الفصل الثاني

كان جنديان من جنود القوزاق يبلغ طول الواحد منهما ستَّ أقدام يضربانها بالسياط لأنها أصرَّت على استخدام الدبابيس التي لا تواكب العصر، بينما يُحتِّم عليها المضي قُدمًا استخدام السَّحابات، وبدأ الدم يسيل على ظهرها عندما استيقظت وأدركت أن حاسة السمع لديها هي ما كانت تتعرض للعنف. كان الجرس يرن مجددًا. فقالت كلمة لا تُعَد من بين الكلمات الراقية، ونهضت جالسةً على الفراش. لا، لن تمكث بالتأكيد دقيقةً واحدة بعد الغَداء. فهناك قطار سيتحرك من لاربورو في الساعة الثانية و٤١ دقيقة، وستكون في هذا القطار؛ ستكون قد فرغت من توديع الجميع، وأتمَّت واجباتها تجاه صديقتها، وتشبَّعت روحها بسعادة بالغة بعد هروبها. سوف تشتري لنفسها صندوقًا وزنه نصف باوند من الشوكولاتة على محطة القطار كنوع من الاحتفال. سوف يظهر تأثير أكل هذه الشوكولاتة عندما تزن نفسها على ميزان الحمَّام في نهاية الأسبوع، ولكن مَن يُبالي؟

ذكَّرها التفكير في الميزان بإحدى ضروريات الحياة الراقية، وهي الاستحمام. كانت هنرييتا تشعر بالأسف نظرًا لكون حمَّامات هيئة التدريس بعيدة جدًّا عن غرفة لوسي؛ وكانت تشعر بالأسف أصلًا من إقامة لوسي في المبنى الخاص بالطالبات، ولكن والدة فروكن جوستافسِن، التي جاءت من السويد، كانت تقيم في غرفة الضيوف الوحيدة في المبنى الخاص بهيئة التدريس، وكانت عازمة على أن تمكث عدة أسابيع حتى تُشاهد وتنتقد نتيجةَ مجهود ابنتها في العرض السنوي الذي يُقام في بداية الشهر. كانت لوسي تشكُّ كثيرًا إن كان إحساسها بالاتجاهات، الذي تقول صديقاتها إنه معدوم لديها، جيدًا بما يكفي لتتمكن من الوصول إلى هذا الحمَّام مرة أخرى أم لا. فمِن السيئ التسكُّع في طرقات مضيئة خالية، وربما دخول قاعات المحاضرات بالخطأ. والأسوأ من ذلك التجوُّل في طرقات مزدحمة بطالبات استيقظن من الصباح الباكر لسؤالهن عن المكان الذي يمكنها فيه الاستحمام لأنها تأخَّرت عن الاستحمام.

كانت طريقة تفكير لوسي دائمًا هكذا. فلم يكن يكفيها تخيُّل سيناريو واحد سيِّئ فحسب؛ بل كان يتعين عليها أن تتخيل نقيضَه أيضًا. لقد أمضت الكثير من الوقت في التفكير في السيناريوهات المختلفة، والاستمتاع دون فعل أي شيء، وفجأةً دقَّ جرسٌ آخر، وتعالت أصوات وقْع الأقدام، وكذلك أصوات الطالبات يُنادي بعضهن بعضًا، ما كدَّر هدوءَ الصباح. نظرت لوسي إلى ساعتها. كانت الساعة السابعة والنصف.

قرَّرت لوسي ألا تكون متحضِّرة، وأن تتخلى عن فكرة الاستحمام كما نصحتها عاملة المنزل ذات مرة؛ ففي النهاية، هذا الاهتمام بالاستحمام ما هو إلا بدعة عصرية، وإذا كان تشارلز الثاني يتحمل أن تكون رائحته كريهة بعض الشيء، فمن تكون هي، وهي واحدة من عامة الشعب، حتى تتذمَّر من عدم الاستحمام؟ طرقَ أحدٌ بابها. لقد أتى أحد لإنقاذها. يا للسعادة، يا للعظمة، انتهت عزلتُها.

قالت بنبرة سعادةٍ كما لو كانت روبنسون كروزو يرحبُ بأشخاص على الجزيرة: «تفضل بالدخول». بالطبع كانت هنرييتا قادمة لتقول لها صباح الخير. كم هي حمقاء ألا تفكر في هذا. إنها ما زالت في أعماقها الفتاة الصغيرة التي لا تتوقَّع أن تهتم هنرييتا لأمرها. عليها حقًّا أن تُنمي معتقداتٍ تتناسب أكثر مع كونها أصبحت من المشاهير. ربما عليها تصفيف شعرها بطريقة مختلفة، أو أن تكرر بعض الكلمات ٢٠ مرة في اليوم، على غرار عالم النفس الفرنسي إميل كوي … «تفضل بالدخول!»

لكنها لم تكن هنرييتا. كانت فتاة حسناء للغاية.

فتاة ذات خصلات شعر ذهبية، وسُترة من الكتان الأزرق الفاتح، وعينين زرقاوين مثل البحر، وسيقان تثير الحسد الشديد. لطالما لاحظت لوسي سيقان النساء الأخريات؛ فهي لا تحب شكل ساقَيها.

قالت الفتاة الحسناء: «أوه، أنا آسفة. نسيت أنكِ ربما لا تكونين مستيقظة. فنحن هنا لدينا مواعيدُ غريبة.»

رأت لوسي أنه من اللطيف أن يلوم هذا الكائن السماوي نفسه نتيجةً لكسلِها هي.

«أنا آسفة لإزعاجك أثناء ارتدائك ملابسك.» واستقرت عيناها الزرقاوان على صندل كان موجودًا في منتصف الغرفة، وظلت تنظر إليه كما لو كانت مفتونة. كان صندلًا من الساتان، لونه أزرق فاتح، كان أنثويًّا للغاية، وعديم القيمة للغاية، وريشيًّا للغاية. شيئًا لا ريبَ في كونه عديم الفائدة.

قالت لوسي: «يؤسفني أنه يبدو أحمقَ بعض الشيء.»

«يجب أن أخبركِ يا آنسة بيم، كم هو ممتع رؤية شيء يتجاوز الاستخدام النفعي!» ثم قالت، وقد تذكَّرَت الموضوع الذي جاءت لأجله، مع رغبتها في مواصلة الحديث عن الصندل: «اسمي ناش. وأنا قائدة طالبات السنة النهائية. وأتيت لتوجيه دعوة إليكِ نيابةً عن طالبات السنة النهائية للانضمام إلينا لتناول الشاي غدًا. ففي أيام الأحد، نتناول الشاي في الخارج في الحديقة. إنها ميزةٌ خاصة بطالبات السنة النهائية. وهي حقًّا طريقةٌ رائعة لقضاء فترةِ ما بعد الظهيرة في الصيف، ونحن نتطلع بشغف إلى انضمامِك إلينا.» وابتسمت للآنسة بيم بلطف شديد.

أوضحت لوسي أنها لن تكون هنا غدًا؛ وأنها ستُغادر بعد ظهر اليوم.

احتجَّت الفتاة ناش قائلة: «أوه، لا!» وقد أثلجت نبرتها المفعمة بالمشاعر الحقيقية صدرَ لوسي. وأردفت: «لا، من فضلك لا تغادري يا آنسة بيم! يجب ألا تغادري! فليس لديكِ أي فكرة كيف أنكِ هبةٌ أرسلها الله إلينا. فمن النادر جدًّا أن يأتي أي شخص مثير للاهتمام لزيارتنا. إن هذا المكان أشبه بالدَّير. ونحن جميعًا مشغولون جدًّا بدراساتنا؛ لدرجةِ أنه ليس لدينا أي وقت للتفكير في العالم الخارجي؛ هذا هو الفصل الدراسي الأخير لنا، نحن طالبات السنة النهائية، وكل شيء قاتم وخانق — الاختبارات النهائية، والعرْض، وإيجاد وظائف لنا، وما إلى ذلك — ونحن جميعًا نشعر بالإرهاق الشديد، وقد ذهب آخِر إحساس لدينا بالتوازن. ثم جئتِ أنت، قطعةً من العالم الخارجي، إنسانة راقية»، وتوقفت عن الكلام؛ كانت لهجتها بين الضحك والجدية. «لا يمكنكِ أن تهجرينا.»

قالت لوسي: «ولكن هناك ضيفٌ محاضر يزوركنَّ كل يوم جمعة.» كانت أول مرة في حياتها تجد نفسها هديةً مُرسلة من السماء لأحد، وقد قرَّرت ألا تأخذ إطراءَ الفتاة أمرًا مُسلَّمًا به. فلم تحب إطلاقًا إحساسَ الرضا الذي بدأت تشعر به.

أجابت الآنسة ناش بحُجة واضحة ومرارة شديدة قائلة إن المحاضرين الثلاثة الأخيرين كانوا رجُلًا في الثمانين من العمر يتحدَّث عن نقوش آشورية، وعالِمًا تشيكيًّا يتحدَّث عن أوروبا الوسطى، وطبيبَ عظام يشرح مَرض الجَنَف.

سألت لوسي: «ما هو الجَنَف؟».

«انحناء العمود الفقري. وإذا كنتِ تعتقدين أن أيًّا من هذه المحاضرات قد جلب للكلية البهجة والسعادة، فأنتِ مخطئة. فمن المفترض أن هذه المحاضرات تهدف إلى إبقائنا على اتصال بالعالم، ولكن إذا كان عليَّ أن أكون صريحةً وغير متحفظة» — وبدا من الواضح أنها مستمتعة بصراحتها وعدم تحفُّظها — «كان لفستانك الليلة الماضية أثرٌ طيب في معنوياتنا، مقارنةً بجميع المحاضرات التي حضرناها.»

أنفقت لوسي مبلغًا ضخمًا من المال على هذا الفستان عندما أصبح كتابها من أكثر الكتب مبيعًا، وظلَّ هو الفستان المفضَّل لديها؛ لقد ارتدته لإثارة إعجاب هنرييتا. بدأ الشعور بالرضا يتسلل داخلها.

لكنه لم يتسلل بالدرجة الكافية ليطغى على تفكيرها المنطقي. فهي لا تزال تتذكر الفاصولياء. وعدم وجود مصابيح بجانب الفراش. وعدم وجود جرس لتطلُب أي خدمة. ورنين الأجراس المستمر للآخرين. لا، إنها ستستقل قطار الثانية وإحدى وأربعين دقيقة من لاربورو، حتى لو توسَّلت إليها كل طالبات كلية لايز للتربية البدنية ألا تغادر. ذكرت لوسي بهدوء شيئًا عن بعض الارتباطات — حتى تستنتج الآنسة ناش أن جدول لوسي مزدحم جدًّا بالارتباطات المُلحَّة والمهمة — وطلبت من الآنسة ناش توجيهها الآن إلى حمَّامات هيئة التدريس. «لم أُرِد التجول في الطرقات، ولم أجد جرسًا لأستخدمه.»

تعاطفت الآنسة ناش مع الآنسة بيم بشأن عدم وجود خدمة، قائلة: «كان يجب على إليزا أن تتذكر أنه لا توجد أجراس في الغرف هنا، وأن تأتي إليك؛ إنها العاملة المنزلية الخاصة بهيئة التدريس.» ثم اقترحت أن تستخدم الآنسة بيم الحمَّامات الخاصة بالطالبات، التي كانت أقرب بكثير، إذا لم تمانع في ذلك. وقالت: «إنها بالطبع حُجَيرات صغيرة؛ أقصد أنها ذات جدران لا تمتد حتى السقف، والأرضية من الخرسانة الخضراء، بينما حمَّامات هيئة التدريس لها أرضية من الفُسَيفساء الفيروزية وعليها نقوش أنيقة على شكل دلافين، لكن المياه هي نفسها.»

لم تمانع الآنسة بيم في استخدام حمَّامات الطالبات، وبينما كانت منشغلة بتجميع أغراض الاستحمام الخاصة بها، كان جزء كبير من ذهنها مشغولًا بالآنسة ناش، وكيف أنها لا توقِّر هيئة التدريس مثلما تفعل الطالبات. هذا الموقف يذكِّرها بأحد الأشخاص. نعم لقد عرفَتْه الآن. إنه ماري بارارو. فقد كانت زميلات ماري بارارو في الصف تتعاملن بوداعة واحترام مع مدرِّسة اللغة الفرنسية، بينما كانت ماري بارارو، على الرغم من كونها طالبة مجتهدة وودودة، تتعامل معها معاملة النِّد؛ والسبب في ذلك هو أن والدها «يكاد يكون مليونيرًا». خلصت الآنسة بيم إلى أنه في «العالم الخارجي» — من الغريب أنها بدأت بالفعل تستخدم المصطلحات الخاصة بالكلية — فإن والد الآنسة ناش، التي تتمتع بشخصية ساحرة واجتماعية، وتتعامل مع الجميع معاملة النِّد مثل ماري بارارو؛ يشبه، إلى حد كبير، والد ماري بارارو. وفي وقت لاحق، علمت أن هذا هو أول ما يذكره الجميع عند ذكر اسم ناش. «عائلة باميلا ناش شديدة الثراء. لديهم خادم شخصي.» ولا ينسى أحدٌ أبدًا ذِكر الخادم الشخصي. فعند بنات الأطباء والمحامين وأطباء الأسنان ورجال الأعمال والمزارعين الكادحين كان وجود خادم شخصي لدى عائلةٍ شيئًا غريبًا، تمامًا مثل امتلاك عبد زنجي.

سألت الآنسة بيم الآنسة ناش، وسط هدوء الممرات المشمسة، الذي يعني أن الطالبات يمارسن نشاطًا: «أليس من المفترض أن يكون لديكِ محاضرة الآن؟». وأردفت: «أعتقد أن استيقاظك في الخامسة والنصف صباحًا يعني أن لديكِ محاضرات قبل الإفطار.»

«أوه، نعم. في الصيف لدينا فترتان قبل الإفطار، واحدة تتضمن نشاطًا بدنيًّا، وأخرى لا. مثل تدريب كرة المضرب وعلم حركات الجسم أو ما شابه.»

«علمُ ماذا؟»

«علمُ حركات الجسم»، وفكَّرت الآنسة ناش لحظةً في الطريقة الأمثل لتوصيل المعلومة لشخص جاهل، ثم تكلَّمت وكأنها تتخيَّل مشهدًا. قالت: «أنزلت إبريقًا ذا يدٍ من فوق رفٍّ عالٍ؛ صِف العضلات التي استخدمتها.» وبينما أوضحت هزةُ رأس الآنسة بيم أنها فهمت، أردفت الآنسة ناش: «ولكن في الشتاء نستيقظ كبقية الناس في السابعة والنصف. أما بخصوص هذه الفترة بالتحديد، فنحن عادةً ما ندرُس فيها الشهادات الخارجية، مثل الصحة العامة والصليب الأحمر وما إلى ذلك. ولكن بما أننا انتهينا من هذه الشهادات، فإنه مسموح لنا بالاستفادة من هذه الفترة في الاستعداد للامتحانات النهائية، التي تبدأ الأسبوع القادم. لدينا وقتٌ محدود جدًّا للاستعداد للامتحانات؛ لذا فنحن سعداء بهذه الفرصة.»

«أليس لديكنَّ وقتُ فراغ بعد تناول الشاي، أو في هذه الفترة؟»

بدت الآنسة ناش مستمتعة. قالت: «أوه، لا. هناك عيادة بعد الظهر من الساعة الرابعة حتى السادسة؛ نقابل فيها مرضى خارجيين. نعالج كلَّ شيء؛ من الأقدام المسطَّحة إلى الأفخاذ المكسورة. ومن السادسة والنصف حتى الثامنة نرقص. باليه، وليس رقصًا شعبيًّا. لدينا رقصٌ شعبي في الصباح؛ إنه يُعَد تمرينًا وليس فنًّا. وننتهي من تناول العشاء حوالي الساعة الثامنة والنصف؛ لذلك نشعر بالنُّعاس الشديد قبل أن نبدأ الاستعدادات للامتحانات، وعادةً ما يكون هناك صراع بين نعاسنا واحتياجنا للاستعداد للامتحانات.»

عندما وصلَتَا إلى الطرقة الطويلة المُؤَدِّية إلى الدَّرج، تفاجأتا بشخص ضئيل الحجم يسير في عجالة ويتأبَّط جمجمةً وقفصًا صدريًّا، أحد الهياكل العظمية في إحدى ذراعيه، والحوض والساقان في الذراع الأخرى.

عندما اقتربتا من الشخص، سألت الآنسة ناش: «ماذا تفعلين بجورج يا موريس؟».

قالت طالبة السنة الأولى المتفاجئة وهي تلهث وتمسك بالهيكل العظمي بقوة على فخذها اليمنى، وتستمر في السير في عجالة أمامهما: «أوه، من فضلك لا تعطليني يا بو، ومن فضلك انسي أنك رأيتِني. أقصد أنك رأيتِ جورج. أردت الاستيقاظ مبكرًا وإعادته إلى غرفة المحاضرات قبل جرس الخامسة والنصف، لكني تأخَّرت في الاستيقاظ.»

«هل قضيتِ الليلة مع جورج؟»

«لا، حتى نحو الساعة الثانية صباحًا فقط. وأنا …»

«وكيف تصرفتِ في الإضاءة؟»

قالت طالبة السنة الأولى بنبرةٍ حادة كمن يوضِّح شيئًا مفروغًا منه: «بالطبع، وضعت سجادة الأسفار على النافذة.»

«يا له من جوٍّ رائع في مساء شهر يونيو!»

قالت الآنسة موريس ببساطة: «لقد كان كارثيًّا. لكنها حقًّا الطريقةُ الوحيدة لمذاكرة مغارز العضلات، فمن فضلك يا بو، انسي أنك رأيتِني. سأعيده إلى مكانه قبل نزول هيئة التدريس لتناول طعام الإفطار.»

«لن تنجحي في ذلك. فعلى الأرجح ستقابلين شخصًا أو آخر.»

«أوه، من فضلك لا تُثبِّطي عزيمتي. أنا مرعوبة بما يكفي الآن. وأنا لا أعرف حقًّا إن كنتُ أتذكر كيفية تركيب منتصفه تركيبًا صحيحًا أم لا.» وأكملت طريقها وهي تحمل الهيكل العظمي واختفت في مقدمة المبنى.

قالت الآنسة بيم وهي تشاهدها تمضي: «يذكِّرني هذا الموقف تمامًا بكتاب «عبْر المرآة»، لطالما ظننت أن مغارز العضلات لها علاقة بالغُرز المستخدَمة في التطريز.»

«مغازر العضلات؟ إنها الأماكن الموجودة في العظام، حيث تلتصق بها العضلات. فمِن السهل جدًّا مذاكرة ذلك وأمامك هيكل عظمي بدلًا من النظر في كتابٍ فحسب. لهذا السبب اختطفت موريس جورج.» وأطلقت ضحكة متساهلة. وأردفت: «لقد غامَرَت جدًّا بفعل ذلك. عندما كنت في السنة الأولى سرقت مجموعة من العظام المختلفة من الأدراج الموجودة في غرفة المحاضرات، لكني لم أفكر مطلقًا في أخذ جورج. إنها الغَمامة البغيضة التي تخيِّم على حياة طالبات السنة الأولى. علم التشريح النهائي. وهو بالفعل نهائي. فمن المفترض أن تعرف كل شيء خاص بالجسم قبل أن تبدأ التعامل معه عمليًّا؛ لذا فإن عِلم التشريح النهائي هو مادة خاصة بالسنة الأُولى، وليس بالسنة النهائية كبقية الامتحانات النهائية. الحمَّامات من هنا. عندما كنت في السنة الأولى كانت الحشائش الطويلة على حافة ملعب الكريكِت تعجُّ أيام الأحد بطالبات السنة النهائية المختبِئات يحتضنَّ كتب التشريح. كان ممنوعًا منعًا باتًّا أخذُ الكتب إلى خارج الكلية، وكان من المفترض أن نقوم في أيام الأحد بأنشطة اجتماعية، وأن نحتسيَ الشاي، أو أن نذهب إلى الكنيسة، أو إلى الريف. لكن لم تقُم أي طالبة في السنة الأولى بأي شيء في الفصل الدراسي الصيفي مطلقًا، باستثناء إيجاد مكان هادئ لها وكتاب التشريح. كان من الصعب أخذُ كتاب التشريح إلى خارج الكلية. هل تعرفين كتاب التشريح؟ إنه تقريبًا في حجم الأناجيل العائلية القديمة الموجودة على طاولة الرَّدهة. في الواقع كانت هناك شائعة ذات مرة أنَّ نِصف الفتيات في لايز كُنَّ حوامل، لكن تبيَّن أن ذلك لم يكن سوى نتيجة لوضعهن كتابَ التشريح تحت ملابسهن الأنيقة الخاصة بيوم الأحد.»

انحنت الآنسة ناش تجاه الصنابير وفتحتها فسالت المياه في حوض الاستحمام. قالت وقد تعالى صوتها فوق صوت المياه: «عندما يستحم كلُّ مَن في الكلية ثلاث أو أربع مرات في اليوم بسرعة، بحيث لا يستغرقون بضع دقائق، سنحتاج إلى صنابير بها مياه بنفس مقدار شلالات نياجرا. أنا قلِقة بشأن تأخُّرك عن الإفطار.» وعندما بدا القلق الطفولي الغريب على الآنسة بيم عند التفكير في إمكانية حدوث ذلك، قالت الآنسة ناش: «سوف أُحضِّر لكِ بعض الطعام على صينية. لا، لن تكون هناك مشكلة، يسعدني القيام بذلك. فلا حاجة إلى حضور ضيفٍ الإفطارَ في الثامنة صباحًا على أي حال. مِن الأفضل لكِ بكثير تناوله بهدوءٍ في غرفتك.» وتوقَّفت وهي تضع يدها على الباب. وأردفت: «غيِّري رأيك بشأن البقاء هنا. سوف يسعدنا ذلك حقًّا. سعادةً أكثر مما يمكنكِ تخيُّلها.»

وابتسمت وانصرفت.

بينما كانت لوسي تسترخي في الماء اليسير الدافئ، كانت تفكِّر بسعادة في الإفطار القادم. كم هو رائع ألَّا تضطر إلى الدخول في محادثات مع الأصوات الثرثارة المحيطة بها. كم هي لطيفة وذكية هذه الفتاة الحسناء أن تُحضر لها صينية الطعام. ربما من الذوق أن تقضي يومًا أو يومين وسط هؤلاء الفتيات …

كادت تقفز من حوض الاستحمام عندما بدأ الجرس يرن بصوتٍ عالٍ على بُعد ١٢ ياردة من المكان الذي كانت ترقد فيه. هذا حسم الأمر. جلست ودَلَكت جسدها بالصابون. لن تتأخر دقيقةً واحدة عن موعد قطار الثانية وإحدى وأربعين دقيقةً من لاربورو، لن تتأخر دقيقة واحدة.

عندما تلاشى صوت الجرس — الذي كان غالبًا إنذارًا قبل ناقوس الثامنة الكبير بخمس دقائق — كانت هناك خطوات متسارعة في الطرقة، وانفتح البابان على يسارها، وبينما كانت المياه تتدفَّق في أحواض الاستحمام، سمعت صوتًا مألوفًا يصيح: «أوه، يا عزيزتي، سأتأخر جدًّا عن موعد الإفطار، لكني أتصبَّب عرقًا يا عزيزتي. أعلم أنه كان حريٌّ بي الجلوس في هدوء لمذاكرة تركيب البلازما، الذي لا أعرف عنه شيئًا يا عزيزتي، وامتحان الفيزياء النهائي يوم الثلاثاء. لكن الصباح بديع؛ والآن أين الصابونة الخاصة بي؟»

انخفض فك لوسي السُّفلي ببطء في اندهاش؛ إذ أدركت فجأة وجود أشخاص في مجتمع يبدأ يومه في الخامسة والنصف وينتهي في الثامنة مساءً، ولديهن الطاقة لبذل جهد بدني مضنٍ، في حين أنه لا يتحتَّم عليهن فعل ذلك.

«أوه، دوني عزيزتي، لقد نسيت الصابونة الخاصة بي. أعطني صابونتك!»

قال صوت هادئ يختلف اختلافًا واضحًا عن صوت ديكرز العالي: «عليك الانتظار حتى أفرَغ من استخدامها.»

«حسنًا يا ملاكي، أسرعي. لقد تأخَّرت مرتين هذا الأسبوع، وقد نظرت إليَّ الآنسة هودج نظرةً غريبة في المرة الأخيرة. ألا يمكنك حقًّا يا دوني أخذُ مريضة السِّمنة في عيادة الثانية عشرة؟»

«لا، لا يمكنني.»

«إنها ليست ثقيلة كما يبدو عليها. عليكِ فقط أن …»

«لديَّ مريض.»

«صحيح، لديكِ فقط الطفل الصغير المُصاب في كاحله. يمكن أن تأخذَه لوكاس بجانب حالة الفتاة التي تعاني تخشُّب العنق …»

«لا.»

«لا، كنت أعلم ذلك. أوه، لا أعلم متى سأذاكر البلازما يا عزيزتي. أمَّا طبقات المَعِدة فهي ببساطةٍ تُربِكني يا عزيزتي. أنا لا أصدِّق أنها أربع طبقات على أي حال. إنها مؤامرة علينا. تخبرنا الآنسة لوكس بأن نتأمل كلامًا فارغًا، لكني أرى أن الكلام الفارغ لا يمكن أن يُفضي إلى شيء.»

«تفضَّلي الصابونة.»

«أوه، أشكرك يا عزيزتي. لقد أنقذتِني. يا لها من رائحة زكية يا عزيزتي. صابونة غالية جدًّا.» وفي لحظة الصمت التي كانت تستخدم فيها الصابونة أدركَتْ أن أحدًا ما في حوض الاستحمام على يمينها.

«مَن في حوض الاستحمام الذي بجانبي يا دوني؟»

«لا أعلم. ربما تكون جيدج.»

«أهذا أنتِ يا جرينجيدج؟»

قالت لوسي في ذهول: «لا، إنه أنا، الآنسة بيم.» وتمنَّت ألا تكون قالتها بأسلوب رسمي كما بدا ذلك.

«لا، حقًّا، مَن أنتِ؟»

«الآنسة بيم.»

«أنتِ تقلِّدينها تقليدًا جيدًا جدًّا، أيًّا كان مَن أنتِ؟»

قال الصوت الهادئ: «إنها ليتلجون. هي تقلِّد أصوات الآخرين.»

لم تعرف الآنسة بيم ماذا تقول؛ لذا التزمت الصمت.

كان هناك صوت جسم يخرج فجأةً من الماء، وصوت أقدام مبلَّلة على حافة الحوض، وثمانية أصابع مبلَّلة ظهرت على حافة الحُجَيرة وظهر وجه. كان وجهًا طويلًا شاحبًا مثل وجه حصان جميل، وكان يكسوه شعر فاتح ناعم فوق الرأس مصفَّف على شكل كعكة وُضِع فيها دبوس الشعر باستعجال. كان وجهًا جميلًا غير معتاد. وحتى في هذا الزخم، أدركت لوسي فجأةً سببَ نجاح ديكرز في الوصول إلى الفصل الدراسي الأخير في لايز من دون أن تُضرَب على رأسها من قِبل الزميلات الغاضبات.

في البداية، ظهر الرعب على وجه الفتاة الواقفة على حافة الحُجيرة، أعقبه اندفاع احمرارٍ شديد في وجهها، صاحبه ظهور علامات الإثارة تدريجيًّا. ثم اختفى الوجه بسرعة. وسُمِع عويل يائس من الجانب الآخر.

«أوه، آنسة بيم! أوه، عزيزتي الآنسة بيم! أنا آسفة. أنا آسفة للغاية. لم أكن أتوقَّع قط أن يكون هذا أنتِ.»

لم تستطع لوسي أن تتمالك شعورها بالاستمتاع بالموقف.

«آملُ ألا تكوني مستاءة. أعني مستاءة للغاية. نحن معتادون على رؤية بعضنا دون ملابس هنا؛ بحيث … بحيث …»

فهمت لوسي أن ديكرز كانت تحاول القول إن هذه الزَّلَّة أقل أهميةً في هذه البيئة مقارنةً بأي مكان آخر، وبما أنها كانت تغسل بعناية إصبع قدمِها في اللحظة التي حدث فيها ذلك، لم يكن لها رأي في هذه المسألة. قالت بلطف إنها هي المخطئة؛ إذ إنها استخدمت حمَّام الطالبات، وأنه لا داعي أن تقلق الآنسة ديكرز بشأن ذلك على الإطلاق.

«أتعرفين اسمي؟»

«نعم. لقد أيقظتِني هذا الصباح وأنتِ تصرخين من أجل الدبوس.»

«أوه، يا إلهي! لن أتمكَّن من النظر في وجهك مرةً أخرى!»

قال صوت من حوضِ استحمام أبعدَ بنبرة توبيخ: «أعتقد أن الآنسة بيم ستستقل أول قطار إلى لندن.»

قالت ديكرز: «هذه هي أودونيل في حوض الاستحمام المجاور. إنها من أيرلندا.»

قالت أودونيل بلهجة محايدة: «من أولستر.»

«أهلًا بكِ يا آنسة أودونيل.»

«أنتِ بالتأكيد تظنين أن هذا منزلٌ للمجانين يا آنسة بيم. لكن من فضلك لا تحكمي علينا جميعًا من خلال حكمك على ديكرز. فبعضنا عاقل. وبعضنا حتى راقٍ. سترَين ذلك عندما تأتين لتناول الشاي غدًا.»

وقبل أن تتمكَّن الآنسة بيم من توضيح أنها لن تأتي لتناول الشاي، بدأ صوتٌ منخفض يملأ الأجواء، وتعالى حتى أصبح صوت جرس عالٍ. وسط هذه الفوضى، أطلقت ديكرز صرخةً شبيهة بصوت النورس عند هبوب عاصفة. سوف تتأخر كثيرًا. أعربت عن امتنانها للصابونة التي أنقذتها. وأين حزام سترتها؟ وإذا وعدتها الآنسة بيم بأنها ستتجاوز عن هذه الأخطاء التي حدثت حتى الساعة، فعليها أن تُظهر لها كيف أنها فتاة عاقلة وراقية. وكان الجميع يتطلعون إلى تناول الشاي معها في اليوم التالي.

خرجت الطالبات في عجلةٍ من الحمَّام محدِثات ضوضاء عالية، تاركاتٍ الآنسة بيم بمفردها مع تلاشي صوت الجرس وضجيج مياه الاستحمام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤