سر الدلافين المضيئة!

عاد «عثمان» سريعًا إلى الفيلا … وبعد حوالي ثلث الساعة … كان بقية الشياطين الواقفين في الماء يتقهقرون … في الوقت الذي لبس فيه «عثمان» و«ريما» و«إلهام» و«خالد» ملابس الغوص … وتوغَّلوا في الماء من منطقة بعيدة عن أعين أو أسماع الأشباح.

وبعد حوالي ربع الساعة عادت الأشباح للحركة مرةً أخرى … وكان فريق «عثمان» يرقبهم عن بُعد … دقائق وتحوَّل سيرهم إلى سباحة، وعلا في صمت الليل صوت ضرب أذرعهم وسيقانهم للماء … ويبدو أنهم في طريقهم إلى مركب تقف على مسافة قريبة في انتظارهم.

كان الشياطين في أثرهم … غير أن السباحة طالت دون أن يظهر للمركب أثر، وطفت فوق الماء فقاقيع هواء كبيرة … اختفى بعدها الأشباح الثلاثة … فعرف الشياطين أنهم الآن يغوصون للأعماق فغاصوا خلفهم … واستخدموا ما لديهم من كشافات ضوئية تعمل تحت الماء … وبعد أقل من ثلث الساعة … ظهر في قاع البحر جسم معدني كبير … هل هذا معقول؟

هل يمكن لهذه العصابة أن تمتلك غواصة؟ أم إنها ليست عصابة؟

وهؤلاء الأشباح هم عملاء لمخابرات دولة معادية؟

وأن تهريب هذه الأسلحة ليس للاتجار … بل لتنفيذ عمليات تفجير إرهابية وتخريبية على أرض هذا الوطن الآمن.

التدخُّل الآن لا يجوز … فما لديهم من أسلحة لا يصلح للتعامل مع قوات نظامية ذات قدرات تسليحية حربية … بل إن قدراتهم التسليحية تصلح للاشتباك مع أفراد أو أعضاء في عصابة.

ولكن كيف دخلت هذه الغواصة مياهنا الإقليمية دون أن تدري بها قوات حرس الحدود؟

هل لديهم تقنيات أعلى من قدراتنا على الرصد؟! إنه أمر مخيف … وقد يكون تهريب الرءوس المفجِّرة التي تنقص الأجزاء المهرَّبة من قبل … في باطن هذه الغواصة … وإن شكوك المنظمة في شركة الشحن اليونانية وفي المركب الذي تحرَّك من «نابولي» ليست في محلها …

إن الأمر يحتاج الآن إلى رقم «صفر» … ولكن هل هناك وقت للخروج من الماء … والاتصال به؟

بالطبع هم ليس أمامهم الآن إلا المحاولة … وفي إشارة مفهومة لهم … أعطاهم «عثمان» الأمر بالعودة …

فانزلقوا عائدين إلى أن خرجوا من الماء … فوجدوا زملاءهم ينتظرونهم وفي عيونهم تساؤلات كثيرة.

ولم ينطق أحد منهم بسؤال إلى أن عادوا إلى الفيلا … وقبل أن يعبروا بوابتها قال لهم «عثمان»: هناك غواصة في مياهنا الإقليمية.

بُهت الأصدقاء جميعًا وقالوا في دهشة: غواصة؟!

خالد: لم نعرف كيف نتصرَّف …

أحمد: هذه الأمور تحتاج لرقم «صفر» بالطبع …

إلهام: هذا ما دار بخلَدنا ولهذا عدنا.

عثمان: فلنتصل برقم «صفر» ونبلغه الأمر.

ريما: وهل تُراهم سينتظروننا حتى نبلغه. إنهم الآن في عرض البحر …

أحمد: يجب إبلاغ رقم «صفر» أولًا وبعد ذلك نتناقش.

وفي رسالة عاجلة أرسلها عبر ساعته … قال «أحمد»: «هناك غواصة في مياهنا الإقليمية … على ساحل «بلطيم».»

ما إن تلقَّى رقم «صفر» الرسالة … اتصل ﺑ «أحمد» وقال له: أنا في الطريق إليكم … انتظروني خلال دقائق …

وبالفعل لم تمضِ أكثر من عشر دقائق عندما بدأ اجتماعه بهم بقوله: من الذي رأى الغواصة؟

أجابه كلٌّ من «عثمان» و«إلهام» و«ريما» و«خالد».

فقال يسألهم: ألم يكن الظلام حالكًا؟

ابتسم «عثمان» في دهشة وهو يقول: يا زعيم كانت لدينا كشافات.

قال رقم «صفر» موضِّحًا: هذا ما قصدته … إن انعكاس ضوء الكشافات على الماء في هذا الظلام … يخلق مسطَّحًا وهميًّا لامعًا وكأنه جسم معدني.

إلهام: لم يكن كذلك يا زعيم … بل كانت تغطِّيه الطحالب الخضراء والصفراء.

رقم «صفر»: هل رآكم أحد منهم؟

خالد: لا لم يحدث …

رقم «صفر»: وكيف عرفت … ألَا تقول إنها غواصة؟

خالد: لقد كانوا منشغلين برجالهم.

رقم «صفر»: أنت تخمِّن هذا … ولكنك لست واثقًا من أنها الحقيقة.

ريما: لم يرَونا يا زعيم؛ بدليل أن الغواصة لم تتحرَّك حتى غادرنا المكان … ولم يهاجمنا أحد منهم، ولو رأونا لهاجمونا.

رقم «صفر»: هذا يعني أن تهريب الرءوس المتفجِّرة المكمِّلة لشِحنة الصواريخ المفكَّكة قد تمَّ تهريبها إلى داخل البلاد.

أحمد: أو سيتم تهريبها.

رقم «صفر»: تقصد أنهم لم يتمكَّنوا بعد؟

أحمد: نعم …

رقم «صفر»: أنا أرى أيضًا ذلك …

قيس: لقد رأى أحد رجال المنظمة رجلًا أشقر يحوم حول مخازن جبل «النرجس».

رقم «صفر»: يحوم فقط؟

قيس: نعم …

رقم «صفر»: إذن فهم يعاينون المنطقة …

إلهام: ولكن كيف دخلوا مياهنا الإقليمية يا زعيم دون أن تكتشفهم أجهزتنا.

رقم «صفر»: هذا ما سنعرفه.

وأخيرًا حدَّد «بو عمير» المهمة التالية بقوله: ألن نستكشف القاع لمعرفة هل هي بعدُ موجودة أم رحلت؟

رقم «صفر»: هذا ما أقوم به الآن.

تملَّكت «ريما» الدهشة وقالت تسأله: كيف يا زعيم؟

رقم «صفر»: عن طريق التليفون المحمول والقمر الصناعي.

زبيدة: إننا في حاجة إلى تليفون متطوِّر مثل ما معك يا زعيم …

رقم «صفر»: سيحدث قريبًا … أمَّا ما حدث فعلًا فهو مغادرة الغواصة لمياهنا تمامًا …

أحمد: كيف عرفت يا زعيم؟

رقم «صفر»: لم يرصدها القمر الصناعي.

أحمد: لقد اتصلت بمركز معلومات المقر … وعرفت أن إحدى الدول المتقدِّمة توصَّلت إلى صنع غواصة شبح مثل الطائرة الشبح … لا يمكن رصدها …

رقم «صفر»: هل تقصد أن تكون هذه الغواصة؟

أحمد: نعم …

رقم «صفر»: إذن فمن يريد تهريب الأسلحة إلى داخل بلادنا؟ ومن يريد زرع الإرهاب؟ هي دولة، ودولة متقدِّمة … ألَا تقصد ذلك؟

أحمد: أو جماعات إرهابية استطاعت الحصول على هذه التقنية.

رقم «صفر»: قد يكون ذلك … وعلينا الآن تأمين أنفسنا جيدًا.

عثمان: لماذا لا نهاجم المخازن المرصودة والمعروف مكانها …

رقم «صفر»: ليس الآن … فهم حتى الآن لا يعرفون أننا وراءهم … ويتصرَّفون بأمان تام، وهذه ميزة لنا.

ومرةً أخرى عاد «بو عمير» لمطلبه الأخير قائلًا: ألَا ترى أهميةً لمسح القاع والبحث عن الغواصة يا زعيم؟

رقم «صفر»: هل ستقومون به أنتم؟

وعنهم أجاب «أحمد» قائلًا: نعم يا زعيم …

رقم «صفر»: ولو أنني أظن أنكم لن تجدوا شيئًا …

سأترك لكم مولِّد إشارات … إن وجدتم الغواصة كما تقولون، فألصقوه بها … فسيمكن لقمرنا رصدها عن طريقه.

كان الظلام قد انتصف … وافترشت النجوم السماء … أمَّا على الأرض … على الشاطئ، فقد كان الظلام حالكًا … والسواد داكنًا … فالرمل أسود والمياه …

وكما قال «عثمان»: الأبكم الأصم هنا لا يرى حياة؛ لأنه لن يسمع صوت هذا الموج المتلاطم … وفحيح الريح التي تمسح سطح الماء فتصدر صوتًا مخيفًا … إنه لن يرى إلا هذا السواد … لن يرى إلا … وتوقَّف «عثمان» عن الكلام لبرهة … ثم همس في أذن «أحمد» قائلًا: «أحمد» ألَا ترى ما أراه؟

نظر «أحمد» على مرمى بصره فلم يرَ إلا ظلامًا، فقال له: إنه الظلام يا «عثمان» …

توترت عضلات «عثمان» … وقطع الطريقَ عليه ليقف ممسكًا بذقنه ليدير وجهه إلى اتجاه ما يقول له: هناك يا «أحمد» … هناك … ألَا ترى ما أراه؟

فتح «أحمد» عينَيه مرةً أخرى فرأى ما أدهشه … وعلَّق قائلًا في جملة ممطوطة: إنه دولفين …

عثمان: لقد كانا اثنَين …

كان «أحمد» لا يزال معلِّقًا عينَيه على الدولفين فقال له: وأين ذهب الآخر؟

عثمان: لقد انسحب إلى الماء مرةً أخرى.

أحمد: كيف نراهما في هذا الظلام الحالك؟

عثمان: إنها ذات أجساد مضيئة …

أحمد: لم أعرف أو أرَ دولفينًا ذا جسد مضيء من قبل!

عثمان: إمَّا أنها مطلية بمادة فسفورية تضيء في الظلام … أو أنها معدَّلة جينيًّا …

أحمد: معك حق … فقد رأيت فئرانًا مضيئة في أحد معامل الهندسة الوراثية في مركز بحوث المنظمة.

كانت «إلهام» قد اقتربت منهما ومعها «ريما»، فانتقل «عثمان» إليها بالحديث قائلًا: «إلهام» تقصد الدلافين المضيئة؟

عثمان: نعم …

تدخَّل «أحمد» محاولًا تفسير ما رأوه قائلًا: إنها تخص أحد مراكز البحث العلمي.

إلهام: ليس في «بلطيم» بالطبع.

وهنا تدخَّلت «ريما» قائلة: ولا في «مصر» كلها.

عثمان: إذن كيف أتت إلى «مصر»؟

ريما: سباحة …

ضحك الزملاء … وفي جدية قال «عثمان»: هل ستأتي سباحةً من «أوروبا» إلى هنا؟

جلست «إلهام» القرفصاء وهي ترى الدولفين يتشمَّم المكان ثم يزحف ليتشمَّم ما بعده … وبجوارها جلس «أحمد» وهو يقول: إنه يبحث عن شيء …

لحق بهما «عثمان» وهو غير مصدِّق لِمَا يراه … وقال: أتُراه يبحث عن طعام؟

استندت «ريما» على «إلهام» وهي تجلس بجوارها … وأجابته قائلة: الدلافين ليس لها طعام على البر …

راجع «عثمان» نفسه فيما قاله … فقد أعطى الفرصة ﻟ «ريما» أن تصحِّح له معلوماته … وكعادته حيث يُثار … أطلق صاروخًا غيَّر مجرى الحديث بقوله: هذه الدلافين مدرَّبة للأغراض العسكرية … وإذا كانت الغواصة التي رأيناها لا يمكن رصدها لأنها نتاج تكنولوجيا فائقة … فهذه الدلافين تتبعها … لأنها أيضًا نتاج بحث علمي متطور جدًّا ومكلِّف للغاية.

ابتسم «أحمد» رضاءً عن النتيجة التي وصل إليها «عثمان»، وعلَّق قائلًا: كنت أنتظر أن يفهمها «عثمان» وحده …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤