الساعة
١
في البداية، بدا للطبيب أن رفيقه كان على وشك شرح الأمور على نحوٍ أكثر تفصيلًا. كان لا يزال هناك شيء غامض في أسلوبه، وصدر صوت غريب من فكَّيه المتحركين بسرعة.
لكنه لم يكن صوتًا بشريًّا. بدأ بسلسلة من الهمهمات والهدير العميق، وانتهى فجأة بنُباح واضح.
«داء الكلَب»، خطر ذلك بسرعة على بال الطبيب، لكنه استبعد الاحتمال على الفور. أشعل سيجارة لتهدئة أعصابه. كان يحاول جاهدًا أن يفسر كل ما يجري بعقلانية، ليضع رجل الساعة الآلي في سياق ربما يكون معقولًا بأي شكل، لكنها كانت عملية صعبة؛ لأنه كلما نجح في تجميع مجموعة من الأفكار، طرأت ظاهرة جديدة تجعل كل تفسيراته السابقة عديمة الجدوى. في الوقت الحالي، على سبيل المثال، كان واضحًا أن هناك نوعًا جديدًا من التغيير الهيكلي يحدث في مظهر رجل الساعة الآلي الخارجي. لم يكن سهلًا تصنيف الظاهرة في الفئة نفسها مع النمو المفاجئ للحيته، على الرغم من وجود نقاط مشتركة. ظهر الشعر مرة أخرى، وكان هذه المرة موزَّعًا في جميع أنحاء وجهه المستدير وفكه؛ وبدأ أنفه يتراجع ويتسطح؛ وتقلَّص حجم العينَين، وتغيَّر التعبير فيهما إلى نظرة باهتة. تكرر النُّباح وتبعه هدير غاضب.
أسقط الطبيب سيجارته على الصحن أمامه، وأمسك بحواف الطاولة. كانت عيناه مثبتتَين على ذلك المشهد المروع للتحوُّل.
صرخ في النهاية وهو يرتجف من رأسه إلى أخمص قدمَيه: «يا إلهي. هل تفعل هذه الأشياء عمدًا لتخيفني، أم إنك لا تستطيع، لا تستطيع أن تمنع نفسك عنها؟ هل تعتقد أنني لا أصدقك؟ هل تعتقد أنني يمكن أن أستمر في خداع نفسي؟ أقول لك إنني مستعد لأن أصدق أي شيء … أستسلم … كل ما أطلبه منك هو أن تخفف عني. أنا مجرد إنسان، وأعصاب الإنسان لم تُخلَق لتتحمَّل هذا.»
قال رجل الساعة الآلي بصوت هادر: «جرررررر. واو … واو … لا أستطيع التحكم بها … ووه … ووه … أمر مؤسف جدًّا … واو … واو … عودة إلى الأسلاف … الميل إلى التراجع … الأنواع القديمة … إشعار لحظة … خلل في الفصيلة … داروينية … أفضل في لحظة … خطأ في أدوات التحكم. هناك … انتهى الأمر. فيو!»
عاد وجهه فجأة إلى طبيعته، واختفى أي أثر للتشابه مع الكلاب كما لو أن السحر وسيلة ذلك. نهض وخطا خطوتَين أو ثلاث خطوات متقطعة ذهابًا وإيابًا في الغرفة. «يجب أن أستمر … عندما أشعر بهذا … إما الطعام وإما التحفيز العنيف … وإلا فإن الشيء اللعين يتوقف … هذا ما يحدث.»
توقف وواجه ألينجهام، الذي نهض من كرسيه ولا يزال يرتجف.
توسَّل رجل الساعة الآلي في يأس: «كيف أستطيع التحكم في الأمر؟ لقد جعلوني هكذا. لا أريد أن أخيفك … لكن، كما ترى، الأمر يخيفني أنا كذلك أحيانًا. يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة الشعور بأنك قد تتحوَّل في أي لحظة إلى شيء آخر … إلى أحد الأسلاف المروِّعين المتسلقين للأشجار. لا ينبغي أن يحدث هذا، ولكنه دائمًا ممكن. كان يجب أن يفكروا في ذلك عندما صنعوا الساعة.»
قال الطبيب مستعيدًا بعض هدوئه: «يجب ألَّا يحدث هذا، هذه هي الحقيقة الواضحة. إذا كنت تحتاج إلى الطعام، فستحصل على الطعام.»
فجأةً تبادر إلى ذهنه المتوتر أنه يوجد في الطابق السفلي في العيادة مجموعة من الأطعمة المعلَّبة والأدوية الحاصلة على براءات اختراع، عينات أُرسلَت إليه للتجربة. بدلًا من المخاطرة بظهور انهيار آخر لرجل الساعة الآلي، كان مستعدًّا للتضحية بهذه العيِّنات.
٢
جاء قرار الطبيب في الوقت المناسب تقريبًا. فعند النزول على الدَّرج المؤدي إلى العيادة في قبو المنزل، بدأت أذنا رجل الساعة ترفرفان بشدة، وحينها لاحظ الطبيب للمرة الأولى هذه الظاهرة التي أربكت آرثر ويذرز. ولكن مقارنةً بالعروض الأخرى، بدت هذه القدرة مجرد أمر بسيط، أشبه بعادة غريبة قد يتوقَّعها المرء من كائن غريب التكوين كهذا.
دفع الطبيب رفيقه إلى العيادة، وبدأ في فتح العُلب بكل ما أوتي من قوة. هدَّأته هذه العملية، وأعطته فرصة للتفكير قليلًا. لمدة نصف ساعة، واصل فتح العُلب وتمريرها إلى رجل الساعة الآلي، دون أن يلاحظ كثيرًا ما كان الأخير يفعله بها. ثم انتقل إلى الزجاجات التي تحتوي على أطعمة مسجلة ببراءة اختراع: فوسفات، هيبوفسفات، جليسروفوسفات، جميع أنواع الفوسفات في الواقع، الممزوجة بالمَلْت أو مواد أخرى، والتي قد تُعتبر ضرورية كنظام غذائي مساعد لرجل الساعة الآلي.
على الأقل، بدا الأخير ممتنًّا لتلقيه أيَّ شيء يُقدَّم له، وأصبح سلوكه أكثر احتمالًا بشكلٍ ملحوظ. بدا أن فرصة حدوث انتكاسة حادة قد تقلَّصت الآن. كان الطبيب قد أغلق باب العيادة. فسيكون من المحرج أن يراه أحد في مثل هذه الظروف، وربما قد تفقد السيدة ماسترز وعيها رعبًا عند رؤية العُلب والزجاجات الفارغة والزائر الذي يلتهم الطعام بشراهة. كان من الأعراض المميزة لحالة الطبيب النفسية أنه حتى الآن كان الشيء الوحيد الذي يخشاه أكثر من أي شيء آخر هو تدخُّل العالم الفضولي في هذا الحدث المروع. كان مضطرًّا إلى قبول الدليل الذي رأته عيناه، لكن بداخله ظلَّت لديه رغبة قوية في التكتُّم على الأمر؛ من أجل حماية العالم عمومًا من صدمة شديدة ربما تزعزع أفكاره الراسخة.
كانت العيادة ذات سقف منخفض، وكان المرضى يصِلون إليها من الخارج عبر درجات تؤدي إلى الفناء السفلي. اتصل أحد الأبواب بممرٍّ مظلم كان يؤدي إلى أقسام المطبخ، في حين كان الباب الآخر يُفتَح مباشرة على الفناء السفلي. هناك صف مزدوج من الأرفف، مليء بالزجاجات، ويحتل وسط الغرفة ويقسمها نصفَين. تحت النافذة كان مكتب الطبيب الأنيق، وإلى يساره هناك أريكة منخفضة بجانب الجدار. كان المصباح ذو الغطاء الموضوع على المكتب كافيًا لإضاءة الغرفة للأغراض العادية؛ لكن كان هناك موقد غاز بالقرب من الباب الأبعد، والذي يجب إشعاله عندما يكون الطبيب منهمكًا في فحصٍ دقيق جدًّا، أو في حاجة إلى إجراء عملية بسيطة. تحت هذا الموقد مباشرة، هناك كرسي بمسندَين، حيث جلس رجل الساعة الآلي في بداية وليمته.
جلس الطبيب على الأريكة، ويداه تتدلَّيان في وهن بين ركبتَيه. كان يشعر بالتعرق، لكنه لم يحاول مسح جبينه. قلبه ينبض بقوة بين ضلوعه، وأحيانًا يتوقف لحظة عن النبض. لاحظ هذا الأمر أيضًا، لكنه لم يسبِّب له الكثير من القلق. كان يلقي نظرة خاطفة بين الحين والآخر على رجل الساعة الآلي، متفحصًا طريقته الغريبة في المضغ؛ حيث الحركة الاهتزازية السريعة لفكَّيه، والغياب الظاهر لأي جهد إرادي.
كانت الفكرة التي تستحوذ على عقل الطبيب هي شعوره بأنه، من بين جميع الناس، قد اختارته عناية غير مميزة ليخضع لهذه التجربة المقلِقة وغير المسبوقة على الإطلاق. فقد كانت تلك التجربة بمنزلة تعليق ساخر على آرائه الرجعية وعقيدته المريحة القائمة على المنطق السليم. لقد أُجبر على الاقتناع رغمًا عنه، وكان الجهد المبذول لمقاومة هذا الاقتناع قد أثقل قُدراته العقلية بطريقة غير مريحة. انتابه شعور شديد بعجزه عن التعامل مع العديد من المشكلات التي من المؤكد أنها ستنشأ فيما يتعلق برجل الساعة الآلي. كان الأمر أكبر من أن يستوعبه عقل شخص واحد. لا بد من انعقاد مجلس يضم أذكى العقول في أوروبا للتحقيق في هذا الكشف المروع. تخيل نفسه وهو يقدم هذا الكائن الحقيقي القادم من عصر المستقبل، والوصف الذي سيكون عليه أن يقدمه عن كل ما حدث بشأنه. وحتى مجرد التفكير في ذلك جعله يشعر بالدُّوار. تمنى لو أنه يستطيع التهرب من هذه المسألة. كان يكفيه أنه رأى هذا النموذج الأصلي للمستقبل؛ المشكلة الآن كانت في كيفية نسيان وجوده.
لكن ذلك سيصبح مستحيلًا. كان رجل الساعة الآلي تجسيدًا للمستقبل. لم يكن هناك مفرٌّ من ذلك. إنه المستقبل. تطوَّر الإنسان إلى هذا. لقد نجح بطريقة ما في إضافة نوع من الآلية إلى قُواه الطبيعية؛ مما فتح أمامه إمكانيات هائلة للحركة في جميع أنواع الأبعاد. لا بد أن هناك فترة تحضيرية طويلة قبل أن يصبح هذا الأمر ممكنًا؛ أجيالًا من الكفاح والفشل والتجارب المتكررة. لكن الروح البشرية التي لا تعرف الكَلال قد انتصرت في النهاية. لقد ارتقى الإنسان أخيرًا متفوقًا على الزمان والمكان، واتخذ مكانه في مركز الكون. كان هذا تحقيقًا لجميع نبوءات العلماء العِظام منذ اكتشاف التطور.
مرَّت هذه التأملات غير واضحة في عقل الطبيب وهو يسعى عبثًا لإيجاد حل عملي للمشكلة. ما الساعة؟ كان يعلم، من خلال ما سمعه، أنها كانت تقع في الجزء الخلفي من رأس هذا الكائن الغريب. لقد رآها توم درايفر، ووصفها بطريقته الخرقاء. منذ ذلك الحين، تصوَّر الطبيب شيئًا يشبه أداة مثبتة في رأس رجل الساعة الآلي، وربما متصلة بعملياته الدماغية. هل كان نوعًا من الدماغ الفائق؟ هل تم العثور على وسيلة لتطويل تلافيف الدماغ البشري، بحيث تسافر أفكار الإنسان مسافة أبعد، وتُمكِّنه من الوصول إلى الاستنتاجات النهائية بسرعة أكبر؟ بدا هذا محتملًا. لا بد أن الطاقة الدماغية للإنسان أمكن تخزينها بطريقة ما، مثل الكهرباء في البطارية، ثم أُطلِق لها العنان عبر عمليات ميكانيكية.
على الأقل، كان هذا هو الاستنتاج الغامض الذي تبادر إلى ذهن الطبيب واستقر فيه. كانت هذه النظرية الوحيدة التي تتماشى إلى حدٍّ ما مع معرفته بعلم التشريح البشري. يمكن تتبُّع كل نشاط فسيولوجي بمرور الطاقة العصبية من مركز إلى آخر، ومن الواضح أنه في حالة رجل الساعة الآلي أن هذه الطاقة كانت تخضع لتسارعٍ هائل، وربما يمكن توزيعها عبر مسارات مُعدَّة خصِّيصَى. لم يكن هناك شيء في علم الأعصاب يفسر هذه الاضطرابات وردود الفعل. كانت هناك حالات عصبية غريبة — كان الطبيب نفسه قد عالج بعض الحالات المذهلة لاضطرابات عصبية — لكن سلوك رجل الساعة الآلي لم يكن في الإمكان تفسيره بأي مبدأ معروف للبشر. ومن أكثر الأمور إرباكًا بشأنه هو أنه أحيانًا يجعل من المستحيل، بحديثه وسلوكه، قبول فكرة أنه ذو أصل ميكانيكي؛ وفي أوقات أخرى، كانت تصرفاته تولِّد قناعة بأنه مجرد لعبة فائقة التطور.
بعد قليل، نهض رجل الساعة الآلي، وبدأ يجُول الغرفة بطريقته البطيئة، وخطواته المسطحة.
حاول الطبيب أن يسأل مستجمعًا قُواه: «كيف تشعر الآن؟»
تنهد الآخر: «أوه، لا بأس، فقط لا بأس … لا يمكنني أن أتوقَّع أن أشعر بنفسي، كما ترى.» وصل إلى نهاية الغرفة، وبحركة اهتزازية، استدار وبدأ رحلة العودة. نهض الطبيب ببطء، وظل واقفًا. كانت هناك بالكاد مساحة لشخصَين يمشيان ذهابًا وإيابًا.
واصل رجل الساعة الآلي بنبرة حزينة: «قد يحدث أي شيء، أشعر كأنني قد أتراجع مرة أخرى، كما ترى … أتراجع ألف سنة أخرى أو نحو ذلك.» استدار مرة أخرى. تنهَّد قائلًا: «عليَّ أن أصبح أسوأ قبل أن أصبح أفضل»، ثم توقف لتفحُّص صفوف الزجاجات المرتَّبة على الأرفف.
سأل: «ما هذه؟»
قال الطبيب من دون حماسة: «أدوية.»
«هل تساعد الناس على العمل؟»
«همم، نعم … لها تأثير كيميائي … منشطات. يصاب الناس بالإرهاق، وأُضطر إلى إعطائهم شيئًا لتحفيز عملهم.»
أومأ رجل الساعة الآلي متفهمًا: «لقد استوعبت. لكنها لن تفيدني على الإطلاق. ما أحتاج إليه هو الضبط، التنظيم.» نظر بجدية إلى الطبيب، بتعبير استفهام حزين. شرع في القول: «ساعتي …» وتوقف فجأة.
كان الاثنان الآن يقفان وجهًا لوجه. ابتلع الطبيب ريقه عدة مرات، وشعر بالدم ينبض في صدغَيه. حانت اللحظة المهيبة. عليه أن يرى هذه الأداة الغريبة التي تميز رجل الساعة الآلي عن البشر العاديِّين. لم يكن هناك مجال للتراجع عن هذه التجربة الغريبة. تحت تلك القبعة والباروكة هناك شيء … شيء غريب تمامًا، وخارج نطاق براعة البشر. باسم الإنسانية جميعها، من واجب الطبيب مواجهة صدمة هذا الكشف، لكنه تراجع عن واجبه كطفلٍ مرتعِد. لم يكن لديه أي شعور بالفضول أو الرغبة المُلحَّة في معرفة هذا اللغز المستقبلي. كانت ركبتاه ترتجفان بشدة. لم يكن يريد أن يرى الساعة. كان على استعداد أن يدفع ١٠٠ جنيه مقابل أن يتجنب هذه المحنة.
ببطء، وبحركته المتصلبة المعتادة، رفع رجل الساعة الآلي ذراعَيه إلى أعلى، وأزال القبعة الكهنوتية الناعمة. أمسك بها عاليًا، كما لو كان غير متأكد مما يفعل بها، وأخذها الطبيب منه بيدٍ مرتجِفة.
في اللحظة التالية، خلع الباروكة ليكشف للطبيب عن جمجمة صلعاء.
ثم استدار رجل الساعة الآلي ببطء.
مدَّ الطبيب يدَه بسرعة، وأمسك بحافة الأرفف. عندما استقرت عيناه على الشيء الذي أصبح في ذلك الحين أمامه مباشرةً، تأرجح ببطء حتى استند جزئيًّا إلى الأرفف. فغر فاه، وظل ممدودًا إلى أقصى حد.
في البداية، ما رآه بدا كأنه وجه آخر، ولكنه كان مستديرًا ولامعًا. أظهرت النظرة الثانية بوضوح أنه بدلًا من الجزء الخلفي لرأس رجل الساعة الآلي، هناك قرص زجاجي، تحته تمكَّن الطبيب بصعوبة من رؤية عددٍ هائل من المؤشرات، وعقارب صغيرة تتحرك حول دائرة ذات تقسيمات متناهية الدقة. كانت بعض العقارب تتحرك ببطء، وبعضها كان بالكاد يُرى، بينما دار بعضها الآخر بسرعة كبيرة، تاركًا خلفه أثرًا غير واضح لحركة دورانية اهتزازية. وبجانب العقارب كانت هناك مصدَّات، مقابض غريبة الشكل وأزرار صغيرة، كلٌّ منها مميز برقمٍ صغير وأنيق الشكل. بالإضافة إلى لوحات معدنية صغيرة ترفرف بسرعة وبشكلٍ غير منتظم، مثل المؤشرات على لوحة تحويل الهاتف. هناك نبض خافت وضجيج طفيف، ما أوحى بوجود قوة تحت ضغطٍ عالٍ.
للحظة واحدة حاول الطبيب أن يستوعب أنه كان يشاهد أعظم أعجوبة أبدعتها عبقرية البشر. بذل جهدًا لتمديد حدود عقله مرة أخرى ليدرك مغزى هذا النموذج المثالي للبشرية القادم من ثمانية آلاف عام في المستقبل. لكنه لم ينجح في ذلك. بلغ التوتر الذي عانى منه طَوال الساعة الماضية ذروته الأولى. بدأ يرتجف بشدة. ارتد كوعه إلى الخلف بحركة مفاجئة، محطمًا ثلاث زجاجات كانت على الرف خلفه. انبعث من حلقه أنين خافت.
همس بصوت أجش: «يا إلهي»، ومرة أخرى، كأنه يعزي نفسه: «يا إلهي.»
٣
أوضح رجل الساعة الآلي: «إذا فتحت الغطاء» (وعند سماع صوته البشري، قفز الطبيب بقوة)، «فسترى بعض المصدات، مميزة بالأرقام.»
عندما أطاع الطبيب تعليماته رغم إرادته، اكتشف مفصلة صغيرة وفتح الغطاء الزجاجي فجأة. كانت الساعة النابضة، بحركتها وأصواتها المتزايدة قليلًا، مكشوفة في متناول يده.
ببطء، وبقلب ينبض بجنون، أدخل الطبيب إصبعه المرتعشة بين فجوات تلك المصدات والعقارب الكثيرة، وببطءٍ سحبها مرة أخرى. لم يستطع فعل ذلك. لسببٍ واحد، وهو أن إصبعه كانت كبيرة جدًّا. كانت أداة غير مناسبة تمامًا لهذا العمل الدقيق. ماذا لو فشل؟ ماذا لو ضغط على مقبض بقوة زائدة، أو جعل عقربًا يدور في الاتجاه الخاطئ؟ أقل عثرة …
قال لاهثًا: «لا أستطيع فعل ذلك، لا أستطيع حقًّا. يجب أن … تعذرني.»
قال رجل الساعة الآلي بهمسٍ حاد: «أسرع، هناك شيء على وشك الحدوث.»
وبذلك كان تصرُّف الطبيب النهائي متسرعًا وغير مدروس. بدا له أنه قد أفسد شيئًا ما في الآلية. في الواقع، نجح في الضغط على المقبض الحادي عشر، وكانت النتيجة الفورية ما يشبِه صوت رنين مكتومًا ينبعث من أعماق جسم رجل الساعة الآلي.
صاح الأخير بنبرة انتصار: «جرى التسجيل. الآن، العقرب.»
وجد الطبيب العقرب، وحاول أن يلويه ببطء وحذر شديد.
كان يتوقَّع أن تقاوم القطعة المعدنية الرفيعة لمسته، لكنها دارت بسهولة شديدة، خمس مرات ونصفًا!
استدار رجل الساعة الآلي فجأة. بعد ذلك مباشرة، سمع الطبيب سلسلة من الأصوات العالية التي تشبه الفرقعة، مصحوبة بصوت تمزُّق وتشقُّق. في الوقت نفسه، ضربه شيء صلب فوق عينيه، وتعرضت جدران الغرفة الصغيرة وسقفها لضرباتٍ حادة من شيء جرى قذفه بعنف. ثم شعر أنه يُدفَع بلطف بعيدًا بسبب ضغط يصر باستمرار على الحصول على مساحة أكبر.
كان التأثير غير متناسب على نحوٍ مذهل مع السبب. أو على الأقل، هكذا بدا للطبيب، الذي كان بالطبع جاهلًا تمامًا بالآلية التي كان يجربها.
صرخ رجل الساعة الآلي بصوتٍ غليظ وأجش: «العكس! العكس.»
بحلول ذلك الوقت، تضاعف حجمه عدة مرات مما كان عليه في الأصل. انفجرت جميع أزراره — وهذا ما يفسر أصوات الانفجارات المفاجئة — وتمزَّقت ملابسه تمامًا، من الخلف والأمام. وظهرت أكياس كبيرة وثلاثة أذقان جديدة على وجهه، وأسفل ذلك كان هناك بطن ضخم ظاهر.
أمسك الطبيب بياقة الآخر، وأدار الجسم الضخم. كانت يده تتحسَّس المصدات بارتباكٍ شديد.
قال لاهثًا ووجهُه شاحب من الرعب: «أي واحد؟ أخبرني ماذا أفعل. بالله عليك، هل تتوقع مني أن أعرف؟»
نتج عن هذه التجربة أن أطلق رجل الساعة الآلي احتجاجًا ضعيفًا ومرتجفًا. كان من الواضح أنه قد تقلص في الحجم. فقد كانت ملابسه تتدلَّى عليه، وهناك وهن مقلِق في بِنيته. وببطء، أدرك الطبيب أن الوجه الذي يحدق به إليه وجه شخص مُسِن وعاجز للغاية. اجتازت جبهته خطوطٌ مؤلمة، وهناك تجمعات دامعة في زاوية كل عين من عينَيه. كان هذا التغيُّر يحدث بسرعة شديدة.
بحلول هذا الوقت، تحوَّلت حالة الطبيب من الهستيريا إلى نوع من التهور اليائس. كان عليه بطريقة ما أن يُعيد رجل الساعة الآلي إلى مظهر أقرب إلى الإنسانية المقبولة. ضغط على الأزرار، وأدار العقارب بتجاهلٍ تام للتعليمات التي كانت تصرخ بها من حين لآخر الضحية التعيسة لتجاربه العشوائية. شعر أن الأسوأ بالكاد يمكن أن يتجاوز ما حدث بالفعل. ومن الواضح أن رجل الساعة الآلي لم يكن لديه أدنى فكرة عن آلية عمله الخاصة. يبدو أنه من المفترض أن يُضبَط بواسطة شخص آخر. فلم يكن، بهذا المفهوم، كائنًا مستقلًّا.
كان واضحًا أيضًا أن رجل الساعة الآلي تمتع بقدرة على التكيُّف تكاد تكون غير محدودة. لم تُحدِث العديد من المصدات سوى تغييرات طفيفة، أو بدايات أوَّلية لبعض التغييرات الأساسية في بِنيته. وغالبًا ما كانت هذه التغييرات مخيفة إلى درجة جعلت الطبيب يتحقق منها على الفور بإجراء تجارب أخرى. بدا رجل الساعة الآلي كأنه تجسيد لكل شيء وُجد على مَر التاريخ. بعد تجربة واحدة، ظهرت لديه خياشيم. وأطلقت منه تجربة أخرى شخيرًا بدائيًّا مروعًا. وظهر له ذيل لفترة قصيرة من الوقت.
في الثانية التالية، وجد نفسه يتأمل ما يبدو أنه كومة ملابس فارغة مُلقاة على الأرض عند قدمَيه.
لقد اختفى رجل الساعة الآلي!
صرخ الطبيب، وهو يجول في أنحاء الغرفة، ناسيًا حتى الله في خضم كربه: «آه! ماذا فعلت؟ ماذا فعلت؟»
ركع وبحث متعجلًا بين الملابس. كانت هناك كتلة تتحرك بشكل طفيف جدًّا، في منطقة صدرية رجل الساعة الآلي، كتلة بدت غريبة وناعمة عند لمسها. ثم شعر بالسطح الصلب للساعة. وقبل أن يتمكن من إزالة كومة الملابس، كسر الصمتَ شيءٌ من البكاء الغريب، بدا مألوفًا للطبيب على نحوٍ غامض. لقد كان بكاء طفل رضيع، طويلًا ومؤلمًا.
عندما وجده الطبيب، بدا عمره ستة أسابيع تقريبًا، وكان يتقلص في الحجم بسرعة كبيرة.
وحده تصرُّف الطبيب السريع والشديد العفوية هو ما حال دون وقوع كارثة لا يمكن تصورها.