حظ بارناباس مدج

إن بارناباس مدج هو رجل تفوق رجاحةُ عقله مكانته في الحياة؛ وهي لا ينبغي بالضرورة أن تُقارَن برجاحة عقل أرسطو أو هربرت سبنسر. وبالنسبة إلى مكانته، فهو مجرد عامل بناء يعمل حسب الطلب وليس كوظيفة ثابتة لوقت كامل. وبالطبع، هناك نوع من عمال البناء ونوع آخرُ من عمال البناء؛ وبارناباس من النوع الذكي، وهو ليس النوعَ الأكثر شيوعًا بكل تأكيد.

ومع ذلك، حتى هذه اللحظة لم تكن مواهبه العقلية قد دفعته بشكل ملموس على طريق الثراء. من المحتمل أن الحظ كان يُعانده، أو ربما كانت قرية بيكونزفيلد تُتيح نطاقًا محدودًا من الفرص التي يُمكن أن تُبرز إمكانيات عقله الفلسفي. على أي حال، عندما قابلناه للمرة الأولى في يوم حارٍّ من شهر يونيو، وجدناه مشغولًا بمهمة متدنية وهي هدم كوخ آيلٍ للسقوط في منطقة منعزلة على أطراف القرية.

كان يومًا شديد الحرارة. بينما يقف بارناباس على قمة الجدار، ينقر على الأحجار القديمة الصلبة وهو عابس، والعرق يتصبب على وجهه وذراعَيه، بل يُبلل مقبض معولِه. ومما زاد الطين بلة، أن العجوز جو جاميت كان يضع كوماتٍ كبيرةً من الأسماك الفاسدة لاستخدامها كسماد في الحقل المجاور. وكان من المقرَّر أن تُنثَر الأسماك الميتة قريبًا بالتساوي على الأرض، ليس — كما قد يفترض القارئ الذي ليس لديه دراية بطرق الزراعة — بغرضِ إنتاج محصولٍ من أسماك الماكريل، ولكن لغرض تسميد وإثراء التربة؛ ولكن في الوقت الحاضر، كان هناك إثراءٌ للروائح الكريهة، لأن الأسماك، التي وُضِعت في أكوام متناظرة، ترقد تحت أشعة الشمس الحارقة، و«تضيع حلاوتها في الهواء الساخن».

صاح بارناباس وهو يُوجِّه مِعولَه بشراسة نحو كتلة مترابطة من الطوب القديم الصُّلب: «بو! إن تلك الأسماك كريهة الرائحة. وبالحديث عن أوبئة مصر العشَرة التي عاقب بها اللهُ فرعون! فإن رائحة الضفادع الكريهة لا تُعَد كريهة إذا ما قُورِنَت برائحة تلك الأسماك. وها هو ذلك الخنزير العجوز يأتي مع حمولة أخرى.»

ألقى نظرة حزينة على العربة التي تقترب، واستهدف بُقعة أسفل الجدار، وضرَبها بقوة من فرط سخطه. لكنه واجه هنا مِلاطًا من نوعية مختلفة نوعًا ما. ودفن المعول نفسه في كتلة متداعية، وبينما كان ينتزع المقبض، انفصلَت كتلة كبيرة من الأحجار عن الحائط وسقطت على الأرض.

قال بارناباس: «مرحى!» وقد يستدعي الأمر التهليل بالفعل؛ لأن الأحجار المتساقطةَ كشفَت عن فجوة صغيرة مكعَّبة في الجدار؛ وبداخلها، كما يرى من خلال مدِّ رأسه للأمام، جَرَّة خزفية مغطَّاة. وكان هذا مثيرًا جدًّا للاهتمام. لكن وقت حدوثه غير مناسب؛ لأن جاميت العجوز كان قد اقترب إلى مسافة نحو مائة ياردة فقط وكان يبتسم بلطف مشئوم.

فانحنى بارناباس إلى أسفل وبدأ على عجل في إصلاح آثار ضربة معوله القويةِ الأخيرة، وتركيب الأحجار المزاحة في أماكنها بقدر المستطاع في الوقت القصير المتاح قبل وصول العجوز. ثم صعد إلى مكانه السابق وبدأ العمل بجهد على جزء آخر من الجدار موجِّهًا ظهره نحو العربة التي تقترب. لكن هذا التحفُّظ في الأسلوب لم يُفلِح؛ لأن جو جاميت، بعد أن وصل أمام الكوخ، أوقف عربته، وابتسم كاشفًا عن مجموعة متنوعة من الأسنان التالفة، وحيَّا الرجل بصوت ريفي رنان.

قائلًا: «كيف حالك يا بارني!»

التفتَ بارناباس، بينما يضع منديلًا أحمر اللون على أنفه.

وقال لاهثًا: «أتعلم يا جو! ما عليك سوى المضيِّ قُدمًا في صناعة العطور الخاصة بك. إنه أمر يجعلني أشعر بالدُّوار.»

ضحك جاميت العجوز وبصق بمهارة من خلال فتحة مناسبة بين أسنانه. وقال: «يجب ألا تكون رقيقًا هكذا، إنها رائحة الريف الصحية اللطيفة، كما أُسميها. وهي مغذِّية أيضًا. فما هو مفيدٌ للأرض مفيد لمن يعيشون على الأرض أيضًا.» واتخذ موقفًا هادئًا في المدخل المهدَّم واستأنف كلامه متأملًا: «لديك عمل شاق هنا يا بارني. إن البنَّائين القدامى كانوا يبنون بيوتًا متينة بالفعل. فقد كانوا يستخدمون النوع الصحيح من المواد. ولكن هناك رقعة هناك لا تبدو بنفس المتانة. عجبًا، يُمكنني هدمها باستخدام يدي!»

واستمر ينظر بعين غائمة على قطعة الجدار التي أعاد بارناباس تشكيلها للتو وهمَّ بالتوجه نحوها داخل الكوخ.

فصاح بارناباس قائلًا: «توقف، لا تدخل، إن المكان ليس آمنًا.» ولتوضيح هذا، قام ببراعة بإزاحة عدد قليل من الأحجار فوق العتبة، مما تسبَّب في قفز جاميت العجوز إلى الخارج عبر المدخل بخفة حركة مدهشة للغاية.

قال العجوز بسخط: «ألا ترى أني واقف هنا؟»

قال بارناباس ساخرًا: «لا أرى شيئًا، لا أستطيع إلا أن أشم. هل تُمانع في نقل زهورك المعطرة بعيدًا قليلًا؟»

ألقى جاميت العجوز ردًّا غير مفهوم، وأمسك عابسًا بلِجام حصانه، ثم ابتعد في اتجاه طريق العربات الذي يُؤدي إلى داخل الحقل. راقبه بارناباس بصبرٍ نافِد، وعندما دخلت العربة إلى الحقل، نظر إلى أعلى وأسفل الطريق ليطمئنَّ إلى عدم وجود أي مقاطعة أخرى تُهدده، وهبط مرة أخرى.

ومِن ثَم أزال الأحجار بعناية أكبر هذه المرة، بهدف إعادة البناء لاحقًا، إذا لزم الأمر، ودفع رأسه في التجويف الغامض في الجدار، وخلع غطاء الجرة.

وصاح قائلًا: «يا عيني!» حينما وقعت عينه على فم الجرة. ومن الطبيعي تمامًا أن يصيح عجبًا؛ لأن الجرة كانت ممتلئة حتى حافَتِها بالعملات الذهبية المتلألئة.

لبضع ثوانٍ وقف متحجرًا بفرحة لا تُصدَّق. ثم مد يده وهي ترتجف وكبَش ملء قبضته منها؛ وعندئذٍ تضاعفت فرحته. لقد كان يتوقع أن يجد بعض العملات القديمة غير القابلة للتداول التي تصرخ «كنز دفين»، من كل نوع بالٍ عفا عليه الزمن. لكن الجرة لا تحتوي على شيء من هذا القبيل. كانت العملات الذهبية التي بين يدَيه بشكل عام؛ غيرَ مميزة. لكنه كان يعلم أنها جنيهات ذهبية. نعم، ليس واحدًا، بل عدة مئات.

صاح بارناباس: «المقص الخالد!» ومرة أخرى أُكرر أن الصيحة تُبررها الظروف.

والآن، أمام رجاحة عقل بارناباس مدج، أصبحت الحقائق واضحة على الفور. هنا، على سبيل المثال، ملكية قابلة للتداول بمئات الجنيهات، ثروة تفوق أحلام كانزي المال. وهذه الملكية لم تكن بالمعنى الدقيق للكلمة مِلكه؛ وهذه حقيقة؛ لكن بارناباس كان رجلًا عمَليًّا لا تروقه التفاصيل الدقيقة للقانون. كانت المشكلة الأكثر إلحاحًا هي كيفية تأمين هذه الثروة غير المتوقعة التي وهبها له الله؛ فركز انتباهه وعمل على حلِّها، ومِن ثَم أعاد العملات الذهبية داخل الجرة وأغلقها، وبنى فتحة المخبأ مرة أخرى بعناية.

قبل هذه اللحظة، كان الحظ يُعانده باستمرار. وقد عرَفته كل القرية على أنه رجل فقير؛ وإذا ظهرت في حوزته فجأة ثروة غير مفسَّرة المصدر، فسيُثير الفضول وربما الشك أيضًا. ومع ذلك، فمن غير المجدي أن تكون غنيًّا إذا تحتَّم عليك أن تعيش في هيئة الفقراء؛ كما أن اكتناز المال حماقةٌ كما بيَّن بوضوح هذا الكنز المنسي. وعلى أي حال، يُمكن التفكير لاحقًا في كيفية إدارة هذه الثروة التي لم يكن يحلم بها. وكانت المشكلة المباشرة هي كيفية نقلها بأمان إلى منزله دون أن ترصده أعينُ المتطفلين. نظرًا لأن عربته، رغم صغر حجمها، لا يُمكن سحبها عبر المدخل إلى داخل الكوخ، لذا يجب نقل الجرة الثمينة إلى الخارج، وربما كان ذلك آمنًا بما يكفي إذا كانت الجرة ملفوفة مسبقًا في كيس. لكن عِظَم الثروة كان يُؤثر على أعصابه لدرجة تجعله يلتزم تمامًا بأقصى إجراءات الحذر والسرِّية غير المعقولة.

في تلك اللحظة كان جاميت العجوز هو العقَبةَ التي يصعب التغلب عليها. حيث من المستحيل إعادة فتح المخبأ وإخراج الجرة قبل رحيله؛ لأنه رأى الفجوة وقد تهدمت حجارتها، وهو عجوز وضيع وماكر، وقد يشكُّ في الأمر. وهكذا أخذ بارناباس الحكيم — بحذرٍ مبالَغ فيه بشكل سخيف؛ لأن الضمير يجعلنا جميعًا جُبناء — ينقر بفتور على الحائط، بينما يُراقب المزارع العجوز بقلق، ويلعن تحركاته البطيئة وتدقيقه السخيف في التفاصيل. لأن جو جاميت، إذا لم تكن حاسةُ الشم لديه شديدة التمييز، فقد كانت عينه شديدة الانتباه ومدققة، وكان من الواضح أنه يُوزع أسماكه البغيضة على أنحاء الحقل بشكل متساوٍ ومنتظم؛ وفي الواقع، لاحظه بارناباس بحذر وهو يعدُّ الأكوام الموزعة بالفعل ويعدُّ الخطوات نحو موقع الكومة التالية.

زمجر بارناباس بغضب وهو يُراقبه: «يا لك من عجوز غبي حقير! لماذا لا يُلقيها في الحقل وينتهي الأمر؟» وفي وسط شعوره بالسخط وجد نفسه يحسب الأكوام أيضًا، ويحسب كم ستُنتج حمولة العربة. كان هناك في الوقت الحاضر صفان كاملان، كل واحد مكون من إحدى وثلاثين كومة، وكان جاميت العجوز مشغولًا الآن بوضع الكومة السادسة والعشرين في الصف الثالث؛ وهذه هي قوة الإيحاء حيث توقف بارناباس مؤقتًا عن عمله ليرى ما إذا كانت المحتويات المتضائلة للعربة ستُوفر الأكوام الخمسة الإضافية التي كانت مطلوبة لإكمال الصف الثالث.

وفي الواقع، انتهت كمية الأسماك الفاسدة عند الكومة التاسعة والعشرين، مما جعل جاميت يشعر بالأسف الواضح، لأنه بعد أن وضعها، أخذ يعدُّ الكومات بدقة بذراعه الممدودة مرة أخرى. وبعد ذلك، أخيرًا، صعد إلى العربة الفارغة وانطلق بعيدًا.

قال بارناباس بينما اختفت العربة في نهاية الطريق: «والآن لنأخذ الكنز ونبتعد.» فنزل من على الحائط، ووضع على أهبة الاستعداد كيسًا كان قد أحضره معه، وبدأ في إزالة الأحجار المتهدمة.

ولكن في هذه اللحظة، باغت أذنَيه صوتُ عجلات تقترب من الاتجاه المعاكس لذلك الذي اتخذه جاميت.

صاح وهو يُعيد الأحجار إلى موضعها على عجل: «يا لكم من ملاعين!» ثم تسلَّل إلى نافذة جانبية صغيرة تُطل على الطريق ثم قال: «من هؤلاء الآن؟ عجبًا، إنها الأمُّ موني ورفيقتها الحقيرة. والآن ما الذي يُمكن أن يفعلاه هنا؟»

في تلك اللحظة كانتا تتفحصان المكان بطريقة فضوليَّة ومريبة للغاية، وفي الوقت نفسه كانت السيدة موني تربط حمار عربتها في السياج. وبعد ذلك أخذت كلُّ امرأة كيسًا من العربة ودخلتا في حقل السيد جاميت. فراقبهما بارناباس بذهول مطلق وهما تنقبان أكوام الأسماك بنوايا لا لبس فيها.

صاح بارناباس: «حسنًا، أُراهن أنهما قد حضرا لسرقة الأسماك الفاسدة! فهذه هي الطريقة التي تُديران بها مزرعة خضروات. لكنني لا أفهم لماذا تحسبان الكميات التي تسرقانها؛ ربما لأن تلك العربة لن تتسع للكمية كلِّها.»

ومع ذلك، فقد أصبح هدف هذا الإجراء الغامض واضحًا على الفور؛ لأنه يبدو أن اللصتَين، بعد أن لاحظتا الترتيب المتماثل للسيد جاميت، قررتا عدم الإخلال به؛ ومِن ثَم لفت الانتباه إلى سرقتهما. وبناءً على ذلك، بدأتا العمليات على الكومة رقم تسعة وعشرين، وبعد أن خبَّأتا الأسماك في كيسَيهما، حملتاها إلى العربة، وعادتا بكيسَين آخرَين فارغَين، ثم عاودتا الهجوم على ممتلكات جاميت عند الكومة الأخيرة في الصف التالي.

صاح بارناباس بإعجاب: «هكذا! إنها حيلة رائعةٌ بالنسبة إليكما! حيث تظنان أن جاميت العجوز لن يلحظ اختفاء بعض الأسماك؛ وأكثر من ذلك، هو لن يفعل، إذا لم تأخذا كميات كبيرة.»

كان رأيه الجيد عنها مبررًا في هذا أيضًا، لأن السيدة موني الحريصة اكتفَت بإزالة الأكوام الطرفية الثلاثة، تاركة نمط السيد جاميت المتماثل على ما يبدو دون تغييرٍ ملحوظ، والتقطت حتى أصغر الأجزاء التي تدل على فَعْلتها.

انتظر بارناباس بصبر انسحاب اللصتَين، وعندما اختفت العربة التي يجرُّها الحمار في نهاية الطريق، ألقى نظرة أخرى على المكان ثم أبعد الأحجار عن فجوة الكنز مرة أخرى. وقد كانت الجرة، على الرغم من حجمها الصغير، ثقيلة بشكل غير مألوف، وكان إدخالها إلى الكيس في ظل الظروف العصيبة مسألة صعبة بعض الشيء. وعندما أتم مهمته بأمان وخرج مع جائزته إلى العربة ودفنها هناك تحت كومة من الأدوات وإطارات النوافذ والعوارض الخشبية وغيرها من حطام الكوخ، تبع ذلك عدةُ دقائق عصيبة، أعاد خلالها بشكل محموم بناء أحجار فجوة الكنز؛ لأنه كان من الجنون تركُها مكشوفةً لعيون القرويِّين الفضولية. لكن لحسن الحظ، لم يمر أحدٌ عبر الطريق أثناء قيامه بذلك، ولم يكن هناك أي شخص في المكان عندما غادر وهو يتلفت حوله شاعرًا بالذنب، ومِن ثَم أخذ عربته وانطلق إلى المنزل مسرعًا مع الحرص على سلامة الجَرة، فبدا كمن يسير في جنازة ريفية. ولسنا في حاجة إلى وصف تلك الرحلة بالتفصيل؛ دعنا نكتفِ بالقول إنه في نهاية الأمر، شعر بارناباس بأنه قد أضحى أكبر سنًّا ووجد نفسه مندهشًا من الازدحام المفاجئ في بيكونزفيلد ومن شعبيته غير المتوقعة حتى الآن. وأخيرًا، أطلق زفرة ارتياح، عندما دخل بعربته إلى الفِناء الخلفي الصغير للكوخ الذي يعيش فيه وحيدًا؛ وبعد لحظات قليلة، حمل كنزه ودخل من الباب الخلفي وأغلق الباب بالمزلاج؛ وهكذا تمت الخطوة الأولى والأكثر أهمية على طريق الثروة.

لا داعي للقول إن الإجراء الأول للسيد مدج كان التحقُّقَ من حجم ثروته؛ ولهذه الغاية حمل الجرة برفق عبر السلم الصغير إلى الغرفة العلوية، حيث أخرج محتوياتها، في كومة لامعة رائعة، على السرير، وبدأ بأصابعه المرتجفة في عد العملات المعدنية وتقسيمها إلى أكوام أصغر على طريقة جاميت المبجل.

كان المجموع لا يقلُّ عن سِتِّمائة وثلاثة عشر جنيهًا ذهبيًّا، وهو مبلغ، أدى التفكيرُ المجرد فيه إلى ظهور أعراض الدُّوار عليه، وبينما يجثو على السرير الضيق، وهو يملأ عينه منتشيًا بالمجموعة التي لا تُصدَّق، بدأ عقلُه مرة أخرى ينشغل بمشكلة النقلة غير المشكوك فيها من الفقر إلى الثراء. لم يكن بارناباس بخيلًا، قد يجد متعةً في مجرد الابتهاج باكتناز الثروات غير المشكوك فيها؛ لكنه كان أيضًا قلقًا جدًّا من الانغماس في الاستمتاع بهذه الثروة الطائلة المفاجئة مما قد يجعل القرويين يتهامسون في أذن شرطي القرية. إنه يحتاج الآن إلى اختلاق تفسير معقول للتغيير في وضعه المالي؛ تفسير ضروري، ليس فقط لمقدار الثروة المفاجئة، ولكن أيضًا لأمر غريب جدًّا لاحظَه أثناء عدِّ العملات الذهبية؛ وهو أن الجنيهات الذهبية جميعها تحمل التاريخ نفسَه. كان هذا، في الواقع، أمرًا غريبًا جدًّا بالفعل، وقد دفع بارناباس للتكهن مندهشًا عما إذا كان تطابق التاريخ ناتجًا عن هوس رجل بخيل، أو ما إذا كان الكنز نتاجًا لسرقة بنك منسية. بالطبع، لم يكن ذلك من شأنه استثناء نتيجته؛ وهي أنه سيحتاج إلى تَوخِّي مزيد من الحذر عند تقديم تلك العائلة الكبيرة من التوائم إلى عالمٍ مترقِّب ناقد.

لقد بحث المشكلة مِرارًا وتَكرارًا، بعد أن أعاد العملات داخل الجرة ووضعها في تجويف داخل مدخنة غرفة النوم، لكنه لم يتوصَّل إلى قرار. وأخذ يُفكر فيها بعمق بينما يغلي الماء داخل الغلاية ويصنع الشاي، لكن دون نتيجة؛ وعندما غادر المنزل وأغلقه جيدًا، في وقت لاحق من المساء، ووجَّه خطواته المعتادة نحو حانة بلاك بول إن، لم يكن قد استقر على خُطة. ومع ذلك، فإن التغيير الجديد في ظروفه لم يكن بدون تأثير طفيف ودقيق. لأنه، خضوعًا لدافع لم يكن يُدركه، نقل ما لا يقل عن خمسة عشر شلنًا إلى جيبه من داخل صندوق البلوط في غرفة نومه، حيث يحتفظ بمدخراته الصغيرة، قبل أن يخرج مباشرة.

لم يكن أولَ من وصل إلى البار في حانة «بلاك بول». على الإطلاق. فقد سبقه بالفعل أكثرُ من اثنَي عشرَ قرويًّا، وكانوا في الوقت الحاليِّ يُسلُّون أنفسهم من خلال رمي السهام على هدف من الفلين مثبَّتٍ على الحائط، ويراهنون على قدرات كلٍّ منهم برهانات صغيرة. وعندما دخل بارناباس، كان جو جاميت العجوز يقوم بالتصويب؛ ولم يكن تصويبًا جيدًا على أي حال؛ لأن السهم أصاب قطعة خشب في زاوية إطار صورة مجاورة.

فقال الريفي العجوز المخادع، بإصرارٍ كبير: «سأُعيد التصويب مرة أخرى، لقد شتتني دخول بارني بشكل مفاجئ.»

وبغضِّ النظر عن احتجاجات رفاقه المحبطين، فقد سحب السهم بصلابة من الإطار، وعاد إلى موقعه، وعلى الفور أصاب الهدف.

ووسط الخلاف الحتمي حول سداد الرهان، وجد بارناباس نفسه متورطًا من قِبَل جاميت المخادع، الذي سعى هكذا إلى صرف انتباه الخاسرين. لكن بارناباس لم يكن مقامرًا، وبقدر مماثل من البراعة، شرَع في الاعتذار عن الأمر.

وقال: «إن يدي ليست ثابتة بما يكفي يا جو، ولم أتعافَ بعدُ من دُوار تلك الأسماك الفاسدة الخاصة بك.»

أصدر جاميت العجوز صوتًا وقحًا من أنفه بازدراء وقال: «أنت الوحيد الذي ينزعج حقًّا بسبب كومات قليلة من الأسماك الطازجة اللطيفة.»

صاح بارناباس: «قليلة! كيف تكون قليلة وقد كان هناك ما يزيد عن ثمانين كومة منها.»

قال جاميت مصححًا: «ما يزيد عن التسعين يا بارني.»

هز بارناباس رأسه وقال: «ما يزيد عن الثمانين، في رأيي.» كان العدد الفعلي قد أفلت منه في الوقت الحاليِّ دون قصد، وجاء ردُّه من خلال عادة العناد المتأصلة في الريف البريطاني. لكن جاميت عنَّفه بحدة. وقال بشكل قاطع: «أقول لك إنه كان هناك أكثر من تسعين كومة.»

أثار تحديد العدد انتباه السيد مدج، وتذكر الأرقام الفعلية بسرعة، مع طرح الكمية الصغيرة التي سرقتها السيدة موني، فقال بنبرة عنيدة:

«ليست فوق التسعين يا جو، لكنها فوق الثمانين. لقد نظرت إلى الكومات بعناية ولديَّ عين تُجيد العد.»

صاح جاميت بانفعال مكبوت: «انظر هنا! أنت لستَ الوحيد الذي لديه عين تُجيد العد. فأنا خبير أيضًا، وأقول لك إن هناك أكثرَ من تسعين كومة، وسأُراهن على شلن أني على حق.»

ابتسم بارناباس ابتسامة خفية وقال: «أنا لا أُراهن أبدًا يا جو، وأنت تعرف هذا. ولكن، على الرغم من ذلك، لم يكن هناك تسعون كومة.» ثم ذهب للحصول على مشروب يُساعده على استمرار المناقشة، وكذلك للتفكير في الموقف. وعندما عاد بكوب الجِعَة الخاص به، أدرك بعض التوقعات الواضحة في أسلوب معارفه القرويين، التي أوحَت بقوةٍ لعقله بخُطة سرية، وعلى الفور حدد عقله الذكي مسارًا مناسبًا للتصرف.

وقال موجهًا كلامه بشكل عام إلى الجمع المتواجد: «من غير المألوف أن يُصبح الجو حارًّا على نحو مفاجئ هكذا.»

وافقه جاميت قائلًا: «هذا صحيح لكن بالعودة إلى موضوع الأسماك …»

قال بارناباس: «كفى يا رجل، لقد اكتفيت من ذلك الموضوع. بين ثمانين وتسعين كومة منها …»

قاطعه جاميت: «أكثر من تسعين.»

رد بارناباس: «ليس أكثر، لكن أقل من تسعين، أنا متأكد، وأنا أستطيع أن أثق في عينَيَّ.»

قال جاميت: «هناك أكثرُ من تسعين.» وبينما كان بارناباس يهز رأسه مرة أخرى، تابع جاميت العجوز بلهفة: «لماذا لا تدعم رأيك بالرِّهان إذا كنت واثقًا بهذا الشكل؟»

قال بارناباس: «لن يكون ذلك عادلًا، أنا لا أُخطئ أبدًا بخصوص الأرقام.»

استقبلت صيحة السخرية من الصحبة المجتمعة هذا التصريح المتفاخر، وحثُّوا بارناباس بجدية كي يُراهن جاميت العجوز على شلن، إلى أن قبل الرهان بعد فترة طويلة وبإظهار الكثير من التردد. ولكن ما إن تم ترتيب الإجراءات التمهيدية، حتى تقدم بوب تشالمرز، الطحان، وقال إنه سيُراهن بشلن أيضًا، وتبعه الآخرون، واحدًا تلو الآخر، فوجد بارناباس نفسه مطالبًا بسداد ما يُقارب اثنَي عشر شلنًا إذا خسر الرهان؛ الذي تم إيداعه حسب الأصول لدى صاحب الحانة الذي شارك، بدوره، في الرهان، واستثمر شلنًا هو الآخَر. بعد ذلك، تم إيداع الستة والعشرين شلنًا بالكامل من العملات المتنوعة في إبريق توبي فارغ، ثم انطلقت مجموعة اللاعبين معًا لتفقُّد الأسماك الميتة؛ وتركوا البار في رعاية زوجة صاحب الحانة.

قال جاميت العجوز بينما توقف الموكب أمام الحقل، وأخرج المراهنون مناديلهم سرًّا ووضعوها على أنوفهم: «والآن لنكن واضحين بشأن هذا الرهان. أنا أقول إن هناك أكثر من تسعين كومة وأنت تقول إن هناك أقلَّ من تسعين كومة. أليس هذا صحيحًا؟»

قال بارناباس: «إنها أقل من التسعين.» وبهذا دخل الموكب إلى الحقل.

كان الإجراء متأنيًا وشاملًا بشكل متعب. حيث استخدم جذع شجرة الآش الجديدة الخاصة بسام بوليت، التي قطعها في ذلك اليوم تحديدًا، كعصًا للعد، وعندما كان الموكب يتوقف أمام كل كومة كريهة الرائحة كان يتم تسجيلها بحفر شق على العصا. وقد استغرقت العملية وقتًا طويلًا، خاصة أن هناك اتجاهًا لسوء الفَهم المتكرر بشأن الكومة التي يُشير إليها الشق الأخير؛ ولكن بعد مرور وقت طويل، وبعد إجراء أربع بدايات خاطئة وتصحيحها من خلال البدء من جديد، اكتملت الجولةُ بأكملها، وكل ما تبقى هو عد الشقوق. فعهدوا بهذه المهمة لصاحب الحانة، وعندما وصل ذلك المقامر إلى الخط الأخير، ونطق كلمة «ثمانية وثمانين» بتردد، وجَّه عينه اللائمة إلى جو جاميت.

فصاح جوزيف الذي سقط فكه من الذهول: «لقد أخطأتَ يا توم.» رغم أنه اكتشف بالفعل التناقض، لكنه سعى يائسًا للمماطلة. فأخذ العصا من صاحب الحانة، ومرر أصابعه على الشقوق، وتابع، بانتصار خاطئ: «ها هي، لقد قلت لك، إنها واحد وتسعون، واحد وتسعون، لقد عددتها.»

فقال بارناباس: «إذن أنت مخطئ.» وتم تمرير العصا بشكل رسمي على الجميع ليعد كلٌّ منهم الشقوق، مما أدى إلى إصدار حكم بالإجماع بأن العدد هو ثمانيةٌ وثمانون، ومِن ثَم خفَض المراهنون وجوههم نحو الأرض من الإحباط. لكنهم قرَّروا إعادة المرور على كومات تلك المقبرة البحرية ثلاث مرات وعدُّوها ببطء، وفي كل مرة ظهرت نفس النتيجة المحبطة. وفي نهاية الرحلة الثالثة، ساد صمت مميت، لم يكسره سوى بوب تشالمرز بتوبيخ صريح.

حيث صاح عابسًا: «اسمع يا جو جاميت! ما معنى هذا؟ لقد أخبرتنا أنك قد عدَدتها جيدًا بنفسك. أعتقد أن الأمر برُمته ما هو إلا خدعة.»

أجاب جاميت: «لا توجد خدعة ولا شيء من هذا القبيل، لقد كانت إحدى وتسعين كومة؛ أنا حسبتُها قبل أن أُغادر الحقل. لقد سرق شخصٌ ما ثلاث كومات منها.» وهنا نظر متشككًا نحو بارناباس، الذي ردَّ بسخرية من خلال استعداده أن يُفتش جيوبه.

صاح صاحب الحانة متشككًا إلى حدٍّ ما: «إن جدتك هي السارقة يا جو، من هذا الذي سيسرق أسماكًا فاسدة؟»

كان جو جاميت على وشك تقديم رد غاضب، ربما ممتعضًا من إهانة جَدته عبر الملاحظة الأخيرة لصاحب الحانة، عندما تدخَّل بارناباس بلطف مع اقتراح بأن يعودوا إلى الحانة ويصرفوا كل مبلغ المراهنة على المشروبات للجميع؛ وبِناءً عليه ظهرَت علامات البهجة على الجميع، وخاصة صاحب الحانة.

غادر الجمع حانة «بلاك بول» في تلك الليلة في حالة غير مسبوقة من البهجة والفرح، ولكن لم يكن أيٌّ منهم أكثرَ ابتهاجًا من بارناباس مدج؛ لأنه قد وجد حلًّا لمشكلته. إذ من خلال هذه الحادثة الغبية التي وقعت بالصدفة، وجد طريقة لتبرير مظهر الثراء المتواضع؛ التي اعتبرها بحقٍّ ضروريةً لسلامته. وبنشاط وحكمة مميزَين، اتبع الحلَّ الذي اكتشفه عن طريق الصدفة. فقام بقياسٍ حكيم، وفي سرِّية، للساعة الشمسية في شُرفة الكنيسة، مع قياس لأخرى على طاولة البار، مما ساعده على الدعوة إلى رِهان آخر بأسلوب دبلوماسي مناسب؛ كما أن اطلاعه السري على التنبُّؤات الجوية في الصحف بمكتبة القرية جعله يُصبح مصدرَ استعلام عن الأرصاد الجوية، كما أثراه بمقدار ثلاثة أو أربعة أضعاف عبر المراهنة على حالة الطقس. وبعد بضعة إثباتات من هذا القبيل على دقة وصدق توقعاته، بدأ القرويون الحذرون في رفض دعواته إلى المراهنة؛ ولكن على الرغم من أن أنشطته الفعلية في المراهنة قد انتهَت رغمًا عنه، فقد نشأ اعتقاد عام غامض، وعززه هو، بأن حكمه الصائب وحظَّه النافذ سيُزودانه حتمًا بزيادة كبيرة في الدخل.

في هذا الوقت تقريبًا، عثر بارناباس مدج على رِهان حياته الوحيد الحقيقي. وقد حدث الأمر على هذا النحو؛ بينما كان في طريق عودته إلى المنزل عبر ممرِّ مُشاة بين الحقول، رأى فجأة عربة فخمة، يجرها حصان جميل بالغ النشاط، يرمح بعنف على طريق عربات مجاور. ونظرًا إلى أن العربة كانت فارغة، استنتج بارناباس بطبيعة الحال أن الحصان قد فر جازعًا، ولأنه كان يعلم أن هذا الطريق ينتهي مباشرة بجرف شديد الانحدار لحفرة حصًى، فقد أدرك أن كارثة على وشك الحدوث. لم يكن السيد مدج يتَّسم برجاحة العقل فحسب؛ بل كان يتسم أيضًا بالشجاعة. لقد قدَّر أن هناك مسافةً بين الحصان الجازع وبين الجرف، ومِن ثَم لا يزال هناك متسَعٌ من الوقت لبذل بعض الجهد من أجل تجنب الكارثة. ومِن ثَم جرى الرجل عبر الحقل، وتربص خلف شجيرة على جانب طريق العربات، منتظرًا اقتراب الحصان حتى أصبح على بُعد حوالي ثلاثين أو أربعين ياردة، وعندئذٍ انطلق نحو الطريق، وقبعته في يده، وراح يُهلل ويصيح ويُلوح بيده كي يجبره على التوقف؛ ونتيجةً لذلك توقَّف الحصان المذهول ليُشاهد هذا المنظر المفاجئ، وقبل أن يتمكَّن من استعادة إدراكه، انقضَّ عليه بارناباس وأمسكه من اللجام. وبعد ثوانٍ قليلة، بينما كان بارناباس لا يزال يُهدئ روح الأسير المضطربةَ بملاطفته، ظهر رجل ضئيل الجسد على طريق العربات، وهو يركض بأقصى سرعة تسمح له بها ساقاه الرفيعتان للغاية والمقوَّستان قليلًا، وعندما اقترب وهو يكاد لا يستطيع التنفس، قدَّم نفسه على أنه صاحب الحصان.

قال بارناباس: «لقد نجا حِصانك بأعجوبة حقًّا، لو استمر في العَدْو لمائة ياردة أخرى، كان سيسقط في حفرة الحصى.»

قال الوافد الجديد: «أنا أعلم، فكرت في تلك الحفرة بمجرد أنْ فر. أنت رجل شجاع، هذا ما أنت عليه بالفعل يا رجل.» وامتدت يده نحو جيب بنطال الفروسية الذي يرتديه.

وهنا، مرة أخرى، نُدرك التأثير الخفي لجرة الذهب الثمينة؛ إذ لو أن هذا الموقف قد حدث قبل شهر مضى، كان بارناباس سيقبل بسرورٍ الجنيهَين الذهبيَّين اللذَين كافأه بهما الغريب. لكنه الآن أصبح رجلًا ذا إمكانيات ويُمكنه الانغماس في رفاهية عزة النفس الباهظة الثمن.

فقال: «لا، شكرًا.» ورفض بشهامةٍ أخذ النقود. واستأنف قائلًا: «أنا سعيد أني قد استطعت أن أُساعدك، وأعتقد أنك كنت ستفعل الشيء نفسَه من أجلي.»

أعاد صاحب الحصان النقود إلى جيبه، مترددًا. وقال، وهو يتولَّى زِمام الحصان من بارناباس: «يجب أن تفخر بنفسك.» وأضاف بشكل مثير للإعجاب: «ومع ذلك، إذا لم تأخذ المكافأة نقدًا، فربما ستأخذها بصورة أخرى؛ فقط، ضع في اعتبارك أن ما سأُخبرك به يجب أن يظل سرًّا بيننا؛ هل تُوافق على ذلك؟»

أعطى بارناباس التأكيد المطلوب، فاستأنف الرجل قائلًا:

«الآن، استمع إلي. أنا مدرب خيول، واسمي بيتس؛ ربما سمعت عني. حسنًا، إن لديَّ مصدرًا لكسب المال وهو سهل منتظم، وسأُدخلك إليه، فقط، يجب ألا تُخبر أحدًا. أنت تعلم أن كأس الإمبراطورية لسباقات الخيول ستُقام الأسبوعَ المقبل في نيوماركت.» أومأ بارناباس برأسه. أكمل الرجل حديثه: «حسنًا، هناك اثنان من الخيول سيُشاركان في السباقَين الأولَين؛ وهما الملك توم وكولومباين. ستكون هناك احتمالاتٌ كبيرة تُشير إلى خَسارتهما. لكن لديَّ «معلومة مؤكدة» أنهما سيفوزان بالسباقَين. والآن، إذا راهنت على فوزهما، فستكسب أموالًا طائلة. هذه نصيحةٌ قيِّمة، وأقول لك مرة أخرى احتفظ بها لنفسك.»

مع هذا السر ولمسة من القبعة، ابتعد مع الحصان الذي استعاد هدوءه، تاركًا بارناباس يعود إلى ممر المشاة.

إن السيد مدج، كما قلنا، لم يكن مقامرًا، وفكرته عن «المعلومة المؤكدة» لم تكن تمامًا مثل فكرة أيِّ رجل مقامر. لقد شعر بالإطراء لامتلاك هذه المعلومة الخاصة، لكن لم يخطر في باله تحقيقُ أي استفادة منها؛ في الواقع، إن الأمر برمته قد تلاشى من عقله إلى أن تذكره بالصدفة في مناسبة ما. حدث ذلك في مساء اليوم الأول لبداية السباقات، حيث جلس في حانة «بلاك بول» مع واحد أو اثنَين من معارفه. وكانت المناسبة خاصة إلى حدٍّ ما؛ لأنه، بعد أن استدرج أحد القرويين السذج — رغم نصيحة أصدقائه — إلى رِهان، نجح للتوِّ في تحقيق الفوز بطريقته الخاصة، وكان على وشك الحصول على مكسبه، عندما توقفت عربةٌ يجرها حصان عند باب الحانة، ونزل منها رجل سمين، أحمر الوجه، ودخل. كان الوافد الجديد معروفًا جيدًا لرواد «بلاك بول»، حيث لم يكن سوى السيد سانديز، منظم المراهنات الشهير؛ وهو رجل يتسم بالأخلاق الدمثة واللطيفة، لا سيما في هذه المناسبة، حيث كسب، وفقًا لتعبيره، معاملات جيدة في ذلك النهار. وكان ميَّالًا إلى المرح، بعد أن خفَّف عطشه بجرعة مشروب أولية، وابتسم للقرويين السذج المذهولين، ودعاهم مجتمعين ومنفردين لتجرِبة مباراة مع فيكل فورتشن.

وقال، وهو يغرز إبهامًا سمينة في ضلوع بارناباس: «هاي! ما رأيك؟ يجب أن يكون الرجل ذو المظهر الذكيِّ مثلك مستعدًّا للرِّهان على ما يُعجبه. هيا، ماذا يُمكنني أن أفعل لك؟» وهنا أخرج كتيبًا منتفخًا مغطًّى بالجلد ولعق سنَّ قلم رصاص.

وعندئذٍ أُصيب بارناباس بجنون مفاجئ. ومع ذلك، ربما لم يكن مجنونًا كما بدا عليه؛ لأنه في تلك اللحظة، خطرت على عقله فكرة أنه حتى خسارة المال بشكل رائع وكبير، ستُضيف إلى تلك السمعة التي كان يُنميها بعناية.

فسأل بلا مبالاة: «مَن تُرجح الاحتمالات؟» فاقترب القرويون مندهِشين، بينما وضع صاحب الحانة براجمه على المنضدة وانحنى إلى الأمام بفضول. وأخرج السيد سانديز قائمة بمواعيد السباقات، وبدأ في قراءة البيانات الرقمية التي بدت وكأنها تمتماتُ هذَيان سمسار أسهمٍ مجنون.

استفسر بارناباس: «ماذا عن الحصان الملك توم؟ إنه في أول سباق كما أرى.»

هز منظم المراهنات رأسه وقال: «إنه غير مصنَّف.» وأضاف ناصحًا: «لا تُراهن بنقودك على خيل غير مصنَّف.»

فتابع بارناباس متجاهلًا نصيحة السيد سانديز الحسن النية: «وماذا عن الفرس كولومباين. إنها في السباق الثاني، كما أرى.»

شرب السيد سانديز كأسه جرعة واحدة بنفاد صبر وقال: «فرس غير مصنفة هي الأخرى. من غير المرجح أن تفوز. خذ بنصيحتي، وراهِن بأموالك على حصان مصنَّف.»

ألقى بارناباس نظرة خاطفة على دائرة القرويين الملتفين حوله وهم فاغرو الأفواه، ثم أعلن بغموض: «أنا سوف أراهن على ما يُعجبني، وما يُعجبني هو هذا الحصان وهذه الفرس. ماذا ستُعطيني في الحدث المزدوج؟»

تفاجأ منظم المراهنات لدرجة أنه اضطُرَّ إلى طلب كأس أخرى من المشروب مع الصودا.

ثم زمجر الرجل قائلًا: «حدث مزدوج، لن أفعل ذلك. سيكون ذلك بمثابة نشل ما في جيوبك من نقود، وأنا لا أفعل هذا مع العمال.»

قال بارناباس: «حسنًا، إذًا يجب أن آخذ أموالي إلى منظم مراهنات آخر.»

قال السيد سانديز: «أوه، إذا كنت ستُقدم لشخص ما هدية، فليكن أنا هذا الشخص. سأُعطيك احتمال مائة إلى واحد. هذا لن يُؤذيك. بكم ستُراهن؟ شلن واحد؟»

التفت بارناباس إلى صاحب الحانة المذهول وسأله بنبرة غير رسمية: «توم، هل تُعطيني عشرين جنيهًا؟ سأردُّها لك في غضون نصف الساعة.»

كان هناك صمت تام لمدة ثانيتَين أو ثلاث ثوانٍ. لكن حُمَّى المراهنة ضربَت صاحب الحانة وكذلك بارناباس. وبدون كلمة، ذهب إلى مخبأ سري ثم عاد بعد فترة قصيرة مع أربع ورقات نقدية جديدة من فئة خمسة جنيهات.

قال منظم المراهنات: «حسنًا، إذا كنت قد حسمت أمرك، فلا يوجد شيء آخر يُمكن قوله؛ فقط، أُحذرك، ستخسر أموالك. ألن تُفكر في الأمر بشكل أفضل؟»

قال بارناباس بإصرار: «سأُراهن على ما يُعجبني.» وبموجب هذا سجَّل السيد سانديز المعاملة رسميًّا، موضحًا أنه لا يُمكنه استلام الأموال في مكان عام، ولكن يجب إرسالها إلى مكتبه.

بعد أن ألزم نفسه بهذا المشروع المتهور، مثَّل بارناباس دوره على نحو جيد. وقد تجاهل بهدوءٍ توسلاتِ القرويين المتحمسة بأن عليه أن يحضر السباق شخصيًّا ويرى أنه أُجري بعدالة، وذهب إلى عمله المعتاد كما لو أنَّ رِهان عشرين جنيهًا كان مجرد أمر تافه لا يُنظَر إليه، وصندوق البلوط، الذي أخرج منه كل مدخراته، كان مستودعًا لا ينفد لثروة هائلة لا تُعَد ولا تُحصى. ولكنه كان الشخصَ الوحيد الهادئ في القرية. وعندما ذهب عصرًا إلى حانة «بلاك بول» لانتظار عودة منظم المراهنات، وجد البار مكتظًّا وكذلك الحانة، حيث كان صاحب الحانة يجني أرباح شهر خلال ساعتَين فقط.

في هذه الفترة، تلاشى هجومه القصير على هوس المراهنة، وقد أتى مستعدًّا لزيادة سمعته المتنامية من خلال اللامبالاة الرصينة تجاه الخَسارة التي كان قد تقبَّلها بالفعل على أنها حتمية؛ وبينما وقف حشدٌ من القرويين المتحمسين على الطريق، يترقبون عودة منظم المراهنات بصبرٍ نافدٍ، جلس بارناباس على مقعد وايكوم وراح يقرأ جريدة الصباح في هدوء، وهو ما أثار الدهشة الممزوجة بالاحترام والإعجاب لدى رواد الحانة الآخرين.

وعندما اقتربت الساعة من الخامسة، تصاعدت فجأةً أصواتُ صخب من الخارج. وظهرت مجموعة من الرءوس، بعيون محدقة تملؤها الإثارة، عند النافذة المفتوحة، وحاولت مجموعة من الأصوات اقتحام هدوئه الفلسفي.

«إنه قادم يا بارني! إنه يمر بعمود الاتجاهات الآن! إنه أمام البركة!» ثم بعد فترة وجيزة ولكنها صاخبة، «ها هو!» وسمع بارناباس الهادئ، وهو يقرأ إعلانًا عن خادمة منزل محترمة، صوتَ توقُّف العربة أمام الحانة، وميَّز صوتًا منفعلًا، لكنه مألوف يُنادي من خارج الحانة: «أين هذا الرجل مدج؟ هل هو هنا؟»

وضع بارناباس الجريدة وتثاءب. ثم نهض وتمطى، وخرج إلى حيث وقف السيد سانديز محاطًا بحشد القرويين، ويُمسك دفتر شيكات وقلم حبر. لكنه لم يعد لطيفًا ولا مرحًا. بل على العكس من ذلك، استقبل بارناباس بابتسامة صفراء لاذعة وصفع دفتر الشيكات الخاصَّ به على البقعة النظيفة الوحيدة على المنضدة.

قال: «إذن، ها أنت ذا، يا لك من لعين! هل تعلم أنك أفقدتني كامل أرباحي؟»

تمتم بارناباس باعتذار، وقد أربكه إلى حدٍّ ما السلوكُ غير المعتاد لسانديز اللطيف عادة، ووقف مُشاهدًا، وهو ينظر متحيرًا، بينما كان منظم المراهنات يكتب شيكًا، وهو يُزمجر بتعليقات مهينة.

وقال: «يا لي من تعيس! لقد أفلست على يد قروي ساذج! من الأفضل أن أُحضر ممرضة معي في المرة القادمة. خذ!»

ثم قطع الشيك من الدفتر، ووضعه أمام طرف أنف بارناباس المذهول، الذي بدأ يفهم الأمر ببُطء، فأخذ الشيك وقرأه بصعوبة فوجده بمبلغ ألفَي جنيه ويستحقُّ السداد لصالح السيد بارناباس مدج، فظل يُحدق فيه بذهول مطلق، بينما كانت عجلات عربة منظم المراهنات تتدحرج بعيدًا على الطريق.

من المعروف أن الظروف تُغير الاهتمامات. عندما عاد بارناباس إلى المنزل مع شيك بقيمة ألفَي جنيه في جيبه، أصبحت جرة الذهب التي كانت تحتكر مجال رؤيته العقلية حتى الآن في طي النسيان. لدرجة أنه أخذ يُفكر فيما إذا كان من الأفضل إعلان اكتشاف الكنز وبالتالي يُصحح موقفه القانوني؛ لكن نظرة أخرى على المحتويات المتلألئة للجرَّة حددَت النتيجة الحتمية؛ إذ تغلَّب الطمعُ على الحكمة.

بعد يومَين، انطلق إلى سوق المدينة المجاورة لغرض فتح حساب في البنك الذي رشحه له صاحب حانة «بلاك بول». وقبل أن يبدأ رحلته، كان قد أخرج الجرة مرة أخرى من مخبئها، وهو لا يزال مترددًا، كي يأخذها معه أيضًا. لكن التاريخ الموحَّد على العملات الذهبية حسم تردده؛ فالمصادفة الغريبة ستُلاحَظ حتمًا من قِبَل موظَّفي البنك، وهذا بالتحديد ما لا يرغب فيه بارناباس. فأعاد الجرة إلى مخبئها، لتُصبح بمثابة مخزن يُسحَب منه للنفقات الجارية، ولكن أولًا، أخذ منها عشرة جنيهات، ووضَعها في جيب بنطاله. وهكذا مع وجود ألفَي جنيه في البنك، كان بإمكانه بالتأكيد أن يصرف القليل من الذهب.

لاحظ بارناباس أن ظهوره في البنك مرتديًا بدلة قديمة قد خلق انطباعًا غيرَ مستحسن عنه إلى حد ما، وقرر أن يشتري لنفسه في التو ثيابًا أكثر ملاءمةً لحالته المالية الجديدة.

وفي هذه الأثناء، تسبب السير لمسافة ثمانية أميال من القرية إلى المدينة في إحساسه بالجوع والعطش فقرر تهدئتهما، بغضِّ النظر عن التكلفة، في مطعم «رأس الملك». لكن هناك أيضًا، عرَّضَته ملابسه القديمة للإذلال؛ وعلى الرغم من ذلك، فقد اختار الكثير من الأطباق بهدوء من قائمة الطعام، بينما راقبه نادل متشكك بشكل متغطرس، ثم وضع فاتورة الحساب الضخمة بجانب طبقه قبل أن يُنهي قطعة الجبن الرابعة.

وعلى الرغم من ذلك لم يشعر بارناباس بالاستياء. بل على العكس، فقد منحته الفاتورة وسيلةً للدفاع عن موقفه؛ وهو ما فعله حينما وضع على الفاتورة بلا مبالاة جنيهًا ذهبيًّا من الجنيهات التي منحها له القدر. ومع ذلك، فإن تأثير هذا على النادل لم يكن تمامًا كما كان يأمُل؛ لأن ذلك الوضيع المتغطرس، بينما يبتعد، أخذ يُقلب العملة الذهبية مرارًا وتَكرارًا في راحة يده كما لو كان خبير نقود يفحص عينة من بعض العملات الأثرية العتيقة. ولو كان بارناباس قد تبعه إلى المكتب، لكان قد رأى أن هذا الحماس النقدي قد تم توصيله بالفعل إلى المدير؛ الذي أخذ يفحص العملة الذهبية بدقة، ويرنها على المنضدة وأخيرًا وزنها على ميزان حساس صغير الحجم.

قال بارناباس للنادل، الذي كان يتجول خفية بالقرب من مقعده، ويُراقبه: «والآن إذن، متى ستُحضر لي باقي الجنيه الذهبي؟»

أجاب النادل: «حاضر يا سيدي، خلال دقيقة واحدة.» بينما ينظر نحو الباب بترقب؛ وفي تلك اللحظة بالذات دخل عبره ثلاثة أشخاص يرتدي أحدهم زي الشرطة المحلية. ثم اقترب الغرباء والنادل بتروٍّ من بارناباس، وقال لهم النادل: «هذا هو!»

نهض بارناباس وقد هرب الدم من عروقه متوجسًا الشر. وفتح أحد الغرباء، الذي بدا وكأنه ضابط يرتدي ثيابًا مدنية، يده وبداخلها الجنيه الذهبي وقال:

«أنا ضابط شرطة؛ وسوف أُلقي القبض عليك بتهمة تداول عملة مزيفة، ومن واجبي أن أُحذرك من أن أي شيء تقوله سوف يُستخدَم دليلًا ضدك.»

تصبَّب بارناباس عرقًا باردًا. وتلعثم قائلًا: «هل تقصد أن تُخبرني أن هذا الجنيه مزيف؟»

أجاب الضابط متخليًا فجأة عن عباراته القانونية: «نعم مزيف؛ «عملة سكة»، وأُريد أن أعرف ما إذا كان لديك المزيد.» ومِن ثَم اقتِيد بارناباس دون مقاومة إلى القسم، حيث فُتِّشَت جيوبه بخبرة، وأُخرِجَت منها الجنيهات التسعة الأخرى ووُضِعت على المكتب.

«نفس المجموعة القديمة!» قال المحقِّق وهو يُمرِّر عينه عليهم بسرعة. «اعتقدت أننا قد رأينا آخر روائع تزوير فريد جيلبرت؛ من أين حصلت على هذه الجنيهات، أيها الشاب؟»

كان بارناباس كما قلنا رجلًا ذكيًّا. ومع أول ظهور للشرطة، أنبأه حدسه بوجود مشكلة تخص الجنيه الذهبي؛ وهو الآن يرى بوضوح أن فرصته الوحيدة تكمن في بيان صريح للحقائق الفعلية. وبناءً على ذلك، حكى بالتفصيل ظروف اكتشاف الكنز، وشجعته على ذلك ابتسامةٌ تتسع ببطء على وجه الضابط.

سأله المحقق: «أين يقع هذا المنزل؟»

«إنه في هاربل لان، بيكونزفيلد. آخر كوخ على الجانب الأيمن.»

ضحك المحقق وقال: «هذا هو المكان، لقد فتشناه بعناية شديدة بعد أن أُلقِي فريدي في سجن نيوماركت، لكننا لم نتمكَّن من العثور على قطعة واحدة. يا لك من داهية يا فريدريك. يحتفظ بكل قوالبه وأدواته في منزله بلندن. ومع ذلك، عليك أن تذهب إلى المحكمة أيها الشاب؛ لأنه إذا لم تكن قد صنعت هذه العملات المزيفة، فقد سرقتها، واستخدمتَها، على الرغم من أنني أعتقد أن القضاة لن يُعاملوك بقسوة.»

وبالفعل لم يُعامله القضاة بقسوة. بل على العكس من ذلك، كانوا ميَّالين إلى المرح لدرجة عدم اللياقة؛ لأنه عندما اتُّهم بارناباس «بإخفاء كنز معين عن معرفة الملك بشكل غير قانوني»؛ علَت وجوهَ جميع مَن في المحكمة، وفي ذلك وكيل النيابة، أوسعُ الابتسامات؛ وعندما نهض كاتب المحكمة للإشارة إلى القضاة بأن كلمة «كنز» تم تعريفها في القانون على أنها «أي ذهب أو فِضة في شكل عملات أو ألواح أو سبائك مخبَّأة في العصور القديمة»، في حين أن الكنز الحاليَّ مصنوع من المعادن الرخيصة، فأفسحت الابتساماتُ الطريق إلى ضحكات مسموعة، ووافق القضاة المرِحون على الاستفادة من الثغرة القانونية وتبرئة السجين.

في اليوم نفسِه، سلَّم بارناباس الجَرة المشئومة للمحقِّق بصفته «مفوضًا من الملك»، وغامر مبتسمًا بالتعبير عن أمله في ألا يستخدم جلالة الملك ثروته المكتسبة حديثًا بشكل غير لائق.

لقد مرت عدة سنوات منذ أن وقعت هذه الأحداث المثيرة، وهي سنوات برَّرَت الثروة التي منحها القدرُ لبارناباس مدج؛ ومنذ ذلك الحين، لم يُزين اسمُه المبجل عددًا كبيرًا من لوحات إعلانات مشاريع المقاولين فحسب، بل ظهرَ في ذيل شيكات، إذا ما قُورِنَت بشيك السيد سانديز الذي لا يُنسَى، يُصبح الأخير مجردَ خربشة تافهة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤