كلمة ختامية

وبعدُ، فهذا هو مُوجزٌ عن رِفاعة الرَّجُل، بل البطل. قضَى حياته في العمل، والعمل النافع، وظلَّ على نشاطه ودَأَبه على الإنتاج حتى أوْفَى على الخامسة والسبعين فنالتْ منه الشيخوخة ونالَ منه المرض، فأُصِيبَ بالتهابٍ في المثانة ولبِثَ يُعالَج منه مدَّةً حتى حان الحين ووافَى الأجَل المَحتوم، فأسلم الروح إلى بارئها، وكان ذلك في أول ربيع الثاني سنة ١٢٩٠ﻫ/٢٩ مايو سنة ١٨٧٣م فاهتَزَّت مصر كلها لموته، ونشر ابنه علي بك فهمي رِفاعة نَعيَه في العدد السابع من السنة الرابعة من مجلة روضة المدارس، قال: «إنه ليُحزِنني أن أنقِل من عدَد الوقائع المصرية الأخير ما كتَبَه حضرة مُحرِّرها الأستاذ الشهير١ إيذانًا بوفاةِ والدي رِفاعة بك رافع طابَ ثراه، وجعل الجنَّة مُتَقلَّبه ومثواه. وحيث كانت دموع الأسف على فقْدِه شاغلةً لي عن القيام بحقوقه الواجبة عليَّ من بعده، فليس في وسعي الآن إلَّا الدعاء له بالرحمة والرضوان.»

ولست أجِد أخيرًا وصفًا لجنازته وما أصاب الناس من ألَمٍ لوفاته خيرًا من قول أستاذنا الجليل أحمد أمين بك في خاتمة مقالاته عن رفاعة، قال:

«… اهتزت مصر لموته (أي رفاعة)، واحتشد لتشييع جنازته الألوف المؤلفة من رجال المعارف والأُمراء والنُّبَلاء وتلاميذ المدارس، وازدحمتِ الشوارع بالناس يردُّون بعض جَميله: يذكُره الأزهريُّون على أنه ابنهم، والمُتعلِّمون المدنيُّون على أنه أبوهم، والجالية الفرنسية على أنه أخوهم، والمصريون كلُّهم على أنه مُؤسِّس نهْضتِهم. وكلهم يتوجَّع لفقْدِه ويُشِيد بذكره. وسار المَشهد من منزله بالمَهمشا حتى إذا قارَب المدينة كان ينتظره شيخ الأزهر وعلماؤه وطلبته، فاشتركوا في تشييع الجنازة، ووُضِع النعْش في القِبلة الجديدة، ولا يكون ذلك إلا لعظيم، وأخذ الأفاضل في رثائه بالقصائد والخُطب، ثم حُمِل إلى «بستان العلماء» حيث طُويتْ صحيفتُه، وبقِيَتْ آثاره خالدة تَعظُم وتتزايد وتتوالَد. رحِمَه الله فقد صنع لأُمَّتِه كثيرًا …»

أجل، رحِم الله رِفاعة رحمةً واسعةً فقد صنع لأمته كثيرًا …

١  هو صديق رفاعة ومواطنه الشيخ أحمد عبد الرحيم الطهطاوي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤