تصدير

أثارت فكرة هذه السلسلة اهتمامي منذ زمن ما؛ إذ يمكنك أن تتوجه إلى أقرب مكتبة منك، فتختار كتابًا منها، وتعاود سريعًا تعلُّم ما كنت تعرفه ذات يوم — لكنك نسيته — عن موضوعات مهمة، أو أن تجد كتابًا يتناول شيئًا تحتاج إلى معرفته لكن لم تجد وقتًا لدراسته قط. ولا بد أن أعترف أنني لطالما اعتبرت هذه الكتب محض ملخصات متطورة وضعها أكاديميون يدركون الجوانب المهمة لموضوع ما ويستطيعون استخلاص المعلومات المعقدة في صيغة يسيرة.

ثم فاتحني أحدهم في تأليف هذا الكتاب؛ فزاد إعجابي زيادة هائلة بمن كتبوا مقدمات قصيرة جدًّا حول الديمقراطية أو الفاشية، أو الإسلام أو اليهودية، أو كانط أو سقراط، أو نظرية الاختيار أو نظرية الأدب. فكما هو الحال مع جون بيندر، أحد المؤلفين في هذه السلسة، كثيرًا ما جالت بخاطري تلك المقولة — المنسوبة إلى د. صامويل جونسون، ومارك توين، وبرنارد شو وحكماء آخرين كُثر — التي يزعم فيها صاحبها أنه يكتب خطابات طويلة لعدم امتلاكه وقتًا كافيًا لكتابة خطابات قصيرة.

تكمن الصعوبة عند تأليفك كتابًا قصيرًا عن موضوع كتبتَ عنه من قبل باستفاضة في تحديد ما هو ضروري وما هو مثير للاهتمام لا غير، وفي تحديد أيِّ المفاهيم المألوفة — والمعقدة في آنٍ واحد — معروف بداهةً معرفة دقيقة لدى جمهورك وأيها يُساء فهمه كثيرًا، وفي اختيار المواضع التي تكون فيها الأمثلة المألوفة مطلوبة لتوضيح عملية ما، والمواضع الأخرى التي يكفي فيها استعمال وصف معمَّم، وكذلك — وبالأخص عندما يكتب المرء عن موضوع ذي أهمية معاصرة — التركيز على أفكار يمكن للقارئ تطبيقها في السياق الحاضر ومستقبلًا. وفي حالتي، تفاقمت هذه الصعوبة لأن الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية تشغل اهتمام جمهور أمريكي على دراية عمومًا بالكثير عن هذه العملية، كما تشغل اهتمام جمهور غير أمريكي لا يعتبر العملية الانتخابية في الولايات المتحدة غريبة عليه فحسب، بل مختلفة اختلافًا كبيرًا عن العملية الانتخابية في بلده.

أهمية فهم كيفية نجاح الانتخابات

في رأيي، يستحق موضوع هذا الكتاب الاهتمام المطلوب للتعامل مع هذه المهام بعناية؛ فالعملية الانتخابية تعمل كحلقة الوصل بين الشعب وحكومته. وعندما تكون هذه الحكومة حكومة قوية كحكومة الولايات المتحدة، تكون عواقب ذلك شديدة الأهمية بالنسبة لمواطني العالم كافة على نحو يستلزم اكتساب فهم أساسي على الأقل لكيفية اختيار هذه الحكومة. فهل تمثل قرارات الحكومة في الحقيقة إرادة الشعب؟ وهل تعكس الآراء التي يعرب عنها الزعماء المنتخبون وجهات نظر الأمريكيين بوجه أعم؟ وإذا لم تكن كذلك، فلماذا لا يربط النظام بين الممثِّلين والممثَّلين على نحو أوثق؟

سيحكم القارئ على مدى إجادتي في استخلاص أهم عناصر العملية الانتخابية الأمريكية المعقدة ومناقشة تبعات هذه العملية على الحكم. لقد كانت غايتي إنجاز هذه المهام بحيث يتسنَّى للقارئ متابعة أي انتخاب يُجرى، وتقييم النظام عن دراية، والأكثر من ذلك أنني سعيت إلى تقييم العملية قياسًا على معايير ديمقراطية صارمة، وهي المبادئ التي يُجلُّها الأمريكيون بشدة. فأنا من المؤمنين أشد الإيمان بالديمقراطية الأمريكية، لكني أيضًا ناقد غيور، ولا أرى تعارضًا بين هذين الموقفين. فالعملية الانتخابية الأمريكية تلائم الأمريكيين ملاءمة كبيرة، لكنها ليست ملاءمة مثالية، وينبغي للولايات المتحدة — كأمة قائمة على عقيدة ديمقراطية مثالية، كما ينص إعلان الاستقلال بلغة فصيحة — أن تتخذ لنفسها هدفًا دائمًا يتمثَّل في تحسين سبل تعبير المواطنين عن رضاهم عمَّن يحكمونهم.

آمل في الصفحات التالية أن أعرِّف القارئ بالنظام الأمريكي، وأن أثير الأفكار والمناقشات حول سبل تحسينه، فالإصلاح ليس سهلًا، ولو كان تصحيحُ المشكلات التي تعتري النظام الأمريكي سهلًا، لفعل أحدهم ذلك منذ زمن بعيد. فمعروف أن جهود الإصلاح يصعب التنبؤ بثمارها، كما يصعب دائمًا تمرير اقتراحات الإصلاح؛ وذلك بسبب مَن لهم مصالح مطلقة في الوضع الراهن. لكن الصعوبة المتوقعة لا تعني أن المحاولة غير مجدية، فهذا هو جوهر السعي لتحقيق المثالية. وكما قال وودرو ويلسون، وكان هو ذاته مصلحًا بارزًا: «بعض الناس ينعتونني بالمثالية. حسنًا، هذه هي الطريقة الوحيدة التي أعرفها كي أكون أمريكيًّا. فأمريكا هي الأمة المثالية الوحيدة في العالم.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤