الفصل الثاني عشر

الاستدلال المباشر والتعادل بين القضايا

ننتقل الآن إلى باب آخر من أبواب التعادل بين «القضايا» التقليدية الأربع في المنطق الأرسطي، لنرى مقدار ما فيه من صواب وخطأ في ضوء التحليل المنطقي الحديث، وللتعادل بين «القضايا» صور مختلفة، هي:

(١) العكس

العكس في القضية هو أن يتغير وضع حديها، بحيث تجيء القضية الجديدة صادقة ما دام أصلها الذي عكسناه صادقًا؛ فإذا عكسنا وضع الحدين في قضية صادقة لنحصل على قضية أخرى صادقة، فنحن بمثابة من استدل قضية من قضية أخرى استدلالًا مباشرًا؛ إذ إن تعريف الاستدلال المباشر هو استدلال قضية من قضية واحدة أخرى.١
فلو كان أمامنا قضية موضوعها «أ» ومحمولها «ب»، فالعكس هو أن نجعل «ب» موضوعًا و«أ» محمولًا، بحيث لا تتغير ظروف الصدق؛ ولكي يجيء العكس صحيحًا، تراعى في عملية العكس قاعدتان:
  • (١)

    يجب أن يتفق العكس مع الأصل في الكيف، فإن كانت القضية الأصلية موجبة، جاء العكس موجبًا؛ وإن كانت القضية الأصلية سالبة، جاء العكس سالبًا.

  • (٢)

    يجب ألا يستغرق في العكس حد ما لم يكن مستغرقًا في الأصل.

وتطبيقًا لهاتين القاعدتين على «القضايا» التقليدية الأربع، نجد أن:
  • (أ)

    القضية الموجبة الكلية «كل أ هي ب» لا يجوز عكسها إلى «كل ب هي أ» لأن ذلك يجافي القاعدة الثانية؛ إذ إن «ب» لم تكن مستغرقة في القضية الأصلية، وأصبحت مستغرقة في العكس، فإذا أردنا أن نتلافى ذلك جعلنا العكس موجبة جزئية: «بعض ب هي أ» وبذلك نحافظ على القاعدتين معًا.

    ذلك ما يقوله المنطق التقليدي في عكس القضية الموجبة الكلية، وهو قول خاطئ في ضوء التحليل الحديث لطبيعة العبارة الكلية والعبارة الجزئية؛ فقد أوضحنا لك في الفصلين السابقين أن العبارة الكلية مثل «كل أ هي ب» عبارة شرطية لا تفيد الوجود الفعلي لأفراد الفئة «أ»، وكل ما نقوله هو أنه «إذا وجدنا فردًا من أفراد الفئة «أ» فهذا الفرد يكون ب» وأما العبارة الجزئية مثل «بعض أ هي ب» فتفيد الوجود الفعلي لفرد واحد على الأقل من أفراد فئة «أ» ولما كان من غير الجائز أن نستدل الوجود من عدم الوجود، كان من الخطأ أن نستدل عبارة جزئية تثبت وجود فرد ما، من عبارة كلية لا تثبت وجود أي فرد من الأفراد، وإذن فليس لدينا ما يبرر أن نستدل من عبارة «كل أ هي ب» التي لم تعترف بوجود فعلي لأي فرد من فئة «أ» أو من فئة «ب»، عبارة «بعض ب هي أ» التي تعترف بوجود فرد على الأقل من أفراد فئة «ب».

  • (ب)

    والقضية الموجبة الجزئية «بعض أ هي ب» يجوز عكسها إلى قضية موجبة جزئية دون أن نجاوز القاعدتين المذكورتين، فتصبح «بعض ب هي أ».

    ذلك ما يقوله المنطق التقليدي وما يتفق أيضًا مع التحليل الحديث، لأن القضية الأصلية تعترف بوجود فرد واحد على الأقل من فئة «أ» وأن ذلك الفرد نفسه عضو أيضًا في فئة «ب»؛ فإذا ما قلنا عن هذا الفرد إنه من فئة «ب» وداخل أيضًا في فئة «أ» لم نغير من الأمر شيئًا؛ فإذا وضعنا ذلك في صور رمزية رياضية، قلنا إن:

    أ × ب = ب × أ

  • (جـ)

    وكذلك القضية السالبة الكلية، مثل «لا أ هي ب» يجوز عكسها إلى قضية سالبة كلية دون أن يجاوز قاعدتي العكس المذكورتين، فتصبح «لا ب هي أ».

    وذلك أيضًا قول صحيح في ضوء التحليل الحديث، لأن القضية الأصلية عبارة شرطية معناها: إذا وجد فرد من أفراد فئة «أ» فذلك الفرد لا يكون عضوًا في فئة «ب»، والعكس الذي انتهينا إليه هو أيضًا عبارة شرطية معناها: إذا وجد فرد من أفراد فئة «ب» فذلك الفرد لا يكون عضوًا في فئة «أ» أي إن الأصل والنتيجة كلاهما شرطي لا يفيد الوجود الفعلي؛ وربما كانت الصورة الرمزية أوضح أداءً لما نريد.

    فالصورة الرمزية للعبارة الأصلية هي:

    أ × ب = صفر

    والصورة الرمزية للعبارة الجديدة هي:

    ب × أ = صفر

    وواضح أن أ × ب = ب × أ (قانون تبادل الحدود).

  • (د)

    وأما القضية السالبة الجزئية «بعض أ ليس ب» فلا تعكس لأن القاعدة الأولى تحتم أن يجيء العكس سالبًا كالأصل، وما دام كذلك فمحموله سيكون مستغرقًا، لأن محمول القضية السالبة مستغرق، لكنه لم يكن مستغرقًا في الأصل لأن الأصل قضية جزئية غير مستغرقة الموضوع.

    وذلك ما يتفق أيضًا مع التحليل الحديث، لأن العبارة الأصلية معناها: هناك فرد واحد على الأقل من فئة «أ» لا يدخل عضوًا بين أعضاء فئة «ب»؛ وإذن فلو صادفنا أي عضو من أعضاء فئة «ب» فلن يكون هو الفرد الذي صادفناه من فئة «أ».

من ذلك كله يتبين أن التعادل بين القضايا في حالة العكس لا يتوافر إلا في حالتين: الموجبة الجزئية وعكسها، والسالبة الكلية وعكسها.

(٢) نقض المحمول

هو إحدى عمليات الاستدلال المباشر، نحتفظ فيه للقضية الأصلية بموضوعها كما هو، لكننا نجعل المحمول في القضية الجديدة هو نقيض المحمول في القضية الأصلية، وإنما تتوافر سلامة الاستدلال في هذه الحالة بتغيير الكيف في القضية الأصلية، فإن كان موجبًا جعلناه سالبًا، وإن كان سالبًا جعلناه موجبًا، لكننا نحتفظ بكم القضية الأصلية.

  • (أ)
    فمن القضية الموجبة الكلية «كل أ هي ب» نستدل القضية السالبة الكلية «لا أ هي ب » [ب = «لا − ب»].
  • (ب)

    ومن القضية الموجبة الجزئية «بعض أ هي ب» نستدل القضية السالبة الجزئية «بعض أ ليس ب».

  • (جـ)
    ومن القضية السالبة الكلية «لا أ هي ب» نستدل القضية الموجبة الكلية «كل أ هي ب ».
  • (د)
    ومن القضية السالبة الجزئية «بعض أ ليس ب» نستدل القضية الموجبة الجزئية «بعض أ هي ب ».

وعلى ذلك فبواسطة نقض محمول القضية وتغيير كيفها نحصل على المعادلات الآتية بين «القضايا».

  • (أ)
    كل أ هي ب = لا أ هي ب .
  • (ب)
    بعض أ هي ب = بعض أ ليس ب .
  • (جـ)
    لا أ هي ب = كل أ هي ب .
  • (د)

    بعض أ ليس ب = بعض أ هي ب.

والتعادل صحيح في الحالات الأربع كلها، ولو استخدمنا الصيغ الرمزية التي صورنا بها «القضايا» التقليدية الأربع،٢ لازداد الأمر وضوحًا، لأن المعادلات السابقة ستكون كما يأتي:
  • (أ)
    الشطر الأيمن رمزه أ ~ ب = صفر.
    والشطر الأيسر رمزه أ ~ ب = صفر.
  • (ب)
    الشطر الأيمن رمزه أ ب صفر.
    والشطر الأيسر رمزه أ ب صفر.
  • (جـ)

    الشطر الأيمن رمزه أ ب = صفر.

    والشطر الأيسر رمزه أ ~ ب = صفر.
  • (د)
    الشطر الأيمن رمزه أ ~ ب صفر.
    والشطر الأيسر رمزه أ ~ ب صفر.

(٣) عكس النقيض

وهو إحدى عمليات الاستدلال المباشر، نستدل به قضية من قضية أخرى بحيث يكون موضوع القضية الجديدة هو نقيض المحمول في القضية الأصلية؛ وأما موضوع القضية الأصلية الذي سيصبح محمولًا في القضية الجديدة فإما أن يترك كما هو أو ينقض في القضية الجديدة.

وإذن فهنالك إحدى حالتين لعكس النقيض، فلو كانت القضية الأصلية هي «أ − ب» [أي موضوعها «أ» ومحمولها «ب»] فإما أن يكون عكس النقيض لها هو:

١: «ب − أ» ويسمى في هذه الحالة عكس النقيض المخالف (أو) ٢: «ب − أ » ويسمى في هذه الحالة عكس النقيض الموافق وقاعدة التحويل بالنسبة للحالة الأولى، هي أن تنقض المحمول في القضية الأصلية ثم تعكس القضية الناشئة عكسًا مستويًا.

وقاعدة التحويل بالنسبة للحالة الثانية، هي أن تنقض المحمول في القضية الأصلية ثم تعكس القضية الناشئة عكسًا مستويًا، ثم تعود فتنقض المحمول في القضية الأخيرة.

  • (أ)

    ففي الموجبة الكلية: «كل أ هي ب»:

    • (١)
      تنقض محمولها فتكون «لا أ هي ب »
    • (٢)
      تعكس (١) عكسًا مستويًا فتكون: «لا ب هي أ» وبذلك تحصل على النقيض المخالف للقضية الأصلية.
    • (٣)
      ثم تنقض (٢) فتكون: «كل ب هي أ » وبذلك تحصل على النقيض الموافق للقضية الأصلية.
  • (ب)
    وفي الموجبة الجزئية «بعض أ هي ب »:
    • (١)
      تنقض محمولها فتكون: «بعض أ ليس ب »
    • (٢)

      وما دامت (١) سالبة جزئية لا عكس لها، إذن فلا يكون لنا بذلك نقيض مخالف للقضية الأصلية.

    • (٣)

      وما دام النقيض المخالفة مستحيلًا، فإن النقيض الموافق مستحيل أيضًا، لأننا نحصل عليه بواسطة النقيض المخالف.

  • (جـ)

    وفي السالبة الكلية «لا أ هي ب»:

    • (١)
      ننقض محمولها فتكون: «كل أ هي ب »
    • (٢)
      ثم نعكس (١) فتكون: «بعض ب هي أ» وبذلك نحصل على النقيض المخالف للقضية الأصلية.
    • (٣)
      ثم ننقض المحمول في (٢) فتكون: «بعض ب ليس أ » وبذلك نحصل على النقيض الموافق للقضية الأصلية.

    هذا ما يقوله المنطق التقليدي في هذه الحالة، لكننا قد رأينا في مواضع عدة مما أسلفناه، أن استنتاج العبارة الجزئية الموجبة من العبارة الكلية الموجبة غير جائز، وإذن فلا يجوز هنا أن نحصل على (٢) وبالتالي لا نحصل على (٣) لأنها مستمدة من (٢).

  • (د)

    وفي السالبة الجزئية «بعض أ ليس ب»:

    • (١)
      ننقض محمولها فتكون: «بعض أ هي ب »
    • (٢)
      ثم نعكس (١) فتكون: «بعض ب هي أ» وبذلك نحصل على النقيض المخالف للقضية الأصلية.
    • (٣)
      ثم ننقض المحمول في (٢) فتكون: «بعض ب ليس أ » وبذلك نحصل على النقيض الموافق للقضية الأصلية.

ومن ذلك ترى أن بين «القضايا» الآتية تعادلا:

(أ) كل أ هي ب = لا أ هي ب = لا ب هي أ = كل ب هي أ
(د) بعض أ ليس ب = بعض أ هي ب = بعض ب هي أ = بعض ب ليس أ

وأما في حالتي (ب) و(ﺟ) فلا تعادل بهذه الصورة [لاحظ أن المنطق التقليدي يخرج حالة (ب) وحدها].

(٤) نقض الموضوع

هو إحدى عمليات الاستدلال المباشر للقضية من قضية أخرى، بحيث يكون موضوع القضية الجديدة هو نقيض الموضوع في القضية الأصلية؛ وأما محمول القضية الأصلية فقد يظل كما هو في القضية الجديدة، أو ينقض في القضية الجديدة، وفي هذه الحالة الثانية تسمى العملية بعملية الاستدلال بواسطة نقض الموضوع والمحمول معًا.

مرادنا — إذن — هو أن نستدل من عبارة موضوعها «أ» عبارة أخرى موضوعها «أ »؛ ولن يتيسر ذلك إلا إذا سرنا في خطوات نستخدم فيها عمليتي العكس المستوي ونقض المحمول [راجع (١) و(٢)] حتى نحصل على «أ » موضوعًا للنتيجة.
وخير طريقة لمعالجة هذا هي طريقة التجارب على الحالات المختلفة٣ فنتناول «القضايا» الأربع التقليدية واحدة بعد واحدة؛ ونسير بها في طريقين على التوالي: نسير بها أولًا من عملية العكس إلى عملية نقض المحمول ثم العكس ونسير بها ثانيًا من عملية نقض المحمول إلى عملية العكس ثم إلى نقض المحمول سنجرب كل هذه التجارب لنرى أيها يوصل إلى النتيجة المرادة.
  • (١)

    السير بالقضايا في الطريق الأول:

    • (أ)

      القضية الموجبة الكلية: «كل أ هي ب».

      عكسها يكون: «بعض ب هي أ».

      نقض المحمول في هذه ينتج: «بعض ب ليس أ ».
      ها قد حصلنا على «أ » محمولًا لقضية، لكننا نريدها موضوعًا؛ ولا يكون ذلك إلا بالعكس؛ ولما كانت القضية التي انتهينا إليها قضية سالبة جزئية لا تعكس، فلا يمكن الوصول إلى النتيجة المرادة.

      هذا ما يقوله «كينز» في هذه الحالة؛ لكننا — تطبيقًا لما قلناه في مواضع سابقة من استحالة استدلال جزئية من كلية — نقول إن الطريق هنا مسدود منذ الخطوة الأولى، إذ من عبارة «كل أ هي ب» لا يجوز استدلال «بعض ب هي أ».

    • (ب)

      القضية الموجبة الجزئية: «بعض أ هي ب».

      عكسها يكون: «بعض ب هي أ».

      ثم بنقض المحمول في العكس ينتج: «بعض ب ليس أ ».
      وها هنا حصلنا على «أ » محمولًا، لكننا نريدها موضوعًا، ولا يتم لنا ذلك إلا بعكس هذه القضية الأخيرة، لكن عكسها غير ممكن لأنها سالبة جزئية، وبذلك ينسد أمامنا الطريق.
    • (جـ)

      القضية السالبة الكلية: «لا أ هي ب».

      عكسها يكون: «لا ب هي أ».

      ثم بنقض المحمول في العكس ينتج: «كل ب هي أ».

      وعكس هذه الأخيرة ينتج: «بعض أ هي ب».

      وهي النتيجة المرادة، وإذن فهذا طريق موصل لما نبغي — في نظر «كينز» — لكننا نرى غير ذلك، إذ نرى أن استدلال الموجبة الجزئية «بعض أ هي ب» من الموجبة الكلية «كل ب هي أ » غير جائز كما أسلفنا القول في هذا الشأن.
    • (د)

      القضية السالبة الجزئية: «بعض أ ليس ب».

      ولا عكس لها، وإذن فطريق الاستدلال مسدود من بدايته.

      إذن فالتماس الطريق الأول: طريق العكس أولًا فنقض المحمول ثانيًا فالعكس مرة أخرى ثالثًا؛ لم يؤد بنا إلى النتيجة المنشودة إلا في حالة واحدة في رأي «كينز»، وهي الحالة التي تكون القضية فيها سالبة كلية؛ وحتى هذه الحالة الواحدة في رأينا لا تؤدي إلى النتيجة المنشودة.

  • (٢)

    وننتقل الآن إلى الطريق الثاني: طريق نقض المحمول أولًا فالعكس ثانيًا فنقض المحمول مرة أخرى ثالثًا؛ وسنتناول «القضايا» التقليدية الأربع واحدة بعد واحدة:

    • (أ)

      القضية الموجبة الكلية: «كل أ هي ب».

      بنقض محملها ينتج: «لا أ هي ب».

      وبعكس هذه ينتج: «لا ب هي أ».
      وبنقض المحمول في هذه الأخيرة ينتج «كل ب هي أ ».
      وإذن فبالعكس ينتج: «بعض أ هي ب ».

      وهي النتيجة المنشودة، وإذن فالطريق هنا مؤدٍّ إلى الاستدلال المطلوب في رأي «كينز» لكنه في رأينا لا يجوز استدلال الموجبة الجزئية في الخطوة الأخيرة، من الموجبة الكلية في الخطوة السابقة لها.

    • (ب)

      القضية الموجبة الجزئية: «بعض أ هي ب».

      بنقض محمولها ينتج: «بعض أ ليس ب ».

      وهذه لا عكس لها، لأنها سالبة جزئية، وإذن فالسير في الاستدلال غير ممكن.

    • (جـ)

      القضية السالبة الكلية: «لا أ هي ب».

      بنقض محمولها ينتج: «كل أ هي ب ».

      وبعكس هذه الأخيرة ينتج: «بعض ب هي أ».

      وبنقض محمول هذه ينتج: «بعض ب ليس أ».

      وهذه لا عكس لها، لأنها سالبة جزئية، وإذن فلم يعد ممكنًا أن نحصل على «أ » موضوعًا كما نريد.
      وعندنا أن طريق السير قد بلغ غايته قبل ذلك بخطوتين، إذ لا يجوز من الخطوة الثانية التي هي «كل أ هي ب » أن نستدل ما بعدها «بعض ب هي أ».
    • (د)

      القضية السالبة الجزئية: «بعض أ ليس ب».

      بنقض محمولها ينتج: «بعض أ هي ب ».
      بالعكس ينتج: «بعض ب هي أ».
      وبنقض المحمول في هذه ينتج: «بعض ب ليس أ ».

      وها هنا لا يمكن العكس بحيث نجعل «أ» موضوعًا كما نريد.

والخلاصة هي أن استدلال قضية من قضية أخرى استدلالًا مباشرًا، بحيث نجعل موضوع القضية الأصلية منقوضًا في النتيجة، ممكن في حالتين عند «كينز» وهما: (١) حالة القضية السالبة الكلية إذا بدأنا خطوات سيرنا بعكس القضية الأصلية ثم عقبنا على ذلك بنقض محمول العكس، ثم أتبعنا ذلك بعكس يجعل المحمول المنقوض موضوعنا؛ (٢) وحالة القضية الموجبة الكلية إذا بدأنا خطوات سيرنا بنقض محمول القضية الأصلية، ثم عقبنا على ذلك بعكس القضية المنقوضة المحمول، ثم أتبعنا ذلك بنقض وعكس آخرين.

وأما في ضوء التحليل المنطقي الحديث الذي لا يجيز استدلال الموجبة الجزئية من الموجبة الكلية، فالاستدلال المباشر بنقض موضوع القضية الأصلية مستحيل في جميع الحالات.

(٥) معادلات القضايا في المنطق الرمزي

سنختار فيما يلي طائفة من النظريات الخاصة بالتعادل بين القضايا، وإذا احتاج الأمر في نظرية منها إلى إقامة البرهان على صحتها، فسترى أن البرهان قائم على التعريفات الثلاثة والمصادرات الستة التي قدمناها في معادلات الحدود،٤ لأن المنطق الرمزي (أو الرياضي) قائم كله على تلك التعريفات والمصادرات، ولما كان الشبه قويًّا بين معادلات الحدود ومعادلات القضايا، فسترى أن النظريات التي سنذكرها هنا خاصة بالقضايا وما بينها من تعادل شبيهة بالنظريات التي ذكرناها في الفصل السابع خاصة بمعادلات الحدود؛ وسترى كذلك أن أنواع التعادل بين القضايا التي ذكرها المنطق التقليدي في باقي «تقابل القضايا» و«الاستدلال المباشر» — وقدمناها لك في هذا الفصل وفي الفصل السابق — إن هي إلا جزء يسير جدًّا مما عساه أن يقوم بين القضايا من المعادلات.
(نظرية ١) ق ك ~ ⋅ ≡ ⋅ (~ ق ~ ⋅ ك)

وتقرأ هكذا: قولنا: إنه إما أن تكون القضية «ق» صادقة أو تكون القضية «ك» صادقة، مطابق لقولنا «إنه من الكذب أن يقال إن قضيتي «ق» و«ك» كاذبتان معًا».

[راجع تعريف ٢ في الفصل العاشر]
(نظرية ٢) ق ق ⋅ ≡ ⋅ ق

وتقرأ هكذا: قولنا «إن القضية «ق» صادقة، والقضة «ق» صادقة» مطابق لقولنا مرة واحدة «إن القضية «ق» صادقة».

[راجع مصادرة ١ في الفصل العاشر]
(نظرية ٣) ق ك ⋅ ≡ ⋅ ك ق

وتقرأ هكذا: قولنا «إن قضيتي «ق» و«ك» صادقتان» مطابق لقولنا «إن قضيتي «ك» و«ق» صادقتان».

[راجع مصادرة ٢ في الفصل العاشر]
(نظرية ٤) ق ك ≡ ⋅: ق ك ك ق

وتقرأ هكذا: قولنا «إن قضية «ق» مساوية لقضية «ك» مطابق لقولنا: إن قضية «ق» تستلزم قضية «ك» وقضية «ك» قضية «ق».»

[راجع نظرية ١ في الفصل العاشر]
(نظرية ٥) ق ~ ق = صفر

وتقرأ هكذا: من الكذب أن يقال عن أية قضية «ق» إنها صادقة وكاذبة في وقت واحد.

وقد تكتب صيغة هذه النظرية هكذا: ~~ ق)
(نظرية ٦) ~~ ك) ⋅ ≡ ⋅ ق ك

وتقرأ هكذا: إذا قيل عن قضيتين «ق» و«ك» إنه من الكذب أن يجتمع صدق «ق» وكذب «ك» في وقت واحد، فإن ذلك يطابق قولنا إن القضية «ق» تلزم عنها القضية «ك».

وقد تكتب الصيغة الرمزية لهذا الكلام نفسه هكذا:

~ ك = صفر) ق ك

أي إن استحالة الجمع بين صدق «ق» وكذب «ك» مطابق لكون «ق» يلزم عنها «ك».

وهذه النظرية هامة في تحديد معنى اللزوم، لزوم قضية عن أخرى.

[راجع نظرية ٤ في الفصل العاشر]
(نظرية ٧) ق ~ ≡ ك ~ ⋅ ≡ ⋅ ق ك

وتقرأ هكذا: إذا كانت القضية «ق» مطابقة لنفي القضية «ك» كان ذلك مساويًا لقولنا إن نفي القضية «ق» مطابق للقضية «ك».

(نظرية ٨) ~ (~ ق ك) ⋅ ≡ ⋅ ق ك

وتقرأ هكذا: قولنا: من الكذب أن نقول إنه إما أن تكون القضية «ق» كاذبة أو تكون القضية «ك» كاذبة، مطابق لقولنا «إن القضيتين «ق» و«ك» صادقتين معًا».

[راجع نظرية ٥ في الفصل العاشر]
(نظرية ٩) (ق ك) ~ ⋅ ≡ ⋅ ق ~ ∨ ك
[راجع نظرية ٦ في الفصل العاشر]
(نظرية ١٠) ق ك ك م: ⋅ ⊂ ق م
[راجع نظرية ٧ في الفصل العاشر]
(نظرية ١١) ق ك ~ ⋅ ≡ ⋅ ك ~ ⊂ ق
[راجع نظرية ٨ في الفصل العاشر]
(نظرية ١٢) ق ~ ⊂ ك ⋅ ≡ ⋅ ك ~ ⊂ ق
(نظرية ١٣) ~ ق ك ~ ⋅ ≡ ⋅ ك ق
(نظرية ١٤) ق ك م ك ق: : ق ك ⋅ ⊂ ⋅ م ق
(نظرية ١٥) ق م ك ق: : ق ك ⋅ ⊂ ⋅ م ق
وهكذا تستطيع أن تمضي في سلسلة طويلة من معادلات القضايا،٥ يساعدك على ذلك هذا التصور الجبري للموضوع؛ فقارن ذلك بما حدد المنطق التقليدي نفسه به حين عالج موضوع التعادل بين القضايا في قسمي «تقابل القضايا» والاستدلال المباشر تعلم كم أعان المنطق الرياضي على توسيع نطاق الفكرة إلى مدى بعيد.
١  Keynes, J. N., Formal Logic، ص١٢٦.
٢  الموجبة الكلية صورتها الرمزية هي أ ~ ب = صفر.
والموجبة الجزئية صورتها الرمزية أ ب صفر.
والسالبة الكلية صورتها الرمزية هي أ ب = صفر.
والسالبة الجزئية صورتها الرمزية هي أ ~ ب صفر.
٣  راجع Keynes, J. N., Formal Logic، ص١٣٧-١٣٨.
٤  راجع الفصل العاشر.
٥  راجع في ذلك: Lewis, C. I., & Langford, C. H., Symbolic Logic، ف٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥