الفصل الأول

في قصر بيروس (في حجرة منه)

الجزء الأول

أورست – بيلاد

(كلاهما يدخل من جهة، ويلتقيان بلا انتباه.)

أورست :
صفحًا لدهري عما قد أتى وجنى
من بعد لقياك يا كل الهناء هنا
بيلاد :
يا من إذا غاب عني كان في خلدي
لولا التقادير ما تم اللقاءُ لنا
لما قضى الدهر ظلمًا بالنوى ونأى
عنا الهنا ولقينا البؤس والحزنا
لبثت مكتئبًا أخشى عليك أذى
يبدو وجيش اصطباري عنك قد وهنا
وقد تركتك يا مولاي في كدر
كادت تفارق فيه روحك البدنا
يبدي لك اليأس أهوالًا منمقةً
فتحسب العيش طيشًا والمنون منى
لكن أراك ومن لي أن تكون هنا
لما يكون به الإقبال مقترنا
أورست :
دعا الغرام فؤادي وهو مالكه
فجئت كيما ألاقي من بها افتتنا
بيلاد :
حملت نفسك ما يودي بها ولقد
ركبت فيما فعلت المركب الخشنا
وجئت ترجو الوفا من مبلغ غدرت
فهل نسيت الشقا والحزن والشجنا
احذر! هديت، فذات الغدر ما برحت
تبدي الوداد وتخفي المكر والضغنا
أورست :
عرضت نفسي في سوق الهوى فإذا
قضيت في الحب لا أبغي لها ثمنا
بيلاد : لقد كنت إذن تخدعني بالكلام، وتزعم أنك اعتزلت الغرام.
أورست : مولاي لم أخدعك، وإنما كنت أحاول أن أخدع ذاتي، وقد كنت تسمع أنيني وتلهفاتي، لم تر بعد ارتباط هرميون ببيروس ما حلَّ بنفسي وما لقيت من حزني ويأسي، حتى تركت الأوطان والأوطار وسرت هائمًا في البحار، أصل الليل بالنهار، وأمزج الهموم بالأكدار، وكنت أحسبك لي في هذه الأيام رفيقًا، وأرجو مساعدتك فإنك كنت بي برًّا رفيقًا، وأنا أحاول سلو هرميون والنجاة من العذاب فلا أجد إلى ذلك سبيلًا، وألتمس الهداية إلى الصواب فلا أرى لي دليلًا، ولما أعياني ما أقاسي، ولم أجد لي من مواسي، جندت جيوش العدوان، وعقدت راية السلوان، وسرت إلى اليونان على أمل الظفر، ولكن إذ وقع القضاء عمي البصر.
بيلاد : وماذا كان بعد ذلك ألقيت ما ترجوه هالك؟
أورست : رأيت محفلًا حُشد إليه الأمراء، فرجوت أن يكون اجتماعهم لحرب، ألهو بها وينجلي عني الكرب، فكذبت ظني حقيقة الحال، وما كل مطلوب يُنال، وسمعت الجيمع يتوعدون بيروس ويقولون: إنه نقض عهده وحفظ عدوَّ اليونان عنده، وذلك أن ابن هكتور الذي نجا من عولس بحيلة أمه وقع معها في سهمه، فجذبته أرملة هكتور بعينيها، فمال عن هرميون إليها، وقد ساء ذلك أبا هرميون منلاس أما أنا فبالعكس، ورب غيظ نفس فيه شفاء نفس، إلا أن تلك الغادرة التي رعيت ذمامها، استرجعت فورًا في قلبي مقامها، ورأيت أن غيظي كاد ينتهي وأن قلبي عن حبها لا ينتهي.
بيلاد :
من ليس يسأل عني
فلست أسأل عنه
ومن غدا الغدر يجني
لا ترتج الخير منه
الناس لاموا ومالوا
عن شكر صاحب منه
إن تحسن الفعل قالوا
فرضٌ عليه وسنه

(نشيد)

أورست :
لا تلمني فلا يفيد الملامُ
حكم الحب واستتب الغرام
يا أخا العدل خل ذا العدل جودًا
إنما لوم من يحب حرامُ
واستمع تتمة الكلام، وهواني دخلت ذلك المقام، فانتخبوني سفيرًا إلى بيروس لأطلب ذلك الغلام، ومن لي بأن آخذ بدلًا منه هرميون فأشتفي من لواعج الغرام، فإني وأجارك الله أيها الصديق سلمت إلى غرامي تسليم أعمى إلى رفيق، أحب هرميون وقد سرت إليها، فأراها وأختطفها أو أموت بين يديها، وأناشدك الله أن تقول لي ما شأن بيروس وشأن حبه، وماذا يحدث في قصده وفي قلبه وهل تهواه هرميون كي يهواها، أم تعرض عنه جزاء ميله إلى سواها.
بيلارد : أراه يسلمك إياها ولا يكلفه ذلك عناءً جزيلًا؛ لأنه يتعشق أرملة هكتور ولا يرى إلى مرضاتها سبيلًا، فإنها لا تقابله إلا بالرد ولا تمن عليه إن سأل بالرد، وهو تارة يتهددها، وطورًا بقتل ابنها يتوعدها، ثم يتذلل ويخضع فلا تلين ولا تسمع، وربما غضب فتجنب، ثم يرضى فيتقرب، فكيف يتهيأ لي أن أعرف حقيقة أمره وهو عاشق قد استولى الغرام على فكره؟
أورست :
أترضى بهذا هرميون وتصبر
وتثبت في حفظ الوداد ويغدر
بيلاد :
تسوم اصطبارًا كلما زاد غدرهُ
وتخضع في كل الأمور وتعذر
لها مقلةٌ بالدمع شكرى ومهجةٌ
من الغدر تشكو فهي تشكو وتشكر
وتدعوك أن أربى البلا مستجيرةً
فأنت لمن يدعوك في الضيق تنصر
أورست :
واسروري لبيك يا من دعاني
فأنا والوفاء خير رفيق
بيلاد :
مه لقد أقبل المليك فحاذر
واكتم الأمر … … … …
أورست :
… … لا تخف يا صديقي
بيلاد :
أكثر القول طالبًا كل شيءٍ
واسلكن للشقاق كل طريق

(ويذهب)

الجزء الثاني

أورست – بيروس – فنكس (الوزير)
أورست :
سلامٌ أيها الملك الهمام
ودام لك ارتفاعٌ لا يرامُ
علوت بهمةٍ ليست تضاهى
وأجداد هم القوم الكرامُ
إليك يا من فتحت بحسامك تروادة، بعد أن بلغ والدك الهمام من هكتور مراده، أتيت سفيرًا من أمراء اليونان، أحمل إليك عتبًا، وأرجو ألا يحمل على العدوان، وذلك أنهم يرون أن شفقة غير سديدة، حملتكم على حفظ بقية حربٍ شديدة … أعني بذلك ابن هكتور ألد أعداكم، الذي جعلتموه في حماكم، وإن ذلك لمن العجاب. فكيف نسيتم هكتور وما حملنا من العذاب؟ لعمري إن شعبنا يتذكر ذلك البطل، وفي كل قلب منه وجل، وما من بيتٍ إلا ويطلبه بثار، وما من يوناني إلا وفي قلبه منه نار، ومن يدري والغلام سر أبيه، ما عسى أن نعانيه منه ونلاقيه، فنراه بعد حين مهاجمًا مراكبنا، كما رأينا أباه داهمًا مواكبنا، وإني أخاف أن تكون عقبى اهتمامك به واعتنائك ملاقاة بلائك، وإن الحية التي تربيها، تجرعك السم من فيها، فدارك أمر غدرك قبل فوات يومك، وأبعد عنك عدوًّا يستنجد بك على قومك.
بيروس : ما خلت أن مثل هذا الاهتمام يكون لهذه النازلة الصغيرة، وأن حضور ابن أغا ممنون الهمام يكون لهذه الحاجة الحقيرة، وأن قومًا طار صيت انتصاراتهم وأخبار غاراتهم، يتنازلون إلى طلب صبي لا يعرف الحيَّ من اللي، وكيف يزعمون أني أسلمه وفيَّ بقية؟ أم أي سلطان لهم على أسير حصل لي بالقسمة الشرعية؟ وهل مددت إلى ما حصل لهم يدًا أم عارضت منهم أحدًا؟ وكيف يخافون تجديد سطوة هكتور وابنه في هذا النادي؟ والله لقد عز الصبر عن هذا التمادي، أم كيف يزعمون أن أهل تروادة يقصدون الانتقام بعد خلو بلدهم من رجال الصدام؟ وإني أتذكر حال تلك المدينة وما كانت عليه، وأرى الآن ما صارت إليه فإنها كانت سلطانة آسيا ومقام صناديد الرجال، ولم يبق بها الآن سوى بقية أطلال سُقيت بدم الأبطال، وصبي في القيود والأغلال، وحيث كان قتل ابن هكتور ضربة لازب عند اليونان، فلماذا أخروه إلى الآن؟ ولِمَ لم يقتلوه وهو في حضن بريام مع من قتل من أبطال قومه الكرام؟ وكيف يطلبونه حين لم يبق من قومه غير شيوخ وغلمان فقدوا الحامية الأنصار، وبات يروعهم هدوَّ الليل وذكر الانتصار، وإني حين الحرب لم آل جهدًا في المقاتلة، وعاملت المنكسرين بما اقتضت الحال من المعاملة، ولكني لا أرتكب فوق جرائري هذا الجرم الكبير، ولا ألطخ يدي بدم غلامٍ صغير ما له نصير، لا ومن براه فليطمع اليونان في سواهُ، ويطلبوا في غير هذا المكان بقايا تروادة اليسيرة، ويعلموا أن الذي أنقذته تروادة تحميه أبيرة.
أورست : ولكنك تعلم يا مولاي أن هذا الغلام لم ينج إلا بحيلة أمه، إذ بدلته بغلامٍ دعته باسمه، أما اليونان فلا يطلبون البقايا التروادية، وإنما مطلبهم من ألحق بهم المصيبة والبلية، ويخافون أن يلاقوا منه هكتورًا ثانيًا بعد ما أورثهم هكتور الأول ضررًا كافيًا، وألحق بهم ما شاء الله من العناء، وربما حملهم طلب هذا الغلام على قصده وهو هنا.
بيروس :
أهلًا بهم ليس المجال بعيدا
وأخو البسالة لا يخاف وعيدا
إن يقدموا فلقد تقدم ظلمهم
قبلي أبي حاميهم الصنديدا
سيعيد ظلمهم فتًى متظلمًا
ولرب ضر قد يكون مفيدا
أورست :
ما خلت أنك من طراز المخلفيـ
ـن وعودهم الناقضين عهودا
بيروس :
لقد انتصرت لأستبد فكيف أر
ضى بالخضوع وما أنا رعديدا
أورست :
ترضى به طوعًا لعين حليلةٍ
ترنو إليك فتبلغ المقصودا
عين بمغناطيسها لما سطت
جذبت فؤادك حيث كان حديدا
بيروس :
هذي عيون في الغرام أطيعها
لكن نفسي تكره التقييدا
ختم الكلام فسر إليها ذاكرًا
ما قلت وارحل إن سئمت ربودا

(أورست يذهب)

الجزء الثالث

بيروس – فنكس
فنكس : لقد أحسنت إليه في معرض الإساءة، وأرجعت النحل إلى المباءة، وقربته وأنت تريد أن تبعده، وجمعت شمله وأنت تروم أن تشرده، فأرسلته إلى من يحبها حبًّا عظيمًا.
بيروس : يقال: إنه كان يعشقها قديمًا.
فنكس : رب هوًى باللقاء يتجدد، كالنار إن تعرضت للهواء تتوقد.
بيروس : إني أعلم يا فنكس أنها لا تؤثر عليَّ بالحب أحدًا، ولا تميل إلى غيري أبدًا، مع علمها بما أنا عليه من اعتزال هواها والميل إلى سواها، أما ميل أورست إليها فلا يقتضي ميلها إليه، وما قيل: إن من الفؤاد إلى الفؤاد سبيلًا قول لا يعتمد عليه، على أن رجوعهما إلى ما كانا عليه من التواد يجلب سروري، وإذا اتفقا على الرحيل فإني أفتح لهما جميع ثغوري.
فنكس : سيدي.
بيروس : لله يا فنكس لا تطل الكلام في هذا المقام، فإن في قلبي أمورًا سأذكرها لك لتنظر إليها نظر بصير، وترشدني إلى حل مشكلاتها إرشاد مشير، ولا أكتمك أمرًا من الأمور الخافية … دع هذا الآن فإن أندروماك آتية.

الجزء الرابع

بيروس – فنكس – أندروماك
بيروس :
دنت وقد انثنت فرنت غزالا
ومالت بانةً وبدت هلالا
تلفت بها ولو حيت لأحيت
قتيل صبابةٍ ألف القتالا
مهفهةٌ رأت وصلي حرامًا
يعاف وقد رأت قتلي حلالا
أتت بعد الجفا من غير وعد
تفاجئني بناظرها اغتيالا
فجال الدمع فيه وقد أراني
حسامًا قد أجاد له الصقالا
أندروماك :
أبكي على ولدٍ أليف عذاب
في السجن بات سمير كل مصاب
ولدٌ أراه كل يومٍ مرةً
وا قلَّةَ الأنصار والأصحاب
هذا بقية مهجة أتلفتها
في محبسٍ أنفقت فيه شبابي
فلبست ثوب السقم بعد تنعمي
وجعلت من دمع العيون خضابي
بيروس :
لكنما اليونان سوف يهيئو
ن لك البكا من غير هذا الباب
أندروماك :
ماذا عسى يبغون بعد قطيعتي
وتلهفي وتألمي وعذابي
بيروس :
ولدًا أذاقهم أبوه شدائدًا
بقتاله … … …
أندروماك :
… بالله رق لما بي
ما ذنب طفل في الأسار معذبٍ
ألف الشقا وتحمل الأتعاب
قد أهلكوا أبطالنا وحماتنا
وقضوا على أموالنا بنهاب
ماذا أجبت رسولهم مولاي هل
جاريتهم فأجبت بالإيجاب؟
بيروس :
لا قد رفضت وقد توعدني الرسو
ل وما برحت مقاومًا بجوابي
ولسوف تأتيني المراكب عدةً
فيها صنوف مواكب الركاب
عاديت قومي مثلما شاء الهوى
ورددتهم أملًا بنيل طلابي
عاديتهم حبًّا بذات ملاحةٍ
لما حلت جلبت مرير عذابي
فلعل ناظرها يقوم بنصرتي
ولعلها تشفي الجوى بخطاب
يا من إذا حاربت عنها راعني
من لحظها الفتاك رشق حراب
إني أقاتل عنك لا متهيبًا
إلا قتال تجنب وتصاب
هو ذا يدي هذا فؤادي ها أنا
نبدي الخضوع لحسنك الغلاب
أندروماك : تجلد ولا تظهر الضعف، فإنك في البسالة آية، وانعم بإحسان مجرد فخير الإحسان ما كان بلا غاية، أيغلبك العشق فتخضع له اضطرارًا، ولا تخاف في إظهاره عارًا، وتزعم أن أندروماك يطيب لها هذا الغرام، وهي على ما ترى من الأسر والحزن والسقام؟ وأي جمال يلوح لك في عينين حكمت عليهما فعالك بالبكاء، فخلهما واحترم مشهد تعاستنا بعد النعمة والهناء، وأنقذ غلامًا بات في أسرك ذليلًا، وكان من قبل جليلًا، ورده على والدة حزينة باكية، ولا تجعلها تفديه ببقية مهجة بالية، أنقذه ولو أبت أمه فهو جارك وجار الكريم لا يضام، فذلك عمل يليق بابن أشيل الهمام.
بيروس : أعيذك من البغض اللازم والقصاص الدائم، فقد أسقمتني بالتجني والصد، وأتلفتني بعدوان ما له حد، فإن كنت أبكيتك دمعًا يوم كانت يدي ملطخة بدم أقوامك، فقد أبكيتني دمًا لم أسفك مقداره في غرامك، وإن كنت لقيت بسببي عذابًا فقد احتملت صنوف العذاب، فأنا مطلق الدمع مقيد القلب أليف السهاد، وهي صنوف عذاب في الغرام عذاب، فهل بلغت بظلمي غاية ظلمك؟ وعلى فرض ذلك ألم يكن من اعتذاري ما يقتضي مزيد حلمك؟
وإن كان ذنبي كل ذنبٍ فإنه
محا الذنب كل المحو من جاء تائبا
فكفانا سيدتي معاقبة متتالية تقضي بإتلافنا، وليكن أعداؤنا سببًا لإتلافنا.
تجاوزت حد التهاجر والصد
تجاوز طرفك في حده الحد
وقد كفر الدمع لما هي
ذنوبًا جناها الحسام المهند
وأديت دين الوداد وهذا
حساب ذنوبي بدمعي مسدد
هجرت منامي بفرط غرامي
وسامرت بدرًا حكاك وفرقد
فيا ثغر بالله فسر غرامي
فإنك تروي حديث المبرَّد
ويا قد ما بال قلبك يقسو
وأنت تكاد للينك تعقد
تثنيت لما جمعت الجمال
وما زلت يا جامع الحسن مفرد
ويا من تجنت على من جنت
عليه الغرام فبات مشرَّد
حنانيك إن الغرام رماني
وأطلقت دمعي وقلبي مقيد
وإني لأحمي الغلام بعزمي
وحزمي حتى أموت وألحد
وإن طال عمري ينل بحسامي
عزًّا عزيزًا وملكًا موطد
فجودي بعطفٍ عليَّ تسودي
وعودي عن الظلم فالعود أحمد
أندروماك : سيدي إن جميع هذه الوعود لا تغني في حزني شيًّا، وكنت أعد بها ابني لو كان أبوه حيًّا … (التفات) فيا أيها الأطلال البالية، ويا أيتها الأوطان الفقيدة الغالية، إن في قلبنا من الشوق إليك لنارًا حامية، ومن لنا بأن نراك بعد موت المقاتلة والحامية.
عليك دموعي جرت بانسكاب
تحاكي السحاب السحاب السحاب
فرحماك مولاي يا ذا الهمام
وانقذ غلامًا … غلامًا … غلام

(على قد ملكتم فؤادي.)

(التفات) رحماك يا مولاي، إن دمعي الهامع لا يسألك غير الرحيل فهو غاية رجاه، فاسمح لي أن أذهب بابني فأخفيه وأبكي أباه، وقد علمت أن ميلك إلينا يورثك بغض قومك والويل، فارغب في هرميون عني فإنها أجدر مني بهذا الميل.
بيروس :
يا غزالًا يروم مني سلوًّا
عنه والحب في فؤادي لابث
زادني العذل في هواك ثباتًا
رب عذلٍ أضحى على الحب باعث
فأجرني أجارك الله من شو
قي وكن لي من سهم عينيك غائث
يا لقومي صار الحبيب عذولًا
إن هذا لمن صروف الحوادث
بالله لا تعذلي قلبًا عن هواك لا يحول، وارحمي طرفًا في غير محياك لا يجول، فليس بإمكاني أن أرغب في هرميون وأميل إليها، وأقبل بعد الإعراض عليها، فقد ملكتك قلبي، ولك فيه الأمر والسلطان، فكيف أهواها وليس لي قلبان، ومن يرى ما لك عندي من عظم الشان، ورفعة المكان، ولا يظن أنك الأميرة وأنها الأسيرة، آه آه، أواه قول مغرمٍ أواه، لو سمعته هرميون لنال فؤادها مناه.
أندروماك : وهل تريد أن تسمعك متنهدًا بعد أن صارت صاحبة أمرك وولية سرك وجهرك؟ وهل تنسى ما خضت لأجلها من المهالك، أم هي تطمع في غير ذلك؟ ألم يكفها سوء حالي وأسري وإذلالي، أم تريد أن تضرم في قبر هكتور نارًا؟ أي ذكر رهيبٍ لهكتور من حبا أباك مجدًا كما حبوتك بدمعي اشتهارًا.
بيروس : كم ذا التجني والدلال، ولقد عز الصبر ولم يبق للعفو مجال، فأنا أسلوك وأبغضك إن أمكن، فقد طال ما عاملتك بالتي هي أحسن، واعلمي أن بغضي يكون كحبي شديدًا، وأن رجوعك عن غيك بعد ذلك لا يكون مفيدًا، وإن الابن يؤخذ بأعمال أمه لا محال، فأسلمه إلى اليونان، وأنجو من المشاكل والأهوال.
أندروماك : يموت ابني … ابني يموت، ولا معين له ولا شافع، إلا معين دمعي الهامع، وعسى أن يقصر ذلك عذابي، ويريحني مما ألاقيه، فالحق به لنلتقي معًا بأبيه.
بيروس : اذهبي إليه أيتها السيدة، وانظريه وقبليه وعانقيه وافتكري أن تنقذيه.

الجزء الخامس

أندروماك
أندروماك :
أيا دهر ما لي في العذاب ضريب
فقد حل بي يا دهر منه ضروب
رميت بأنواع المصائب مهجتي
وسهمك يا رامي المصاب مصيب
وأمرضتني لما سلبت أحبتي
وليس لدائي في الديار طبيب
بكيت وكان الدمع من ذوب مهجتي
وكفي بحناء الدموع خضيب
فإن كان لي ذنب وأنت مؤاخذٌ
فإني من ذنبي إليك أتوب
جار دهري وما من مجير
ونأى بعد عزي نصيري
فغدا قلبي كئيبًا بالمصائب
وجفاني طيب أنسي
وتولى اليأس نفسي
يا إلهي أنت ملجأ كل طالب
فأجر نفسي من هذه النوائب
دهور جور لا يبالي
بتلافي ووبال
بات جسمي منه بالي
وهو بالأوجال جال
قد جار بي دهري
فحرت في أمري
وما من الدهر مجير
يا لدهرًا من أذاه
طاب بالجسم بلاه
كيف أنجو من بلاه
وهو بالفصال صال
يا خالق الكون
كن في البلا عوني
فأنت لي خير نصير

(على قد «العيون الكواسر سبوني».)

(أو يقال بدلًا منه: رماني زماني، وشفى عواذلي مني، وجار على ضعفي بقصده ابني. دموعي جرت على الخدود، فأضرم في قلبي الوقود، وشمت فيَّ الحسود، يا ترى زماني يعود، فيحلو الورود. وأخلص من حزني.لا تظلموني، بل ارحموني وخلصوني، عولوا غلامي، وارعوا زمامي، واشفوا أوامي. لا تظلموا الأطفال، يا أيها الأبطال، وأنقذوني.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤