الفصل الثاني

في قصر بيروس (في حجرة هرميون)

الجزء الأول

هرميون – كليون
هرميون :
أرضى بما رمت أرضى
وليتني لست أرضى
أورست عما قليل
يجيء والأمر يقضى
كليون :
قد كان وهو بعيدٌ
لا يلتقي منك دحضا
فصار وهو قريبٌ
يلقى نفارًا ورفضا
عجبت مما أراه
حب تحول بغضا
هرميون :
لا تعجبي فانقلابي
عن قبحه ليس بغضى
قابلت بالغدر حبًّا
قد جاء بالود محضا
فإن رآني وحالي
بمثلها ليس يرضى
يشف الفؤاد انتقامًا
وينفض الثوب نفضا
فلست أرضى بهذا
يا ليتني كنت أرضى
كليون :
لا تنفري عن محبٍّ
ببغض ودك يرضى
فليس يجفوك صبٌّ
ذو مهجة منك مرضى
يرى ودادك دينًا
ويحسب الصبر فرضا
هرميون : مناسب الآن يأتي به بيلاد، فأنيله من لقائي المراد.
كليون : وما عسى أن تكون إرادة أبيك في هذا الباب؟
هرميون : لقد أتاني منه كتاب يأمرني أن أسير إلى اليونان بلا تأخير، إن أبى بيروس أن يسلم الأسير.
كليون : فاتكلي إذًا على أورست؛ ليعلم بيروس عاقبة الغدر كيف تكون، وتالله لا يفلح الظالمون.
غادريه وكفى ما قد جرى
ودعيه إنه قد غدرا
هرميون :
كيف أسلوه وقلبي في يديه؟
إن روحي نزعت مني إليه
ليس صبري عنه كالصبر عليه
لا تلومي إن من ذاق درى
كليون :
غادريه إنه قد غدرا
ولقد ذاق ولكن ما درى
هرميون :
مهجتي من حر شوقي تحترق
وفؤادي في هواه تحت رق
وسهام الغدر قلبي تحترق
ووشاة الدمع تروي ما جرى
كليون :
غادريه إنه قد غدرا
وكفى سيدتي ما قد جرى
هرميون :
لا تقولي قد كفى ما حصلا
فاهجري أو فاصبري صبرًا حلا
زادني الصبر مصابًا وبلا
فاز إلاَّ في الهوى من صبرا

(على قد «باهي السنا لما انثنى إلخ».)

كليون : وهل تنتظرين منه خيانة جديدة بعد خياناته العديدة؟ يحب أسيرة ويحبها أمام عينيك … وكل ذلك لا يجعله بغيضًا لديك؟ وماذا يمكن له بعد ما أجراه وكرر؟ فإنه لو استطاع أن يجعلك تبغضه لما تأخر.
هرميون :
لماذا تريدين تنبيه همي
فإني أرفض علمي بعلمي
فقولي فديتك إني سلو
ت وصوبت نحو الإصابة سهمي
ترومين أني أسير قرارًا
هلمي بنا للمسير هلمي
نسير ويبقى أسير الأسيـ
ـرة بين يديها وأترك قسمي
ولكن إذا عاد عن غدره
وعامل بالحلم من بعد ظلم
وصار الحبيب وفيًّا بعهدي
سميعًا لقولي مطيعًا لحكمي …
ولكن أراه خئونًا فأبقى
عذولة حب وسيلة غم
أقابل بالغدر غدرًا أتاه
واستل للفتك صارم عزمي
جنيت على الابن ويلًا ومنه
سأجني على الأم أوفر سهم
كليون : سيدتي إنها لم تجن ذنبًا يستحق العقاب، فإنها أليفة غم ومصاب، وهل تظنين أن عيونًا لا تنفتح للبكاء تروم مناظرتك في الغرام؟ وأن قلبًا حزينًا يميل إلى من سبب له الآلام؟ وهل رأيت أن حبه أذهب عنها الأكدار والشجون؟ وإن كان ذلك فلماذا ترفض محبًّا تسر به الخواطر وتقر العيون؟
هرميون :
ومن عجب الأيام حالة عاشقٍ
تحيرت الأفكار في أمر حبه
يقرب من لا ترتضي غير بعده
ويبعد من لا تبتغي غير قربه
وكيف لا يذيبني غمي ووجدي، بعد أن كنت أظنه لي وحدي، وكنت أرى كل شيء يهنئني به قومي بعد إدراكهم الثار؟ اليونان بعد أن نفوا العار بالانتصار، مراكبنا وهي مشحونة بالغنائم، المجد والسرور والسعد الملازم، شهرة أبيه التي نسخت بشهرته نيران شوقه ودلائل محبته، قلبي … وأنت أنت أيضًا فقد كنت مندهشة من مجده الكامل، وقد خدعتني قبل أن تخدعني هذه الدلائل. أما الآن فلم يبق سبيل إلى الاحتمال، هرميون ذات أنفة وأورست ذو فضائل وأفضال، فهو على الأقل يعرف أن يحب وإن لم يكن مطلوبًا، وربما عرف أن يجري واسطة ليكون محبوبًا، فليأت لذي واسطة تزيل هذه الأكدار عنا.
كليون : سيدتي ها هو.
هرميون : لم أكن عالمة باقترابه منا.

الجزء الثاني

هرميون – كليون – أورست
هرميون :
أهلًا بمن مسه في حبه السقم
شوقًا وما مسه هجرٌ ولا سأمُ
ماذا دعاك إلينا بعد فرقتنا
الشوق أم رحمةٌ في طيها نعمُ
أورست :
هذا انقيادي لحبٍّ حل في كبدي
فجئت أبديه عل الهجر ينصرم
وأن أعاهد نفسي بالبقاء على
عهدي لمن غدروا ظلمًا وما رحموا
قربتهم نفروا واصلتهم هجروا
أمنتهم غدروا خاطبتهم سئموا
صبرًا عليهم لا عنهم ولو سفكوا
دمي وطوعًا لما راموا ولو ظلموا
هم أرضعوني ثدي الحب من صغرٍ
فلست عن حبهم بالصبر أنفطم
يا من دعاني إليك الحب لا تسلي
عن حال قلبٍ به النيران تضطرم
مذ سرت عني تركت الدار ناعية
وخضت بحرًا به الأمواج تلتطم
وكم فريت الفلا والليل معتكرٌ
والغيث يبكي وثغر البرق يبتسم
طلبتُ موتًا وكان العمر يطلبني
فازددت حزنًا وأضنى قلبي الألم
بين البرابرة القوم الألى رغبوا
في قتلتي وأنا بالصبر معتصم
قوم من السيت أهنى صيدهم رجل
حيٌّ وأعذب شيء يشربون دم
نجوت منهم وجئت اليوم مبتغيًا
موتًا من اللحظ فهو المالك الحكم
قضى الزمان بأن أنجو بلا طلب
وقد سقطت على عمدٍ ولا أجم
كنت الذبيحة للمعبود عندهم
بئس الذبيحة إذ مذبوحها عدم
وما نجاتي إلا كي أقدم في
هياكل الحب حيث المجد ينتظم
فجردوا سيف لحظٍ كي يريق دمي
يا ظالمين وفي الأحشاء حبكم
هرميون : سيدي، خل عنك هذا الكلام، فإنه مما يضيق دونه المقام، وافتكر في الملوك الذين بعثوك سفيرًا إلى هذا المقام، ودع ذكر أعمال السيت البرابرة ومفاعيل الغرام.
أورست : قد أظهر لي بيروس النفار المحض، ورفض طلبي كل الرفض، وأذن لي بالرحيل. والظاهر أن قوةً لا يستطيع ردها تحمله على حفظ ذلك الغلام.
هرميون : يا للخيانة!
وهكذا تهيأ لنا تركه ولا عتبٌ علينا ولا ملام، وقد أتيت لأستطلع أفكارك فأعرف كيف أتصرف، وأخاف أن أسمعك تنكرين محبًّا بحبك يتعرَّف.
هرميون : لا تزال تسيء ظنك بي مع أنك تعلم بأني لم آت أبيرة إلا بإذن أبي، وأقسم إني كنت أذكرك في خلواتي، وأتمنى أن أراك ولو خالفت واجباتي.
أورست : تتمنين أن تري أورست، تأملي وأمعني النظر … إنك تخاطبين أورست المهجور المحتقر.
هرميون : نعم أنت، أنت الذي نشأ حبه مع حسنه يعلمه بادئ بدءٍ كيف يكون الظفر، أنت الذي كانت تحملني فضائلك على حبك واحترامك، وقد جعلتني من الميل إليك على شفاء خطر.
أورست : نعم نعم … أسمع هذا الكلام، القلب لبيروس، والذكر لمن أتلفه الغرام.
هرميون : آه … (تقول هذا بدلالٍ وغنج وخيلاء وإلخ) لا تذكر بيروس فأنا أكره من يذكره.
أورست : بل تكرهين من ينكره، أو من لا يشكره، يا للعجب كيف تنظرين إلي نظر الموارب؟ تريدين أن تحيي أورست ولا ترين ما يستحق الحب فيه، ويبدو لك الحب بلا سلاح وربما عصيته وأنت تريدين أن تطيعيه، وأقسم إنك تدافعين عن بيروس وربما كان ذلك بالرغم منك، وهو غير راضٍ بذلك؛ لأن قلبه المائل عنك، لا …
هرميون : من قال لك هذا، وهل رأيت بي ما يدل عليه؟ فإن كان لا يميل إليَّ فإني لا أميل إليه فحتامَ تحتقرني؟
أورست : أنا أستحق هذا الملام، ويليق بي هذا الكلام، أنا أحتقرك وعيني لا تنظر إليك نظرة وداد، ولو نظر بيروس إليك بعيني لنلت المراد.
هرميون : سيدي سواءٌ عندي إن أقبل أو هجر وإن وفى أو غدر، فاذهب واحمل عليه بجيوش اليونان، وجازه على ما أبدى من العصيان.
أورست : سيدتي، هلم بنا قبل ذلك نذهب إلى حيث يكون لك في كل قلب مطلب، تعالي واحكمي بالقلوب، ولنتحد لننال المطلوب.
هرميون : ولكن إذا اقترن بأندروماك؟
أورست : كيف العمل …؟ هذه مصيبة.
هرميون : ألا يلحق بنا العار إذا اقترن بغريبة؟
أورست :
إن أنكر الصب الهوى فدموعه
في وجنتيه تخط عنه سطورا
لا تستري وجه الغرام ببرقعٍ
إن الزجاجة ليس تخفي نورا
هرميون : حتامَ تستنتج من بغضي الوداد وتخالف من كلامي المراد؟ رح وقل لبيروس: إن عدو اليونان لا يكون صهرهم، فإما أن يسلمك هرميون أو الغلام، فليختر من الأمرين ما رام.

(ثم تنشد على قد «يا من أسرني بالجمال».)

أو أن يسلمك الغلام
حالًا كما صار الكلام
أو أنني أمضي فلا
أرضى البقا في ذا المقام
لم أرضَ بعد العز في
ذلي ولا أخشى الملام
فاذهب وباشر ما عسى
يفضي إلى نيل المرام

(وتذهب)

الجزء الثالث

أورست
أورست :
ليس بدعًا إذا غدوت مجيبًا
عن سؤالٍ عنه السؤال جواب
تم ما رمت والزمان وفى لي
وقد انجاب عن نهاري الضباب
كلمة واحدة تكفيني … بيروس يجيب بالإيجاب، وهذا بلا ارتياب، يا للسرور أي حظ وأي انتصارٍ مبين، فليحفظ بيروس تروادة، وهكتور، وأرملته، وابنه، ومن شاء من الترواديين، حسبنا هرميون عادت إلينا فلا تنظر بعد ساحلك يا أبيرة ولا تشتقْ إليه، فلنتكلم ونطلب أيتها المحبة ظللي عينيه.

الجزء الرابع

أورست – بيروس – فنكس – حاجبان (يحرسان بيروس)
بيروس : سيدي، كنت أطلبك لأخبرك أن الغضب جعلني أرفض ما جئت لأجله من الطلب، وإني بعد انفصالنا فكرت فيما قلت من الكلام الجدير بالملام، وعلمت أني برفضي طلبك أقاوم اليونان وأبي، وأناقض ذاتي لا محال، وأحيي تروادة بعد موتها أو أعزها بعد الإذلال، وأجعل ما صنعته وصنعه أبي ناقصًا مع المقدرة على التمام، وإني لذلك أعتذر إليك وعما قليل أسلمك الغلام.
أورست : الآن هديت إلى الصواب، ووفرت عنك وعنا معاناة الأتعاب، ومنعت حربًا تقضي على الأرواح بالذهاب، وعلى الأموال بالنهاب.
أورست : ويلاه لقد فسد التدبير، وساء المصير.
بيروس : وإني قد عزمت على أن أزيد الرضا توطيدًا، والصلح تأكيدًا، بل أقترن بهرميون، وأنت هنا تشاركنا في المسرة والهنا، والظاهر أن اقتراني بها كان يترقب مجيئك لتكون من الشهود، على تجديد العهود، فأنت تنوب عن أبيها، وعن سائر رءوس اليونان. فسر إليها وأخبرها بما كان.
أورست :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
(ويذهب)

الجزء الخامس

بيروس – فنكس – الحاجبان
بيروس : كيف رأيت … ألا تزال تزعم أني يغلبني الغرام؟ لا، لا. اعلم إني لا أغلب، وأني ابن أشيل الهمام.
فنكس :
الآن أنت كما ترضى العلا رجلٌ
يلقى الصروف بقلبٍ ما به وجل
أصبت نصرًا على نصرٍ وخيرهما
نصرٌ غريمك فيه الأعين الفجل
بيروس : أجل هذا أول انتصاراتي، وغزوة الحب أكبر غزواتي، فقد حاربته ورجعت منتصرًا ظافرًا، وعاد منغلبًا خاسرًا، لقد لاح هلال سعدي وهذا بداءة مجدي. تأمل يا فنكس إن نظرةً كانت كافية لتورثني ألف حسرة، وتبليني بعذابٍ واضطراب، ومقاومة أهل وأصحاب، وإهمال واجبات وارتكاب سيئات.
فنكس : ولجفائها يدٌ في هذه القضية، فهو الذي أنقذك من هذه البلية.
بيروس : أصبت لقد تجاوزت الحدود بالصدود، وقابلتني بما لا يحتمل من التجني والملل، ومما زداني غيظًا أنها حين أمرتها بوداع ابنها ذهبت، وأهاجت بالبكاء نار حزنها، فرأيتها وهي تسكب الدمع وتذريه معانقةً ولدها، وقد كررت مائة مرة ذكر أبيه، والتفتت إليَّ وهي تقول هذا هكتور الفريد … هذا بعلي المجيد، عيناه تشبه عينيه، وكل ما فيه يدل عليه. ثم عادت إليه فعانقته قائلة أنت بعلي، وأنت ولدي، وأنت قصدي، وأنت عضدي، فأيقنت أنها تروم أن أحمي ابنها لتشفي به نفسها من الآلام، وتشفي نفسي وتضرم فيها نار الغرام.
فنكس : هذه عقبى هوى الغيد، مذلل الصناديد، وجاعل الملوك كالعبيد، والباسل كالرعديد.
بيروس :
زعمت بأني لا أحول عن الوفا
صدقت فإني عنه لست أحول
لكن هجرت نعم هجرتُ فخلها
تبكي وتندب حظها وتقول
وأمر ما لاقيت في أسر البلا
قرب الخلاص وما إليه سبيل
كالعيس أقتل ما يكون لها الصدى
والماء فوق ظهورها محمول
فنكس : لقد تم لنا ما نتمنى، ونفي العنا عنا، فسر بنا مولاي إلى هرميون، وأبلغ من الاقتران بها مناك.
بيروس : وهلَّا يسوء ذلك أندروماك؟
فنكس : إنا لله وإنا إليه راجعون! لا تزال مشغلًا بذكرها ومهتمًّا بأمرها، وماذا عليك بعد هجرها من غضبها أو رضاها، ومن إقبالها أو جفاها؟
بيروس : لله يا فنكس إن قلبي لا يزال … لا أعلم ماذا حلَّ به فهو يطلب الرجوع عن هذه الحال.
فنكس :
أجزل الله عليك النعم
أيها المولى الهمام
لا تقل لا بعد قول نعم
ليس ذا شأن الكرام
بيروس :
لا تخف يا صاح عود العنا
بعد ما حاذرته
إن قلبي وهو قلبي أنا
لو جفا غادرته

(ينشدان ذلك على قد «شمس خدر تتجلى فوق بان».)

كيف أعود إليها وقد هجرتني، وهي أسيرة ذليلة حقيرة، وإني لو خانني طرفي لقلعته، ولو جفاني قلبي ما صحبته، فأنا أسلم ابنها إلى اليونان، وأعاملها بعد المودة بالعدوان.

(ثم ينشد فنكس مع جوقة الملك على قد «العيون النرجسية»):

في سما الأنس لدينا
قمر الإصلاح لاح
وبما أهدى إلينا
طائر الإفصاح صاح
قد نأى وجه العناء
ودجى الأتراح راح
فسكرنا بالهناء
إنما الأفراح راح

•••

طاب الهناء لنا وقد نلنا المنى
وبدا هلال سرورنا
والغم عنا قد نأى ودنا الهنا
بدنو أنس نصيرنا

(على لحن «تلك المنازل والقصور العالية».)

(نشيد)

نالت مزيد الهناء أنفسنا
من بعد ما كاد يقطع الأمل
فدمت يا بدر يا غمامة يا
عالي الذرى يا همام يا بطل
يا شهم يا سهم يا مهند يا
ليث الشرى يا همام يا رجل

(الأكرك)

قد بدا لنا
بعد الظلام
ونأى العنا
يا ابن الكرام
فدم ما انجلى
بدر التمام
يا من علا على العلى بين الملا
وأسلم ما حلا حسن الختام

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤