الفصل العاشر

يقولون إنه لن ينجح أحدٌ في إقناع هنرييتا؛ ولكن هناك احتمال طفيف أن تنجح لوسي في ذلك. فعندما أُغلق الباب خلف راج، وجدت لوسي نفسها في موقف صعب. لقد كان لديها دليل للاعتقاد بأن تفسير الآنسة لوكس الأول لرد فعل هنرييتا كان أكثرَ دقةً من تفسيرها الثاني. لم يكن الأستجماتزم الذهني الذي تحدَّثت عنه لوكس قويًّا بما يكفي لرفض أي شكوك حول حكمها؛ فلم تنسَ لوسي تعبيرَ الإحساس بالذنب على وجه هنرييتا صباح يوم الإثنين الماضي عندما حاولت سكرتيرتُها طرح موضوع خطاب أرلينجهيرست. لقد كانت نظرتها نظرةَ مَن يُخفي شيئًا. ليس نظرة مَن يخفي مفاجأة سارة. من المؤكد أنه شيء يجلب عليها بعض الشعور بالخجل. قد تعاني الأستجماتزم بما يكفي لتعتبر راوس تستحق هذه الفرصة، لكنها ليست عمياء لدرجة تجاهل حقيقة أن إينيس لديها الأفضلية.

وفي ظل هذه الظروف، كان من واجب لوسي عرض بعض الحقائق على هنرييتا. كان من العار الشديد أن الكتاب الأحمر الصغير قد تحوَّل الآن إلى عجينة وسط الأعشاب — لقد تصرفت باندفاعية شديدة عندما تخلصت منه — ومع ذلك، فبوجود الكتاب أو عدمه، كان عليها أن تواجه هنرييتا وأن تقدِّم أسبابًا مقنعة لاعتقادها أن راوس ليست الطالبة المناسبة لوظيفة أرلينجهيرست.

لقد فوجئت قليلًا حين وجدت أن الحديث مع هنرييتا عن هذا الموضوع قد أحيا بداخلها هواجسَ تشبه هواجس فتيات المدرسة التي تبدو غريبة لأي شخص راشد؛ لا سيما إن كان شخصًا مشهورًا مثل لوسي. لكن ثقة لوسي ازدادت بشدة عندما ذكرت هنرييتا «الوجوه الجميلة». لم يجدر بهنرييتا التفوُّه بهذا التعليق.

نهضت لوسي ووضعت كوب الشاي الأسود البارد على الصينية؛ ولاحظت بأسفٍ وجودَ أصابع اللوز مع الشاي. قبل ١٠ دقائق فقط، كانت ستستمتع بشدة بتناول أصابع اللوز، ولكن الآن لا يمكنها حتى تناول قطعة كعك. لن يكون دقيقًا إن قالت إنها اكتشفت عيوبًا في هنرييتا؛ لأنها لم تشكِّل قط أيَّ تصور معيَّن لها. ولكنها اعتبرت هنرييتا شخصًا شأنه أعلى من شأنها، وظلت هذه الفكرة متأصِّلة داخلها منذ أيام المدرسة. لذا تفاجأت عندما وجدت أن هنرييتا قادرة على ما يعتبر في أسوأ الأحوال غشًّا، أو على الأقل فعلًا أحمق. تساءلت عن صفات راوس التي أثَّرت على حكم هنرييتا السليم. هذا التعليق حول «الوجوه الجميلة». لقد كان تعليقًا مندفعًا وغير مدروس. هل لفت شيءٌ ما في هذا الوجه الشمالي غير الجذاب انتباهَ امرأة كانت معتادة استقبالَ طالبات جذابات؟ هل رأت هنرييتا شيئًا ما في راوس غير الجذابة، وغير المحبوبة، والمجتهدة، والطموحة يذكرها بنفسها؟ هل كان الأمر كما لو أنها كانت تسترجع بعض التحديات السابقة الخاصة بها؟ هذا جعلها تبدأ طبيعيًّا في دعم راوس وتشجيعها والاهتمام بها دون أن تدرك أنها تفعل ذلك. كانت خيبة أملها في أداء راوس غيرِ الجيد نسبيًّا في امتحان علم الأمراض قويةً جدًّا لدرجة أنها صرفت تركيزها عن الجدال المهم الدائر بينها وبين بقية الأعضاء.

أم إن راوس فقط استفادت من نظرات الإعجاب — النظرات المُحبة تقريبًا — التي تلقَّتها على الممشى المُغطى في ذلك الصباح؟

لا، الأمر ليس كذلك. فقد كان لهنرييتا عيوب، لكن الحماقة لم تكن أحدَ تلك العيوب. وعلاوة على ذلك، فمثل أي شخص آخر في مجال التعليم، تلقَّت هنرييتا مدةً طويلة الإعجابَ الحقيقي والمزيف. ربما يكون اهتمامها براوس قد ازداد بسبب نظرة راوس لها نظرة التلميذة للمعلِّمة، لكن يوجد سبب حقيقي وراء اهتمامها براوس. فمن المحتمل أن هنرييتا التي اعتادت أن تكون الفتاة غير الجذابة وغير المحبوبة والطَّموحة قد شعرت بالدفء والأُلفة تجاه راوس الشابة غير الجذابة وغير المحبوبة والطموحة.

لم تكن لوسي متأكدة ما إذا كان يتعيَّن عليها التحدث إلى هنرييتا على الفور أو الانتظار حتى تهدأ. كانت المشكلة أنه إذا هدأت هنرييتا فإن تصميم لوسي على مواجهة هنرييتا بشأن هذا الموضوع سيضعُف هو الآخر. وبعد التفكير في الأمر وتذكُّر إخفاقات الماضي، قررت لوسي أنه من الأفضل التحدث إلى هنرييتا الآن بينما لا تزال لديها الطاقة والعزم على القيام بذلك على نحوٍ صحيح.

طرقت لوسي باب المكتب لكنها لم تحصل على رد فوري، وللحظة، تمنَّت أن تكون هنرييتا قد ذهبت إلى غرفتها في الطابق العلوي، مما سيمنحها المزيد من الوقت لتجنُّب واجبها البسيط. ولكن لا؛ ناداها صوت هنرييتا سامحًا لها بالدخول، فدخلت لوسي، ولديها شعور بأنها قد فعلت شيئًا خاطئًا، وكانت غاضبة من نفسها بسبب جبنها. كانت هنرييتا لا تزال منزعجة، ولو لم تكن هنرييتا، لاعتقدت لوسي أن عينيها كانتا تذرفان دمعًا؛ لكن هذا لا يمكن أن يكون ممكنًا. بدت هنرييتا مشغولة ببعض الأوراق على مكتبها، لكن لوسي شعرت أنه قبل أن تطرق الباب، كانت هنرييتا غارقة في التفكير.

بدأت لوسي في الكلام قائلة: «هنرييتا، أخشى أن تكوني اعتبرتِها جرأة مني لأني عبَّرت عن رأيي بشأن الآنسة راوس.» (يا إلهي، ما هذا الكلام!)

قالت هنرييتا ببرود: «رأي لم يطلبه أحد.»

من بين كل العبارات! «لم يطلبه أحد!» «لقد طُلب مني أن أقول رأيي. هذا ما حدث. ولم أكن لأقوله لولا أنه طُلب مني. المهم في الأمر هو أن هذا الرأي …»

«لا أعتقد أننا بحاجة إلى مناقشة هذا يا لوسي. إنه موضوع غير مهم على أي حال ولا يستحق …»

«بل هو موضوع مهم. ولهذا جئت إليك.»

«نحن نفتخر في هذا البلد أن لكل شخص الحقَّ في تكوين رأي وفي التعبير عنه. حسنًا، لقد عبَّرتِ عنه بالفعل …»

«عندما طُلب مني ذلك.»

«عندما طُلب منكِ ذلك. وما أود قوله هو أنه لم يكن من اللباقة أن تنضمي إلى طرفٍ ضد طرف آخر في موضوع لا تعرفين عنه سوى القليل، إن كنتِ تعرفين عنه شيئًا أصلًا.»

«هذا ما أود التحدث فيه. أنا بالفعل أعرف عنه شيئًا. أنتِ تظنين أنني فقط منحازة ضد الآنسة راوس لأنها ليست جذابة …»

صحَّحت هنرييتا فورًا: «ربما هي ليست جذابة من وجهة نظرك.»

قالت لوسي، التي كانت مستاءة، ولكنها بدأت تشعر ببعض الارتياح: «لنقُل بوضوحٍ إنها ليست جذابة. أنتِ تعتقدين أنني حكمت عليها بناءً على شكلها، ولكن هذا ليس صحيحًا.»

«وبناءً على ماذا حكمتِ عليها؟ أنتِ لا تعرفين شيئًا عن مستواها التعليمي.»

«لقد توليت المراقبة في أحد امتحاناتها.»

لاحظت لوسي بارتياح أن هذا جعل هنرييتا تتوقف.

كانت هناك لحظة هادئة، دامت تقريبًا حتى العدِّ إلى خمسة.

«وما الشيء الذي يمكنك التحقُّق منه عن طالبة من خلال مشاهدتها أثناء الامتحان؟»

«أمانتها.»

«لوسي!» لكن لهجتها لم تكن لهجةَ مَن صُدِم. لقد كان تحذيرًا. كانت تعني؛ إن كانت تعني أيَّ شيء من الأساس: «هل تعرفين ما عقوبة إلقاء التهم الباطلة؟»

«نعم، قلت أمانتها.»

«هل تحاولين قول إنك ضبطت الآنسة راوس وهي … تغش أثناء الامتحان؟»

«لقد حاوَلَت الغش. فأنا لم أقضِ وقتًا طويلًا في صفوف السنة الرابعة في المدرسة دون أن أعرف كيف تسير الأمور. لاحظتُ ما كانت تفعله في البداية، وبما لم أرغب في إثارة بلبلة، رأيت أن أفضلَ ما يمكنني فعله هو منعها من الاستفادة منه.»

«الاستفادة منه؟ الاستفادة من ماذا؟»

«من الدفتر الصغير.»

«هل تعنين أنك رأيت طالبةً تستخدم دفترًا صغيرًا أثناء الامتحان ولم تقولي شيئًا؟»

«لا، ليس بالضبط. ففي تلك اللحظة، لم أكن أعرف شيئًا عن الدفتر. كلُّ ما عرفته هو أنها كانت تحاول الاستعانة به. كانت تمسك بمنديل في يدها اليسرى … مع أنها لم تكن مصابة بنَزلة بَرْد، وبدا أنه لا يوجد سبب وجيه لذلك، كما أن تعبيراتها كانت تعبيرات مَن يخفي شيئًا ما تحت مكتبها؛ وهو الأمر الذي تعرفينه كما أعرفه. ولكن لم يكن هناك شيء تحت مكتبها؛ لذلك خمَّنت أن كلَّ ما كانت تستعين به كان في يدها مع المنديل. وبما أنه ليس لدي أي دليل …»

«آه، إذن لم يكن لديك أيُّ دليل.»

«لا، لم يكن لديَّ دليل. ولم أكن أرغب في إزعاج مَن في الغرفة بطلب دليل؛ لذا توليت الإشرافَ من الجزء الخلفي من الغرفة، خلفها مباشرة، للتأكد من أنها لن تستطيع الحصول على أي مساعدة من أي شيء أو أي شخص.»

«ولكنكِ لم تسأليها عن ذلك، فكيف عرفتِ بأمر الدفتر؟»

«لقد وجدتُ الدفتر مُلقًى على الطريق المؤدي إلى صالة الألعاب الرياضية. وكان …»

«تقصدين أن الدفتر لم يكن في مكتبها؟ ولم يكن في الغرفة من الأساس؟»

«نعم. فلو كان موجودًا، لعلمتُ بالخبر بعد خمس دقائق. ولو كنت وجدتُ دفترًا كهذا في غرفة الامتحان، لكنت أحضرته إليك من فوري.»

«دفتر كهذا؟ ما شكل الدفتر؟»

«دفتر عناوين صغير الحجم مُدَوَّن به ملاحظات خاصة بعلم الأمراض.»

«دفتر عناوين؟»

«نعم، (أ) التهاب مفصلي … وهكذا.»

«أتقصدين أنه كان مجرَّد دفتر مرجعي كتبته طالبة وهي تذاكر؟»

«إنه ليس مجرد دفتر.»

«ولماذا تقولين مجرد؟»

«لأن الدفتر لم يكن أكبرَ بكثير من طابع بريدي كبير جدًّا.»

انتظرت لوسي حتى تستوعب هنرييتا معنَى هذا.

«وما علاقة هذا الدفتر الصغير الذي وجدته بالآنسة راوس؟»

«فقط لأنه لم يكن هناك أيُّ فتاة أخرى في الغرفة يبدو وكأنها تخفي شيئًا ما تحت مكتبها؛ في الواقع، لم يبدُ أن أي فتاة أخرى كانت قلقة جدًّا بشأن ورقة الامتحان. كما أن راوس كانت آخرَ مَن غادر الغرفة.»

«وما علاقة ذلك بالأمر؟»

«لو أُسقط الدفتر قبل مغادرة راوس قاعةَ الامتحان، لكان من المحتمل أن تلتقطه أيُّ طالبة أخرى. كان لونه أحمرَ داكنًا، وكان مُلقًى بوضوح على العشب عند حافة الممر.»

«ليس في وسط الممر؟»

قالت لوسي على مضض: «لا. نحو نصف بوصة بعيدًا عنه.»

«إذن، هل من الممكن أن تمرَّ عليه مجموعة من الطالبات المنشغلات بالحديث بحماسة عن الامتحان، ويحاولن عدم التأخر عن محاضرتهن التالية؟»

«نعم، أظن ذلك.»

«هل كان هناك اسمٌ على الدفتر؟»

«لا.»

«لم يوجد اسم؟ أليست هناك طريقة لمعرفة صاحبة الدفتر؟»

«لا شيء سوى طريقة الكتابة. كان الكلام مكتوبًا بخط نسخ، وليس رقعة.»

«حسنًا.» بدت هنرييتا تهيئ نفسها لشيء. وتابعت: «إذن، عليك أن تُحضري لي الدفتر، وسنتخذ الخطوات اللازمة لمعرفة صاحبته.»

قالت لوسي بحزن: «الدفتر ليس معي. لقد أغرقته.»

«ماذا فعلتِ؟»

«أقصد أنني ألقيته في الجدول بجوار الملعب.»

«من غير الطبيعي على الإطلاق فِعل ذلك.» هل كان هناك شعور بالراحة في عينَي هنرييتا؟

«حسنًا، لم يكن هناك ذلك الشعور في واقع الأمر. أعتقد أنه كان قرارًا مندفعًا. ولكن ماذا كان يمكنني أن أفعل به؟ لقد كان ملخصًا لعلم الأمراض، وقد انتُهي بالفعل من الامتحان النهائي لعلم الأمراض، ولم يستخدم أحدٌ الدفتر. أيًّا كانت الخطط، هي لم تنجح. لماذا إذن أقلقك بإعطائك الدفتر؟ اعتقدت أن أفضل عقاب للفتاة التي أعدَّته هو ألا تكتشف أبدًا ما حدث له. وألا تجد أبدًا جوابًا عن السؤال الذي يدور في رأسها.»

«الفتاة التي أعدَّته. تلك هي حقيقة الموقف، أليس كذلك؟ إذ لا يوجد أي دليل على علاقة الآنسة راوس بهذا الكتاب.»

«لو كان هناك دليل، كما قلت من قبل، لكنت أحضرته لكِ. ولكن هذا مجرد تخمين. ولكنه تخمين قوي للغاية. ويمكن استبعاد الكثير من الفتيات.»

«لماذا؟»

«فالفتيات اللاتي لا يعتقدن أنهن سيواجهن صعوبةً في الامتحان لن يكلفن أنفسهن عناء الاستعداد بهذه الطريقة. وهذا يعني أن الفتيات الجيدات في الجزء النظري لم يفعلن ذلك. لكنك أنت نفسك قلت لي إن راوس تجد صعوبةً بالغة في الأعمال الكتابية.»

«شأنها شأن الكثير من الفتيات الأخريات.»

«نعم، ولكنَّ هناك عاملًا آخر. فقد تواجه الكثيرات بلا شك صعوبةً في الجزء النظري، ولكنهن لا يهتمِمْن بذلك ما دُمْن قد نجحن. ولكن راوس ممتازة في الجزء العملي، ويزعجها عدم الأداء الجيد في الامتحانات. فهي طموحة وتعمل بجِد. وتريد أن تجنيَ ثمارَ مجهوداتها، وهي غير متأكدة من أنها ستجنيها. لذا أعدَّت الدفتر الصغير.»

«هذا يا عزيزتي لوسي ما هو إلا تكهُّنات نفسية.»

«ربما. لكن هذا ما طلبته مني السيدة في غرفة المعيشة. لقد اعتقدَت أن رأيي كان مبنيًّا على التحيُّز فقط. ورأت أن أخبرك أن لديَّ أساسًا أفضلَ ينبني عليه التفكير بهذه الطريقة.» ونظرت لوسي إلى وجه هنرييتا الأحمر، وتساءلت عما إذا كان بإمكانها إثارة الموضوع مرة أخرى، بعد أن أظهرت أنها لم تكن تتدخل بتهور فحسب. فتابعت: «كأصدقاء يا هنرييتا، لا أفهم لماذا تفكرين في إرسال راوس إلى أرلينجهيرست عندما يكون لديك شخص مناسب مثل إينيس.» ثم انتظرت ردَّ الفعل.

ولكن لم يكن هناك ردُّ فعل. فقد جلست هنرييتا في صمت تام، ترسم شكلًا منقطًا صغيرًا بقلمها على الورق النشاف النظيف، وهو علامة على انزعاجها؛ إذ لم يكن الرسم العابث ولا إهدار الورق من عادة هنرييتا.

قالت هنرييتا بعد فترة من الصمت بنبرة ودودة إلى حدٍّ معقول: «لا أعتقد أنكِ تعرفين الكثير عن إينيس. لأنها ذكية للغاية وذات مظهر جميل، قد تعتقدين أنها مثالية في كل شيء. لكنها بالتأكيد ليست كذلك. فهي تفتقر إلى حسِّ الفُكاهة، ولا تكوِّن صداقات بسهولة … وهاتان مشكلتان كبيرتان لأي شخص يريد أن يعيش في مدرسة داخلية مع الكثير من الناس. يمكن أن يكون ذكاؤها أيضًا عائقًا؛ لأنه من الصعب عليها التحلي بالصبر مع الأشخاص الذين تعتقد أنهم حمقى. إنها تتصرف أحيانًا — دون وعي بالتأكيد — وكأنها أفضل من الآخرين.» (تذكَّرت لوسي فجأة كيف أن إينيس بعد ظهر اليوم قد أشارت دون وعي إلى زميلاتها بكلمة «الفتيات». إن هنرييتا، رغم تقدُّمها في العمر، فطِنةٌ بما يكفي.)

«في الواقع، منذ مجيئها إلى هنا، بدا لي أنها تحتقر لايز، وأنها موجودة هنا فقط لتحقيق غاية أخرى.»

قالت لوسي: «أوه، لا هذا غير صحيح بالتأكيد»، وقد جاء رد لوسي عفويًّا، على الرغم من أنها كانت تتساءل في نفسها عما إذا كان هذا صحيحًا، وإذا كان هذا يفسِّر الكثير مما يحيرها بشأن ماري إينيس. فإذا كان وجودها في لايز تجربةً صعبة لتحقيق غاية أخرى، فقد يفسِّر ذلك سببَ تصرُّفها باعتبارها شخصًا بالغًا قليلَ الكلام، كما لو كانت دائمًا تفكر بعُمق، وهي التي لا تحتاج إلى ذلك، ولماذا لا تستطيع الابتسام.

تذكَّرت لوسي فجأةً كلام ديستيرو المرِح عن إينيس، وكيف أنها غيَّرت رأيها وقررت البقاء في لايز بعد رؤيتها. كان ذلك لأن إينيس لم تبدُ لها أنها تنتمي إلى لايز عندما رأتها في ظهيرة ذلك الخريف الكئيب؛ لقد برزت وسط الحشد شخصًا من عالم مختلف وأكثر نُضجًا.

قالت لوسي: «لكن يبدو أنها تحظى بشعبية كبيرة وسط زميلاتها.»

«صحيح، الأشخاص الذين تقضي وقتًا معهم يحبونها. إنهم يجدون انطواءها … مثيرًا للاهتمام، على ما أعتقد. لكنها للأسف لا تحظى بشعبية كبيرة بين الأطفال؛ فهم يعتبرونها مُخيفة. إذا نظرتِ إلى دفتر التقارير الخاص بها — الدفتر الذي تكتب فيه عضوات هيئة التدريس التقارير عن الطالبات في الفصول الدراسية خارج لايز — ستجدين كلمة «عدائية» تُستخدم كثيرًا لوصفها.»

قالت لوسي: «ربما يكون السبب حاجبَيها لا أكثر.» وأدركت أن هنرييتا، التي لم تفهم ما قالته، اعتقدت أن هذا يُعد تعليقًا تافهًا؛ لذا أضافت: «أو ربما تكون، مثل كثير من الناس، غير واثقة في نفسها، حتى لو كانت تتصرف بطريقة توحي بعكس ذلك. فهذا هو السبب الذي يجعل الناس يتصرفون بعدائية في كثير من الأحيان.»

قالت هنرييتا: «أجد تفسيرات علماء النفس بسيطة للغاية. إذا كان شخصٌ ما لا يستطيع تكوين صداقات بسهولة، فلا يزال بإمكانه أن يحاول أن يكون ودودًا. الآنسة راوس تفعل ذلك.»

(أراهن على ذلك! هكذا فكَّرت لوسي.)

«إنَّ عدم امتلاك فتاة جمالًا طبيعيًّا يمثل تحديًا؛ فهي لا تُحرم من الصداقات السهلة مع زميلاتها فحسب، بل يتعين عليها أيضًا التغلُّب على الأحكام غير العادلة من جانب المسئولين. لقد عملت الآنسة راوس بجِد للتغلب على عيوبها: بطء تفكيرها، وعدم جاذبيتها؛ إنها تقطع أكثرَ من نصف الطريق للتواصل مع الناس، وتحاول جاهدةً أن تكون قادرة على التكيف، ولطيفة، ومحبوبة و… و… ومقبولة للناس. وهي تنجح في التعامل مع تلميذاتها. فهن يُحبِبنها وينتظرن رؤيتها؛ كما أن تقاريرها من فصولها ممتازة. ولكن مع هيئة التدريس، كأفراد، هي لم تنجح. فهن لا يرَيْن سوى عدم جاذبيتها، ومحاولاتُها أن تكون ودودة وقادرة على التكيُّف تزعجهن.» رفعت هنرييتا عينيها عن الأشكال المنقَّطة التي كانت ترسمها ولاحظت تعبير لوسي. وأردفت: «أوه، فهمت، اعتقدت أن تفضيلي لراوس هو بسبب التحيز الأعمى، أليس كذلك؟ صدقيني، لم أكن سببًا في وصول لايز إلى ما هي عليه الآن دون أن أفهم شيئًا عن كيفية آلية العقل البشري. لقد بذَلَت راوس الكثيرَ من الجهد خلال فترة وجودها هنا وحقَّقت نجاحًا، وهي تحظى بشعبية كبيرة بين تلميذاتها، وتتمتع بالمرونة الكافية للتوافق مع زميلاتها، كما أنها ودودة ولديها قدرةٌ على التكيف الذي تفتقر إليها إينيس بوضوح، لا يوجد سببٌ يمنعها من الذهاب إلى أرلينجهيرست مع توصيتي القوية.»

«إلا أنها غير أمينة.»

ألقت هنرييتا القلم بغضب على حامله مُحدِثةً ضجيجًا عاليًا.

قالت، وهي غاضبة ولديها إحساس بأنها على حق: «هذا مثالٌ على ما يتعيَّن على الأشخاص غير الجذابين التعامل معه. تعتقدين أن واحدة من بين الفتيات حاولت الغش في الامتحان، فأشرتِ بأصابع الاتهام إلى راوس. لماذا؟ لأنك لا تحبين مظهرها؛ أو تعبيراتها، على وجه الدقة.»

وعليه، بدا أنه لا فائدة من هذه المحادثة. فاستعدَّت لوسي للمغادرة.

«لا يوجد دليل حقيقي يؤكد أن الدفتر الصغير الذي عثرت عليه ملكٌ لطالبةٍ بعينها. لقد تذكَّرتِ فقط أنك لم يعجبكِ مظهر الآنسة راوس؛ لذا افترضتِ أنها هي المذنبة. إن المذنبة — إذا كانت هناك مذنبة فسأشعر بالأسف لأن طالبة من طالباتي انخرطت في هذا الخداع — هي على الأرجح أجملُ فتاة في المجموعة وأكثرهن براءة. يجب أن تفهمي ما يكفي عن الطبيعة البشرية، وهي تختلف عن علم النفس، لتعرفي ذلك.»

لم تكن لوسي متأكدة مما إذا كان هذا التعليق الأخير، أم اتهامها بإلصاق التهم بالأشخاص غير الجذابين هو الذي جعلها غاضبة للغاية عندما وصلت إلى الباب.

قالت وهي تضع يدها على مقبض الباب: «هناك شيء آخر يا هنرييتا.»

«ما هو؟»

«لقد حصلت راوس على المرتبة الأولى في جميع اختباراتها النهائية حتى الآن.»

«حسنًا.»

«هذا غريب، أليس كذلك؟»

«لا، ليس غريبًا على الإطلاق؛ لقد عمِلَت بجِد.»

«لا يزال الأمر غريبًا؛ لأنه في المرة التي مُنعت فيها من استخدام الدفتر الأحمر الصغير، لم تتمكن حتى من الحصول على المرتبة الثانية.»

ثم أغلقت الباب خلفها بهدوء.

كانت تفكر: «لِأَدَعْها تفكر في ذلك.»

وبينما كانت تسير نحو الجناح، تحوَّل غضبها إلى حزن. كانت هنرييتا، كما قالت لوكس، صادقة، وكان الجدال معها عديم الجدوى. لقد كانت ذكية وذات عقل راجح إلى حدٍّ ما، ولكن كان لديها نوعٌ من الأستجماتزم العقلي، كما قالت الآنسة لوكس؛ ولا يمكن فعل أي شيء حيال ذلك. فلم تكن هنرييتا تظلم أحدًا عمدًا؛ لذلك لم يكن من الممكن إقناعها أو تخويفها أو تملُّقها لتعدِلَ عن قرارها. فكَّرت لوسي بشعور قريب من الرهبة في الحفل الذي كان من المفترض أن تذهب إليه قريبًا. كيف يمكنها مواجهة مجموعة من طالبات السنة النهائية، يتحدثن جميعًا عن أرلينجهيرست، ويحتفلن بإينيس ذات الحظ السعيد؟

كيف يمكنها مواجهةُ إينيس نفسها، بهذا البريق في عينيها؟ إينيس الفتاة «قريرة العين».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤