوله:

رجالَ الغد المأمول إنا بحاجة
إلى قادةٍ تبني وشعبٍ يُعمِّرُ
رجالَ الغد المأمول إنا بحاجة
إلى مُصلِحٍ يدعو وداعٍ يُذكِّرُ
رجالَ الغد المأمول إنا بحاجة
إلى عالمٍ يدري وعلمٍ يُقرِّر
رجالَ الغد المأمول إنا بحاجة
إلى حكمةٍ تُملي وكفٍّ تُحرِّرُ
رجالَ الغد المأمول إنا بحاجة
إليكم فسُدُّوا النقص فينا وشمِّروا
رجالَ الغد المأمول لا تتركوا غدًا
يمر مرور الأمس والعيشُ أغبرُ
رجالَ الغد المأمول إن بلادكم
تُناشِدكم بالله أن تتذكروا
عليكم حقوقٌ للبلاد أجلُّها
تعهدُ روضِ العلم فالروضُ مُقفِرُ
«قُصارى مُنى أوطانكم أن ترى لكم
يدًا تبتني مجدًا ورأسًا يُفكِّرُ»
فكُونوا رجالًا عاملين أعزة
وصُونوا حِمى أوطانكم وتحرَّروا

وعرَّج على حركة المطالبة بالدستور، قال:

ويا طالبي «الدستور» لا تسكنوا ولا
تبيتوا على يأس ولا تتضجروا
أعِدوا له صدر المكان فإنني
أراه على أبوابكم يتخطرُ
ولا تنطقوا إلا صوابًا فإنني
أخاف عليكم أن يُقال تهوَّروا
«فما ضاع حقٌّ لم ينَم عنه أهله
ولا ناله في العالمين مُقصِّرُ»
لقد ظفر الأتراك عدلًا بسؤلهم٧٩
ونحن على الآثار لا شك نظفرُ
همُ لهم العام القديم مُقدَّر
ونحن لنا العام الجديد مُقدَّرُ

وقد قُوبلَت القصيدة بالتصفيق والإعجاب والحماسة البالغة من الحاضرين، وكان إلقاؤه رائعًا أخَّاذًا، ولبث في إلقائه ساعة من الزمان كاملة.

وفي ١٢ يناير سنة ١٩١٠ أقام الشباب أيضًا احتفالًا فخمًا بعيد رأس السنة الهجرية ١٣٢٨ بمسرح «البيلوت باسك» بشارع عماد الدين، فألقى فيه حافظ قصيدة من أبلغ شعره، قال في مطلعها يُحيِّي هلال العام الجديد:

لي فيك حين بدا سناك وأشرقا
أملٌ سألتُ اللهَ أن يتحققا

ثم ذكر العام الذي مضى وما أصاب مصر فيه من كوارث، قال:

أشرِق علينا بالسعود ولا تكن
كأخيك مشئومَ المنازل أخرقا

إلى أن قال ينعى حرية الصحافة ويذكر ما أصابها من الضغط والاضطهاد:

ورمى على أرض الكنانة جِرمَه
بالنازلات السود حتى أرهقا
حصدَت مَناجلُه غِراسَ رجائنا
ولوَ انَّها أبقت عليه لَأورقا
فتقيَّدت فيه «الصحافة» عنوةً
ومشى الهوى بين الرعية مُطلَقا
وأتى يُساوِم في «القناة» خديعةً
ولوَ انَّها تمَّت لتمَّ بها الشقا٨٠
إن البلية أن تُباع وتُشترى
مصرٌ وما فيها وألا تنطِقا
كانت تُواسينا على آلامنا
صحفٌ إذا نزل البلاء وأطبقا
فإذا دعوتُ الدمع فاستعصى بكَت
عنا أسًى حتى تغصَّ وتشرقا
كانت لنا يوم الشدائد أسهمًا
نرمي بها وسوابقًا٨١ يوم اللِّقا
كانت صِمامًا للنفوس إذا غلَت
فيها الهموم وأوشكت أن تزهقا
كم نفَّسَت عن صدرِ حرٍّ واجدٍ ٨٢
لولا الصمام من الأسى لَتمزَّقا
ما لي أنوح على الصحافة جازعًا
ماذا ألمَّ بها وماذا أحدقا
قَصوا حواشيَها وظَنوا أنهم
أمِنوا صواعقها فكانت أصعقا
وأتَوا بحاذقهم٨٣ يكيد لها بما
يَثني عزائمها فكانت أحذقا

وقال يُخاطِب الشباب ويهيب بهم أن يعملوا ليردوا إلى مصر مجدها واستقلالها:

أهلًا بنابتة البلاد ومرحبًا
جدَّدتمُ العهد الذي قد أخلقا
لا تيئسوا أن تستردوا مجدكم
فلَرُب مغلوبٍ هوى ثم ارتقى
مدَّت له الآمال من أفلاكها
خيط الرجاء إلى العلا فتسلَّقا
فتجشَّموا للمجد كل عظيمة
إني رأيت المجد صعب المُرتقى
من رامَ وصل الشمس حاكَ خيوطَها
سببًا إلى آماله وتعلَّقا

•••

«عارٌ على ابن النيل سبَّاق الورى
مهما تقلَّب دهرُه أن يُسبَقا»
أوَكلُّما قالوا تجمَّع شملهم
لعب الشقاق بجمعنا فتفرَّقا؟
فتدفَّقوا حُججًا وحُوطوا نيلكم
فلكَم أفاض عليكم وتدفَّقا
حملوا علينا بالزمان وصرفِه
فتأنقوا في سلبنا وتأنَّقا٨٤
هزُّوا مَغاربها فهابت بأسهم
يا ويلكم إن لم تهزوا المَشرقا٨٥
فتعلَّموا فالعلمُ مفتاح العُلا
لم يُبقِ بابًا للسعادة مُغلَقا
«ثم استمِدوا منه كل قواكم
إن القويَّ بكل أرض يُتَّقى»
وابنوا حوالَي حوضكم من يقظة
سورًا وخطوا من حذارٍ خندقا
وزِنوا الكلام وسدِّدوه فإنهم
خبَئوا لكم في كل حرف مَزلقا
وامشوا على حذر فإن طريقكم
وعرٌ أطاف به الهلاكُ وحلَّقا
نصبوا لكم فيه الفخاخ وأرصدوا
للسالكين بكلِّ فجٍّ مَوبقا٨٦
«الموتُ في غشيانه وطروقه
والموت كل الموت ألا يطرقا»٨٧
فتحيَّنوا فرصَ الحياة كثيرة
وتعجَّلوها بالعزائم والرُّقى
«أو فاخلقوها قادرين فإنما
فرص الحياة خليقة أن تُخلَقا»

مسألة قناة السويس

في أواخر سنة ١٩٠٩ وأوائل سنة ١٩١٠ شغلت الرأيَ العامَ مسألةٌ كبرى تتصل بحياة البلاد الاقتصادية والسياسية، وهي مشروع مد الامتياز الممنوح لشركة قناة السويس أربعين عامًا أخرى، وقد أثار هذا المشروع سخط الأمة واحتجاجها وطالبت بوقفه وبعرضه على «الجمعية العمومية» قبل البت فيه.

حرَّكت هذه المسألة الهامة روح الشعر في نفس حافظ، فنظم في نوفمبر سنة ١٩٠٩ قصيدة من بليغ شعره القومي، وصف فيها الحالة السيئة التي وصلت إليها البلاد، وأيَّد الحركة الوطنية في مطالبها، وعبَّر أصدق تعبير عن آلامها وآمالها، قال في مطلعها:

لقد نصَل الدُّجى فمتى تنامُ
أهمٌّ ذادَ نومَك أم هيامُ٨٨

إلى أن قال:

أيجمل بالأديبِ أديبِ مصر
بكاءُ الطفل أرهقَه الفِطامُ
ويصرفه الهوى عن ذِكر مصر
ومصرٌ في يد الباغي تُضامُ
عدمتُ يراعتي إن كان ما بي
هوًى بين الضلوع له ضِرامُ
وما أنا والغرام وشابَ رأسي
وغالَ شبابيَ الخَطبُ الجسامُ
وربَّاني الذي ربَّى «لبيدًا»
فعلَّمني الذي جهل الأنامُ٨٩
لعمرك ما أرقتُ لغير مصر
وما ليَ دونها أملٌ يُرامُ
ذكرتُ جلالها أيام كانت
تصول بها الفراعنة العظامُ
وأيامَ الرجالُ بها رجالٌ
وأيامَ الزمان لها غلامُ
فأقلق مَضجعي ما بات فيها
وباتت مصر فيه فهل أُلامُ؟

وأهاب بالشعب أن يدع التواكل والتخاذل والانقسام، قال:

أرى شعبًا بمَدرَجة العوادي
تمخَّخ عظمَه داءٌ عُقامُ٩٠
إذا ما مرَّ بالبأساء عامٌ
أطلَّ عليه بالبأساء عامُ
سرى داء التواكل فيه حتى
تخطَّف رزقَه ذاك الزحامُ٩١
قد استعصى على الحكماء منا
كما استعصى على الطب الجُذامُ
«هلاك الفرد مَنشؤه توانٍ
وموت الشعب مَنشؤه انقسامُ»
وإنا قد ونَينا وانقسمنا
فلا سعيٌ هناك ولا وئامُ
فساءَ مُقامنا في أرض مصر
وطاب لغيرنا فيها المُقامُ
فلا عجبٌ إذا مُلكَت علينا
مذاهبنا وأكثرنا نيامُ

وناجى الأمير حسين كامل وكان رئيسًا لمجلس شورى القوانين أن يبث روح الحياة والتضامن في نفوس مجلس الشورى والجمعية العمومية، وناشدهم ألا يثقوا بوعود الاحتلال، قال:

«حسينُ. حسينُ» أنت لنا فنبِّه
رجالًا عن طِلاب الحق ناموا
وكن — بأبيك — لابن أخيك عونًا
فأنت بكفه نِعمَ الحُسامُ
أفِض في قاعة الشورى وئامًا
فقد أودى بنا وبها الخصامُ
وعلِّمهم مصادمة الأعادي
فمثلك لا يُروِّعه الصدامُ
ففي «حزب اليمين» لديك قوم
وإن قلُّوا فإنهمُ كرامُ
وفي «حزب الشمال» لديك أُسدٌ
كُماةٌ لا يطيب لها انهزامُ
فكُونوا للبلاد ولا يفُتكم
من النهزات والفرص اغتنامُ
فما سادوا بمعجزة علينا
ولكن في صفوفهم انضمامُ
«فلا تثقوا بوعد القوم يومًا
فإن سحابَ ساستهم جَهامُ»٩٢
وخافوهم إذا لانوا فإني
أرى السُّوَّاس ليس لهم ذِمامُ٩٣
فكم ضحك «العميد» على لحانا
وغرَّ سراتَنا منه ابتسامُ

ونادى بالدستور وندَّد بمشروع مد امتياز القناة، قال:

وليس العلمُ يُمسِكنا وحيدًا
إذا لم ينصر العلمَ اعتزامُ
وإن لم يُدرِك «الدستورُ» مصرًا
فما لحياتها أبدًا قِوامُ
حمَونا وِردَ ماء النيل عذبًا
وقالوا: إنه موتٌ زؤامُ
وما الموت الزؤام إذا عقَلْنا
سوى «الشركات» حلَّ لها الحرامُ
لقد سعدت بغفلتنا فراحت
بثروتنا وأولها «الترامُ»

•••

فيا ويل «القناة» إذا احتواها
بنو «التاميز» وانحسر اللِّثامُ
لقد بقيَت من الدنيا حُطامًا
بأيدينا وقد عزَّ الحطامُ
وقد كنا جعلناها زِمامًا
فوالَهفي إذا قُطع الزمامُ!

•••

فيا «قصر الدبارة» لست أدري
أحربٌ في جرابك أم سلامُ؟
أجِبْنا هل يُراد بنا وراءٌ
فنقضي أم يُراد بنا أمامُ؟
ويا «حزب اليمين» إليك عنا
لقد طاشت نبالك والسهامُ
ويا «حزب الشمال» عليك منا
ومن أبناء نجدتك السلامُ

وقد اضطرت الوزارة تحت ضغط الرأي العام إلى عرض المشروع على الجمعية العمومية التي قررت رفضه، وبذلك حبط المشروع.

تنديده بالكولونل روزفلت

جاء الكولونل تيودور روزفلت الرئيس الأسبق لجمهورية الولايات المتحدة إلى مصر عن طريق السودان في مارس ١٩١٠، وألقى بالخرطوم خطبة سياسية مجَّد فيها الاحتلال البريطاني، ودعا إلى الخضوع لحكمه، ولما وصل إلى القاهرة ألقى بالجامعة المصرية خطبة أخرى أشد وطأة من خطبته بالخرطوم، وقد أثارت خطبتاه احتجاج الرأي العام، وشارَك حافظ الأمةَ في سخطها على روزفلت، ونظم قصيدة عصماء لامه فيها على إطرائه الاحتلال، نشرها قُبَيل إلقاء خطبته الثانية بالقاهرة، قال:

أيْ خطيبَ الدنيا الجديدة شنِّف
سمعَ مصرٍ بقولك المأثورِ
إنما شوقها لقولك يا «روزْ
فلت» شوق الأسير للتحريرِ
قِف غدًا أيها الرئيس وعلِّم
أهلَ مصرٍ حريةَ التعبيرِ
وَاخْبِر الناسَ كيف سدتُم على النا
س وجئتم بمعجزاتِ الدهورِ
وملَكتُم أعِنَّة الريح والما
ء ودستم على رقابِ العصورِ
قِف وعدِّد مآثر العلم واذكر
نِعَم الله ذِكرَ عبدٍ شكورِ
وإذا ما ذكرت أنعمه الكبـ
ـرى فلا تنسَ نعمة «الدستورِ»

•••

يا نصير الضعيف ما لك تُطري
خطة القوم٩٤ بعدَ ذاك النكيرِ
لم تُطيقوا جوارهم بل أقمتم
في حماكم من دونهم ألفُ سورِ
أنت تُطريهمُ وتُثني عليهم
نائيًا آمنًا وراءَ البحورِ
ليت شعري أكنتَ تدعو إليهم
يوم كانوا على تخومِ الثغورِ
يوم كانوا قذًى بعين «نيويور
ك» وداءً مُستحكِمًا في الصدورِ
يوم نادى «واشنجتون» فلبَّا
ه من الغيل كلُّ ليثٍ هصورِ٩٥
يوم سجَّلتمُ على صفحات الد
هر تاريخ مجدكم بالنورِ
ووثبتم إلى الحياة وُثوبًا
ونفضتم عنكمُ غبارَ القبورِ
إنما النيل والمسيسبيُّ٩٦ صنوا
ن هما حليتان للمعمورِ
وعجيبٌ أن فاز هذا بإطلا
قٍ وهذا في ذلةِ المأسورِ
يا نصيرَ الضعيف حبِّب إليهم
هجر مصر٩٧ تفُز بأجرٍ كبيرِ
فعليهم أن يهجروا وعلى المصـ
ـريِّ ذِكرُ المُتيَّمِ المهجورِ

رثاؤه لمحمد فريد

نظم حافظ في رثاء محمد فريد قصيدة من غُرَر شعره، ألقاها بصوته الجهوري في حفلة التأبين التي أقامها الحزب الوطني يوم الأربعين لوفاته (١٩ ديسمبر سنة ١٩١٩)، فهزَّت مشاعر السامعين والمواطنين لما حوته من المعاني الرائعة والتقدير البالغ للزعيم الراحل، قال:

مَن لِيومٍ نحن فيه مَن لِغدْ؟
مات ذو العزمة والرأي الأسَدْ
حلَّ ﺑ «الجمعة» حزنٌ وأسًى
ومشى الوجد إلى «يوم الأحدْ»٩٨
وبدا شِعري على قرطاسه
لوعةً سالت على دمعٍ جمَدْ

•••

أيها النيل لقد جلَّ الأسى
كُن مِدادًا لي إذا الدمع نفدْ
واذبُلي يا زهرةَ الرَّوض ولا
تَبسِمي للطَّل فالعيشُ نكدْ
والزَم النَّوحَ أيا طَيرُ وَلا
تبتهج بالشَّدوِ فالشدوُ حددْ٩٩
فلقد ولَّى «فريد» وانطوى
ركنُ مصرٍ وفتاها والسَّندْ

•••

خالدَ الآثار لا تخشَ البِلى
ليس يبلى من له ذِكرٌ خلدْ
زرتَ «برلين» فنادى سَمتُها
نزلت شمس الضحى برجَ الأسدْ
واختفت شمسك فيها وكذا
تختفي في الغرب أقمار الأبدْ١٠٠

•••

يا غريبَ الدار والقبر ويا
سلوة النيل إذا ما الخَطبُ جَدْ
وحُسامًا فلَّ حدَّيه الرَّدى
وشهابًا ضاء وهنًا وخمدْ
قُل ﻟ «صب النيل»١٠١ إن لاقيته
في جوار الدائم الفرد الصمدْ
إن مصرًا لا تني عن قصدها
رغم ما تلقى وإن طال الأمدْ
جئت عنها أحمل البشرى إلى
«أول البانين»١٠٢ في هذا البلدْ
فاسترِح واهنأ ونم في غبطة
قد بذرتَ الحبَّ والشعبُ حصدْ١٠٣

•••

آثر النيلَ على أمواله
وقواه وهواهُ والولدْ
يطلب الخير لمصرٍ وهو في
شِقوةٍ أحلى من العيش الرغَدْ
ضاربٌ في الأرض يبغي مأربًا
كلما قاربه عنه ابتعدْ
لم يعِبه أن تجنَّى دهرُه
رُب جِدٍّ حاد عن مَجراه جَدْ١٠٤
يستجمُّ العزم حتى إن بدَت
فرصةٌ شدَّ إليها وصمدْ
فهو لا يَثني عنانًا عن مُنًى
وهو هجِّيراه «مَن جد وجدْ»
فأياديه إذا ما أُنكرَت
إنما تُنكِرها عين الحسدْ

•••

فقدت مصر «فريدًا» وهي في
موطنٍ يُعوِزها فيه المددْ
فقدت مصر «فريدًا» وهي في
لهوَّة الميدان والموتُ رصدَ
فقدت منه خبيرًا حُوَّلًا١٠٥
وهي والأيام في أخذٍ وردْ
لم يكد يُمتِعها الدهر به
في ربوع النيل حيًّا لم يكدْ
ليته عاش قليلًا فترى
شعبَ مصرٍ عينُه كيف اتحدْ
ويحَ مصرٍ بل فويحًا للثرى
إنه أبلغ حزنًا وأشدْ
كم تمنَّى وتمنَّى أهله
لو يُوارى فيه ذيَّاك الجسدْ١٠٦

•••

لهفَ نفسي هل «ببرلين» امرؤٌ
فوق ذاك القبر صلَّى وسجدْ؟
هل بكت عينٌ فروَّت تُربَه
هل على أحجاره خطَّ أحدْ؟
ها هنا قبرُ شهيدٍ في هوى
أمةٍ أيقظها ثم رقدْ!

ثورة سنة ١٩١٩

حيَّا حافظ ثورة سنة ١٩١٩ في قصيدة نظمها عن أول مظاهرة للسيدات قُمنَ بها يوم ١٦ مارس ١٩١٩ احتجاجًا على عسف الإنجليز حيال المظاهرات السابقة وما ارتكبوه مع المتظاهرين من فظائع القتل والتنكيل، وقد مجَّد حافظ شعور السيدات المتظاهرات وشجاعتهن، وحمل في قصيدته حملة لاذعة على مسلك الجنود الإنجليز حيالَهن، قال:

خرج الغواني يَحتجِجـ
ـنَ ورُحتُ أرقبُ جمعَهنَّهْ
فإذا بهنَّ تخِذنَ من
سود الثياب شعارَهنَّهْ
فطلعنَ مثل كواكبٍ
يسطعنَ في وسَط الدُّجنَّة١٠٧
وأخذنَ يجتزنَ الطريـ
ـق ودارُ «سعد» قصدُهنَّهْ
يمشين في كنف الوقا
ر وقد أبنَّ شعورهنَّهْ
وإذا بجيشٍ مُقبِل
والخيلُ مُطلَقة الأعِنَّة
وإذا الجنود سيوفُها
قد صُوِّبت لنحورهنَّهْ
وإذا المَدافع والبنا
دق والصوارم والأسنَّة
والخيل والفرسان قد
ضربَت نطاقًا حولهنَّهْ
والورد والريحان في
ذاك النهار سلاحهنَّهْ
فتطاحَن الجيشان سا
عاتٍ تشيب لها الأجنَّة
فتضعضع النسوان والنـ
ـسوان ليس لهن مُنَّة١٠٨
ثم انهزمنَ مُشتَّتا
ت الشمل نحو قصورهنَّهْ

•••

فليهنأ الجيش الفخو
رُ بنصره وبكسرهنَّهْ!
فكأنما «الألمان» قد
لبسوا البراقع بينهنَّهْ
وأتوا ﺑ «هندِنبُرج»١٠٩ مُخـ
ـتفِيًا بمصر يقودهنَّه
فلذاك خافوا بأسهنَّ
وأشفقوا من كيدهنَّهْ!

وأنشأ قصيدة حيَّا بها جمعية المرأة الجديدة، وألمع فيها إلى بطولة المرأة في ثورة سنة ١٩١٩، قال:

إليكنَّ يُهدي النيل ألف تحية
مُعطَّرة في أسطرٍ عطِراتِ
ويُثني على أعمالكن مُوكِّلي١١٠
بإطراء أهل البِر والحسناتِ
أقمتنَّ بالأمس الأساسَ مُبارَكًا
وجئتنَّ يوم الفتح مُغتبِطاتِ
صنعتنَّ ما يُعيي الرجالَ صنيعُهُ
فزِدتنَّ في الخيرات والبركاتِ

•••

يقولون: نصف الناس في الشرق عاطلٌ
نساءٌ قضينَ العمر في الحجراتِ
وهذي بنات النيل يعملنَ للنُّهى
ويغرسنَ غرسًا دانيَ الثمراتِ
وفي السَّنة السوداء كُنتنَّ قدوة
لنا حين سال الموتُ بالمُهُجاتِ
وقفتنَّ في وجه الخميس مُدجَّجًا
وكُنتنَّ بالإيمان مُعتصِماتِ
وما هالَكنَّ الرمحُ والسيفُ مُصلَتًا
ولا المدفع الرَّشاشُ في الطرقاتِ
تعلَّمَ منكن الرجال فأصبحوا
على غمرات الموت أهلَ ثباتِ

مصر تتحدث عن نفسها

قصيدة غرَّاء قالها سنة ١٩٢١ على أثر قطع مفاوضات عدلي-كيرزون، حين سفرت نيات الإنجليز في العدوان على مصر، وقد أشاد فيها بمجد مصر وعظمتها، ثم أشار إليها وهي تستنجد ببَنِيها البرَرة على غدرات الأيام، ويهيب بهم أن ينظروا من تليد مجدها إلى المثل الأعلى ليحتذوه، ويتعاونوا على التمسك بالحق كاملًا حتى يبلغوه، وقد أجرى الخطاب في القصيدة على لسان مصر ليُنصِت الجميع لصوتها؛ إذ هي فوق الجميع، وكان عنوان القصيدة حين نُشرت «مصر فوق الجميع»:

وقف الخلقُ ينظرون جميعًا
كيف أبني قواعدَ المجد وحدي
وبُناة الأهرام في سالف الدهـ
ـر كفَوني الكلام عند التحدِّي
أنا تاج العَلاء في مَفرق١١١ الشَّر
ق ودُرَّاته فرائدُ عِقدي
أيُّ شيءٍ في الغرب قد بهر النا
سَ جمالًا ولم يكن منه عندي؟
فتُرابي تِبرٌ ونهري فراتٌ
وسمائي مصقولةٌ كالفرندِ١١٢
أينما سِرتُ جدولٌ عند كَرْم
عند زَهر مُدنَّر عند رَندِ١١٣
ورجالي لو أنصفوهُم لَسادوا
من كهولٍ ملءِ العيون ومُردِ١١٤
لو أصابوا لهم مجالًا لأَبدَوا
معجزات الذكاء في كلِّ قصدِ
أنا إن قدَّر الإله مماتي
لا ترى الشرقَ يرفع الرأسَ بعدي

•••

ما رماني رامٍ وراحَ سليمًا
من قديمٍ عنايةُ الله جندي
كم بغَت دولةٌ عليَّ وجارَت
ثم زالت وتلك عقبى التمدِّي
إنني حُرةٌ كسرتُ قيودي
رغمَ رُقبى العِدى وقطَّعتُ قدِّي١١٥

•••

قُل لمن أنكروا مَفاخر قومي
مثلَ ما أنكروا مآثر وُلْدي
هل وقفتم بقِمَّة الهرم الأكـ
ـبر يومًا فرَيتمُ بعضَ جُهدي؟١١٦
هل رأيتم تلك النقوش اللواتي
أعجزت طَوقَ صنعة المُتحدِّي؟
حالَ لون النهار من قِدَم العهـ
ـد وما مسَّ لونَها طولُ عهدِ
هل فهمتُم أسرارَ ما كان عندي
من علومٍ مخبوءةٍ طيَّ بَردي؟
ذاك فنُّ التحنيط قد غلب الدهـ
ـرَ وأبلى البِلى وأعجزَ نِدِّي

•••

قد عقدتُ العهودَ من عهد فرعو
ن ففي «مصر» كان أولُ عقدِ
إن مجدي في الأُولَيات عريقٌ
مَن له مثل أُولَياتي ومَجدي؟
أنا أمُّ «التشريع» قد أخذ الرُّو
مان عنِّي الأصول في كلِّ حدِّ
ورصدتُ النجوم منذ أضاءت
في سماء الدُّجى فأحكمتُ رصدي
وشدا «بنتئور»١١٧ فوق ربوعي
قبل عهد اليونان أو عهدِ «نجدِ»
أتُراني وقد طويت حياتي
في مِراسٍ لم أبلغ اليوم رشدي؟
أيُّ شعبٍ أحقُّ منِّي بعَيشٍ
وارفِ الظلِّ أخضر اللَّون رغدِ؟

•••

أمِن العدلِ أنهم يرِدُون الـ
ـماء صفوًا وأن يُكدَّر وِردي؟
أمِن الحقِّ أنهم يُطلِقون الـ
أُسد منهم وأن تُقيَّد أُسدي؟
«نصفُ قرنٍ إلا قليلًا أُعاني
ما يُعاني هوانَه كلُّ عبدِ»١١٨
نظر الله لي فأرشدَ أبنا
ئي فشدُّوا إلى العُلا أيَّ شدِّ
«إنما الحقُّ قوةٌ من قوى الدَّيَّا
نِ أمضى من كلِّ أبيضَ هندي»

وقال في تمجيد التضحية والصمود والصبر أمام الشدائد:

قد وعدتُ العُلا بكلِّ أبيٍّ
من رجالي فأنجِزوا اليوم وعدي
أمهِروها بالرُّوح فهي عروسٌ
تَشنأُ المهرَ من عُروضٍ ونقدِ١١٩
ورِدوا بي مَناهل العز حتى
يخطبَ النجمُ في المَجرة ودِّي
«وارفَعوا دولتي على العِلم والأخـ
ـلاق فالعلم وحدَه ليس يُجدي»
وتواصَوا بالصبرِ فالصبرُ إن فا
رَق قومًا فما له من مَسدِّ
خُلُق الصبر وحدَه نصرَ القو
مَ وأغنى عن اختراعٍ وعدِّ
شهِدوا حَومة الوغى بنُفوسٍ
صابرات وأوجُهٍ غيرِ رُبدِ
فمحا الصبرُ آيةَ العلم في الحر
بِ وأنحَى على القويِّ الأشَدِّ

وقال يدعو إلى توحيد الكلمة ونبذ الشِّقاق، وكانت البلاد وقتئذٍ في غمرة من الانقسام:

إن في الغرب أعينًا راصداتٍ
كحلَتها الأطماعُ فيكم بسُهدِ
فوقَها مِجهرٌ يُريها خفايا
كُم ويطوي شعاعُه كلَّ بُعدِ
فاتقوها بجُنةٍ من وئامٍ
غيرِ رثِّ العُرا وسَعيٍ وكدِّ
«واصفَحوا عن هنَاتِ مَن كان منكم
رُب هافٍ هفا على غير عَمدِ»
نحن نجتاز موقفًا تعثُر الآ
راء فيه وعثرةُ الرأي تُردي
ونُعِير الأهواءَ حربًا عوانًا
من خلافٍ والخُلْف كالسُّل يُعدي
«ونُثِير الفوضى على جانبَيه
فيُعيد الجهولُ فيها ويُبدي»
ويظنُّ الغويُّ أن لا نظامٌ
ويقول القويُّ قد جدَّ جِدِّي
فقِفوا فيه وَقفةَ الحزم وارمُوا
جانبَيه بعزمة المُستعِدِّ
إننا عند فجرِ ليلٍ طويل
قد قطعناه بين سُهدٍ ووَجدِ
غمرَتنا سُودُ الأهاويل١٢٠ فيه
والأمانيُّ بين جزرٍ ومدِّ
وتَجلَّى ضياؤه بعد لَأيٍ
وهو رمزٌ لعهديَ المُسترَدِّ
فاستبِينوا قصدَ السبيل وجِدُّوا
فالمَعالي مخطوبةٌ للمُجِدِّ

الاستقلال المُقيَّد

قالها عندما أُعلِن تصريح ٢٨ فبراير سنة ١٩٢٢:

أصبحتُ لا أدري على خبرةٍ
أجدَّت الأيامُ أم تَمزحُ؟
أموقفٌ للجِد نجتازه
أم ذاك للَّاهي بنا مَسرَحُ؟
ألمَحُ لاستقلالنا لمعةً
في حالكِ الشَّك فأستروحُ
وتطمِس الظُّلمة آثارها
فأنثَني أُنكِر ما ألمَحُ
قد حارَت الأفهام في أمرهم
إن لمَّحوا بالقصد أو صرَّحوا!
فقائلٌ لا تعجلوا إنكم
مكانَكم بالأمس لم تبرحوا
وقائلٌ أوسِع بها خطوةً
وراءها الغايةُ والمَطمحُ
وقائلٌ أسرفَ في قوله:
هذا هو استقلالُكم فافرَحوا
إن تسألوا العقل يقُل عاهِدوا
واستوثِقوا في عهدكم تربحوا
«وأسِّسوا دارًا لنُوَّابكم
للرأي فيها والحِجا أفسِحوا»
ولتذكُر الأمة ميثاقها
ألا ترى عزتها تُجرَحُ
«وتنتخِبْ صفوةَ أبنائِها
فمنهم المُخلِص والمُصلِحُ»
وليتقِ الله أُولو أمرها
أن يُسكِتوا الأصوات أو يُرفِحوا١٢١
أو تسألوا القلب يقُل حاذِروا
وصابِروا أعداءكم تُفلِحوا
إني أرى قيدًا فلا تُسلِموا
أيديَكم فالقيد لا يَسجحُ١٢٢
إن هيَّئوه من حريرٍ لكُم
فهو على لينٍ به أفدَحُ
حتَّامَ — والصبرُ له غاية —
لغيرنا من بئرنا نَمتحُ؟
حتَّامَ — والأموال مَشفوهة١٢٣
نمنح إلا «مصرَ» ما نمنحُ؟
حتَّامَ يُمضي أمرَنا غيرُنا
وذاك بالأحرار لا يَملحُ؟

وعاد يدعو إلى الوحدة والوئام ويستنكر الفُرقة والانقسام:

أساءَ بعض الناس في بعضهم
ظنًّا وقد أمسَوا وقد أصبحوا
فانتهزَت أعداؤنا نُهزةً
فينا وما كانت لهم تسنحُ
فالرأيُ كلُّ الرأي أن تُجمِعوا
فإنما إجماعُكم أرجَحُ
وكلُّ من يطمع في صَدعِكم
فإنه في صخرةٍ يَنطحُ
أخشى إذا استكثرتمُ بينكم
من قادة الآراء أن تُفضَحوا
فلتَقصدوا ما اسطعتمُ فيهمُ
فإنما في القلة المَنجَحُ

يستحث المواطنين على التضحية والجهاد

نظم حافظ سنة ١٩٠٤ قصيدة رائعة عن «غادة اليابان» ضرب فيها الأمثال في التضحية والجهاد، وجعلها على لسان غادة وطنية من اليابان وأشاد بشجاعتها في الحرب التي شبَّت بين بلادها والروسيا عام ١٩٠٤؛ إذ ذهبت مُتطوِّعة إلى ميادين القتال تُواسي الجرحى، وترعى حقهم، قال:

لا تلُم كيف إذا السيف نَبا١٢٤
صحَّ مني العزمُ والدهرُ أبى
رُب ساعٍ مُبصِر في سعيه
أخطأ التوفيق فيما طلبا
مرحبًا بالخَطب يَبلوني إذا
كانت العلياء فيه السببا
إيهِ يا دنيا اعبَسي أو فابسِمي
لا أرى برقَك إلا خُلَّبا١٢٥

إلى أن قال:

كنت أهوى في زماني غادةً
وهبَ الله لها ما وهبا
حملَت لي ذاتَ يومٍ نبأً
لا رعاك الله يا ذاك النَّبا
وأنت تخطر والليل فتًى
وهلالُ الأفق في الأفق حَبا
ثم قالت لي بثغرٍ باسمٍ
نظمَ الدرَّ به والحَبَبا
نبَّئوني برحيلٍ عاجلٍ
لا أرى لي بعده مُنقَلبا١٢٦
ودعاني موطني أن أغتدي١٢٧
علَّني أقضي له ما وهبا
نذبح الدُّب١٢٨ ونفري جِلده
أيظن الدُّب ألا يُغلَبا؟

•••

قلت والآلام تفري مهجتي
وَيكِ! ما تصنع في الحرب الظِّبا؟
ما عهدناها لظبيٍ مَسرحًا
يبتغي مَلهًى به أو مَلعبا
ليست الحرب نفوسًا تُشترى
بالتمني أو عقولًا تُستبى
أحسبتِ القدَّ من عُدَّتها
أم ظننَت اللحظ فيها كالشَّبا١٢٩
فدَعِيها للذي يعرفها
والزَمي يا ظبية البان الخِبا١٣٠

•••

فأجابَتني بصوتٍ راعني
وأرَتني الظبيَ لَيثًا أغلبا
إن قومي استعذبوا وِردَ الرَّدى
كيف تدعونيَ ألا أشرَبا؟
أنا يابانيةٌ لا أنثني
عن مُرادي أو أذوقَ العَطبا
أنا إن لم أُحسِن الرميَ ولم
تستطع كفَّايَ تقليب الظُّبا
أخدم الجرحى وأقضي حقهم
وأُواسي في الوغى مُن نُكِبا
هكذا «الميكادُ» قد علَّمنا
أن نرى الأوطان أمًّا وأبا
مَلكٌ يكفيك منه أنه
أنهض الشرق فهزَّ المَغربا
بعث الأمة من مَرقدها
ودعاها للعُلا أن تدأَبا
فسمَت للمَجد تبغي شأوَه
وقضَت من كل شيء مَأربا

يستنهض الهِمَم، ويدعو إلى توحيد الكلمة

قال من قصيدة له سنة ١٩٢٣ يُخاطِب المواطنين:

ويد الإله مع الجماعة فاضرِبوا
بعصا الجماعة تظفَروا بنجاحِ
كُونوا رجالًا عاملين وكذِّبوا
— والصبحُ أبلَجُ — حاملَ المصباحِ١٣١
ودَعوا التخاذل في الأمور فإنما
شبحُ التخاذل أنكرُ الأشباحِ
واللهِ ما بلغ الشقاء بنا المَدى
بسوى خلافٍ بيننا وتَلاحي١٣٢

•••

قُم يا ابن مصر فأنت حرٌّ واستعِد
مَجدَ الجدود ولا تعُد لِمراحِ١٣٣
شمِّر وكافِح في الحياة فهذه
دنياك دارُ تناحُرٍ وكفاحِ
وإذا ألحَّ عليك خَطبٌ لا تهُن
واضرِب على الإلحاح بالإلحاحِ
وخُض الحياة وإن تلاطَم موجُها
خوضُ البحار رياضةُ السبَّاحِ
في البحر لا تَثنيك نارُ بوارجٍ
في البَر لا يَلويك غابُ رماحِ
وانظر إلى الغربيِّ كيف سمَت به
بين الشعوب طبيعةُ الكدَّاحِ

إلى أن قال:

وابن الكنانة في الكنانة راكدٌ
يرنو بعينٍ غيرِ ذاتِ طماحِ
لا يستغل كما علمتَ ذكاءه
وذكاؤه كالخاطف اللمَّاحِ
فانهَض ودَع شكوى الزمان ولا تنُح
في فادح البؤسى مع الأنواحِ
واربح لمصر برأس مالك عِزةً
إن الذكاء حُبالةُ الأرباحِ
واشرب من الماء القُراح مُنعَّمًا
فلكَم وردتَ الماء غيرَ قَراحِ

يُحذِّر سعدًا من خِداع الإنجليز

قال سنة ١٩٢٤ يُخاطِب سعد زغلول من قصيدة له في تهنئته بنجاحه من محاولة اغتياله، وكان إذ ذاك مُعتزِمًا السفرَ إلى لندن لمفاوضة الحكومة البريطانية في القضية الوطنية:

لا تقرب «التاميزَ» واحذر ماءه
مهما بدا لك أنه معسولُ
الكيد ممزوجٌ بأصفى مائه
والختل١٣٤ فيه مُذوَّبٌ مصقولُ
كم واردٍ يا «سعد» قبلك ماءه
قد عاد منه وفي الفؤاد غليلُ١٣٥
القوم قد ملكوا عِنان زمانهم
ولهم روايات به وفصولُ
ولهم أحابيلٌ١٣٦ إذا ألقَوا بها
قنصوا النُّهى فأسيرُهم مخبولُ
ولكلِّ لفظٍ في المعاجم عندهم
معنًى يُقال بأنه معقولُ
نصلَت١٣٧ سياستهم وحال صباغُها
ولكل كاذبةِ الخضابِ نُصولُ
جمعوا عقاقير الدواء وركَّبوا
ما ركبوه وعندك التحليلُ

حافظ والإنجليز وجهًا لوجه

في سنة ١٩٣٢ ساهَم الإنجليز مع العناصر الرجعية في إلغاء الحياة الدستورية، وتظاهَروا بأنهم على الحياد في هذه المحنة، مع أنهم مُدبِّروها، وقد هاجَمهم حافظ بقصائد رائعة نعى فيها عليهم بغيَهم وعدوانهم، وكشف فيها الستار عن حيادهم الكاذب، وطعن على سياسة الاستعمار عامة، وأعاد بحملاته عليهم ذكرى قصائده الوطنية الخالدة التي نظمها في تمجيد الحركة الوطنية ومهاجمته الاحتلالَ في عهد مصطفى كامل ومحمد فريد.

قال في مارس سنة ١٩٣٢ مُخاطِبًا الإنجليز مُندِّدًا بسياسة «الحياد» التي أعلنوها، ناعيًا عليهم ظلمَهم وإخلافهم وعودهم للأمة:

بنيتُم على الأخلاق آساس مُلككم
فكان لكم بين الشعوب ذِمامُ١٣٨
فما لي أرى الأخلاق قد شاب قرنها١٣٩
وحلَّ بها ضعف ودبَّ سقامُ
أخاف عليكم عَثرةً بعد نهضة
فليس لمُلك الظالمين دوامُ
أضعتم ودادًا لو رعيتم عهوده
لما قام بين الآمنين خصامُ
أَبَعدَ «حيادٍ» لا رعى الله عهدَه
وبعد الجروح الناغرات١٤٠ وئامُ؟
إذا كان في حُسن التَّفاهم موتُنا
فليس على باغي الحياة مَلامُ

وقال في هذا المعنى:

لا تَذكروا الأخلاق بعد «حيادكم»
فمُصابُكم ومُصابنا سيَّانِ
حارَبتمُ أخلاقكم لتُحارِبوا
أخلاقنا فتألَّم الشَّعبانِ

وقال عن «الحياد الكاذب»:

قصرَ الدُّبارة قد نقضـ
تَ العهد نقضَ الغاصبِ
أخفَيتَ ما أضمرتَه
وأبَنتَ ودَّ الصاحبِ
الحرب أَروَح للنُّفو
س من «الحياد» الكاذبِ

وقال مُخاطِبًا السير برسي لورين المندوب السامي البريطاني وقتئذٍ، مُندِّدًا بحياد الإنجليز المُصطنَع:

ألمْ ترَ في الطريق إلى «كياد»١٤١
تصيد البطَّ بؤس العالمينا؟
ألمْ تلمح دموع الناس تجري
من البلوى؟ ألم تسمع أنينا؟
ألمْ تُخبِر بني «التاميز» عنَّا
وقد بعثوك مندوبًا أمينا؟
«بأنا قد لمسنا الغدر لمسًا
وأصبح ظنُّنا فيكم يقينا»
كشَفْنا عن نواياكم فلستم
وقد برح الخفاء مُحايِدينا
سنجمع أمرنا فترَون منَّا
لدى الجُلَّى١٤٢كرامًا صابرينا
ونأخذ حقنا رغم العوادي
تُطيف بنا ورغم القاسطينا١٤٣
ضربتم حَولَ قادتنا نطاقًا
من النيران يُعيي الدَّارعينا
على رغم المروءة قد ظفرتم
ولكن بالأُسود مُصفَّدينا
فهل يُجديكم الأسطول نفعًا
إذا ما نازَل الحقَّ المُبينا؟

وقال في هذا المعنى «أبريل سنة ١٩٣٢»:

إلى المُحايِدين

أمُحايِدٌ أم حائدٌ
عن مَنهج الحق المُبينْ؟
نازَلتَ شعبًا أعزلًا
بمُدرَّعين مُدجَّجينْ
وأمِنتَ عقبى الظالميـ
ـن وبئسَ عقبى الظالمينْ!
مهما تُصِب منَّا فلسـ
ـنا الجازعين اليائسينْ
إنا بجبَّار السما
ء وبالعقيدة نستعينْ
«إن العقيدة لا تزلـ
ـزلها حِراب الغاصبينْ»
فلئنْ ملكتم يومَكم
لَغدٌ لرب العالمينْ
أأمِنتمُ صرفَ الزما
ن وفتكَه بالغاشمينْ؟

•••

كم من قويٍّ هدَّه
كيدُ الضعيف المُستكينْ
أوَلمْ ترَوا ما ذاقه
بالأمس ذيَّاك السجينْ؟١٤٤
في «سنت هيلين» قضى
مَن دوَّخ الدنيا سنينْ
مَن كان في غاراته
في الكون مُنقطِعَ القرينْ
أمسى ألانَته الخطو
ب وكان صلبًا لا يلين
أوَتتَّقون مصيره
أم لستمُ بالمُتقِينْ؟

•••

ضِقنا بكَيدِ مُحايِديـ
ـن لنا وكيدِ مُبشِّرينْ
ثاروا على دين الهدى
وتخطَّفوا منَّا البنينْ
داسُوا العرين وقد خلا
من أُسده ذاك العرينْ
خسر المُبشِّر، إنَّ ديـ
ـن الحق دين المسلمينْ
الله حاميه وكا
فيه شرورَ المُعتدِينْ

نحن والإنجليز وجهًا لوجه

وقال أيضًا:

قُل للمحايد هل شهدت دماءنا
تجرى وهل بعد الدماء سلامُ؟
سُفكَت مودتنا لكم وبدا لنا
أن الحياد على الخصام لثامُ
إن المراجل شرُّها لا يُتَّقى
حتى يُنفِّس كربَهنَّ صمامُ
لم يبقَ فينا من يُمنِّي نفسه
بودادكم فودادُكم أحلامُ
أمِن السياسةِ والمروءة أننا
نشقى بكم في أرضنا ونُضامُ؟
«إنا جمَعْنا للجهاد صفوفنا
سنموت أو نحيا ونحن كرامُ»

وقال في أبريل سنة ١٩٣٢ تحت عنوان «إلى الإنجليز»، وهي من أبلغ ما قيل في تحدي القوة الغاشمة والصمود أمام الشدائد مهما عظمَت:

حوِّلوا النيلَ واحجبوا الضوءَ عنا
واطمِسوا النجم واحرمونا النسيما
واملئوا البحر إن أردتم سفينًا
واملئوا الجو إن أردتم رُجوما
وأقيموا للعسف في كل شِبر
«كونستبلًا» بالسَّوط يَفري الأديما١٤٥
«إننا لن نحول عن عهد مصر
أو ترَونا في التُّرب عظمًا رميما»

•••

عاصفٌ صانَ مُلككم وحماكم
وكفاكم بالأمس خَطبًا جسيما
غالَ «أرمادةَ»١٤٦ العدوُّ ففزتم
وبلغتم في الشرق شأوًا عظيما
فعدَلتُم هُنَيهةً، وبغَيتم
وتركتم في النيل عهدًا ذميما
فشهِدْنا ظلمًا يُقال له العد
لُ وودًّا يسقي الحميمَ الحميما١٤٧
فاتَّقوا غضبةَ العواصف إني
قد رأيت المصير أمسى وخيما!

وقال أيضًا «أبريل سنة ١٩٣٢»:

لقد طالَ الحيادُ ولم تَكفُّوا
أمَا أرضاكمُ ثمنُ الحيادِ؟
أخذتم كلَّ ما تبغون منَّا
فما هذا التحكُّم في العبادِ؟
بلَونا شدةً منكم ولينًا
فكان كلاهما ذرُّ الرَّمادِ
وسالَمتم وعادَيتم زمانًا
فلم يُغنِ المُسالِم والمُعادي
فليس وراءكم غيرُ التَّجني
وليس أمامنا غيرُ الجهادِ

وُعود الإنجليز في الجَلاء

وقال في سنة ١٩٣٢ يُندِّد بكاتب فرنسي زعم أن جلاء الإنجليز سيكون في أكتوبر من ذلك العام:

كم حدَّدوا يوم الجَلاء الذي
أصبح في الإبهام كالمَحشرِ
وسنَّ قوم الطيش من جهلهم
كذبة «أبريل لأكتوبرِ»

حافظ وصدقي باشا

وقال في سنة ١٩٣٢ يُندِّد بسياسة صدقي باشا رئيس الوزارة وقتئذٍ من قصيدة لم يُنشَر منها إلا النزر اليسير:

قد مرَّ عامٌ ياسعادُ وعامُ
وابنُ الكنانة في حماه يُضامُ
صَبُّوا البلاءَ على العباد فنصفُهم
يجبي البلاد ونصفُهم حُكامُ
أشكو إلى «قصر الدبارة» ما جنى
«صدقي» الوزير وما جبى «علَّامُ»١٤٨

ومنها في مُخاطَبة صدقي باشا:

ودعا عليك اللهَ في مِحرابه
الشيخُ والقسِّيس والحاخامُ
لاهُمَّ أَحيِ ضميرَه ليذوقَها
غصصًا وتنسف نفسَه الآلامُ

يُكافِح الاستعمار ويدعو إلى الفداء

قال في حرب طرابلس (سنة ١٩١١-١٩١٢) حين اعتدَت إيطاليا على العرب، يستحث أُمم الشرق أن تنهض وتُكافِح الاستعمار، ويُمجِّد التضحية في سبيل الحرية:

طمعٌ ألقى عن الغَرب اللِّثاما
فاستفِق يا شرقُ واحذَر أن تناما!
واحمِلي أيتها الشمس إلى
كلِّ من يسكن في الشرق السَّلاما
واشهدي يومَ التَّنادي١٤٩ أننا
في سبيل الحق قد مِتْنا كراما
مادَت الأرض بنا حين انتشَت
من دم القَتلى حلالًا وحراما
عجز الطَّليانُ عن أبطالنا
فأعَلُّوا١٥٠ من دَرارينا الحُساما
كبَّلوهم، قتلوهم، مثَّلوا
بِذَوات الخِدر، طاحوا باليتامى
ذبحوا الأشياخ والزَّمنى،١٥١ ولم
يرحموا طفلًا، ولم يُبقُوا غُلاما
أحرَقوا الدُّورَ، استحلُّوا كلَّ ما
حرَّمَت «لاهايُ» في العَهد احتراما
بارَك المطرانُ في أعمالهم
فسَلُوه: بارَك القوم علاما؟
أبِهَذا جاءهم إنجيلهم
آمرًا يُلقي على الأرض سلاما؟
كشفوا عن نيَّة الغرب لنا
وجَلَوا عن أفق الشَّرق الظلاما
فقرأناها سطورًا من دمٍ
أقسمَت تَلتَهم الشرق التهاما

وختم قصيدته بقوله:

فاطمَئنِّي أُممَ الشرق ولا
تَقنطي اليوم فإن الجدَّ قاما
«إن في أضلاعنا أفئدةً
تعشقُ المجدَ، وتأبى أن تُضاما»

تمجيده للشورى

قال في عمريته المشهورة التي أنشأها في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:

يا رافعًا رايةَ الشُّورى وحارسها
جزاك ربُّك خيرًا عن مُحِبيها
لم يُلهِك النَّزع عن تأييد دولتها١٥٢
وللمَنيَّة آلامٌ تُعانيها
لم أنسَ أمرك للمِقداد يحمله
إلى الجماعة إنذارًا وتنبيها
إنْ ظلَّ بعد ثلاثٍ١٥٣ رأيُها شُعبًا
فجرِّد السيف واضرِب في هواديها
فاعجب لقوَّةِ نفسٍ ليس يصرفها
طعمُ المَنيَّة مُرًّا عن مراميها
دَرى عميدُ بَني الشُّورى بمَوضعها
فعاش ما عاشَ يَبنيها ويُعلِيها
وما استبدَّ برأيٍ في حكومته
إنَّ الحكومة تُغري مُستبِدِّيها
رأيُ الجماعة لا تَشقى البلادُ به
رغم الخلاف ورأيُ الفرد يُشقيها!

الاستمرار في الكفاح

قال سنة ١٩٢٤ يدعو إلى الاستمرار في الكفاح:

إنا سنعمل للخلاص ولا نَني
والله يَقضي بيننا ويُدِيلُ١٥٤
كم دولةٍ شَهِد الصباحُ جلالها
وأتى عليها الليلُ وهي فُلولُ
وقصورِ قومٍ زاهراتٍ في الدُّجى
طلعَت عليها الشمس وهي طُلولُ

•••

يأيها النَّشءُ الكرام تحيةً
كالرَّوض قد خطرَت عليه قَبولُ١٥٥
يا زَهرَ مصرَ وزَينَها وحُماتها
مَدحي لكم بعد الرئيس١٥٦ فُضولُ
جُدتُم لها بالنفس في وَردِ الصِّبا
والوردُ لم يُنظَر إليه ذُبولُ
كم من سجينٍ دُونَها ومُجاهدٍ
دَمُه على عرَصاتها مطلولُ
سِيروا على سنَنِ الرئيس وحقِّقوا
أمل البلاد فكلُّكم مأمولُ
أنتم رجالُ غدٍ وقد أوفى غدٌ
فاستقبِلوه وحجِّلوه وطُولوا١٥٧

تقريعه للمواطنين

وبلغ حثه المواطنين على النهوض حد التقريع أحيانًا، وله ١٩٠٤ قصيدة ينعى فيها على مواطنيه بعضَ عيوبهم الاجتماعية، وقد نظمها لمناسبة قضية شخصية ثارَ لها الرأي العام بغير مُوجِب؛ إذ تزوَّج صاحب المؤيد المرحوم الشيخ علي يوسف بكريمة السيد عبد الخالق السادات، فرفع هذا دعوى أمام المحكمة الشرعية طالبًا فسخ عقد الزواج بحجة عدم الكفاءة في النسب، وانحاز الرأي العام إلى جانب المُدعِّي، وأخذ القضاء بوجهة نظره رغم علو مكانة الشيخ علي يوسف في الهيئة الاجتماعية، قال حافظ:

حطَمتُ اليراعَ فلا تَعجَبي
وعِفتُ البيان فلا تَعتبي
فما أنتِ يا مصرُ دار الأديب
ولا أنت بالبلد الطيِّبِ
وكم فيك يا مصر من كاتبٍ
أقالَ اليراعَ ولم يكتبِ
فلا تعذلِيني لهذا السُّكوت
فقد ضاق بي منك ما ضاق بي
أَيُعجِبني منكِ يومَ «الوفاق»١٥٨
سكوتُ الجماد ولِعبُ الصَّبي؟
وكم غضب الناسُ من قبلنا
لسَلبِ الحقوق ولم تَغضبِ

•••

أنابتةَ العصر إن الغريب
مُجِد بمصر فلا تَلعَبي
يقولون: في النَّشءِ خيرٌ لنا
ولَلنَّشءُ شرٌّ من الأجنبي
أفي «الأزبكية» مَثوَى البنين
وبين المساجد مَثوَى الأبِ؟
«وكم ذا بمصر من المُضحِكات»
كما قال فيها «أبو الطيِّبِ»١٥٩
أمورٌ تمرُّ وعَيشٌ يُمرُّ١٦٠
ونحن من اللَّهو في مَلعبِ
وشعبٌ يفرُّ من الصالحات
فِرارَ السَّليم من الأَجربِ
وصحفٌ تطنُّ طنينَ الذباب
وأخرى تشنُّ على الأقربِ
وهذا يلوذ بقصر الأمير
ويدعو إلى ظلِّه الأَرحبِ
وهذا يلوذ بقَصر السَّفير
ويُطنِب في وِردِه الأعذبِ
وهذا يَصيح مع الصَّائحين
على غيرِ قصدٍ ولا مَأربِ

•••

وقالوا: «المؤيد» في غمرةٍ
رماه بها الطمع الأشعبي
دعاه الغرام بسنِّ الكُهولِ
فجُنَّ جنونًا ببِنتِ النَّبي!
فضجَّ لها العرش والحامِلُوه
وضج لها القَبر في «يَثربِ»١٦١
ونادى رجالٌ بإسقاطه
وقالوا: تلوَّن في المَشربِ
وعدُّوا عليه من السيئات
ألوفًا تَدور مع الأحقُبِ
وقالوا لَصيقٌ ببَيت الرسول
أغار على النَّسب الأنجبِ
وزكَّى «أبو خطوةٍ» قولهم
بحُكمٍ أحَدَّ من المَضربِ
فما للتَّهاني على داره
تَساقَطُ كالمطر الصيِّبِ؟
وما للوفود على بابه
تزفُّ البشائرَ في مَوكبِ؟
وما للخليفة أسدَى إليه
وسامًا يليق بصدر الأبي؟

•••

فيا أمةً ضاقَ عن وَصفها
جَنانُ المُفوَّه والأخطَبِ
تضيع الحقيقة ما بيننا
ويَصلى البريءُ مع المُذنِبِ؟
ويُهضَم فينا الإمام الحكيم
ويُكرَم فينا الجهول الغبي

•••

على الشرق منِّي سَلامُ الوَدود
وإن طأطأ الشرق للمَغربِ
لقد كان خصبًا بِجَدبِ الزمان
فأَجدَب في الزمن المُخصِبِ

شعره الاجتماعي

يزخر شعر حافظ بالاجتماعيات؛ فهو من هذه الناحية أغزرُ مادةً وأعمق غورًا من شوقي، ولا غَرو فقد كان أكثر اتصالًا بالطبقات الشعبية، وعانى ما تُعانيه من الألم والحرمان، فصار أدقَّ تصويرًا لأحوالها وآلامها، وفي ذلك يقول بحق عن نفسه في قصيدته التي أنشدها بدار الأوبرا سنة ١٩١١ في حفلة جمعية رعاية الأطفال:

لم أَقف مَوقفي لأُنشِد شعرًا
صُبَّ في قالبٍ بديعِ النظامِ
إنما قمتُ فيه والنفس نَشوى
من كئوس الهموم والقلبُ دامي
«ذُقت طعم الأسى وكابدتُ عيشًا
دُونَ شُربي قذَاه شربُ الحِمامِ»١٦٢
فتقلَّبتُ في الشَّقاء زمانًا
وتنقَّلتُ في الخطوب الجِسامِ
ومشى الهمُّ ثاقبًا في فؤادي
ومشى الحزن ناخرًا في عِظامى
فلهذا وقفتُ أستعطِف النا
سَ على البائسين في كلِّ عامِ

عطفه على منكوبي حريق ميت غمر

في سنة ١٩٠٢شب حريق مُروِّع في مدينة ميت غمر، وبقيت النار مُشتعِلة فيها عدة أيام، فدمَّرَت كثيرًا من دورها ومات في الحريق كثيرون، ولِعِظم النكبة تسابَق أهل الخير في إعانة المنكوبين وإسعافهم، وفاضت أعمدة الصحف بأنباء ما أصابهم، وفي ذلك أنشأ حافظ قصيدته المشهورة في وصف هذه الكارثة والعطف على ضحاياها، قال:

سائِلوا اللَّيل عنهمُ والنهارا
كيف باتَت نساؤهم والعَذارى؟
كيف أَمسى رضيعهم فقَدَ الأُم
وكيف اصطلى مع القوم نارا؟
كيف طاح العجوز تحتَ جِدارٍ
يتداعى وأسقفٍ تتجارى؟
رَبِّ إنَّ القضاء أَنحى عليهم
فاكشف الكَرب واحجُب الأقدارا
ومُر النارَ أن تكُفَّ أذاها
ومُر الغيث أن يسيل انهمارا
أين طوفان صاحب الفُلك يُروي
هذه النَّار فهي تشكو الأُوارا١٦٣
أشعلَت فحمةَ الدَّياجي فباتت
تملأ الأرض والسماء شَرارا
غشِيَتهم والنحسُ يَجري يمينًا
ورَمَتهم والبؤسُ يَجري يسارا
فأغارت وأوجهُ القوم بِيضٌ
ثم غارت وقد كسَتهنَّ قارا
أكلَت دورَهم فلمَّا استقلَّت
لم تُغادِر صغارَهم والكِبارا
أخرجَتهم من الديار عُراةً
حذَرَ الموت يطلبون الفِرارا
يلبسون الظلام حتى إذا ما
أقبل الصبح يلبسون النهارا
حُلة لا تَقيهم البَردَ والحَر
ولا عنهمُ ترُد الغُبارا

•••

أيُّها الرَّافلون في حُلَل الوَشـ
ـي١٦٤يجرُّون للذُّيول افتخارا
إن فوق العراء قومًا جِياعًا
يتوارَون ذِلةً وانكسارا
أيُّهذا السجين١٦٥ لا يمنع السِّجـ
ـن كريمًا من أن يُقيل العثارا
مُر بألف لهم وإن شئتَ زِدها
وأجِرهم كما أجَرتَ النصارى

•••

قد شهِدْنا بالأمس في مصر عُرسًا١٦٦
ملأ العين والفؤاد ابتهارا
سالَ فيه النُّضارُ حتى حسِبْنا
أن ذاك الفناء يَجري نُضارا
باتَ فيه المُنعَّمون بلَيلٍ
أخجل الصبحَ حُسنُه فتوارى
يَكتسون السرورَ طَورًا وطورًا
في يَد الكأس يخلعون الوقارا
وسمِعْنا في «ميت غَمرٍ» صياحًا
ملأ البَر ضجةً والبِحارا

•••

جلَّ من قسَّم الحظوظ؛ فهذا
يتغنَّى وذاك يبكي الدِّيارا
رُب ليلٍ في الدهر قد ضمَّ نحسًا
وسُعودًا وعُسرة ويسارا!

الجامعة سبيل الكفاح

وقال من قصيدة له في سنة ١٩٠٨ يدعو إلى معاضدة مشروع الجامعة المصرية:

حيَّاكم اللهُ أَحيوا العلم والأدبا
إن تنشروا العلم ينشر فيكم العَرَبا١٦٧
ولا حياة لكم إلا بجامعة
تكون أمًّا لطُلاب العُلا وأبا
تبني الرجال وتبني كل شاهقة
من المعالي وتبني العز والغَلَبا
ضعوا القلوب أَساسًا لا أقول لكم
ضعوا النُّضار فإني أُصغِر الذهبا
وابنوا بأكبادكم سورًا لها ودَعوا
قِيلَ العدوِّ فإني أعرف السَّببا١٦٨
لا تقنطوا إن قرأتم ما يُزوِّقه
ذاك العميد ويرميكم به غَضَبا١٦٩
وراقِبوا يومَ لا تُغني حصائده
فكلُّ حيٍّ سيُجزى بالذي اكتسبا١٧٠
بنى على الإفك أبراجًا مُشيَّدةً
فابنوا على الحق بُرجًا ينطح الشُّهُبا
وجاوِبوه بفعلٍ لا يُقوِّضه
قول المفنِّد أنَّى قال أو خطَبا
لا تهجَعوا إنهم لن يهجعوا أبدًا
وطالِبوهم ولكن أجمِلوا الطَّلَبا

وختمها بقوله:

إن تُقرِضوا الله في أوطانكم فلكُم
أجرُ المجاهد طوبى للَّذي اكتتَبا

رعاية الأطفال

وألقى في أبريل سنة ١٩١٠ القصيدة الآتية في احتفالٍ أقامته جمعية رعاية الأطفال يصِف بؤس أم فقيرة حامل وكيف لقيت الرعاية والإسعاف في مستشفى الجمعية:

شبحًا أرَى أم ذاك طيفُ خيالِ؟
لا، بل فتاةٌ بالعَراء حِيالي
أمسَت بمَدرجة الخطوب فما لها
راعٍ هناك وما لها من والي
حسرى تكاد تُعيد فحمة ليلها
نارًا بأنَّات ذكَين١٧١ طِوالِ
ما خَطبُها، عجَبًا، وما خطبي بها؟
ما لي أُشاطِرها الوجيعةَ ما لي؟
دانَيتها ولَصوتُها في مِسمَعي
وَقع النِّبال عطَفنَ إثرَ نبالِ
وسألتُها: من أنتِ؟ وهيَ كأنها
رسمٌ على طَللٍ من الأطلالِ
فتململَت جزَعًا وقالت: حامِلٌ
لم تدرِ طعم الغمض منذ ليالي
قد مات والدُها وماتت أمُّها
ومضى الحِمامُ بعمِّها والخالِ

•••

وإلى هنا حبسَ الحياء لسانها
وجرى البكاء بدمعها الهطَّالِ
«فعلِمتُ ما تُخفي الفتاة وإنما
يحنو على أمثالها أمثالي»
ووقفتُ أنظرُها كأنيَ عابدٌ
في هيكلٍ يرنو إلى تمثالِ
ورأيتُ آياتِ الجمال تكفَّلَت
بزَوالهنَّ فوادحُ الأثقالِ
لا شيء أفعَلُ في النفوس كقامَةٍ
هيفاء روَّعها الأسى بهُزالِ
أو غادةٍ كانت تُريك إذا بدَت
شمس النهار فأصبحَت كالآلِ١٧٢

•••

قلتُ انهَضي قالت أيَنهض ميِّت
من قبره ويسير شَنٌّ بالي١٧٣
فحملتُ هيكل عظمها وكأنني
حُمِّلت حين حملتُ عُودَ خِلالِ
وطفِقتُ أنتهب الخُطا متيمِّمًا
بالليل «دار رعاية الأطفالِ»
أمشي وأحمل بائسَين؛ فطارِقٌ
بابَ الحياة ومُؤذِن بزَوالِ١٧٤
أبكيهما وكأنما أنا ثالث
لهما من الإشفاق والإعوالِ١٧٥

•••

وطرقتُ باب الدار لا متهيِّبًا
أحدًا ولا مترقِّبًا لسؤالِ
طرْقَ المُسافر آبَ من أسفاره
أو طرْقَ رب الدار غير مُبالي
وإذا بأصواتٍ تصيح: ألَا افتحوا
دقَّاتُ مَرضى مُدلِجين عِجالِ
وإذا بأيدٍ طاهراتٍ عُوِّدت
صُنع الجميل تطوَّعَت في الحالِ
جاءت تُسابِق في المَبرَّة بعضها
بعضًا لوجه الله لا للمالِ
فتناولَت بالرِّفق ما أنا حاملٌ
كالأم تكلأ طفلها وتُوالي
وإذا الطبيب مُشمِّر وإذا بها
فوق الوسائد في مكان عالي
جاءوا بأنواع الدواء وطوَّفوا
بسرير ضيفتهم كبعضِ الآلِ
وجثا الطبيب يجسُّ نبضًا خافتًا
ويرُود مَكمن دائها القتَّالِ
لم يدرِ حين دنا ليَبلو١٧٦ قلبها
دقَّات قلب أم دبيب نِمالِ؟

•••

ودَّعتُها وتركتها في أهلها
وخرجتُ مُنشرِحًا رضِيَّ البالِ
وعجزتُ عن شكر الذين تجرَّدوا
للباقيات وصالح الأعمالِ
لم يُخجِلوها بالسؤال عن اسمها
تلك المروءة والشعور العالي
خير الصنائع في الأنام صنيعة
تنبو بحاملها عن الإذلالِ
وإذا النوال أتى ولم يُهرَق له
ماءُ الوجوه فذاك خير نوالِ
من جاد من بعد السؤال فإنه
— وهو الجواد — يُعَد في البُخالِ

•••

لله درُّهم فكَم من بائس
جم الوجيعة سيِّئ الأحوالِ
ترمي به الدنيا فمن جوع إلى
عُريٍ إلى سُقمٍ إلى إقلالِ
عينٌ مُسهَّدة وقلب واجف
نفس مُروَّعة وجَيب خالي
لم يدرِ ناظرُه أعُريانا يرى
أم كاسيًا في تِلكُم الأسمالِ
فكأن ناحل جسمه في ثوبه
خلف الخروق يُطِل من غربالِ
يا بَرد فاحمِل قد ظفرتَ بأعزلٍ
يا حَر تلك فريسة المُغتالِ
يا عين سُحِّي يا قلوب تفطَّري
يا نفس رِقِّي يا مروءة والي
لولاهم لَقضى عليه شقاؤه
وخلا المجال لخاطف الآجالِ
لولاهم كان الردى وقفًا على
نفس الفقير ثقيلة الأحمالِ

•••

لله درُّ الساهرين على الأُلى
سَهروا من الأوجاع والأوجالِ١٧٧
القائمين بخير ما جاءت به
مدنية الأديان والأجيالِ
أهل اليتيم وكهفه وحُماته
وربيع أهل البؤس والإمحالِ١٧٨

•••

لا تُهمِلوا في الصالحات فإنكم
لا تجهلون عواقب الإهمالِ
إني أرى فقراءكم في حاجة
— لا تعلمون — لقائلٍ فعَّالِ
فتسابَقوا الخيرات فهي أمامكم
ميدان سبقٍ للجواد النَّالِ١٧٩
والمُحسِنون لهم على إحسانهم
يوم الإثابة عَشرة الأمثالِ
وجزاء رَب المُحسِنين يجلُّ عن
عدٍّ وعن وزن وعن مكيالِ

وقال في سنة ١٩١١ يدعو إلى العطف على البؤساء:

دعوةُ البائس المعذَّب سُورٌ
يدفع الشر عن حياض الكرامِ
وهي حربٌ على البخيل وذي البغـ
ـي وسيفٌ على رقاب اللِّئامِ
إن هذا الكريم قد صان عِرضي
وحماني من عاديات السقامِ
عال طفلي وعالَني وحباني
بكساء وبدرة وطعامِ
وهو من مَعشرٍ أغاثوا ذوي البؤ
س وقاموا في الله خير القيامِ
وأقاموا للبِر دارًا فكانت
خير وِردٍ يؤمُّه كلُّ ظامي
مُلِئت رحمة وفاضت حنانًا
فهي للبائسات دار السلامِ

إلى أن قال في الإحسان والزكاة:

قد نجا المُنعِم الجواد من المو
ت بفضل الزكاة والإنعامِ
فأطَفْنا بها وقد ملأ الأنـ
ـفُس منَّا جلالُ ذاك المقامِ
وشهِدنا ثغر الوفاء تجلَّى
إذ تجلَّى في ثغرها البسامِ
ورأَينا شخص المروءة والبِـر
تَبَدَّى في شخص ذاك الهمامِ
وعلِمْنا أن الزكاة سبيلُ الله
قبل الصلاة، قبل الصيامِ
خصَّها الله في الكتاب بذِكر
فهي ركن الأركان في الإسلامِ
بدأَت مَبدأَ اليقين وظلَّت
لحياة الشعوب خير قِوامِ
لو وفى بالزكاة مَن جمع الدُّنـ
ـيا وأهوى على اقتناء الحُطامِ
ما شكا الجوعَ مُعدِمٌ أو تصدَّى
لركوب الشرور والآثامِ
راكبًا رأسه طريدًا شريدًا
لا يُبالي بشِرعة أو ذِمامِ
سائلًا عن وصية الله فيه
آخذًا قوتَه بحدِّ الحسامِ

ملجأ الحرية

ومن قصيدة له سنة ١٩١٩ في تحية ملجأ الحرية، وفيها يهيب بالأثرياء أن يبرُّوا الأيتام والفقراء، ويُشير إلى يقظة الأمة سنة ١٩١٩ وما أحدثته الثورة في النفوس من التطلع إلى المُثل العليا.

أيها الطفل لك البشرى فقد
قدَّر الله لنا أن نُنشَرا١٨٠
قَدَّر الله حياةً حُرة
وأبى سبحانه أن تُقبَرا
لا تخَف جوعًا ولا عُريًا ولا
تبكِ عيناك إذا خَطبٌ عرا١٨١
لك عند البِر في مَلجئه
حيث تأوي خاطرٌ لن يُكسَرا
حيث تلقَى فيه حدبًا وترى
بين أترابك عيشًا أنضرا

•••

لا تُسِئ ظنًّا بمُثرينا فقد
تاب عن آثامه واستغفَرا
كان بالأمس وأقصى همه
— إن أتى عارفةً١٨٢ — أن يظهرا
فغدا اليومَ يُواسي شعبه
وهو لا يرغب في أن يُشكَرا
نبَّهَت عاطفةَ البِر به
محنةٌ عمَّت ومقدارٌ جرى
جمعَتنا في صعيد واحد
وأرادَتنا على أن نُقهَرا
فتعاهَدنا على دَفع الأذى
بركوب الحَزم حتى نظفرا
وتواصَينا بصبرٍ بيننا
فغدَونا قوة لا تُزدرى
أنشرَت١٨٣ في مصر شعبًا صالحًا
كان قبل اليوم مُنفكَّ العُرا
كم مُحِب هائم في حبها
ذادَ عن أجفانه سَرحَ الكَرى
وشبابٍ وكهول أقسموا
أن يَشيدوا مَجدها فوق الذُّرى

•••

يا رجال الجِد هذا وقته
آنَ أن يعمل كلٌّ ما يرى
مَلجأً أو مَصرفًا أو مَصنعًا
أو نقاباتٍ لزُراع القُرى
أنا لا أعذر منكم من ونى
وهو ذو مَقدرة أو قصَّرا
فابدءوا بالمَلجأ الحُر الذي
جئت للأيدي له مُستمطِرا
واكفلوا الأيتام فيه واعلموا
أن كل الصيد في جَوف الفَرا
أيها المُثري! ألَا تكفلُ من
بات محرومًا يتيمًا مُعسِرا؟
أنتَ ما يُدريك لو أنبتَّه
ربما أطلعتَ بدرًا نيِّرا
ربما أطلعتَ «سعدًا» آخرًا
يُحكِم القول ويَرقى المنبرا
ربما أطلعت منه «عبده»
مَن حمى الدين وزان «الأزهرا»
ربما أطلعت منه شاعرًا
مثل «شوقي» نابهًا بين الورى
ربما أطلعت منه فارسًا
يدخل الغِيل على أُسدِ الشَّرى١٨٤
كم طوى البؤس نفوسًا لو رعَت
مَنبتًا خصبًا لَكانت جوهرا
كم قضى العُدم على موهبة
فتوارَت تحت أَطباق الثَّرى

•••

كلُّ من أحيا يتيمًا ضائعًا
حسبُه من رَبه أن يُؤجَرا
إنما تُحمَد عقبى أمره
مَن لأُخراه بدنياه اشترى

جمعية إعانة العُميان

وقال في سنة ١٩١٦ في احتفالٍ أقامته جمعية إعانة العميان:

إن حق الضرير عند ذوي الأبـ
ـصار حقٌّ مُستوجِب التقديسِ
لم يَضِره فقدانُه نورَ عينيـ
ـه إذا اعتاض عنهما بأنيسِ
آنِسوا نفسه إذا أظلم العيـ
ـش بعلم فالعلم أُنس النفوسِ
وجِّهوه إلى الفلاح يُفِدكم
فوق ما يستفيده من دروسِ
أكملوا نقصه يكُن عبقريًّا
مثل «طه» مُبرِّزًا في الطُّروسِ
كم رأَينا من أكمهٍ لا يُجارى
وضريرٍ يُرجى ليومٍ عبوسِ
لم تقِف آفة العيون حجازًا
بين وَثْباته وبين الشموسِ
عدِم الحِس قائدًا فحداه
هَدي وجدانه إلى المحسوسِ
مثل هذا إذا تعلَّم أغنى
عن كثيرٍ وجاءنا بالنفيسِ
ذاك أن الذكاء والحِفظ حلَّا
في جِوار النُّهى بتلك الرءوسِ
فعلى كلِّ أكمهٍ وبصيرٍ
شكر أعضائكم وشكر الرئيسِ

المال والعلم والأخلاق

قال سنة ١٩٢١ باسم مصر، من قصيدته «مصر تتحدث عن نفسها»:

وارفعوا دولتي على العلم والأخـ
ـلاق فالعلم وحده ليس يُجدي

وقال سنة ١٩١٠ في قصيدة له [انظر فصل حافظ إبراهيم شاعر النيل] في الحث على إعانة مدرسة البنات ببورسعيد:

كم ذا يُكابِد عاشق ويُلاقي
في حب مصر كثيرة العُشاقِ
إني لَأحمل في هواكِ صبابة
يا مصر قد خرجَت عن الأطواقِ
لَهفِي عليكِ متى أراك طليقةً
يحمي كريمَ حِماك شعبٌ راقي
كلِفٌ بمحمود الخِلال مُتيَّم
بالبذل بين يدَيك والإنفاق
إني لتُطرِبني الخِلال كريمةً
طرَبَ الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزُّني ذكرى المروءة والندى
بين الشمائل هِزةَ المُشتاقِ

•••

فإذا رُزِقتَ خليقةً محمودة
فقد اصطفاك مُقسِّم الأرزاقِ
فالناس هذا حظُّه مال وذا
علم وذاك مكارم الأخلاقِ
والمال إن لم تدَّخره مُحصَّنًا
بالعلم كان نهايةَ الإملاقِ١٨٥
والعلم إن لم تكتنفه شمائلٌ
تُعلِيه كان مَطيةَ الإخفاقِ
لا تحسبنَّ العلم ينفع وحده
ما لم يُتوَّج رَبه بخَلاقِ١٨٦

فضل المرأة على المجتمع

وقال في هذه القصيدة يُنوِّه بفضل المرأة في المجتمع:

مَن لي بتربية النساء فإنها
في الشرق علة ذلك الإخفاقِ
«الأم مدرسةٌ إذا أعدَدتَها
أعددتَ شعبًا طيِّب الأعراقِ»١٨٧
الأم رَوضٌ إن تعهَّده الحَيا١٨٨
بالرِّي أورقَ أيَّما إيراقِ
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى
شغلت مآثرُهم مَدى الآفاقِ

•••

أنا لا أقول دعُوا النساء سوافرًا
بين الرجال يجُلنَ في الأسواقِ
يدرُجنَ حيث أرَدنَ لا مِن وازع
يحذرنَ رِقبتَه ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهيًا
عن واجبات نواعس الأحداقِ
في دُورهن شئونهن كثيرة
كشُئونِ رَب السيف والمِزراقِ١٨٩
كلا ولا أدعوكمُ أن تُسرِفوا
في الحَجب والتضييق والإرهاقِ
ليست نساؤكمُ حُلًى وجواهرًا
خوفَ الضياع تُصان في الأحقاقِ
ليست نساؤكم أثاثًا يُقتنى
في الدُّور بين مَخادعٍ وطِباقِ
تتشكل الأزمان في أدوارها
دوَلًا وهنَّ على الجمود بواقي
فتوسَّطوا في الحالتَين وأنصِفوا
فالشر في التقييد والإطلاقِ
ربُّوا البنات على الفضيلة إنها
في المَوقفَين لهنَّ خير وثاقِ
وعليكم أن تستبين بناتكم
نورَ الهدى وعلى الحياء الباقي

المناصب والفضائل

من قوله في رثائه لمحمود سامي البارودي:

إن المناصب في عزل وتولية
غير المواهب في ذِكر وتخليدِ

ومات حافظ سنة ١٩٣٢ بعد أن خلَّف لمصر والشرق ذخيرةً من الوطنية وكنوزًا من الشعر والحكمة والأخلاق لا تفنى ولا تنفد على مر الزمان.

١  نجلت: أي ولدت.
٢  القرم: أي الرجل الشجاع.
٣  الأطواق: جمع طوق؛ أي الجهد والطاقة.
٤  أنشرت: أحيت.
٥  الكرى: النوم.
٦  الذرى: جمع ذروة، وهي المكان المرتفع.
٧  عدد ٩ أكتوبر سنة ١٩٠١.
٨  يقصد خطبة مصطفى كامل في الحفلة.
٩  المدى بالضم: جمع مدية، وهي السكين.
١٠  مُسترفِدا: أي يطلب الرفد، وهو العطاء.
١١  الأيِّد بتشديد الياء: القوي، من الأيد بمعنى القوة.
١٢  بزه: سلبه. والسُّها: الكوكب المعروف. أي إذا شاء ذو العلم سلب من السُّها سره وأظهره للناس.
١٣  المجرة والفرقد: نجوم في السماء.
١٤  يُشير إلى الطيران والفونوغراف.
١٥  مسعدا: أي مُعينًا.
١٦  أمة الصفر: أي اليابان.
١٧  ذوات الغيوب: أي الأقدار التي في عالم الغيب.
١٨  يريد مصطفى كامل.
١٩  راجع تفصيلها في كتاب «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية».
٢٠  ذات طوق: أي الحمامة.
٢١  الأطواق هنا سلاسل الأسر والاستعباد. والأجياد: الأعناق، جمع جِيد.
٢٢  أي لا تأخذوا الأمة بقتيل ثبت أنه مات بضربة شمس، وهو الكابتن بول. وأقاد الحاكم القاتل بالقتيل: أي قتله به قودًا.
٢٣  إبراهيم الهلباوي.
٢٤  الحيا: المطر.
٢٥  يريد دار المعتمد البريطاني.
٢٦  يوم الحمام: أي يوم صيد الحمام في حادثة دنشواي.
٢٧  يُشير إلى ما زعم اللورد كرومر من أن التعصب الديني هو سبب حادثة دنشواي.
٢٨  القاسطون: الظالمون.
٢٩  أهلوا ورحبوا: أي قالوا أهلًا ومرحبًا.
٣٠  يريد الكابتن متشل مستشار وزارة الداخلية، وكان يُشرِف على تنفيذ الحكم. ومعاجز: من عاجزت الرجل إذا أتيت بما يجعله عاجزًا. وحزَّب: أي جمع أعوانه وأحزابه فبعضهم يتولى الشنق وبعضهم يتولى الجلد.
٣١  المستر بوند وكيل محكمة الاستئناف وأحد قضاة المحكمة المخصوصة التي حاكمت المتهمين في حادثة دنشواي، وكان القاضيَ المُوجِّهَ للأسئلة في هذه المحاكمة، ونمَّت أسئلته على سوء نيته وميله إلى الانتقام والتشفي.
٣٢  يُخاطِب المعتمد البريطاني.
٣٣  الخفض: سعة العيش. يريد أن كثرة المال مع غلاء الأسعار لا تُغني شيئًا.
٣٤  أم اللغات: أي اللغة العربية. يُشير إلى محاربة الاحتلال للغة العربية، وجعل دراسة العلوم في أكثر المدارس باللغة الإنجليزية.
٣٥  حجبت المؤيد: أي منعته من دخول السودان.
٣٦  يُشير إلى مشروع اللورد كرومر في إنشاء مجلس تشريعي مُختلِط.
٣٧  اعلولى: أي علا.
٣٨  نغر الجرح: سال دمه. واندمل: التأم.
٣٩  صاحب التقرير هو اللورد كرومر.
٤٠  يريد بالشهود الأربعة من أُعدِموا في قضية دنشواي وهم أربعة.
٤١  قتيل الشمس هو الكابتن بول الضابط الإنجليزي الذي مات في حادثة دنشواي بضربة الشمس. يريد أن ما أصاب الناس من التنكيل بسبب هذا القتيل جعلهم يثورون للمطالبة بالحرية.
٤٢  التأسي: بمعنى الصبر.
٤٣  يريد الإنجليز.
٤٤  عليك: أي عليك الحزن.
٤٥  ساهدًا: ساهرًا.
٤٦  تشارفكم: أي تنظر إليكم من علو.
٤٧  إشارة إلى عمر الفقيد وهو رقم تقريبي لأنه تُوفي في الرابعة والثلاثين من عمره.
٤٨  نوادي الأزهار: أي الرطبة المُبلَّلة بالندى.
٤٩  الفاروق: عمر بن الخطاب. والمختار: النبي عليه الصلاة والسلام.
٥٠  القنا: الرماح.
٥١  أي استقرت نفسه بعد أن شهد وفاء الأمة للفقيد في موكب الجنازة.
٥٢  الكلح: العبوس. أي تجري الدموع بطبيعتها بلا عبوس.
٥٣  الخمار: الحجاب.
٥٤  يريد بالعَلمَين: الفقيد فهو علم الوطنية، والثاني علم الوطن.
٥٥  الأسى: الحزن. والأوار: الظمأ والتعطش؛ أي التعطش إلى الفقيد.
٥٦  الروضة المعطار: هي الكثيرة الأزهار والرياحين.
٥٧  هن إشارة إلى الثلاثين عامًا: أي ماذا على الساري في المجاهل والقفار إذا اهتدى بنور هذه الأعلام.
٥٨  اللورد كرومر.
٥٩  شبَّه كرومر بفرعون.
٦٠  يريد بالمجلدين: كتاب مصر الحديثة للورد كرومر.
٦١  أي الدنيا والآخرة.
٦٢  استلَم القبر: قبَّله أو لمسه بيده.
٦٣  الشجاع.
٦٤  مُنفَّر النوم: أي مُسهَّد.
٦٥  أسعده: أعانه.
٦٦  نستمد: نطلب المدد. ونستعدي: نستنصر.
٦٧  يريد بالجفاة المحتلين الجناة.
٦٨  حزبه الأمر: اشتد عليه.
٦٩  الكلب: الشدة.
٧٠  يريد المحتلين.
٧١  الحول: القوة.
٧٢  جازه: أي جاوَزه.
٧٣  الوكل: العاجز الذي يكل الأمر إلى غيره.
٧٤  الديم: جمع ديمة السحاب.
٧٥  وجمَ يجِمُ: سكت عن الكلام.
٧٦  يريد يوم هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة.
٧٧  المدينة المنورة.
٧٨  خبت: خمدت. وتجافت: تباعدت. وإيراء النار: إشعالها. وكرومر هو المعتمد البريطاني في ذلك الحين والحاكم المُطلَق في مصر وقتئذٍ. يريد أن فظائع كرومر قد أشعلت روح الكراهية للاحتلال.
٧٩  يريد إعلان الدستور في تركيا عام ١٩٠٨.
٨٠  يُشير إلى مشروع مد امتياز قناة السويس، وقد ظهر في أواخر سنة ١٩٠٩ ورفضته الجمعية العمومية في أبريل سنة ١٩١٠.
٨١  السوابق: من صفات الخيل؛ أي كانت لنا عدة في الجهاد.
٨٢  الواجد: الحزين.
٨٣  يريد بطرس غالي رئيس الوزارة، ولكن الحق أن تبعة ذلك يتحملها الوزراء جميعًا لا بطرس غالي وحده.
٨٤  أي حاربَنا المحتلون بأحداث الزمان ونوائبه. وتأنَّق الأمر: أي بالغ فيه.
٨٥  يُشير إلى الإنجليز. أي أنهم مدوا سلطانهم في دول الغرب، ويدعو المصريين إلى أن يجعلوا لمصر هذه المكانة في الشرق.
٨٦  الفج: الطريق. الموبق: الهلاك.
٨٧  أي إذا كان في الإقدام موت فإن في الاستسلام موتًا أكبر.
٨٨  الدجى: ظلام الليل.
٨٩  لبيد: هو الشاعر العربي صاحب المعلقة التي أولها:
عفت الديار محلها فرسومها
٩٠  المدرجة: الطريق. والعوادي: النوائب. وتمخخ العظم: إذا أخرج مخه.
٩١  أي مزاحمة الأجانب للمصريين.
٩٢  السحاب الجهام: الذي لا ماء فيه.
٩٣  الذمام: الذمة والعهد.
٩٤  يقصد الإنجليز.
٩٥  الغيل: موضع الأسد.
٩٦  هو النهر المشهور بأمريكا.
٩٧  أي الجلاء عنها.
٩٨  كنَّى بيومَي الجمعة والأحد عن المسلمين والمسيحيين.
٩٩  الحدد: الحرام الذي لا يحل أن يُرتكَب.
١٠٠  كانت وفاة الفقيد في برلين يوم ١٥ نوفمبر سنة ١٩١٩.
١٠١  يريد مصطفى كامل.
١٠٢  يريد مصطفى كامل.
١٠٣  يُشير إلى قيام ثورة سنة ١٩١٩.
١٠٤  الجد: (بالكسر) الاجتهاد، و(بالفتح) الحظ. والمعنى: رُب اجتهادٍ أخطأه الحظ.
١٠٥  الحول: الحاذق البصير بتحويل الأمور.
١٠٦  يُشير في هذا البيت والبيت الذي سبقه إلى أن جثمان الفقيد ثوى في برلين، وقد نُقل إلى مصر في يونيو سنة ١٩٢٠.
١٠٧  الدجنة: الظلام.
١٠٨  المنة: القوة.
١٠٩  المارشال هندنبرج، القائد الألماني الشهير في الحرب العاليمة الأولى.
١١٠  موكلي: أي النيل قد أنابه عنه في إبلاغهن ثناءه عليهن.
١١١  المفرق: وسط الرأس.
١١٢  الفرات: العذب. والفرند: السيف.
١١٣  المدنر: أي مختلف الألوان، أو المُشرِق المتلألئ. والرند: شجر طيب الرائحة.
١١٤  مرد: جمع أمرد، وهو الشاب.
١١٥  القد: القيد، يُقَد من جلد.
١١٦  فريتم: أي فرأيتم.
١١٧  بنتئور: أقدمُ شاعرٍ عرَفه التاريخ وهو مصري، وقبل عهد اليونان إلخ؛ أي قبل شعراء اليونان وشعراء العرب.
١١٨  يقصد عهد الاحتلال البريطاني.
١١٩  تشنأ: تكره.
١٢٠  الأهاويل: جمع أهوال.
١٢١  يريد تأمين المواطنين من النفي إلى «رفح»، وكانت منذ ثورة سنة ١٩١٩ مَنفى للأحرار.
١٢٢  يلين ويسهل.
١٢٣  أي مُستنفَدة مُضيَّعة.
١٢٤  نبا السيف: كلَّ وارتد.
١٢٥  البرق الخلب: الذي ينتظر الناس مطره ويُخلِفهم.
١٢٦  المنقلب: العودة.
١٢٧  أغتدي: أي أُبادِر مُبكِّرة للدفاع عنه.
١٢٨  الدب: رمز لروسيا.
١٢٩  الشبا: جمع شباه، وهي حد السيف.
١٣٠  البان: شجر لينٌ تألفه الظبا. والخبا: البيت.
١٣١  الإشارة إلى الفيلسوف ديوجنس الذي كان يحمل في رابعة النهار مصباحًا يبحث عن رجل.
١٣٢  التلاحي: التخاصم.
١٣٣  يريد بمراح: الأخذ بأسباب المرح واللهو.
١٣٤  الختل: الخداع.
١٣٥  الغليل: شدة العطش.
١٣٦  الأحابيل: المصايد.
١٣٧  نصلت: انكشفت وخرجت من لونها الكاذب إلى لونها الحقيقي. وحال: تحوَّل.
١٣٨  الذمام هنا: الحق والحرمة.
١٣٩  القرن: الذؤابة من الشَّعر.
١٤٠  الناغرات: الداميات.
١٤١  بركة بمركز فاقوس بالشرقية كان المندوب السامي البريطاني يذهب إليها لصيد الطيور.
١٤٢  الجُلَّى: النازلة الشديدة.
١٤٣  القاسطون: الظالمون.
١٤٤  نابليون، وقد مات أسيرًا سجينًا في جزيرة سنت هيلين.
١٤٥  يفري الأديم: أي يشق الجلد.
١٤٦  الأرمادة: هي الأسطول الإسباني الذي تحطَّم في السادس عشر بعاصفةٍ حالت بينه وبين مهاجمة الأسطول الإنجليزي الذي كان دونه قوة وعددًا.
١٤٧  الحميم الأول: الصديق. والحميم الثاني: الشراب الشديد الحرارة.
١٤٨  محمد علام باشا، وكيل حزب الشعب الذي ألَّفه صدقي باشا. يُشير إلى ما كانوا يجبونه من الأموال إعانةً لحزب الشعب.
١٤٩  يوم القيامة.
١٥٠  أعلوا: أي سقوا.
١٥١  الزمنى: ذوو العاهات.
١٥٢  دولتها: أي دولة الشورى.
١٥٣  بعد ثلاث: أي بعد ثلاث ليالٍ. والهوادي: الأعناق.
١٥٤  يديل: أي يجعل الدولة لنا عليهم.
١٥٥  القبول: ريح الصَّبا.
١٥٦  يقصد هنا سعد زغلول.
١٥٧  حجلوه: أي اجعلوه يومًا أبيض: وطولوا: أي افخروا واعتزوا.
١٥٨  يقصد الاتفاق الذي عُقِد بين فرنسا وبريطانيا سنة ١٩٠٤ وبمقتضاه أقرَّت فرنسا الاحتلال البريطاني لمصر.
١٥٩  يُشير إلى قول أبي الطيب المتنبي:
وكم ذا بمصر من المُضحِكات
ولكنه ضحكٌ كالبُكا
١٦٠  عيش يمر: أي يصير مرًّا.
١٦١  اسم قديم للمدينة المنورة.
١٦٢  الحِمام: الموت.
١٦٣  الأوار: شدة الحرارة والعطش.
١٦٤  حلل الوشي: الثياب المُزركَشة.
١٦٥  يقصد أحمد المنشاوي باشا المحسن المشهور وصاحب المبرات المعروفة.
١٦٦  يقصد عرس زواج «الأمير» حيدر فاضل من كريمة علي فهمي «باشا» سنة ١٩٠٢ وكان من أعظم المهرجانات.
١٦٧  أي يُبعَث فيكم مَجد العرب.
١٦٨  يُشير إلى ما كان يُقيمه المعتمد البريطاني من العقبات في سبيل إنشاء الجامعة.
١٦٩  يُشير إلى ما كان يقيمه المعتمد البريطاني من العقبات في سبيل إنشاء الجامعة.
١٧٠  حصائد: أي حصائد العميد؛ أي ما يقوله ليَثني به العزائم عن مشروع الجامعة.
١٧١  ذكين: أي توقَّدن واشتعلن.
١٧٢  الآل: السراب.
١٧٣  الشن: القربة الخَلَق البالية.
١٧٤  طارق باب الحياة: الجنين. ويريد بالمؤذن بالزوال أمه.
١٧٥  الإعوال: البكاء.
١٧٦  يبلو: أي يختبر.
١٧٧  الأوجال: المخاوف.
١٧٨  الإمحال: الجدب.
١٧٩  الجواد: الكريم. والنال: الكثير النائل وهو العطاء.
١٨٠  ننشر: أي نحيا ونعبث.
١٨١  عرا: ألمَّ ونزل.
١٨٢  العارفة: العطية والمعروف.
١٨٣  أنشرت: أي أحبت.
١٨٤  الغيل: الشجر الكثير الملتف تأوي إليه الأسود. والشرى: مأسدة جانب الفرات يُضرَب بآسادها المثل.
١٨٥  الإملاق: الفقر.
١٨٦  الخلاق: النصيب من الخير والصلاح.
١٨٧  الأعراق: الأصول، الواحد عِرق.
١٨٨  الحيا: المطر.
١٨٩  المزراق: الرمح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤