سادسًا: خاتمة
إن الدراسات المستقبلة ليست مجرد حسابات كمية لإمكانيات المستقبل والتخطيط لحياة أفضل تقوم على تنبؤ أكبر بالقدرة على استغلال الموارد، بل هي رؤية تقوم على تصور للزمان وعلى فلسفة في التاريخ. لم تنشأ في فراغ ولكنها ارتبطت بالحضارة الغربية في تاريخها الطويل خاصة في دورتها الثانية الحالية التي شارفت على الانتهاء والتي بدأت منذ أكثر من خمسة قرون. لا يمكن نقلها وتقليدها والتبشير بها والنسج على منوالها والدعاية لها والإعجاب بها في كل حضارة، لدينا أو لدى غيرنا دون تأصيل لها، وقيامها على احتياجات فعلية، ومناهج محلية. إذ لا يمكن قيام دراسات مستقبلية دون إحساس بالزمان والتاريخ والتقدم. كما لا يمكن أن تكون تعويضًا عن أزمات العصر ودواء مسكنًا لاحتياجاته الملحة. إن التحول من الماضي والاتجاه نحو المستقبل في وعينا القومي، والوعي بتجارب الآخرين في نشأة الدراسات المستقبلية من خلال فلسفة التاريخ أي التحول عن الماضي واكتشاف مفهوم التقدم، وكذلك الوعي بالمرحلة التاريخية التي يعيشها جيلنا اليوم، والعلم بالحالة الراهنة للوعي الأوروبي وأزمته، كل ذلك هي الشروط المؤهلة لنشأة الدراسات المستقبلية لدينا تأصيلًا ووعيًا وإبداعًا.