الفصل الرابع عشر

تراجعت وتيرةُ الأحداث يوم الإثنين. فقد عادت لوسي إلى مجتمعٍ تحدَّث مرارًا وتكرارًا عن موضوع أرلينجهيرست. إذ قضى كلٌّ من عضوات هيئة التدريس والطالبات يومًا كاملًا يتحدثن في هذا الموضوع؛ بحيث لم يتبقَّ شيء ليُقال بحلول الليل؛ فبالطبع نُوقشت جميع الآراء الممكنة مرارًا وتكرارًا؛ لذا بحلول يوم الإثنين ونشاطاته المعتادة أصبح الموضوع أقلَّ أهمية. وبما أن الآنسة موريس المخلصة لا تزال تقدِّم طعام الإفطار للوسي في غرفتها، فهي لم تكن حاضرة لتشهد ظهور إينيس الأول للجميع؛ وعندما حان الوقت لرؤية الطالبات جميعهن على وجبة الغداء، كان كل شيء قد عاد كما كان وبدت الكلية إلى حدٍّ كبير كما كانت.

بدت إينيس رابطةَ الجأش، ولكن لوسي رأت أن تعبير وجه إينيس المعتاد الذي يتميز بالانسحابية أصبح تعبيرًا قاتمًا؛ فأيًّا كانت المشاعر التي تصارعها إينيس، فهي مدفونة بداخلها غير ظاهرة. وبدت راوس أكثرَ من ذي قبل تشبه قطة العمَّة سيليا، فيلاديلفيا، التي تمنَّت لوسي إخراجها من المكان وتركها تموء. والفضول الوحيد الذي كان لدى لوسي بشأن الموضوع هو معرفة كيف تلقَّت راوس هذا الخبر غير المتوقع؛ كان فضولها قويًّا لدرجة أنها سألت الآنسة لوكس في طريقهما لتناول الغداء بالأسفل.

«كيف تلقَّت راوس الخبر؟»

قالت الآنسة لوكس: «كانت تشبه الإكتوبلازم.»

سألت لوسي مندهشة: «لماذا الإكتوبلازم؟»

«أكثر شيء بغيض أعرفه.»

لم تُشبِع إجابة الآنسة لوكس فضولَ لوسي. ولامت السيدةُ لوفيفر لوسي بسبب تركِها لهن في اليوم السابق، لكن لم يرغب أحدٌ في الإسهاب في الحديث عن السبب المحتمَل وراء غيابها. إذ لاحت ظلال العرض الذي سيقام بعد أربعة أيام فقط في الأفق؛ وبدا موضوع أرلينجهيرست وكأنه شيء من الماضي وفقدَ تأثيره بالفعل. وعادت الحياة في لايز إلى وتيرتها المعتادة.

وبالفعل، لم يكسر رتابةَ الروتين اليومي في الفترة بين يومي الإثنين والجمعة سوى حدثين بسيطين.

الحدث الأول كان عرض الآنسة هودج على إينيس وظيفةً في مستشفى ويتشرلي لتقويم العظام، ورفض إينيس لهذا العرض. فتحوَّل العرض إلى أودونيل التي تنفَّست الصعداء ورحَّبت وسعِدت به. (قالت لها ديكرز: «رائع يا عزيزتي. يمكنني الآن بيع ملابس العيادة لكِ يا عزيزتي، التي لن أرتديها مجددًا.» وباعتها بالفعل؛ وسعِدت جدًّا لحصولها على المال في محفظتها مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي؛ لدرجةِ أنها بدأت على الفور في بيع بقية ممتلكاتها للطالبات في الجناح، ولم يثبِّط من عزيمتها على فعلِ ذلك سوى سؤال ستيوارت بسُخرية إن كانت دبابيس الأمان هي أيضًا من المعدات القياسية المستخدمة أم لا.)

أما الحدث الثاني فكان قدوم الممثل المسرحي إدوارد أدريان إلى لايز.

وقعَ هذا الحدث غير المتوقَّع يوم الأربعاء. كان بعد ظهر الأربعاء مخصصًا للسباحة في المسبح، وكانت جميع طالبات السنوات الأولى وطالبات السنة النهائية اللاتي ليس لديهن عيادة بعد الظهر في المسبح. وعلى الرغم من الدعوات الحارة للانضمام والانتعاش، فإن لوسي، التي بالكاد تمكَّنت من عبور المسبح بالدعاء والعدِّ والمثابرة، لم تنضم إلى الفتيات في المسبح. وأمضت نحو ٣٠ دقيقة في مراقبة وثبِ الفتيات في المسبح قبل العودة إلى المبنى لاحتساء الشاي. عندما عبرت الرَّدهة باتجاه الدَّرج، خرجت إحدى القرينات الأربع (اعتقدت أنها لوك، ولكنها لم تستطِع التمييز بينهن تمامًا، حتى الآن) مسرعة من باب العيادة وقالت:

«أوه، آنسة بيم، هل يمكنك أن تُقدمي لي معروفًا وتجلسي على قدمَي ألبرت لحظةً؟»

كرَّرت لوسي، غير متأكدة تمامًا من أنها سمِعت الجملة صحيحة: «أجلس على قدمَي ألبرت؟»

«نعم، أو أن تمسكي بهما. ولكن من الأسهل الجلوس عليهما. لقد تمزَّق ثقب الحزام، ولا يوجد حزامٌ آخر متاح الآن.» ووجهت لوسي المرتبكة إلى العيادة الهادئة، حيث كانت الطالبات يرتدين زيًّا أبيض غير مألوف ويُشرفن على حركاتِ مرضاهن، وأشارت إلى طاولة؛ حيث كان صبيٌّ في الحادية عشرة أو نحو ذلك مستلقيًا على وجهه. قالت، وهي تحمل حزامًا جلديًّا: «كما ترَين، لقد خرج الرابط من الفتحة، والثقب الأمامي ضيق جدًّا، بينما الفتحة الموجودة في الخلف واسعة. أرجو منك الإمساك بقدميه لحظة؛ إذا كنتِ لا تُفضلين الجلوس عليهما.»

قالت لوسي بسرعة إنها تفضِّل الإمساك بهما.

«حسنًا. هذه الآنسة بيم يا ألبرت. ستعمل كحزام في الوقت الحالي.»

قال ألبرت، وهو ينظر إليها نظرةً جانبية: «أهلًا يا آنسة بيم.»

سحبت لوك — بافتراض أنها هي — الصبي من تحت كتفيه إلى الأمام حتى بقيت ساقاه فقط على الطاولة. وقالت: «والآن، ضعي يديك على كل كاحلٍ وأمسكي بهما يا آنسة بيم»، فامتثلت لوسي، مدركةً مدى ملاءمة هذا الأسلوب المباشر في مانشستر ومدى ثِقل طفل يبلغ من العمر أحد عشر عامًا عندما تحاول الإبقاء على كاحليه في مكانهما. تجوَّلت عيناها بعيدًا عن لوك ونظرت إلى الفتيات الأخريات، وهي تشعر بالغرابة وعدم الألفة في هذه البيئة الجديدة. ألم تكن هناك نهاية لأوجه هذه الحياة الغريبة؟ حتى أولئك الذين عرفتهن جيدًا، مثل ستيوارت، كن مختلفات على ما يبدو في هذا المكان. كانت حركاتهن أبطأ، واستخدمن صوتًا مميزًا متحمسًا مصطنعًا مع المرضى. لم تكن هناك ابتسامات أو محادثات فارغة؛ مجرد الهدوء المعتاد للمستشفيات. «أبعد من ذلك بقليل. هذا صحيح.» «إنها تبدو أفضل بكثير اليوم، أليس كذلك؟» «والآن، دعنا نجرِّب ذلك مرة أخرى، وسنكتفي بهذا القدر اليوم.»

ومن خلال فجوة في ثوب هاسيلت أثناء تحركها، لمحت لوسي ثوبًا حريريًّا، مدركة أنها ترتدي ملابس تمرينات الرقص تحت هذا الثياب؛ إذ لم يكن هناك وقتٌ بين الانتهاء مع مريضها والذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية. وإما أنها تناولت الشاي بالفعل، أو أنها ستحتسي كوبًا في الطريق.

وبينما كانت تفكر في مدى غرابة هذه الحياة التي ترتدي فيها الفتيات ثيابَ الرقص الحريرية تحت ثياب المستشفى، مرَّت سيارة من أمام النافذة وتوقَّفت عند الباب الأمامي. كانت سيارة أنيقة وباهظة الثمن، طويلة بدرجة مثيرة للإعجاب وبرَّاقة لا تشوبها شائبة، يقودها سائق. في الوقت الحاضر، كان من النادر رؤية شخص يستقل سيارة يقودها سائق إلا الأشخاص العاجزين؛ لذلك كانت لوسي متحمسة لمعرفة مَن الذي سيخرج منها.

والدة بو، ربما؟ تبدو هذه السيارة مناسِبة لشخص لديه خادم شخصي، بلا شك.

ولكن، ولدهشتها، نزل شاب من السيارة — كانت ترى ظهره فقط — وكان يرتدي بدلةً من النوع الشائع الذي يراه المرء في المحلات الواقعة بين شارع سانت جيمس ودوق يورك ستيبس في أي وقت بين أكتوبر ونهاية يونيو. فمع وجود السائق والبدلة، فكَّرت لوسي في أفراد العائلة المالكة المحتملين، لكنها لم تستطِع التوصل إلى الشخص المناسب، وعلى أي حال، في أيامنا هذه يقود أفراد العائلة المالكة سياراتهم بأنفسهم.

«شكرًا جزيلًا لك يا آنسة بيم. لقد قدمتِ مساعدة هائلة. قُل شُكرًا يا ألبرت.»

أجاب ألبرت بأدب: «شكرًا لك يا آنسة بيم»، ثم التقت عيناه بعينيها فغمَز لها. فغمزت له لوسي بجدية.

في هذه اللحظة، اقتحمت أودونيل الغرفةَ ممسكةً بعلبة كبيرة من بودرة التَّلك التي أعادت فروكن تعبئتها في الغرفة المجاورة، وهمست في حماسة: «خَمِّنوا مَن جاء! إدوارد أدريان! إنه في السيارة. إدوارد أدريان!»

قالت ستيوارت، وهي تأخذ علبة بودرة التَّلك من أودونيل: «لا أحدَ يهتم. لقد استغرقتِ وقتًا طويلًا للحصول على التَّلك.»

أغلقت لوسي باب العيادة خلفها وذهبت إلى الباحة. ما قالته أودونيل كان صحيحًا. كان بالفعل إدوارد أدريان يقف في الباحة. وما قالته الآنسة لوكس كان صحيحًا أيضًا. فقد كان إدوارد أدريان يتأمَّل صورته في المرآة.

بينما كانت لوسي تصعد السُّلم، قابلت الآنسة لوكس وهي تنزل، وعندما وصلت لوسي إلى الدرجة الثانية من السُّلم شهِدت لقاء الآنسة لوكس بأدريان.

قالت الآنسة لوكس دون حماسة: «أهلًا تيدي.»

قال أدريان، الذي اقترب منها كما لو كان على وشْك احتضانها، بحماسة شديدة: «كاثرين!» ولكن يدها الفاترة التي امتدت لتُحيِّيه تحيةً تقليدية منعته من احتضانها.

«ماذا تفعل هنا؟ لا تقل لي إن لديك ابنة أخت تدرس في لايز.»

«لا تكوني قاسية يا كاث. لقد جئت لرؤيتك، بالطبع. لماذا لم تخبريني أنك هنا؟ لماذا لم تأتِ لرؤيتي لنتناول وجبة معًا ونسترجع ذكريات …»

فنادت الآنسة لوكس الآنسة بيم بصوت واضح من الأسفل: «آنسة بيم، لا تذهبي. أريدك أن تقابلي صديقًا لي.»

فسمعته يقول في لهجة احتجاج سريعة وهادئة: «لكن كاثرين …»

فقالت الآنسة لوكس بنبرة إغاظة: «إنها الآنسة بيم الشهيرة»، وأضافت كنوع من الإغاظة الأخيرة: «وهي من أشد المعجبين بك.»

هل يدرك مدى قسوة الآنسة لوكس؟ تساءلت لوسي في نفسها بينما كانت في انتظارهما لصعود السُّلم إليها، أم إن رضاه عن نفسه يحميه من انتقاداتها؟

عندما وصلا جميعًا إلى غرفة المعيشة المهجورة، تذكَّرت لوسي فجأةً وصفَ ستيوارت لأدريان بأنه «رجل مُنهَك، يشبه النسر المتساقط الريش»، ووجدت هذا الوصف مناسبًا تمامًا. فعلى الرغم من مظهره الجميل، فإن أدريان، الذي لا يمكن أن يزيد عمره عن ٤٠ عامًا كثيرًا — ربما ٤٣ أو ٤٤ — بدا أنه استعان بالكثير من الوسائل للحفاظ على مظهره. فدُون مساحيق التجميل والشعر المستعار، بدا متعبًا ومتهالكًا، وكان شعره الداكن يتساقط منحسرًا عن الجبهة. شعرت لوسي فجأةً بالشفقة تجاهه. فبعد مشاهدة شباب وقوة وجمال ريك ابن عم ديستيرو، بدا أدريان، الممثل المدلَّل والمشهور، إلى حدٍّ ما مثيرًا للشفقة.

كان أدريان يتعامل مع لوسي بلطف شديد — كان يعرف كل شيء عن كتابها؛ فقد قرأ جميع الكتب الأكثر مبيعًا — لكنه كان أيضًا يراقب الآنسة لوكس، بينما كانت تفحص ما تبقى من الشاي، وتفحص إبريق الشاي، وتقرِّر أنها بحاجة لتسخين قدرٍ قليل من الماء، فتعيد إشعال الموقد تحت غلاية الشاي. ووجدت لوسي شيئًا محيرًا في طريقة تصرُّفه أمام كاثرين. فلم تكن هذه هي الطريقة التي تخيلَتْها. فقد تخيَّلت أن يكون نجمٌ لامع مثله أكثرَ تكبرًا وأكثرَ حرصًا على إثارة إعجاب الغُرَباء عندما يزور محاضرًا متواضعًا في كليةٍ للبنات، كما يفعل الممثلون غالبًا. لقد كان بالتأكيد ساحرًا من وجهة نظرها، وكان سحرُه مثيرًا للإعجاب، ولكن يبدو أنه كان يفعل ذلك بدافع العادة. وكان كل اهتمامه يتركز حول المرأة الباردة النحيفة التي كانت تقدِّم له بعض الشاي المُخفَّف. وكانت لوسي تفكِّر باستمتاع أن إدوارد أدريان لا يصل إلى أي مكان عادةً دون أن تُسمع أصوات الأبواق؛ فلِما يقرُب من عقدين من الزمن — منذ أن أدى دور روميو ودغدغ مشاعر النقاد الذين شاهدوا عروضًا كثيرة وسئموا شخصية روميو مونتاجيو — أصبحت تحركاته أحداثًا مهمة، وأصبح شخصية مهمة يتهافت الناس على تحقيق رغباته والاستجابة لطلباته؛ وأغدقوا عليه الهدايا دون انتظار أي شيء في المقابل. كان إدوارد أدريان، اسمًا معروفًا في كل بيت، مكتوبًا على اللوحات الإعلانية العالية، شخصية ذات أهمية وطنية.

ولكنه جاء بعد ظهر اليوم إلى لايز لرؤية كاثرين لوكس، وتبِعتها عيناه باهتمام، مثل الكلب المخلص. كاثرين، التي حكمت عليه بأنه لا يستحق أكثرَ من القليل من الماء الساخن يُضاف إلى إبريق الشاي. بدا كل شيء غريبًا جدًّا.

سألت لوكس، بأدبٍ وليس باهتمام حقيقي: «أتمنى أن تكون بخير في لاربورو يا تيدي؟»

«أوه، نعم، لا بأس. يوجد عدد كبير جدًّا من المدارس لتقديم العروض، ولكن يجب على المرء أن يتحمل ذلك عندما يختار أن يقدِّم مسرحية لشكسبير.»

سألت لوسي، متذكرة أن الشباب الذين قابلتهم مؤخرًا لا يستمتعون بعروضه: «ألا تستمتع بتقديم عروض للشباب؟»

فقال بتسامح كبير: «حسنًا، إنهم ليسوا الجمهور المثالي. فالفنان يفضِّل الجمهور من البالغين. والشباب يحصلون على تذاكر مخفضة بالطبع؛ الأمر الذي لا يساعد في تحقيق الأرباح. لكننا نعتبر ذلك استثمارًا. فهؤلاء الشباب هم رواد المسرح في المستقبل، ويحتاجون إلى تعريفهم بالعروض المسرحية الجيدة وتثقيفهم بشأنها.»

اعتقدت لوسي أن الجهود المبذولة لتثقيف الشباب بشأن المسرح لم تسفر عن نتائجَ إيجابية. يبدو أن جيل الشباب ينجذب إلى أفلامٍ مثل «الحواجز المشتعلة» (فليمينج باريرز). فلم يكن حتى من الصواب القول إنهم لا يذهبون إلى المسرح؛ بل من الأدق القول إنهم يفرُّون منه.

لكن كان هذا حفلَ شاي رسميًّا، ولم يكن هناك مجال لقول الحقائق المُرة. وسألت لوسي إدوارد أدريان إن كان ينوي حضور العرض أم لا، فبدت الآنسة لوكس منزعجةً من ذلك. لم يسمع إدوارد أدريان عن العرض من قبل، لكنه كان حريصًا على معرفة المزيد وأعرب عن حماسته. فقد مرَّت سنوات منذ أن شهد تدريبًا بدنيًّا يتجاوز وضعَ أصابع القدمين تحت خزانة الملابس وهزَّ الجذع. رقص؟ يا إلهي، هل هناك رقص؟ سوف يأتي بالتأكيد. حتى إنه دعاهما إلى المسرح بعد انتهاء العرض، ثم تناولا العشاء معه بعد ذلك.

«أعلم أن كاثرين تكره المسرح، ولكن يمكنكِ تحمُّله هذه المرة، أليس كذلك يا كاثرين؟ سنعرض مسرحية «ريتشارد الثالث» مساء الجمعة؛ لذا لن تُضطري إلى مشاهدتي في دور رومانسي. إنها ليست مسرحية جيدة، ولكن الإخراج المسرحي رائع، حتى وإن كنت أنا مَن أقول هذا، وهو ما يجب ألا أقوله.»

أعربت لوكس عن رأيها قائلة: «اتهام ظالم لرجل محترم، ومثال واضح على التلاعب السياسي، ومسرحية سخيفة للغاية.»

ابتسمَ أدريان ابتسامةً عريضة تشبه ابتسامة تلاميذ المدرسة. وقال: «حسنًا، ولكن تحمَّليها وسوف تستمتعين بالعشاء الفاخر بعد ذلك في ميدلاند في لاربورو عند استضافتهم لممثل بائس. إنهم يقدِّمون هناك نبيذ جوهانسبرجر.»

ظهر لونٌ خفيف على وجْنتَي لوكس أخيرًا.

«أترَين، أنا أتذكَّر ما تحبينه. إن نبيذ جوهانسبرجر يشبه في نكهته روائحَ الزهور كما قلتِ من قبل، ولن تشعري بأجواء المسرح الكئيبة.»

«لم أقُل قط إن أجواء المسرح كئيبة. بل أقول إنه أصبح عتيقًا وباليًا.»

«بالتأكيد هو كذلك. فهو موجود منذ قرابة ٢٠٠ عام.»

«هل تعلم بماذا يذكِّرني؟ عربة التتويج. شيء قديم الطراز وعفا عليه الزمن وما زلنا نستخدمه بسبب الارتباط العاطفي به. بقايا أثرية مطلية بالذهب …»

وصل الماء في الغلاية لدرجة الغليان، وسكبت كاثرين الماء الساخن في إبريق الشاي.

«أَعطي الآنسةَ بيم شيئًا لتأكله يا تيدي.»

شعرت لوسي إن تلك لهجة طفولية بعض الشيء، وأخذت إحدى الشطائر من الطبق الذي قدَّمه لها. هل هذا ما يجذبه؟ هل كان نوعًا من الحنين إلى عالَم يُقبل فيه كما هو؟ إنه لن يتحمل مثل هذا العالَم مدةً طويلة بالتأكيد، ولكن من المحتمل جدًّا أنه قد سَئم أحيانًا من الحياة التي تحكمها المظاهر، ووجد العزاء بصحبة شخص هو في نظره مجرد تيدي أدريان، الشخص الذي اعتاد زيارته خلال العطلات.

استدارت لوسي لتقول له شيئًا، وتفاجأت بنظرته إلى كاثرين وهي ترفض المأكولات المختلفة. كانت نظرة استمتاع ومودَّة، فيها من نظرة الأخ لأخته، ولكن كان هناك أيضًا شيء آخر. أكان شعورًا باليأس؟ شيء من هذا القبيل. شعور لا يتناسب مع السياق الأخوي، شعور غريب جدًّا من نجم عظيم مثل إدوارد أدريان تجاه محاضِرة النظريات غير الجذابة الساخرة في لايز.

نظرت لوسي إلى كاثرين غير المنتبِهة ولأول مرة رأتها من خلال عيون إدوارد أدريان. رأتها ذات جمال غير تقليدي. ففي هذه البيئة الأكاديمية، تعتبر ملابسها الجيدة وتسريحة شعرها البسيطة وعدم وضعها مساحيق التجميل أشياءَ صحيحة ولائقة، وتعتبر رشاقتها وحركتها الرشيقة أمرًا بديهيًّا. إنها الآنسة لوكس الذكية غير الجذابة. ولكن في عالم المسرح، كم ستكون مختلفة! هذا الفم الواسع الطري، عظمتا الخد المرتفعتان هاتان بالفجوة تحتهما، هذا الأنف القصير المستقيم، الفك المُحدد النحيف … كلها سماتٌ تحتاج بشدة إلى مساحيق التجميل. وفقًا للمعايير المعتادة، كان لدى كاثرين لوكس وجهٌ يصفه الصبية بأنه «يُذهب العقول»، ولكن من منظور مختلف، كان لوجهها القدرة على جعل الناس في مطعم إيريس يتوقفون عن الأكل إذا دخلت عليهم وقت الغداء مرتديةً ملابسَ أنيقة وواضعة مساحيق تجميل.

إنها مزيجٌ من شخص يتمتَّع بجمال غير تقليدي وتعرفه من الماضي. وبقيت لوسي مشغولةً بتلك الأفكار حتى نهاية حفل الشاي.

بمجرد أن بدا الأمر مناسبًا، اعتذرت لوسي وتركت إدوارد أدريان والآنسة لوكس وحدَهما لإجراء المحادثة الخاصة التي بدا واضحًا أنه يريدها؛ المحادثة الخاصة التي حاولت الآنسة لوكس عدم إجرائها. توسَّل إدوارد أدريان إلى الآنسة لوكس أن تقبل الدعوة إلى العرض المسرحي ليلة الجمعة … موضحًا أن سيارته ستكون بانتظارها، وأن عرض الكلية سينتهي في السادسة مساءً، وأن عشاء الكلية سيكون عاديًّا بالمقارنة، ووعدها أن مسرحية «ريتشارد الثالث» قد تكون سخيفة ولكنها ستكون ممتعة، وأن الطعام في ميدلاند رائع للغاية؛ إذ إن المطعم قد اجتذب طاهيًا ماهرًا من مطعم بونو في شارع دوفر، وأنه لم يرَ كاثرين منذ وقت طويل، ولم يتحدَّث بما يكفي مع الآنسة بيم الذكية التي ألَّفت الكتاب الرائع، وأنه قد سئم إلى حدٍّ ما صحبةَ الممثلين الذين لا يتحدثون إلا عن المسرح والجولف، وأنهما يمكنهما المجيء فقط لإرضائه، ومع سحره التمثيلي المتمرس ورغبته الصادقة في أن تقولا نعم، اتُّفق على أن يعودا معه ليلة الجمعة إلى لاربورو، ليشاهدا مسرحيتَه «ريتشارد الثالث»، والتمتُّع بعشاء جيد مكافأةً لهما، وأن يوصلهما إلى لايز.

عندما ذهبت إلى الجناح، وجدت لوسي نفسها مكتئبة قليلًا. فقد أخطأت مرةً أخرى بشأن الآنسة لوكس. فلم تكن الآنسة لوكس امرأةً غير جذابة وغير مرغوب فيها، قرَّرت تكريسَ حياتها لأختها الصغرى الجميلة تعويضًا لها. لقد كانت امرأةً يمكن أن تكون جذابة، ولا تحتاج إلى تعويضٍ يُذكر؛ لدرجةِ أنها لا تُعِير أحدَ أكثر الرجال نجاحًا ووسامة في العالم اليوم اهتمامًا.

لقد كانت مخطئة تمامًا بشأن الآنسة لوكس. كونها طبيبةً نفسية، بدأت تشعر أن تدريس اللغة الفرنسية كان مجالًا أكثر مناسبة لها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤