الفصل الثاني

لاعب الكريكيت الرائع

١

قال ألينجهام منزعجًا: «كان يجب ألَّا نسمح له باللعب.» كان يقف بجانب جريج في جناح اللاعبين.

قال الأخير بضحكة خفيفة: «حسنًا، لقد أصر، ونحن على الأقل يحق لنا أن نضع ١١ لاعبًا في الملعب. ها هو ذا يضرب الكرة مرة أخرى! هذه نقطة سادسة بالتأكيد.»

شاهد ألينجهام الكرة وهي تختفي للمرة الرابعة منذ بدأ رجل الساعة الآلي في اللعب، في مكانٍ ما في اتجاه مصنع الجعة الكبير الذي كان يقع في منتصف الطريق بين الملعب والبلدة البعيدة. كانت ضربة مذهلة. لم يحقق أحدٌ مثل هذه الضربات العظيمة في تاريخ الكريكيت في جريت وايميرينج. بدا الأمر عبثيًّا بعض الشيء. اضطُر النادي إلى توفير ثلاث كرات إضافية؛ إذ لم يعُد مُجديًا البحث عن الكرات التي طارت بعيدًا عن الملعب.

قال ألينجهام في إصرار: «إنه مجنون خطير»؛ إذ لم يكن قد تغلب بعدُ على انزعاجه الأوَّلي من الشخص الغريب، الذي ظهر فجأة وجعله يخفق في حماية نَصِيبته. وأردف: «هذا شيء غير طبيعي. لا يمكنك تسميته كريكيت.»

ردَّ جريج وعيناه على لوحة النتائج: «حسنًا، إنه يسجل نقاطًا على أي حال. بهذا المعدل، قد تكون لنا فرصة في الفوز نهاية الأمر.»

ربما كان من حُسن الحظ أن أهل جريت وايميرينج كانوا يأخذون لعبة الكريكيت بجدية شديدة. فلولا ذلك، لربما شعروا، كما شعر الطبيب ألينجهام، أن هناك شيئًا غير معقول في أداء رجل الساعة الآلي. كان قد سار إلى النَّصِيبة في لا مبالاة بعض الشيء. كان من السهل أن تُعزى خطواته الغريبة إلى التوتر الشديد، وفقط ظهوره من دون الزي الرسمي هو ما أثار بعض السخرية. عندما وصل إلى النَّصِيبة توقف وتفحَّص العِصي بانتباهٍ شديد، كأنه يتساءل عن الغرض منها؛ واستغرق وقتًا طويلًا قبل أن يقف في الموضع الصحيح أمامها. ظل واقفًا بلا حراك، يحمل المضرب على نحوٍ غريب في الهواء، ولم تفلح محاولات الحَكم في جعله يتمركز في الملعب، أو يضع مضربه على الأرض بالشكل المعتاد. ولم يقدِّم أي تفسير لسلوكه الغريب، وكان على الجميع تقبُّل الأمر كما هو.

استُكمل اللعب. وألقى تانر، الذي كان قد استحوذ بحلول هذا الوقت على ثماني نصيبات بأقل من ١٠٠ ركضة، كرةً بطيئة ومعقدة. اتفق الجميع، عندما ناقشوا الأمر لاحقًا، أن رجل الساعة الآلي لم يغيِّر موقعه أو يحرك ساكنًا قَط حتى ارتطمت الكرة بالأرض، قليلًا إلى الخارج. لا يبدو أن أحدًا رأى تحديدًا ما حدث، ولكن كان هناك صوت صدع مفاجئ مُصِم للآذان ودوامة من الغبار.

مرَّت بعض ثوانٍ قبل أن يدرك أحدٌ أن الكرة قد ضُربت من الأساس. كان رجل الساعة الآلي هو مَن لفت الانتباه إلى الأمر بتحديقه بثبات إلى أعلى في اتجاه البلدة. ثم حدَّق الجميع فجأة إلى الاتجاه نفسه لمشاهدة تلك النقطة الطائرة الصغيرة وهي تتضاءل أكثر فأكثر حتى بدا أنها قد التحمت بالفضاء. (في الواقع، وُجدت هذه الكرة نفسها بعد ثلاثة أسابيع، مُلقاةً في ساحة مهجورة على بُعد ثلاثة أميال من ملعب الكريكيت.)

كانت هناك لحظات من التصفيق، تلاها صمتٌ محرج. ثم ألقى أحد الأشخاص كرة أخرى في الملعب، واستُكمل اللعب. لكن رجل الساعة الآلي تعامل مع رمية تانر التالية، التي كانت رمية سريعة، بالطريقة نفسها تمامًا. مرة أخرى، لم يستطع أحد معرفة ما جرى — لأن الحركة كانت أسرع من قدرة أسرع عين على تتبُّعها — لكن الكرة اختفت مرة أخرى، هذه المرة في اتجاه صف من أشجار الحور البعيدة في الأفق. مرة أخرى ساد الصمت، لكن التصفيق هذه المرة كان أقل حماسة. حصل اللاعبون على كرة أخرى، وضُربَت أيضًا بالقوة نفسها وفي اتجاه ثالث؛ إذ كان هناك شبه إجماع من قِبَل المتفرجين المذهولين على أنها اتَّجهت نحو سارية العلم في الكنيسة الواقعة في منتصف الشارع الرئيسي في جريت وايميرينج.

بحلول هذا الوقت، بدأت حالة من الذعر تتجلى بوضوح في تصرفات اللاعبين المتوترة، أما المتفرجون، فبدلًا من أن يستندوا إلى الحواجز، وقفوا في مجموعات يناقشون أكثر حدث فريد رأَوه في حياتهم في لعبة الكريكيت. شُوهد كثير من هز الرءوس والتذكير بأحداث ماضية بين الحاضرين من كبار السن، لكن كان هناك اتفاق عام على أن مثل هذه الضربات كانت غير طبيعية. في الواقع، كان الأمر خارج إطار لعبة الكريكيت تمامًا.

قال صمويل باينز، وهو خبير محلي: «لو أن الجميع بدءوا بضرب الكرة بهذا الشكل، فلن يكون هناك أي معنًى للكريكيت. هذا مُنافٍ لطبيعة اللعبة.» وبصق بصقة أبدى معها حسمه كأنه يريد تأكيد رأيه بأن مثل هذه الكفاءة تستحق الاستنكار لا الثناء.

قال جورج باينز، الذي سجَّل العديد من مئات النقاط لبلدته في الأيام الخوالي: «أنت على حق يا سام، هذا ليس كريكيت. أو ربما هي مجرد صدفة؛ فما كان ينبغي أن يُسمَح للرجل بإمساك مضرب. إنه يُفسِد متعة الآخرين في اللعبة.»

تحوَّل الانتباه إلى شيء ذي أهمية ثانوية أظهر رجل الساعة الآلي بطريقة جديدة ومحيرة تمامًا. كان هناك بعض التأخير في جلب الكرة الثالثة، وعندما وصلت، انتهت الجولة. بدَّل اللاعبون مواقعهم، لكن رجل الساعة الآلي لم يحاول الحركة، ولم يُظهِر أي اهتمام بما يجري. ظل واقفًا، والمضرب في يدَيه، كأنه ينتظر كرة أخرى.

علَّق السيد باينز، راصدًا الحادثة: «يبدو كأنه نصف موجود.»

اقترح رفيقه قائلًا: «كأنه يحلم.»

تعطَّلت المباراة مرة أخرى. اعترض الرامي في الطرف الآخر على موقع رجل الساعة الآلي. وأشار، وكان رأيه معقولًا، إلى أن ضارب الكرة غير المشارك يجب أن يقف بعيدًا تمامًا عن النَّصِيبة. كان من الضروري استشارة الحَكم، ونتيجة لقراره، جرى إقناع رجل الساعة الآلي بلطف، ولكن بحزم، للتحرك بعيدًا. ثم بقي، على هيئته نفسها، عند أقصى حافة منطقة الهدف. كانت بلادة تصرفاته تلفت الانتباه بالتأكيد، وأصبحت التعليقات بين المتفرجين جماعيةً وحادةً بعض الشيء.

قال الحكم: «العب.»

كان ضارب الكرة في الطرف الآخر رجلًا بدينًا، ممتلئ الجسم بعض الشيء. أخفق في صد أول كرتَين، وأصابته الثالثة في معدته. توقف الجميع بتعاطف في حين كان السيد بامبوس، المعروف جيدًا والمُقدَّر في البلدة، يفرك هذا الجزء البارز من جسده وسط أصوات أنفاسه المتلاحقة وصياحه الذي لم يستطع أحدٌ أن يلومه عليه. كان السيد بامبوس في منتصف العمر وأصلع الرأس، بالإضافة إلى كونه سمينًا، وعلى الرغم من أنه بذل قصارى جهده لتحمُّل الحادثة بروحٍ رياضية، كان الذعر على وجهه المتعرق لا شك مثيرًا للضحك. أدار بعض اللاعبين رءوسهم بضع لحظات كأنما يحاولون تجنُّب محنة صعبة، لكن الصمت الحذر كان هو السائد.

ربما لهذا السبب كان تصرُّف رجل الساعة الآلي الأكثر إثارة للانتباه. حتى الآن، لم يكن أيٌّ من الحاضرين متأكدًا مما إذا كان هذا الشخص الغريب قد ضحك بالفعل، لكن الجميع متفقون على أن ذلك كان مقصده. فقد خرج من فمه، دون تحذير، دويٌّ مَعدِني مزعج ومُتتالٍ، بصوت عالٍ يمكن سماعه في كل أنحاء الملعب. شبَّه البعض الضجيج بصوت الأجراس التي تدب فيها الشروخ العميقة، والتي تفتقر إلى التناغم فيما بينها. ووصفه البعض الآخر بأنه كالصوت الذي يُسمع عندما يمرر أحد عصًا بسرعة عبر سياج حديدي. كان هناك ما يشبه القعقعة، من تأثير اصطدام شيء صلب بآخر، أو تقارع بين ألواح من الفولاذ. كان صوتًا فظيعًا، وغير متناغم، نحاسيًّا، ورنانًا، تنوع بين أعلى نبرات الدوي في شكل طنين وهمهمة. قال الذين تجرَّءوا على النظر إلى وجه رجل الساعة الآلي خلال هذا الأداء الاستثنائي إنه لم يكن ثَمة تغيير كبير في تعبيرات وجهه. فتح فمه قليلًا، لكن ضحكاته، إذا كان يمكن حقًّا وصفها بشيء غير كونها محاكاةً كئيبةً لضحكات البشر، بدت نابعة من أعماقه. ثم توقف الضجيج البشع فجأة كما بدأ. لم يغيِّر رجل الساعة الآلي وضعه في أثناء هذه الأحداث، لكن آرثر ويذرز، الذي كان يراقبه من كثبٍ من جناح اللاعبين، توهَّم أن أذنَيه رفرفتا مرتين بعدما هدأ الضجيج مباشرةً.

كانت لحظة غير سارَّة، لكن لحُسن الحظ، لم يبدُ أن الشخص الذي كان موضوع هذا المرح الصاخب القبيح وغير الملائم قد لاحظ الإهانة. لم يكن السيد بامبوس يفتقر إلى الشجاعة. وبعد بضع أنَّات وتنهيدات أخرى، وحكة أخيرة للجزء الذي تعرض للإصابة، وضع نفسه في موضع الاستعداد لاستقبال الكرة التالية. صفق له المشاهدون بحرارة، وخفَّف الرامي من قوة رميته؛ ربما لأنه لم تكن لديه رغبة في المخاطرة بحادثة أخرى. ضرب السيد بامبوس الكرة بخفة، فانطلقت بسرعة بين المدافعين، ركض أحد اللاعبين خلفها، لكن كان هناك وقت كافٍ للركض. صرخ السيد بامبوس: «هيا!» وبدأ يلهث ويزفر وهو يركض في الملعب.

لكن رجل الساعة الآلي لم يُعِر الأمر أدنى اهتمام. ظل ثابتًا، كتمثال يجسِّد اللامبالاة الفادحة. توقف السيد بامبوس فجأة في منتصف الطريق بين النَّصيبتَين؛ كان وجهه الأحمر مثالًا يُدرَّس في الحيرة. خطا بضع خطوات بطيئة، وألقى نظرة استجداء في اتجاه رجل الساعة الآلي، ثم اندفع يائسًا إلى الخلف حيث موضع هدفه. لكنه وصل بعد فوات الأوان؛ فقد أُسقطَت نصيبته.

تلعب قواعد السلوك دورًا مهمًّا في لعبة الكريكيت النبيلة. فقد يكون من غير اللائق رفض فرصة ركض واضحة؛ لكن الشكوى من شريكك علنًا هو سلوك أسوأ بكثير. بالإضافة إلى ذلك، كان السيد بامبوس مذهولًا إلى درجة جعلته لا يستطيع الكلام، وكانت مَعِدته لا تزال تؤلمه. سار ببطءٍ شديد ووقارٍ شديد إلى جناح اللاعبين، ولا شك أن غضبه قد هدَّأ منه التصفيق الحار ترحيبًا بعودته. خرج جريج للقائه بابتسامة خجلى نوعًا ما على وجهه.

همهم قائلًا: «أنا آسف، يبدو أن لاعبنا الجديد أخرقُ بعض الشيء. أظنه لا يفهم جيدًا.»

قال السيد بامبوس وهو يمسح جبينه: «يستطيع ضرب الكرة، لكنه بالتأكيد شخص غريب الأطوار. نادَيته ليركض، ويبدو أنه لم يسمعني، أو لم يرغب حقيقةً في سماعي.»

أمسك جريج بآرثر ويذرز، الذي كان يتهيَّأ للخروج إلى الملعب. قال: «صَه، أخبرْ صديقنا أنه يجب أن يركض. أظن أنه لا يفهم الوضع جيدًا.»

قال آرثر ببطء: «أجل، أظن أنه لا يفهم. إنه شخص غريب بعض الشيء. لقد … لقد … تحدثت إليه. و… و… يقول إنه رجل ساعة آلي.»

قال جريج وقد أصبح وجهه خاليًا من التعبير: «أوه. على أي حال، فقط أخبرْه أنه يجب أن يركض عندما يُنادى عليه.»

خرج آرثر إلى النصيبة. كانت رعشة ركبته المعتادة أقل وضوحًا، وكان أكثر قلقًا بشأن رجل الساعة الآلي من قلقه على نفسه. توقف لحظة عندما اقترب منه، وهمس في أذنه بخوفٍ بعض الشيء؛ لأنه كان يخشى أن تعود أذنه للرفرفة. «يقول القائد هل يمكنك الركض، من فضلك، عندما يُطلَب منك ذلك.»

أدار رجل الساعة الآلي رأسه قليلًا إلى اليمين فاغرًا فاه. لكنه لم ينبِس ببنت شفة.

كرر آرثر بصوتٍ أعلى: «عليك أن تركض.»

رفرف الآخر أذنه. انسحب آرثر سريعًا. لم يكن الأمر يستحق المخاطرة بمشهدٍ علني مثل ذلك الذي رآه في مكان منعزل نسبيًّا. افترض أن هناك شيئًا استثنائيًّا حقًّا لدى رجل الساعة الآلي، شيئًا يتجاوز قدرات فهمه المحدودة. ربما يمكن للأشخاص الأكثر ذكاءً منه فَهم خَطب هذا الكائن الغريب. أما هو فلا يستطيع.

وقف في مكانه أمام النصيبة. كانت الكرة الأولى سهلة، وتمكَّن من ضربها بدقة خلف الرامي. ودون أمل كبير في أن يستجيب رجل الساعة الآلي، ناداه وشرع في الركض. ولكنه اندهش بمرور الأخير به في منتصف الملعب، وكانت ساقاه تقفزان من جانب إلى آخر، وذراعاه تتأرجحان في كل اتجاه. يمكن القول إن ركضته لم تكن سوى صورة مبالغة لمشيته. وضع آرثر مضربه بسرعة، واستدار. وعندما رفع رأسه، في رحلة عودته، أربكه اختفاء أي أثر لشريكه. توقف ونظر حوله.

انطلقت موجة من الهتاف الساخر عندما بدأ رجل الساعة الآلي في الركض، ولكن الهتاف تصاعد ليصبح هديرًا من الضحك. ثم رأى آرثر ما حدث. لم يتوقف رجل الساعة الآلي عند النصيبة المقابلة. بل ركض مباشرة، مرورًا بحارس النصيبة، ومرورًا باللاعبين، وفي اللحظة التي رآه فيها آرثر كان يتجه مباشرة نحو اللوحة البيضاء في الجزء الخلفي من الملعب. لا عجب أن الجمهور قد ضحك! كان أمرًا عبثيًّا للغاية؛ ورجل الساعة الآلي يركض كأن لا شيء يمكنه إيقافه، كما لو كان في الواقع قد دُفع، ولا يملك القدرة على التوقف عن تقدُّمه المتهور. في اللحظة التالية، اصطدم باللوحة؛ لكن حتى هذا لم يمنعه من مواصلة الركض. استمرت ساقاه في التحرك سريعًا في هيئة الركض، وجسده يرتطم باللوحة المتدلية.

انغمس المتفرجون كليًّا في المرح. لا بد أنه قد بدا لهم أن هذا اللاعب الاستثنائي موهوب أيضًا بحس الفكاهة، بصرف النظر عن كونه غريب الأطوار، وأن تصرفه العبثي كان مقصودًا كنوع من الانتقام من الهتافات الساخرة على طريقته في الركض. لم يدرك أحد، باستثناء آرثر ويذرز، أن رجل الساعة الآلي قد استمر في الركض لأنه لسببٍ ما لم يتمكن من إيقاف نفسه. ربما يُلاحظ هنا أن العديد من تصرفات رجل الساعة الآلي اللاحقة كانت تحمل هذا الطابع الفكاهي العفوي؛ وأن حتى أكثر تصرفاته غرابة بدت كأنها مَزحة طريفة. كان شكله وسلوكه بشريَّين إلى حدٍّ كبير، رغم تلك المعدات الداخلية الغريبة، التي ستُكتشف فيما بعد، إلى درجة أن أفعاله أثارت حسَّ الفكاهة على الفور؛ ونسي الناس في غمرة ضحكاتهم أن يأخذوه على محمل الجِد.

لكن آرثر ويذرز ركض نحوه؛ فلا يزال يهيمن عليه شعورٌ خاص بالواجب تجاه ذلك الشخص العاجز، الذي كان يحاول التمسك باللوحة. قرر أنه سيكون من غير المجدي أن يحاول شرح ما يحدث. كان رجل الساعة الآلي بالتأكيد غير مسئول تمامًا. وضع آرثر يدَيه على كتفَيه وأداره، بطريقة تشبِه إلى حدٍّ كبير الطريقةَ التي يدير بها طفل لعبة ميكانيكية بعد توقُّفها. وبمجرد تحريره، تابع الركض عائدًا نحو النصِيبة، وتبعه في عقبَيه آرثر، الذي كان يأمل، بدفعة هنا وأخرى هناك، في توجيهه إلى جناح اللاعبين، وإبعاده عن طريق الضرر.

لكن هذه المحاولة أُحبطَت على نحوٍ غير متوقع. فقد لملم رجل الساعة الآلي شَتات نفسه؛ وركض مباشرة عائدًا إلى النصِيبة ثم توقف فجأة. كان الحَكم بصدد استبدال الخشبيتَين؛ لأن النصِيبة قد أُسقطَت، ورغم سرعة لاعب الكريكيت الغريب هذا في البداية، فإنه لم يكن سريعًا بما يكفي للوصول إلى منطقة الهدف في الوقت المناسب. بموجب كل قواعد اللعبة، ودون أدنى شك، كان قد «طُرد». كان في ذلك الوقت ينظر إلى العِصي بتأمُّل، بإصبع متجهة بسرعة نحو أنفه، كما لو كان يستعيد ذكرى حالة سابقة من الوعي. ثم، بحركة سريعة، أخذ موقعه استعدادًا لاستقبال الكرة.

كان هذا أكثر مما يستطيع المتفرجون تحمُّله برباطة جأش. فتعالى الصياح مُتتاليًا على طول خط الحواجز. وكان هدوء رجل الساعة الآلي وروِيَّته وهو يعيد نفسه إلى مكانه بمنزلة تتويج لكل ما ظهر منه سابقًا. وحقيقة أنه لم يلتفت إلى السخرية عليه، بل اكتفى بالوقوف منتظرًا حدوث شيء ما، جعلت الجمهور ينغمس في الضحك عليه. اهتز الحشد في مرحٍ صاخب بلا حدود.

ولكن بعد ثانية واحدة ساد صمتٌ تام. ذلك لأن الشيء الذي حدث بعد ذلك كان غير متوقع بقدر ما كان مدهشًا. لم يتوقع أحد، ربما باستثناء الطبيب ألينجهام، أن رجل الساعة الآلي قد يُظهِر العنف إلى جانب غرابة أطواره؛ فقد بدا شديد الوداعة. ولكن يبدو أن هناك طبعًا شيطانيًّا خلف تلك الملامح الباردة وغير المعبِّرة. حدث الأمر في لمح البصر؛ وكل ما تبِع ذلك استغرق بضع ثوانٍ كارثية. كان الحكم قد اقترب من رجل الساعة الآلي لكي يشرح له أنه من المفترض أن يترك موقعه عند النصِيبة. وعندما لم يسمع ردًّا واضحًا، أكد طلبه بأن وضع يده في إشارة ضمنية على كتف الآخر. على الفور، برق شيء مثل الشفرة في الأجواء المرتبكة، وكسر الصمتَ صوتُ ضربة قوية، وسقط الحكم التعيس الحظ منبطحًا. لقد سقط هامدًا كجذع شجرة.

عمَّت الفوضى. وتحوَّل مشهد اللعب الهادئ إلى ساحة معركة مُصغَّرة. اندفع اللاعبون نحو رجل الساعة الآلي كتلةً واحدةً، ولكنهم سقطوا واحدًا تِلوَ الآخر، كقَناني البولينج. تمدَّدوا على الأرض فاقدي الوعي بلا حراك. دار رجل الساعة الآلي حول نفسه مثل لعبة الدوَّامة، ومضربه يلمع تحت أشعة الشمس، وقد أخذ اللاعبون بالزي الرسمي يندفعون نحوه من جميع أنحاء الملعب، ليسقطوا أرضًا متمايلين ومترنِّحين. حاول بعضهم المناورة للحظة، لكنهم اصطدموا به في النهاية. تصاعد الغبار، وزاد الضجيج الخارق الذي أرعب آرثر ويذرز؛ إذ انطلق بقوة شديدة كأنه صوت مُحرك ضخم بدأ في العمل فجأة، ليزيد من حالة الاضطراب والفوضى.

صاح ألينجهام وهو يعبُر مع جريج فتحة الجناح، ويندفعان لإنقاذ اللاعبين: «أخبرتكم أنه مجنون!»

لكنَّ رجل الساعة الآلي بدا مذعورًا فجأة. لوهلة، تفحَّص الأجساد الممدَّدة على العشب، كأنها أكوام من الأكياس. ثم ألقى بالمضرب في اتجاه الجناح، وانطلق مباشرةً نحو الحاجز المكوَّن من العوائق.

فرَّ المتفرجون جميعًا في وقتٍ واحد. اندفع ألينجهام وجريج في مطاردة حثيثة. انضم إليهما آرثر ويذرز، الذي كان لديه من الذكاء ما يكفي لأن يسقط بنفسه بدلًا من أن يُطرَح أرضًا.

قال لاهثًا: «كل شيء على ما يرام، إنه … إنه … لن يتمكَّن من تسلُّق الحواجز.»

غير أنه لم يكن ثَمة تفسير لأفعال رجل الساعة الآلي. على بُعد ياردة تقريبًا من الحاجز، ارتفع جسده كله عن الأرض، وكان يطفو فعليًّا في الفضاء من فوقه. لم يكن قفزًا، بل أشبه بالطيران. هبط بخفَّة على قدمَيه، دون أدنى صعوبة؛ وقبل أن يتعافى المتفرجون من دهشتهم، كان هذا الشخص الغريب قد انطلق كالمِقلاع، مباشرةً في الطريق الذي جاء منه متعثرًا قبل نصف ساعة. في غضون بضع ثوانٍ، انطلقت هيئته المصغَّرة إلى الأفق، تاركةً أثرًا خفيفًا من غبار وصدًى متلاشيًا لضجيجه المروِّع.

صرخ جريج، ممسكًا بأحد عوائق الحاجز ليثبِّت نفسه: «يا إلهي، هذا … لا يُصدَّق.»

لم يستطع ألينجهام أن ينبس ببنت شفة. ووقف في مكانه يلهث، ويبلع ريقه بسرعة. لحِق بهما آرثر ويذرز.

«إنه … إنه … يعمل بالآلات يا سيدي. إنه رجل ساعة آلي.»

قال الطبيب غاضبًا: «لا تكن أحمق ملعونًا، أنت تتكلم بجهل وحماقة.»

كان جريج يستمع بانتباهٍ شديد.

احتجَّ آرثر قائلًا: «لكنه … هكذا فعلًا. لم ترَه كما رأيتُه. لم يكن يشبه أي شيء من عالمنا هذا … ثم بدأ يعمل. تمامًا مثل محرك يبدأ في العمل. ثم اندلع ذلك الضجيج. أنا واثق بأن هناك شيئًا داخله، شيئًا يتعطل أحيانًا.»

كان لا يزال يشعر بشيء من الحزن على رجل الساعة الآلي.

قال لاهثًا: «هذا ما أعتقده»، وكان متحمسًا، ولا يكاد يلتقط أنفاسه إلى درجة أنه لم يستطع متابعة الحديث.

قال جريج بهدوءٍ غريب: «أعتقد أنه من الأفضل أن نبلِّغ الشرطة. من المحتمل أن يكون خطيرًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥