خاتمة

لقد قدمتُ حُججي على أنَّ القرآن ظاهرة حية. ولا بد لأي تأويل إنساني للقرآن أن يأخذ هذه الظاهرة الحية بعين الاعتبار، وأن يكفَّ عن اختزال القرآن والتعامل معه بصفته نصًّا فحسب. لقد كان القرآن نتيجةَ الحوار والجدال والحجاج والقبول والرفض. فهذا البُعد الأفقي التواصلي الإنساني يكمُن في «بنية» القرآن لا خارجها. وتنبع الدعوة إلى تبني «نظرة جديدة للقرآن» من هذا البُعد التواصلي. وهي دعوة في غاية الأهمية للمسلمين عمومًا، وللمسلمين الذين يعيشون في أوروبا خصوصًا. ولا تقتصر الحجج التي قدَّمتها على أهمية استمرار هذه العملية فحسب، بل تمتد إلى أهمية تطويرها نحو تشكيل منهجيةٍ بناءة للمسلمين، أينما كانوا، تمكِّنهم من الاندماج بفاعلية في صياغة «معنى الحياة» في العالم الذي يعيشون فيه، إضافةً إلى تنمية البُعد الروحاني والأخلاقي الذي ينطوي عليه تراثهم.

فأيُّ المعنيين سيسود؛ التآلف أم العزلة؟ هل المسلمون مستعدون لتبني نظرة جديدة للقرآن أم لا؟ هل من الممكن أن نفكِّر في الخيارات المفتوحة التي يتيحها لنا الخطاب القرآني ونعيد النظر في المعنى الثابت الذي يطرحه علينا العلماء التقليديون؟ بعبارة أخرى، إلى أيِّ مدًى سيتطور إصلاح الفكر الإسلامي؟ إنَّ هذا السؤال يستوجب أن نستدعي إلى مناقشتنا العلاقةَ بين الغرب والعالم الإسلامي. كيف تؤثِّر هذه العلاقة في الكيفية التي يعمل بها المسلمون على تبني «نظرة جديدة» تجاه تراثهم لتحديث حيواتهم دون التخلي عن قوَّتهم الروحانية، لا سيما في ضوء المشروع الاستعماري لأمريكا؟ يؤسفني أنَّ الإجابة ليست إيجابية لا سيما مع السياسة الاستعمارية الجديدة لأمريكا. فكلٌّ من المشروع الأمريكي الاستعماري والإمبريالي الجديد، وبناء مناطق منعزلة في الشرق الأوسط، ستؤيد على الأرجح — من بين جميع الخطابات الموجودة في الفكر الإسلامي المعاصر — الخطابَ الأكثر إقصائية وتشجيعًا على العزلة. إنَّ هذه المشاريع الاستعمارية لا تترك للأشخاص أيَّ خيار آخر سوى التكيف مع تأويل الإسلام بصفته أيديولوجية للمقاومة: تأويل الباكستاني المودودي الذي يقسِّم العالَم إلى خَصمين، وهو تأويل ينعكس صداه في الكتاب الذي ألَّفه هنتنجتون بعنوان «صراع الحضارات». علينا إذَن أن ننتبه وأن نحرص على توحيد جهودنا لمكافحة كلا الزعمَين وتبِعاتهما بجميع الطرق الديمقراطية الممكنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤