الفصل الثامن

بينما كانت الآنسة بيم تراقب الطالبات أثناء امتحان علم الأمراض النهائي لطالبات السنة النهائية، وذلك حتى تتيح للآنسة لوكس الفرصةَ لتصحيح الأبحاث السابقة للطالبات ووضع الدرجات عليها؛ دخلت سكرتيرة هنرييتا الصغيرة الوديعة إلى القاعة في حذر، ووضعت خطابات اليوم بهدوء على المكتب أمام الآنسة بيم. كانت الآنسة بيم تنظر بامتعاضٍ إلى نسخة من ورقة الامتحان وتفكِّر في مدى تعارض كلمات؛ مثل التهاب المفصل السيلاني، والتهاب زَليلِ الوَتَر التقرُّحي، مع الهواء النظيف الذي ينتشر في هذا الصباح الصيفي بعد الإفطار. لم تكن كلمة Emphysema (التي تعني الانتفاخ الرئوي) بمثل هذا السوء؛ فهي تشبه الأسماء التي يطلقها البستاني على إحدى الزهور. نوع من النباتات الحوضية. وكانت تتخيَّل كلمة Kyphosis (التي تعني الحُداب) أنها زهرة تشبه زهور الداليا. ومن الممكن أن يكون Myelitis (الذي يعني التهاب النخاع الشوكي) نباتًا زاحفًا صغيرًا شديد الزُّرقة، يميل إلى اللون الوردي في حال عدم رعايته. ومن الواضح أن Tabes Dorsalis (الذي يعني التابِس النخاعي) كان نباتًا غريبًا باهظ الثمن به بعض الإثارة وأشبه بالزَّنبق المُرَقَّط.

الزَّفَن. التصلُّب. القدم الفحجاء.

يا إلهي! هل تعرف هذه الفتيات الصغيرات كلَّ هذا؟ ميِّز بين علاج مرض أو آخر طبقًا لكونه إما (أ) خلقيًّا (ب) رَضْحِيًّا (ﺟ) هستيريًّا. حسنًا، حسنًا. كم كانت مخطئة حتى الآن لشعورها بالتعالي تجاه هذه الفتيات الصغيرات؟

نظرت بحبٍّ من منصتها لأسفل إلى الفتيات؛ كن جميعهن يكتبن كما لو كانت حياتهن تعتمد على ما يكتبنَه. كانت وجوههن جادة، لكن لم يبدُ على وجوههن القلق بوجه عام. هذا باستثناء راوس التي بدا على وجهها القلق، ولكن لوسي رأت أن وجهها القلِق أجمل من وجهها المتعجرف، ولم تتعاطف معها. وكانت ديكرز منكبَّة على الورقة وهي تُخرِج لسانها من فمها قليلًا وتتنهَّد عفويًّا كلما انتهت من كتابة سطر وبدأت في سطر آخر. أما بو فقد بدت واثقةً ومتماسكة كما لو كانت تكتب دعوات؛ فلم يساورها الشك مطلقًا طوال حياتها؛ فلم يكن حاضرها ولا مستقبلها في خطر. وبدا وجه ستيوارت أسفل شعرها الأحمر الزاهي باهتًا، لكن ظهرت ابتسامة باهتة على فمها؛ فمستقبل ستيوارت هو أيضًا في مأمن؛ فهي ذاهبة إلى مدرسة كوردوينرز وستعود إلى وطنها اسكتلندا جالبةً معها نجاحاتها، وستحضُر لوسي الحفل الذي تقيمه ستيوارت في غرفتها مساء السبت ابتهاجًا بهذه النجاحات. («نحن لا ندعو هيئةَ التدريس إلى الحفلات الشخصية، ولكن بما أنك لستِ عضوةً دائمة من هيئة التدريس فسنعتبرك مجرد صديقة.») أما القرينات الأربع فقد جلسن في الصف الأول، وأخذن يتبادلن النظرات التشجيعية الجماعية بين الفينة والفينة؛ فهذه المادة هي تخصُّصهن، ومن الواضح أن ما لا تعرفه هذه الفتيات عن هذه المادة لم يكن ذا قيمة؛ إن مانشستر ستستفيد من خبراتهن. أما إينيس التي كانت تجلس بجوار النافذة، فقد رفعت رأسها بين الفينة والفينة لتلقي نظرة على الحديقة، كما لو كانت تريد بعض الانتعاش؛ كان من الواضح من عدم تسرُّعها في كتابة إجابات الأسئلة أن إينيس لم تكن تبحث عن الإلهام؛ لقد تأملت الحديقة بحثًا عن بعض الراحة النفسية؛ كان الأمر كما لو كانت تقول: «آه، نعم، أنت ما زلتَ هنا أيها الجمال؛ ثمة حياة أخرى خارج قاعة المحاضرات هذه.» وبدأ يظهر على وجه إينيس أن متطلبات الدراسة قد أثقلت كاهلها. فلا يزال الخط بين جانب أنفها وفمها الذي ينُم عن التعب واضحًا.

أمسكت لوسي بفاتحة الخطابات الموجودة على مكتب الآنسة لوكس المُرتَّب، وبدأت في فحص الخطابات. كان هناك ثلاث فواتير لم تُرِد فتحها وإزعاج الطالبات. وإيصال تسلُّم. وتقرير سنوي. وظرفٌ كبير مربَّع متين وغالي الثَّمن، لونه أزرق داكن، مزركشٌ على طرفه باللون الأحمر كلمتا «ميليسنت كراي» (حقًّا لا توجد نهاية لمحاولات الممثلات التسويق لأنفسهن)، توقَّعت أن يكون مكتوبًا فيه بقلمٍ ذي طرف عريض خمسةُ أسطر بحروف كبيرة لشكر الآنسة بيم على الإسهامات التي قدَّمتها للصندوق الخيري. ولم يتبقَّ سوى خطاب السيدة مونتمورنسي. ففتحته بفتاحة الخطابات.

سيدتي (كتبت السيدة مونتمورنسي)،

لقد فعلتُ كما قلتِ لي وأرسلت إليكِ الطرد العاجل بالبريد السريع. إنه مسجَّل. سلَّمه فريد في شارع ويجمور وهو في طريقه إلى العمل، وأرفقتُ الإيصال به، وقد أرسلت إليكِ الفستان الأزرق والبلوزات كما قلتِ لي، ولكن ملابس النوم الوردية ما زالت في المغسلة؛ لذا أرسلت إليك البيج بدلًا منها. آمل ألا يكون هناك مشكلة.

أرجو منك يا سيدتي ألا تعتقدي أني أتجرأ، لكن ما تقومين به شيء مفيد. فلا يكفي أن تكتب المرأة الكتب دون أي صحبة صغيرة السن، ومن فضلك لا تظني أني أتدخَّل في شئونك، أنا فقط حريصة عليك، فأنت واحدة من ألطف السيدات اللاتي عملت لديهن، ولدى فريد الشعور نفسه. إنه يقول إنك امرأة لطيفة، وعند مقارنتك بما يراه من حوله خاصة، وأرجوك لا تعتقدي أن هذه جرأة مني.

ملحوظة: لقد وضعت الفرشاة السلكية في الجزء الأمامي من الحذاء السويدي.

المخلصة
السيدة مونتمورنسي

قضت لوسي الدقائق الخمس عشرة التالية في حالة تأثُّر من الاهتمام الذي أبدته السيدة مونتمورنسي بها، ومن الغضب بسبب المغسلة، وتساءلت في نفسها: لماذا كانت تقدِّم الدعم المادي للمنشآت التعليمية؟ فلم تكن المدارس العامة هي ما يحتاج إليه الجميع، بدلًا من ذلك، فإن الفصول الدراسية الابتدائية الجيدة التي لم تضم أكثر من ١٢ طالبة هي المطلوبة؛ حيث يُعتنى بتعليم أشخاص مثل السيدة مونتمورنسي الموادَّ الأساسية، وهي القراءة والكتابة والحساب. فقد ترك البُستاني، الذي يعمل في حديقة منزلها بدوام جزئي، ماكلين العجوز، المدرسة عندما كان عمره ١٢ عامًا، ومع ذلك فبإمكانه كتابة خطاب في مثل جودة أيٍّ من معارفها في الجامعة؛ ولماذا؟ لأنه درس في مدرسة بها فصول ذات كثافة طلابية منخفضة في قرية صغيرة، وكان للمدرسة ناظر ذو كفاءة.

هذا بالطبع لأنه عاش في زمن كان يُعَد فيه تعلُّم القراءة والكتابة والحساب أهمَّ من توفير الحليب المجاني. وقد جعله تعلُّم هذه المهارات غيرَ أمي وأخذ على عاتقه تعلُّم الباقي. كان نظامه الغذائي عبارة عن الكعك المصنوع من الطحين الأبيض والشاي المطبوخ، ومات في سن الثانية والتسعين وهو قوي وبصحة جيدة.

استوقفت نظرات الآنسة راوس لوسي وتوقَّفت عن التفكير فيما كانت تفكِّر به. فقد ظهر تعبير جديد على وجه الآنسة راوس، ولم يرُق للوسي هذا التعبير الجديد قط. لقد رأت راوس بائسة ومتملقة ومتعجرفة وقلِقة، لكنها لم ترها قط حتى الآن وكأنها تخفي شيئًا.

لماذا يبدو عليها وكأنها تخفي شيئًا؟

ظلت تراقبها بفضول لحظةً أو اثنتين.

رفعت راوس عينيها من الورقة والتقت عيناها بعينَي لوسي ونظرت بعيدًا بسرعة مرة أخرى. كانت النظرة الماكرة قد تلاشت؛ وحلَّ محلَّها نظرةٌ يُطلَق عليها «خُلُوُّ البال المُتَعَمَّد». كانت لوسي تعرف جيدًا هذه النظرة. فهي لم تكن رائد الصف الرابع من فراغ. فهي نفس نظرة جميع آكلات الحلويات في الخفاء. وهي نفس نظرة مَن كنَّ يكتبن واجب الحساب أثناء حصة اللغة الفرنسية.

وهي نفس نظرة مَن كنَّ يغششن أثناء الامتحانات.

ما الذي قالته هنرييتا؟ لقد قالت: «إن راوس تواجه صعوبةً في الأعمال الكتابية.»

هكذا إذن.

إن الانتفاخ الرئوي وكل هذه المصطلحات التي تبدو وكأنها أسماء زهور هي مصطلحات صعبة على الآنسة راوس؛ لذلك استعانت ببعض الأدوات لتذكُّرها. السؤال: ما نوع هذه الأدوات وأين هي؟ ليست على ركبتيها. فالمكاتب كانت مفتوحة من الأمام، ما يجعل الركبة مكانًا غيرَ آمن لوضع ورقة للغش. ومن الصعب كتابة مصطلحات مادة علم الأمراض على الأظافر بحيث تكون مفيدةً للغش؛ فالأظافر مفيدة فقط لكتابة الصيغ. الإجابة الوحيدة هو أنها تخبِّئ ورق الغش في كمِّها، سواء باستخدام أشرطة مرنة أو دونها، ولكن لا توجد في ملابس هذه الفتيات أكمام تمتد إلى ما بعد المِرْفقين. إذن، ماذا؟ أين؟ أم إنها كانت تُلقي مجرد نظرات خاطفة على ورقة أودونيل التي تجلس أمامها؟ أو ورقة توماس التي تجلس على يمينها؟

عاودت لوسي النظرَ في خطاباتها لحظةً أو اثنتين، وانتظرت. فجميع رائدات الفصول يعرفن هذا التكتيك. ورفعت نظرها في غير اهتمام إلى طالبات السنة النهائية بوجه عام، ثم عاودت النظر إلى خطاباتها. وعندما رفعت نظرها بعد ذلك كانت تصوِّب نظرها تجاه راوس مباشرة. كانت راوس مُنكبَّة على الورقة وفي يدها اليسرى منديل. ولكنه لم يكن من الممكن حتى أن تكتب مصطلحات مادة بحجم علم الأمراض على منديل، ولم يكن استخدام المنديل بهذه الطريقة أمرًا سهلًا؛ وعلى الجانب الآخر، فوجود مناديل داخل لايز ليس أمرًا معتادًا، وبالتأكيد لم يكن أحد غيرها يمسك بمنديل ويمسح أنفه به بين الفينة والفينة. أدركت لوسي أن مصدر المعلومات التي تحصل عليها راوس متعلِّق بيدها اليسرى. فمكتبها يقع في الخلف ناحية النافذة، بحيث يوجد الحائط على يسارها؛ ولا يمكن أن يلحظ أحد أي شيء تفعله بيدها اليسرى.

حسنًا، سألت لوسي نفسها، ماذا يفعل المرء في موقف كهذا؟

الذهاب إلى راوس التي تجلس في آخر الغرفة وطلب المنديل منها، فقط لتكتشف أنه ما هو إلا قطعة مربَّعة من القماش الأبيض مقاسها تسع بوصات في تسع بوصات، ومطرَّز على جانبه بإتقان الأحرف الأولى من اسم راوس، ونظيف كما هو متوقَّع من أي مغسلة حسنة السُّمعة؟

طلب المنديل والكشف عن فضيحة من شأنها أن تزلزل الصف النهائي مثل الإعصار في واحدة من أكثر اللحظات الحرِجة لهن؟

العمل على عدم إعطاء راوس الفرصةَ للاستفادة من هذا المصدر للمعلومات، مع عدم التفوُّه ببنت شفة؟

إن الحل الأخير هو الحل الأكثر منطقيةً بكل تأكيد. فراوس لم تستفِد كثيرًا من هذه الأداة حتى الآن؛ وسيكون من العدل التغاضي عن هذه المعلومات البسيطة التي حصلت عليها بالفعل.

تركت لوسي مكتبها ومضت في اتجاه نهاية الغرفة، حيث وقفت مستندةً على الحائط، على يمينها توماس وعلى يسارها راوس. توقفت توماس عن الكتابة هنيهةً ورفعت عينيها عن الورقة لتنظر إلى لوسي مع ابتسامة خاطفة. لكن راوس لم ترفع عينيها من الورقة. ولاحظت لوسي الدماء الساخنة تحوِّل عنق راوس الرملي اللون إلى اللون الأحمر الباهت. وبعد ذلك وضعت راوس المنديل — وما كانت ممسكة به في تلك اليد — في جيب سترتها.

حسنًا، لقد أحبطت محاولة الغش، لكنها لا تشعر بالرضا حيال ذلك. فقد أدركت للمرة الأولى أن ما كان يعد سلوكًا مشاغبًا ومستهجنًا في الصف الرابع هو سلوك كارثي في الاختبارات النهائية للصف النهائي. كانت سعيدة أن مَن فعل هذا هو راوس وليست أي طالبة أخرى. وفي الحال، عادت لوسي أدراجها إلى المكتب المرتفع، ولم ترَ — بحسبِ ما استطاعت أن ترى — راوس تحاول مجددًا الاستعانة بالورقة التي لديها. بل — على النقيض من ذلك — بدا واضحًا جدًّا أنها تواجه مشكلة كبيرة. وغضبت لوسي عندما وجدت نفسها تشفق عليها. نعم، تشفق عليها. تشفق على راوس. ففي النهاية، الفتاة قد بذلت جهدها. بذلت جهدًا كبيرًا جدًّا؛ إذا كانت التقارير صحيحة. فلم يكن الأمر أنها تتبع الطريقَ السهل لتدخر جهدًا. كلُّ ما في الأمر هو أن اكتساب المعرفة النظرية أمرٌ يصعب عليها، أمرٌ يكاد يكون مستحيلًا، وقد رضخت لهذا الإغراء في لحظة يأس.

جعلت وجهة النظر هذه لوسي تتقبل الأمر لدرجة كبيرة، وقضت الوقت المتبقي من الإشراف على الاختبار تخمِّن طبيعة ورقة الغش من دون أي انزعاج. كانت تعاود النظر إلى ورقة الأسئلة، وتفكر في الكم الهائل من المعلومات الموجودة بها، وتتساءل كيف تمكَّنت راوس من أن تبتكر شيئًا يساعدها ويكون غير مرئي في نفس الوقت. كانت تتُوق إلى أن تسألها.

التفسير الأوقع هو أن راوس كانت تخاف من موضوعين أو ثلاثة بالتحديد، وقد كتبت على قصاصة من الورق ما يساعدها في هذه الموضوعات.

كانت إينيس أولَ مَن يعيد ترتيب أوراقها ويربطها جميعًا من طرفها العلوي بالمشبك الموجود على المكتب. ألقت إينيس نظرةً على الصفحات وأصلحت بعضَ الأخطاء هنا وهناك، وبعد ذلك، وضعت الأوراق على مكتبها، وجلست لحظاتٍ تستمتع بجمال الحديقة، ثم وقفت بهدوء ومشت لتترك أوراقها على مكتب الآنسة بيم في مقدمة الغرفة.

انتحبت ديكرز: «أوه، كارثة! هل انتهى أحد من الامتحان؟ لا يزال أمامي سؤال ونصف بالضبط!»

قالت لوسي، قائمةً بواجبها: «هدوء يا ديكرز.»

فابتسمت لها ديكرز ابتسامةً عريضة وعادت إلى عملها الدءوب.

تبِعت إينيس مباشرةً كلٌّ من ستيوارت وبو ناش، وبعد فترة قصيرة بدأت رِزمة الورق أمام الآنسة بيم تتزايد. وعندما لم يتبقَّ سوى خمس دقائق من الوقت المخصَّص للاختبار لم يبقَ سوى ثلاث طالبات في قاعة الاختبار: توماس الويلزية الصغيرة الحجم السمراء البشرة، المعروف عنها أنها تنام أكثرَ من اللازم؛ لذا فهي لا تذاكر بجِد، وديكرز المتماسكة التي لا تزال تجيب بتركيز، وراوس غير السعيدة التي احمرَّ وجهها، والتي كان واضحًا أنها تجد صعوبةً بالغة في إجابة الاختبار. وعندما لم يتبقَّ سوى دقيقتين، لم يكن هناك سوى راوس؛ كانت تبدو مُرْتَبِكة ويائسة؛ تقلِّب الأوراق في عُجالة وتُجري بعض التعديلات، تحذف أجزاءً وتعدِّل وتضيف أجزاءً أخرى.

وضعت دقَّات الجرس القادمة من بعيد حدًّا لتردُّد راوس ولأي فرصة متبقية كانت لديها؛ وأصبح عليها أن تكتفي الآن بما استطاعت أن تكتبه. فلملمت أوراقها في عجالة، مدركةً أن دقات الجرس تعني أنه حان التوجُّه فورًا إلى صالة الألعاب الرياضية، وأن فروكن لن تقبل أن تعتبر هذا الاختبارَ مسوغًا للتأخير، فأحضرت الأوراق إلى لوسي على الفور. توقَّعت لوسي أن تتجنب راوس النظر في عينيها أو أن تُظهر أيَّ علامة على الإحراج أو الخجل. ولكن راوس فاجأتها بابتسامة صادقة وبتعليق أكثر صدقًا.

قالت راوس، وهي تتنفس الصُّعداء: «يا له من اختبار شديد الصعوبة!» وغادرت على عجل لتلحق بقريناتها.

فتحت لوسي ورقة الاختبار الخاصة براوس التي امتلأت بالعلامات والتعديلات وفحصتها، وإذا بشعور بالندم ينتابها. فقد اكتشفت أن ظنونها لم تكن سوى أوهام. ففي واقع الأمر، لم تكن راوس تغش. أو حتى إن كانت تغش فلم يكن ذلك ممنهجًا. فقد خطر على بال لوسي حينئذٍ أنه ربما تكون نظرة راوس السرِّية تلك نشأت من جرَّاء شعورها بالذنب لعدم كفاءتها في الاختبار؛ أو ربما، في أسوأ الأحوال، كانت محاولة لاختلاس نظرة إلى ورقة إحدى الطالبات المجاورات لها. أما الحُمرة التي كست رقبةَ راوس، فمن المحتمل أنها بسبب إدراكها أنها محطُّ اشتباه؛ إذ تذكَّرت لوسي بوضوحٍ أيامَ دراستها عندما كان مجرد معرفة احتمالية أن يُساء فهْم أحدِ أفعالها البريئة من شأنه أن يسبِّب لها شعورًا زائفًا بالذنب. حقًّا، كانت لوسي مَدينة لراوس بالاعتذار. وعقدت العزم على إيجاد طريقة للتقرب منها.

لملمت لوسي الأوراق بعناية، ورتَّبتها أبجديًّا كما تعوَّدت أن تفعل، وراجعت عددها ثم شرعت في حملها إلى الطابق العلوي حيث حجرة الآنسة لوكس، وهي تشعر بالسعادة؛ إذ لم تكن هي المسئولة عن تصحيحها. ونظرًا لعدم وجود أي شخص في الحجرة، تركت لوسي الأوراق على المكتب وتوقَّفت لحظة، وهي تتساءل في نفسها عن كيفية قضاء الساعة التي تسبق موعد الغداء. دارت في رأسها فكرة مشاهدة تدريب الجمباز، لكنها قرَّرت ألا تجعل العرض يصبح مألوفًا لها، ومن ثمَّ خاليًا من الإثارة، قبل يوم العرض الفعلي. فبعد أن أقنعت هنرييتا بالبقاء حتى يوم العرض — حقيقي أن هنرييتا لم تحتَج إلى الكثير من الإقناع — فهي لم تكن على استعداد بأن تفسد على نفسها هذه المتعة في ذلك اليوم بحضور الكثير من التدريبات قبل يوم العرض. عادت لوسي إلى الطابق الأسفل، وتباطأت عند بسطة الدَّرَج بجانب النافذة الطويلة … يا لبراعة معماري القرن الثامن عشر في فهم كيفية بناء المنازل؛ أما الآن فبسطات الدَّرَج لم تَعُد أماكنَ من الممكن التباطؤ بها، فما هي إلا رَدهات ضيقة خطِرة ومضاءة، إن كانت مضاءة أصلًا، بفتحة دائرية صغيرة تشبه فتحات الإضاءة في السفن؛ ومن هناك، وراء الفناء والجناح المقابل يمكنها رؤية أشجار الدردار في الحقول المؤدية إلى الجدول. ستذهب لتشاهد نبات الحوذان بعض الوقت. فلم تكن هناك طريقة أفضل لقضاء ساعة صيفية من التحديق في حقل من نبات الحوذان. لذا نزلت، ومشت على طول الجناح، ومن ثَم خرجت إلى الممر المغطَّى المؤدي إلى صالة الألعاب الرياضية؛ إذ كان الحوذان خلف صالة الألعاب الرياضية.

وبينما كانت تمضي في الممر المغطى، لفَت انتباهها شيء ملون في الحشائش المحيطة بالممر. في البداية ظنَّت أنها بَتلة وكانت على وشْك تجاهلها، ولكنها لاحظت أنها مربَّعة وأنها ليست بالتأكيد بَتلة. فعادت والتقطتها. كانت مجرَّد دفتر عناوين صغير الحجم لونه أحمر باهت. بدا أنه أحد إكسسوارات حقيبة يد؛ حقيبة يد من طراز قديم على الأرجح؛ إذ لم يَعُد هناك حقائب من الجلد كهذه أو حقائب مصنوعة بهذه الحِرفية. فتحت لوسي دفتر العناوين، في عدم اكتراث؛ إذ كانت تفكِّر في الطابع الأنثوي للحقيبة المفقودة بإكسسواراتها الصغيرة — كانت الإكسسوارات بالطبع زجاجةَ عطر صغيرة، وقلمًا ذهبيًّا، ومفكرة صغيرة من العاج لتدوين المواعيد — وقرأت إحدى صفحاتها المليئة بالكتابة بخط صغير جدًّا: «تغيُّرات تشريحية مَرضية مشابهة لتلك التي تسببها الإصابة. وجود الفايبرين في الغشاء الزليلي. الأنسجة المتأثرة بالفايبرين وطيات المحافظ المفصلية المتصلة بالعظم. الالتحام العظمي. الحُمَّى.»

لم يكن ذلك يعني أيَّ معلومات للوسي، لكن سببُ كتابته كان واضحًا. فقلبت الصفحة، لتجدها كلَّها تقريبًا مليئة بالمعلومات الموجزة نفسِها. وحتى الصفحة X — التي يخصِّصها المحتفظون بدفاتر العناوين لتدوين قياسات الستائر الجديدة، أو كتابة أحد خطابات معهد المرأة الريفية الثلاثاء القادم — فقد كُتبت فيها ملاحظات غامضة عن الأشعة. ما أذهل لوسي هو شمولية الملاحظات؛ التفكير المسبق. فلم يكن هذا المجهود هو نتاج ذعر اللحظات الأخيرة؛ بل هي معلومات كُتبت بهدوء أعصاب للتأمين ضد الفشل في الاختبار. فترتيب الملاحظات والأسلوب المُتَّبَع في تدوين المعلومات أوضح أن الملاحظات قد كُتبت أثناء مذاكرة كل مادة. ففي الحقيقة، كان الدفتر ذا حجم طبيعي، كان من الممكن اعتباره ملخصًا وافيًا لمادة لا أكثر. ولكن لن يختار أحدٌ دفترًا حجمه لا يزيد كثيرًا عن حجم طابع بريد جيد الحجم، بينما يسهُل شراءُ دفترٍ يمكن حمله أيضًا وذي حجم طبيعي ببضعة بنسات. فلا يوجد سوى تفسير واحد فقط لاستخدام دفتر بهذا الحجم بحيث يكون من الضروري الكتابة فيه باستخدام قلم رسم خرائط لجعل الملاحظات مقروءة.

فهمت لوسي جيدًا ماذا حدث. فقد أخرجت راوس منديلها أثناء ركضها. فلم يسبق لها قط أن وضعت الدفتر الصغير في جيبها، وكان ذهنها مشتتًا بين ورقة الاختبار التي لم تُبلِ فيها بلاءً حسنًا وبين خشيتها التأخُّر على تدريب الجمباز؛ لذا لم تكن منتبهةً حين أخرجت المنديل. ولذلك سقط الدفتر الصغير على الحشائش على حافة الممر.

واصلت لوسي السيرَ إلى ما وراء صالة الألعاب الرياضية وعبَرت البوابة ذات القضبان الخمسة المؤدية إلى الحقل، لكنها لم تكن منتبهة إلى الحوذان. أخذت تتمشَّى ببطء عبر الحقل نحو ظل أشجار الصفصاف والمياه الخضراء الساكنة. كانت متكئة على درابزين الجسر، تشاهد الأعشاب المتموجة والأسماك المندفعة من حين لآخر، وظلَّت تفكر في راوس. لم يكن يوجد اسم على الغلاف ولا أي وسيلة لتحديد الهوية داخل الدفتر نفسه بحسب ما ترى. في الوقت الحاضر، تدرس معظم المدارس الكتابة بالحروف المتصلة، وكذلك بالحروف المنفصلة؛ ومن السهل جدًّا التعرُّف بكاتب الحروف المتصلة مقارنةً بكاتب الحروف المنفصلة. يمكن بلا شك أن يتعرَّف خبير الخطوط بسهولة على هوية الكاتب، ولكن ما الغرض من ذلك؟ فليس ثمة دليل يشير إلى استخدام هذا الدفتر لهدف غير مشروع، ولا أي مؤشرات على كتابة هذه الملاحظات لنوايا شريرة، على الرغم من قوة هذا الافتراض. وإذا سلَّمت الدفتر إلى هنرييتا باعتباره من المفقودات، فماذا سيحدث؟ لن يأتي أحد لأخذه، وستواجه هنرييتا حقيقة أن إحدى طالبات السنة النهائية في مدرستها قد أعدَّت ملخصًا يمكن إخفاؤه بسهولة أثناء الاختبار.

إذا لم يُدلِ أحد بأي شيء عن الدفتر، فإن الشكوك ستراود راوس طَوال حياتها حول مصيره؛ عقوبةً لها. وشعرت لوسي أن مثل هذه العقوبة تناسب الجريمة تمامًا. ألقت لوسي مرة أخرى نظرة سريعة على صفحات الدفتر الصغيرة المصنوعة من ورق هندي دقيق، وتساءلت في نفسها مرة أخرى عن أناقة صُنع هذا الدفتر خلال العصر الإدواردي، وانحنت، وتركته ينزلق من قبضتها في المياه.

وأثناء عودتها إلى المنزل، فكَّرت لوسي فيما فعلته راوس في الاختبارات النهائية الأخرى. فعلم الأمراض، مثل علم الحركة وغيرها من الموضوعات الغامضة التي عكف معلمو التدريب البدني الطموحون على دراستها، لم يكن من السهل حفظه. كيف تعاملت راوس، التي تجد صعوبةً في المهام الكتابية، مع هذه المواضيع؟ هل كان الكتاب الجلدي الأحمر الصغير واحدًا فقط من بين خمسة أو ستة كتب متشابهة؟ هل يستثمر أحد في قلم رسم الخرائط من أجل مادة واحدة فقط؟ اعتقدت لوسي أنه يمكن شراء دفاتر عناوين صغيرة للغاية إذا بُحث عنها جيدًا، على الرغم من أنها قد لا تتطابق مع الجودة الرائعة أو الحجم الصغير للدفتر الأحمر. ربما كان امتلاكها لهذا الدفتر الأحمر الصغير هو الذي زرع في البداية فكرةَ التأمين ضد الفشل في ذهن راوس.

تذكَّرت لوسي أن نتائج الاختبارات السابقة ستُعرض على لوحة الإشعارات بالقرب من مدخل الطالبات، فبدلًا من المشي إلى مقدمة المبنى كما كانت تنوي، دخلت من باب الفناء. ثُبتت قوائم متعددة لطالبات السنوات الأولى على الجوخ الأخضر، بالإضافة إلى ثلاث قوائم لطالبات السنة النهائية. اطلعت لوسي على القوائم باهتمام شديد.

علم وظائف الأعضاء النهائي.
مرتبة الشرف
ماري إينيس ٩٣
المرتبة الأولى
فيلهلمينا هاسيلت ٨٧
باميلا ناش ٨٦
شينا ستيوارت ٨٢
بولين لوكاس ٧٩
جانيت جيدج ٧٩
باربرا راوس ٧٧
المرتبة الثانية
دوروثي ليتلجون ٧٤
بياتريس أبِليارد ٧١
جوان ديكرز ٦٩
إيلين أودونيل ٦٨
مارجريت كامبل ٦٧
روث وايمارك ٦٦
ليليان ماثيوز ٦٥

وبقية الطالبات اللائي حصلن على درجاتٍ أقل من هذه، حصلن فقط على درجات النجاح.

حسنًا، يبدو أن راوس قد نجحت بالكاد في تحقيق المرتبة الأولى بفارق درجتين.

وتفحَّصت لوسي القائمة التالية.

الفحوصات الطبية النهائية.
المرتبة الأولى
بولين لوكاس ٨٩
باميلا ناش ٨٩
ماري إينيس ٨٩
دوروثي ليتلجون ٨٧
روث وايمارك ٨٥
فيلهلمينا هاسيلت ٨٢
شينا ستيوارت ٨٠
ليليان ماثيوز ٧٩
باربرا راوس ٧٩
المرتبة الثانية
جيني بيرتون ٧٣
جانيت جيدج ٧٢
إيلين أودونيل ٧١
جوان ديكرز ٦٩

وبقية الطالبات حصلن فقط على درجات النجاح.

ومرةً أخرى نجحت راوس بالكاد في تحقيق المرتبة الأولى.

علم حركات الجسم النهائي.
مرتبة الشرف
ماري إينيس ٩٦
المرتبة الأولى
بولين لوكاس ٨٩
باميلا ناش ٨٨
شينا ستيوارت ٨٧
فيلهلمينا هاسيلت ٨٥
روث وايمارك ٨٠
جانيت جيدج ٧٩
جوان ديكرز ٧٨
باربرا راوس ٧٨

المرتبة الأولى مجددًا! ثلاث مرات في ثلاث محاولات. الفتاة التي تجد صعوبة في الأعمال الكتابية؟ أهذا دليل قوي على وجود المزيد من الدفاتر الصغيرة؟

أوه، حسنًا، نظرًا لأن اليوم هو يوم الجمعة، فإن غدًا هو نهاية الاختبارات، ومن غير المرجَّح أن تُحضِر راوس أي مساعدة خارجية في اختبار صباح الغد بعد التجربة التي حدثت هذا الصباح. فإن كانت قد أعدَّت دفترًا صغيرًا ليوم غد، فسيكون بلا جدوى.

وبينما كانت لوسي تتفحص القوائم (كان من دواعي سرورها أن ترى أن ديكرز حصلت على المرتبة الأولى في اختبارٍ واحد على الأقل)، وصلت الآنسة لوكس ومعها نتائج الاختبارات النهائية لليوم السابق.

قالت الآنسة لوكس: «أشكرك على إحضار أوراق اختبار علم الأمراض. وشكرًا على مراقبتك الاختبار. لقد ساعدني ذلك في الانتهاء من تصحيح هذا.»

وثبتت دبوس الرسم في اللوحة وتراجعت للخلف لتلقي نظرةً على القائمة.

علم التَّصَحُّح النهائي.
مرتبة الشرف
ماري إينيس ٩١
المرتبة الأولى
باميلا ناش ٨٨
فيلهلمينا هاسيلت ٨٧
شينا ستيوارت ٨٦
بولين لوكاس ٨١
باربرا راوس ٨١

قالت لوسي، قبل التفكير في كلماتها: «باربرا راوس، إحدى وثمانون.»

قالت الآنسة لوكس بهدوء: «نعم، مذهل حقًّا، أليس كذلك؟» وأردفت: «لكنها تعمل بلا كلل. إنها بارعة في الأعمال الجسدية؛ لدرجة أني أعتقد أنه يحبطها أن تحتل المرتبة الأخيرة في أي اختبار آخر.»

«يبدو أن إينيس تتصدر القوائم باستمرار.»

«أوه، إن إمكانات إينيس مهدرة هنا.»

«لماذا؟ فكلما زاد ذكاء الشخص في مهنته كان ذلك أفضل، أليس كذلك؟»

«بلى، ولكن مع ذكاء مثل ذكاء إينيس الاستثنائي، يمكن للشخص أن يتفوق في مساعيَ أكثر إثارةً من هذه. إن إمكاناتها مهدرة.»

قالت لوسي، بينما كانتا تبتعدان عن اللوحة: «لدي شعور بأن راوس لن تحصل على ٨١ في اختبار اليوم.»

«لماذا؟ هل واجهت صعوبات؟»

قالت لوسي: «كانت مرتبكة»، وتمنَّت ألا تبدو سعيدة للغاية. وأضافت: «يا لها من حياة مختلفة يعِشنها»، دقَّ جرس الخمس دقائق، واندفعت طالبات السنة النهائية من صالة الألعاب الرياضية، وخلعن ملابسهن على عجل، وأسرعن إلى الحمامات للاستحمام السريع قبل أن يدق الجرس التالي. أكملت لوسي: «عندما أفكِّر في مدى استرخاء سعينا وراء المعرفة. في الجامعة أقصد. إذا كان لدينا اختبار نهائي، فعادةً ما يكون باقي اليوم بشكل شبه أكيد ملكًا لنا للتعافي. أما هؤلاء الصغيرات، فقد أُدرجت الاختبارات في جدولهن الزمني.»

انبعث من الحمَّامات مزيج من الشتائم والفوضى. «أوه، دوني، أيتها البلهاء، كان ذلك الدش الخاص بي!» «مارك، أيتها الخرقاء، ابتعدي عن قدمي!» «أوه، لا ترتديها يا فتاة، فهذه الجوارب خاصة بي!» «يا إلهي، انظري إلى هذه البثور!» «اركلي لي حذائي يا جرين جيدج، فالأرض غارقة.» «هل يجب أن ترشي الماء البارد هكذا، أيتها الحمقاء!»

قالت الآنسة لوكس: «إنهن يستمتعن بذلك، كما تعلمين. في أعماقهن، يستمتعن بالاندفاع وعبء العمل المفرط. فهذا يعطيهن شعورًا بأهميتهن. فقلةٌ منهن سيكون لديهن سببٌ حقيقي للشعور بأهميتهن؛ لذا فإن وجود هذا الوهم أمرٌ مريح.»

قالت لوسي: «هل أنت من مدرسة المتشككين؟»

«لا، أنا عالمة نفس.» وأشارت برأسها إلى الطالبات وهن يبتعدن. «يبدو الأمر وكأنه شجار، أليس كذلك؟ يبدو الجميع يائسًا وغاضبًا. لكن الأمر كله مجرد تمثيل. ففي غضون خمس دقائق، ستجلس الفتيات مثل الأطفال المطيعات في غرفة الطعام، ولن توجد شعرة في غير مكانها.»

وهذا ما حدث بالفعل. عندما ذهبت هيئة التدريس إلى الطاولة العلوية بعد خمس دقائق، كانت الطالبات اللاتي كن يتدافعن في الحمَّام يقفن مذعنات خلف كراسيهن، كن هادئات ومُمشَّطات الشعر ومهندمات، وقد كان ذهنهن مشغولًا بالطعام. كن حقًّا مثل الأطفال. فمهما كانت الأحزان التي يحملنها، فسيجلب الغد مصادر تشتيت وتسلية جديدة تُنسيهن هذه الأحزان. وكان من السخف اعتبارهن بالغاتٍ مرهقات على وشْك الانهيار. فقد كن مثل الأطفال متقلبات المزاج، وكان حزنهن صاخبًا وصريحًا ولم يدُم طويلًا. على مدار الأيام الخمسة الماضية، منذ أن أظهرت فطيرة المكسرات هذه الفطنةَ الشديدة تحت شجرة الأرز بعد ظهر يوم السبت الماضي، ظلت لوسي تبحث عن أي علامة على الغرابة أو الخلل أو فقدان السيطرة، فماذا وجدت؟ مجرد خداع عادي جدًّا نُفِّذ بدقة؛ بصرف النظر عن تنظيمه الاستثنائي، كان غير استثنائي.

قالت هنرييتا، أثناء تقديمِ ما بدا أنها فطيرة من الجبن والخضراوات: «أليس هذا رائعًا، لدي وظيفة في ويلز للآنسة توماس الصغيرة. بالقرب من أبيريستويث. أنا مسرورة للغاية.»

قالت السيدة لوفيفر، بعد تفكير متأنٍّ: «تتمتع ويلز بجوٍّ يحفز على النوم»، مفسدةً فرحة هنرييتا بالكامل بالكلمات الخمس البسيطة هذه.

قالت الآنسة لوكس: «صحيح، مَن سيبقيها مستيقظة؟»

قالت راج: «لا يهم مَن سيبقيها مستيقظة؛ التحدي الحقيقي يكمُن فيمن سيوقظها في المقام الأول»، وهي تنظر نظرة شغوفة إلى الفطيرة. كانت راج قد أنهت للتو دراستها الجامعية؛ لذا فهي تمتلك شهية كبيرة، ولكنها تفتقر إلى القدرة على اتخاذ قرارات جيدة فيما يتعلق بالطعام.

ردَّت هنرييتا بنبرة قمعية: «ويلز هو وطنها، وأنا متأكدة من أنها ستعرف كيفية التعامل مع الأمر. وعلى أي حال، أشك أنها ستحقق نجاحًا كبيرًا خارج ويلز. فالويلزيون يفضلون تمامًا البقاء في موطنهم. لقد لاحظت كيف يميلون إلى الانجذاب مرة أخرى إلى منطقتهم. من الأفضل لهم البقاء هناك إذا أُتيحت لهم الفرصة. ولحسن الحظ، أُتيحت الفرصة فعلًا. وظيفة مدربة جمباز مبتدِئة لأطفال في الثالثة من العمر. هذا يناسب الآنسة توماس تمامًا. ولكنها للأسف تفتقر إلى روح المبادرة.»

سألت راج، وهي تلتهم الفطيرة بلهفة: «هل وظيفة الآنسة توماس هي الوظيفة الوحيدة الجديدة؟»

«لا، هناك وظيفة أخرى أردت إخباركن بها.»

آها، فكَّرت لوسي، أخيرًا موضوع أرلينجهيرست.

«تبحث لينج آبي عن فتاة لتكون مسئولة مسئوليةً كاملة عن الأطفال الأصغر سنًّا وتعلِّم جميع التلميذات الرقص أيضًا. أي إنه يجب أن يكون مستوى المدربة في الرقص عاليًا. أردت أن أعطي هذه الوظيفة للآنسة ديكرز؛ فهي ممتازة في التعامل مع الأطفال الصغار، لكني أردت سماع رأيك في مهاراتها في الرقص يا ماري.»

قالت السيدة: «إنها مثل البقرة.»

قالت راج: «ولكنها تجيد حقًّا التعامل مع الأطفال الصغار.»

ردَّت السيدة: «إنها مثلُ البقرة الثقيلة الوزن.»

أوضحت هنرييتا: «لا يهم أداؤها الشخصي. ما يهم هو قدرتها على إلهام الآخرين في الرقص. هل هي على دراية كافية بالرقص، هذا ما أعنيه؟»

«أوه، إنها بالتأكيد تعرف الفرق بين ثلاثة أرباع الوقت وأربعة أرباع الوقت.»

قالت راج: «رأيت ديكرز تعلِّم الأطفال الصغار في غرب لاربورو الرقصَ لمناسبة خاصة في عيد الميلاد الماضي، وكانت رائعة. كان من المفترض أن أقيِّم أداءها، لكنني كنت مذهولة جدًّا لدرجة أنني نسيت تدوين أي ملاحظات. أعتقد أنها ستكون مثالية لهذه الوظيفة.»

«حسنًا، ماري.»

قالت السيدة: «لا أفهم لماذا يهتم أحدٌ بذلك. الرقص في لينج آبي مخيفٌ على أي حال.»

على الرغم من طبيعتها السلبية، فقد بدا لهذا الهروب من المسئولية تأثير إيجابي على كلِّ من يهمه الأمر. وأصبح من الواضح أن ديكرز ستذهب إلى لينج آبي. وبما أن لينج آبي تعتبر مدرسة جيدة — إذا كان على المرء الذهاب إلى مدرسة — فقد شعرت لوسي بالسعادة من أجل ديكرز. نظرت لوسي عبر الغرفة وسمعت صوت ديكرز العالي بوضوح وسط الضوضاء، كانت ديكرز تؤكد رأيها في اختبار علم الأمراض. «لقد ذكرتِ أن المفصل أصبح لزجًا، يا عزيزتي، وأنا متأكدة من أن هذا ليس المصطلح الصحيح.»

سألت راج لاحقًا: «هل عليَّ أن أحذِّرهما يا آنسة هودج؟»

(تحذِّريهما؟)

«لا، الآنسة توماس فقط اليوم أعتقد. سوف أخبر الآنسة ديكرز غدًا. فمن الأفضل نشر البهجة على عدة أيام.»

عندما نهضت هيئة التدريس من طاولتها وغادرت، خاطبت راج الطالبات اللاتي وقفن بأدبٍ في صمت مؤقت وقالت: «الآنسة هودج ستلتقي الآنسة توماس في مكتبها بعد الغداء.»

بدا الأمر وكأنه إعلان مألوف؛ إذ انطلقت الثرثرة المتحمسة على الفور تقريبًا، حتى قبل أن تصل هيئة التدريس إلى الباب. «وظيفة يا تومي!» «مبروك يا تومي!» «أحسنتِ يا توماس.» «أدعم الويلزيين!» «أتمنى أن يكون الراتب ١٠٠٠ في السنة.» «أليس هذا حظًّا وفيرًا!» «في صحتك يا تومي!»

ولم يذكر أحد أرلينجهيرست حتى الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤