الفصل الخامس

الألفاظ البنائية والقضية المُركَّبة

من ألفاظ اللغة ما نسمي به شيئًا ما، مثل: قط، كلب، فرنسا، النيل، ومنها ما لا نسمي به شيئًا قط في عالَم الأشياء، لكننا نستخدمه في بناء العبارة الكلامية، مثل: ليس، أو، لكن، إذا … فليس بين الأشياء شيء مُعيَّن اسمه «ليس» أو شيء مُعيَّن اسمه «أو» بالمعنى الذي نقول به إن هناك شيئًا اسمه «قط»، وشيئًا اسمه «فرنسا»؛ فلو قلت مثلًا عبارة كهذه: «الكتاب والقلم في الحقيبة» فإني ألاحظ أن عالَم الأشياء الذي أُصوِّره بهذه العبارة، يحتوي على ثلاثة أشياء، سمَّيتُها في العبارة بثلاثة أسماء: كتاب، قلم، حقيبة، لكن ليس هناك شيء رابع اسمه «و» وشيء خامس اسمه «في» — فهذه الألفاظ وأمثالها تستخدم كالملاط في البناء؛ أما «في» فتدل على العلاقة الكائنة بين شيئَين يجوز لهما أن يشتركا معًا في قضية بسيطة واحدة، وأما «و» — شأنها شأن «ليس» و«أو» و«إذا» — فلها أهمية أخرى في المنطق، لأنها تربط قضايا بعضها ببعض، ولا نقتصر على ربط الحدود داخل قضية واحدة، وذلك أن العلاقات نوعان: نوع يدل على علاقات عنصرية، وآخر يدل على علاقات منطقية؛ أما الأول فهو الذي يربط عناصر القضية الواحدة، مثل كلمة «عَلَى» في قضية «الطائر على الشجرة»؛ وأما الثاني فهو الذي يربط قضية بسيطة مع قضية بسيطة أخرى، ليجعل منهما قضية مُركَّبة.

فالقضية المركبة هي التي يمكن تحليلها إلى قضيتين (أو أكثر) من القضايا البسيطة؛ وتختلف صورة بناء القضية المركبة باختلاف الطريقة التي ارتبطت بها القضايا البسيطة التي تدخل في تركيبها، وإنما تختلف طريقة الربط بين الأجزاء باختلاف الأداة الرابطة، أعني باختلاف اللفظة البنائية التي نستخدمها لتربط الأجزاء في مُركَّب واحد.

والذي يجعل للألفاظ البنائية أهمية خاصة في المنطق، هو أنها — فوق كونها أدوات تبني القضايا البسيطة في مركَّب واحد — تدلُّ بذاتها على بعض النتائج، من حيث حكمنا بالصدق أو بالكذب؛ فمثلًا لو كنت أعلم أن القضية البسيطة «ق» صادقة، ثم أرى بناءً مركبًا مثل إذا كانت «ق» كانت «ك»، فإن طريقة البناء تدلني بذاتها على أن «ك» صادقة أيضًا.

وفيما يلي عرض لأهم الألفاظ البنائية، وما يترتَّب على استخدامها في القضايا المركَّبة.

(١) العطف

قد ترتبط قضيتان بسيطتان بأداة عطف مثل «و» أو غيرها، فقضيتان مثل:

٢ عدد صحيح.

٢ أصغر من ٣.

ترتبطان بواو العطف فتصبحان قضية مركَّبة واحدة، وهي:

٢ عدد صحيح و٢ أصغر من ٣.

فإذا استخدمنا الرمزَين ق، ك لنرمز بهما إلى قضيتَين بسيطتَين، وإذا استخدمنا النقطة لتدلَّ على العطف واستخدمنا هذه العلامة ~ لتدلَّ على النفي، كانت الصور المختلفة التي يمكن بها عطف ق، ك ونفيهما، وهي:
(١) ق ك، (٢) ق ~ ⋅ ك، (٣) ~ ق، ك، (٤) ~ ق ~ ⋅ ك

ويُقال عن المركب العطفي إنه مساوٍ من الوجهة المنطقية للعناصر التي يتركب منها إذا أمكننا أن نستنتج من العناصر المعطوفة كيف يكون الحكم على النتيجة، وأن نستنتج من النتيجة كيف يكون الحكم على العناصر المعطوفة.

فالقضية المركبة «ق ك» تُعد مساوية منطقيًّا لعنصريها «ق» و«ك» في حالة واحدة فقط وهي الحالة التي يمكن فيها أن نحكم بأن:
ق ك تلزم عنها ق.
ق ك تلزم عنها ك.
«ق» و«ك» تلزم عنهما ق ك.١
وذلك لأن «تقريرنا لقضية مركبة بالعطف من قضيتَين بسيطتين، هو بمثابة إقرار منا بأن كلا الشقَّين صواب، فلو كان ذلك مطابقًا لواقع الحال، كانت القضية المركَّبة صادقة، أما إذا كذبت إحدى القضيتين البسيطتين على الأقل، فالمركَّب كله يصبح كاذبًا».٢

وفيما يلي قائمة توضِّح كل حالات الصدق والكذب المُمكِنة:

قائمة الصدق والكذب في المركَّب العطفي.
ق ك ق ك
صادقة صادقة صادقة
صادقة كاذبة كاذبة
كاذبة صادقة كاذبة
كاذبة كاذبة كاذبة

ومن ذلك يتبين أن القضية المركبة بأداة العطف، لا تصدق إلا في حالة واحدة، وهي الحالة التي تصدق فيها القضايا المعطوفة جميعًا.

(٢) إذا؛ (إذَن) …

قد ترتبط قضيتان بسيطتان ق، ك بأداء الشرط «إذا» بحيث إذا صدقت القضية البسيطة الأولى ق، لزم بالضرورة عن صدقها صدق القضية البسيطة الأخرى ك دون أن يكون هنالك إقرار من القائل بأن القضية الأولى صادقة فعلًا؛ ويطلق على القضية الأولى اسم المُقدَّم وعلى القضية الثانية اسم التالي.

والحالة الوحيدة التي تُعتبر فيها القضية المركَّبة الشرطية كاذبة، هي حين يكون المقدَّم صادقًا والتالي كاذبًا، لأن صدقي التالي لازم بالضرورة عن صدق المقدَّم، وإذَن فهنالك حالات ثلاث تعتبر فيها القضية المركبة الشرطية صادقة، وهي:
  • (١)

    حين يكون المُقدَّم والتالي صادقين معًا.

  • (٢)

    حين يكون التالي صادقًا والمقدم كاذبًا.

  • (٣)

    حين يكون المقدم والتالي كاذبين معًا.

ويرمز للعلاقة بين المقدم والتالي بهذا الرمز «»، فإذا قلنا «أ ب» كان معناها: إذا كانت أ كانت ب.

ونزيد ذلك إيضاحًا بالقائمة التالية:

قائمة الصدق والكذب في القضية الشرطية.
المقدم ق التالي ك القضية المركبة الشرطية ق ك
صادقة صادقة صادقة
صادقة كاذبة كاذبة
كاذبة صادقة صادقة
كاذبة كاذبة صادقة

ترى من هذه القائمة أن المركب الشرطي لا يكون كاذبًا إلا في حالة واحدة، هي التي يصدق فيها المقدم ويكذب التالي؛ ويتبع ذلك أنك إذا سلمت بصدق مركب شرطي، ثم سلمت في الوقت نفسه بصدق المقدم فيه، أصبح حتمًا عليك أن تسلم أيضًا بصدق تاليه؛ وكذلك إذا سلمت بصدق مركب شرطي، ثم سلمت في الوقت نفسه بكذب التالي فيه، أصبح حتمًا عليك أن تسلم أيضًا بكذب مُقدَّمه.

ومما يجمل بنا ذكره في هذا الموضع، أن ثمة اختلافًا في طريقة استعمال الصورة الشرطية للقضية المركبة، بين المنطق ولغة الحديث الجارية بين الناس؛ ففي لغة الحديث الجارية لا تنظر بعين الرضا إلى قضية شرطية، إلا إذا كان هنالك شيء من الارتباط في المعنى بين المقدم والتالي، فلا يجوز مثلًا أن نقول عبارة كهذه: «إذا كانت ٣ عددًا فرديًّا كانت نيويورك مدينة كبيرة.»

أما المناطقة — والمعاصرون منهم بصفة خاصة — فقد أجمعوا الآن بغية الدقة والتوضيح في تحديد استعمال هذه الأداة الهامة «إذا … إذَن …» أن يوسِّعوا من استعمالها بحيث يقبلونها حتى إذا لم تكُن هنالك رابطة إطلاقًا في المعنى بين المقدم والتالي؛ «وجعلوا صدق المركب الشرطي أو كذبه متوقِّفًا كلَّ التوقُّف على صدق أو كذب المقدم والتالي فحسب»٣ ولذا فهم يفرِّقون بين «اللزوم المادي» الذي يتوقَّف على المعنى، و«اللزوم الصوري» الذي يهتم بالشكل الصوري وحده؛ ويلاحظ أن «اللزوم الصوري» أشمَل وأوسَع من «اللزوم المادي»؛ إذ إن كل قضية مركبة شرطية فيها «لزوم مادي» بين مقدمها وتاليها، يكون فيها كذلك «لزوم صوري» لكن العكس غير صحيح.

(٣) ذكر البدائل «أما … أو …»

وكذلك يمكن تكوين القضية المركبة من قضيتين «أو أكثر» بسيطتين ق، ك، بربطهما بأداة البدائل: «إما ق أو ك»، وتكتب بالرموز هكذا: «ق ك».
وقد كان المناطقة على خلاف بينهم في الحكم بالصدق أو بالكذب على البدائل التي تتركَّب منها القضية المركبة، فرأيٌ يقول إن بين البديلين عنادًا فلا يمكن أن يصدقا معًا، فإذا كانت ق صادقة كذبت ك، وإذا كانت ك صادقة كذبت ق، ومن المدافعين عن هذا الرأي «برادلي» فهو يقول: «إن البديلين بينهما عناد تام»٤ فهما لا يصدقان معًا في آنٍ واحد وكذلك لا يكذبان معًا في آنٍ واحد؛ ورأي آخَر يقول بإمكان صدق البدائل معًا، ومن القائلين به «جِفَنْز»٥ وكذلك «ألفرد تارسكي»٦ معبرًا عن رأي المناطقة المعاصرين.

«فمعنى» «إما … أو …» هو «أحد البديلين على الأقل صادق»، ويحتمل أن يكون البديلان صادقَين معًا؛ وها هنا أيضًا اختلاف بين الاستعمال في اللغة الجارية والاستعمال في المنطق (كالذي أسلفنا ذكره في «إذا … إذَن») فلغة الحديث الجارية تجعل صدق أحد الطرفين يقتضي كذب الطرف الآخَر، فإذا طلب ولد من والده أن يعطيه جنيهًا وأن يشتري له كتابًا، ثم أجابه أبوه بقوله: «لا، فإما أن أعطيك جنيهًا أو أشتري لك الكتاب.» فهمَ السامعون معنى عبارته على أن حدوث أحد البديلين يقتضي غياب البديل الآخَر.

ولكن لما كانت هنالك حالات لا يستحيل فيها الجمع بين البديلين، كقولنا عن شخص ما إنه إما أن يكون مدرسًا في الكلية أو طالبًا بها؛ إذ يُحتمَل أن يكون مدرسًا وطالبًا معًا، وكقولنا عن التفاح في السلة: إنه إما ذو عطب أو به دود؛ إذ يُحتمَل أن تتحقَّق الصفتان معًا في تفاحة واحدة … لما كانت هنالك أمثال هذه الحالات التي لا يستعمل فيها الجمع بين البديلين، كانت قاعدة المنطق أن يكون معنى «إما … أو …» دائمًا هو أن أحد الطرفين على الأقل صحيح، وقد يصدق معه كذلك الطرف الآخَر.

وعلى هذا الاعتبار، فالقضية المركَّبة ذات البديلين (أو أكثر) لا تكون كاذبة إلا في حالة واحدة من حالاتٍ أربع مُمكِنة؛ فهي تكذب لو كان الشقان كاذبَين معًا، أما إذا صدَقَا معًا أو صدَقَ أحدهما، فالمركَّب باعتباره قضية واحدة يكون صادقًا، ونوضح هذا بالقائمة الآتية:

قائمة الصدق والكذب في قضية البدائل.
ق ك ق ك
صادقة صادقة صادقة
صادقة كاذبة صادقة
كاذبة صادقة صادقة
كاذبة كاذبة كاذبة

ويترتَّب على ذلك أنك إذا سلَّمتَ بأن مركَّب البدائل صادق، ثم سلَّمتَ بأن أحد البديلين كاذب، لزمَ أن تسلِّم بصدق البديل الآخَر، أما إذا سلَّمتَ بصدق المركَّب، ثم سلَّمتَ كذلك بأن أحد البديلين صادق؛ فليس في وسعك أن تحكم على البديل الآخَر بصدق أو كذب، لأن كلتا الحالتين محتملة الصدق.

وما قُلناه في حالة التركيب الشرطي بأداة «إذا … إذَن …» من حيث اختلاف الاستعمال المألوف في لغة الحديث الجارية، والاستعمال المقبول في المنطق، نقول مثله في حالة التركيب بالبدائل؛ ذلك أن لغة الحديث الجارية تفرض وجود رابطة في المعنى بين البديلَين؛ فلا يجوز مثلًا أن نقول: «إما أن تكون ٢ × ٢ = ٤ أو تكون نيويورك مدينة كبيرة»؛ أما عند المنطق الرياضي فالتركيب مقبول ما دامت الصورة قائمة، لا بل يكون التركيب صادقًا ما دام أحد الشطرَين على الأقل صادقًا، بغض النظر عمَّا يكون أو لا يكون بين الشطرَين من ارتباط في المعنى.

وكذلك من أوجه الاختلاف بين الاستعمال المألوف في لغة الحديث، والاستعمال في المنطق، أن الأول لا يُجيز للمتكلِّم أن يستخدم تركيب البدائل إلا إذا كان يعلم أن أحد الشقَّين صحيح، لكنه لا يعلم أيهما هو الصحيح، فلا يجوز — مثلًا — أن ينظر شخصٌ إلى حقلٍ ويقول: إنه إما أخضر أو أزرق، لأنه يعلم أنه أخضر؛ ولو قال لنا صديقٌ سألناه عن موعد سفره: سأسافر إما اليوم أو غدًا، ثم علمنا فيما بعد أنه حين قال ذلك كان يعلم أنه مسافر غدًا، حسبناه كاذبًا؛ غير أن هاتين الحالتين وأمثالهما ممَّا يقبله المنطق، ما دمنا قد حدَّدنا «إما … أو …» بمعنى منطقي واحد، وهو: أحد البديلَين على الأقل صادق (وقد يصدقان معًا).٧
إن الحقائق الواقعة في دنيا الأشياء لا تتغيَّر بقولنا: «أو»؛ فإذا قال قائل: («س» أو «ص») فهناك واقعة واحدة في العالَم الخارجي هي «س» وحدها أو هي «ص» وحدها، أو هناك الواقعتان معًا، وما قول القائل عن الواقعة بأنها (س أو ص) إلا تعبير عن تردُّده هو، لا عن اختلاف في الواقع، فالمنطق يختلف عن علم النفس في النظر «إما … أو …» — «ففي المنطق لا يَعنينا إلا ما يجعل العبارة صادقة أو كاذبة، أما في علم النفس فتهمُّنا كذلك الحالة العقلية التي يكون عليها الشخص حين ينطق بعبارةٍ يعبِّر فيها عن رأيٍ له، في المنطق قولنا: «ق» يلزم عنه «إما ق أو ك» (إذ يكفي أن نعلم أن «ق» وحدها صادقة، لنُدخلها في عبارة فيها بدائل، وتظل عبارة البدائل صادقة، ما دام معنى البدائل في المنطق هو أن أحد البدائل على الأقل صادق) أما في علم النفس فالحالة العقلية عند الشخص الذي يقرِّر «ق» تختلف عن الحالة العقلية عند شخص يقول: «إما ق أو ك» إلا إذا كان هذا الشخص عالِمًا من علماء المنطق؛ هَبْ أن سائلًا سألني: «في أي وقت ذهبتَ إلى لندن؟» وأجبته: «الثلاثاء أو الأربعاء، لكني لا أذكر أيهما.» ففي هذه الحالة لو كنتُ أعلم أنني فعلًا قد ذهبتُ يوم الثلاثاء، فلن أجيب بقولي «الثلاثاء أو الأربعاء» على الرغم من أني إذا أجبتُ بهذا الجواب فهو جواب صادق (منطقيًّا)».٨
يلاحظ أن «و» التي هي أداة العطف، و«أو» التي هي أداة البدائل، بينهما نوع من العلاقة يستحق الذكر، وذلك أني إذا ما قرَّرتُ صدق «ق وك» فذلك معناه أني أقرِّر «ق» وأقرِّر «ك» حتى لتصبح «و» في عبارة «ق وك» غير ذات ضرورة، أما إذا أنكرت «ق وك» فها هنا أقرِّر صدق «لا — ق أو لا — ك» بحيث تصبح الأداة «أو» ضرورية في التعبير عن كذب الجملة المركبة بواو العطف؛ وعكس ذلك أيضًا صحيح؛ أي إني حين أنكر «ق أو ك» فكأنما أقرِّر «لا — ق ولا — ك» بحيث تصبح أداة العطف «و» ضرورية للتعبير عن كذب القضية المركَّبة ذات البديلَين؛ على حين أني لو أردتُ أن أقرِّر صدق الطرفَين في قضية «ق أو ك» فقد أستطيع أن أقول «ق»، ثم أعقب عليها بقولي «ك»، دون ضرورة لذكر أداة البدائل «أو»؛ وهكذا تعتمد أداتا العطف والبدائل («و» و«أو») كل منهما على الأخرى منطقيًّا، فكلٌّ منهما يُمكن تعريفه بالأخرى مضافًا إليها أداة النفي «لا»، فتعريف «و» في حالة كذب عبارة «ق و ك» هو: «لا — ق أو لا — ك» وتعريف «أو» في حالة كذب عبارة «ق أو ك» هو: «لا — ق ولا — ك».٩

(٤) تضاد الطرفين: «ق ك لا يصدقان معًا» ويُعبَّر عنها بالرموز هكذا: ~ ك)

تركيب القضيتَين البسيطتَين في قضية مركَّبة واحدة، قد يكون بذكرهما معًا على أنهما ضدان لا يجتمعان معًا في الصدق، وإنْ كان من الجائز لهما أن يكذبا معًا، فإنْ كانت ق صادقة كذبت ك، وإن كانت ك صادقة كذبت ق، وأما إنْ كذبت إحداهما فالأمر في الأخرى يحتمل وجهَين، فإما هي كاذبة أيضًا أو صادقة.

وفيما يلي قائمة توضِّح ذلك:

قائمة الصدق والكذب في القضية المركَّبة ذات الطرفين المتضادين.
ق ك ~ ك)
صادقة صادقة كاذبة
صادقة كاذبة صادقة
كاذبة صادقة صادقة
كاذبة كاذبة صادقة

وليلاحظ القارئ هنا أني لم آخذ بالتسمية التقليدية للقضايا المركبة، لِمَا في تلك التسمية من خلط يمزج المختلف في نوع واحد؛ فقد كانت القضايا تنقسم عند المنطق التقليدي إلى حملية وشرطية، ثم تنقسم الشرطية قسمَين: شرطية متصلة (إذا … إذَن …) وشرطية منفصلة (إما … أو …) وكان يقصد بالشرطية المنفصلة أن شطرَي القضية لا يصدقان معًا، أما وقد تبيَّن لنا غير ذلك في قضية «إما … أو …»، فقد آثرتُ أن أسمِّي قضية «إما … أو …» بقضية البدائل تمييزًا لها من قضية الانفصال الحقيقي التي لم يذكرها المنطق التقليدي، وهي «ق، ك لا يصدقان معًا»، ثم آثرتُ ألَّا أسمِّي هذه الأخيرة بالشرطية المنفصلة، ما دامت التسمية الجديدة لا تعني ما كانت تعنيه التسمية القديمة، فحذفت الاسم اتقاءً للخلط والخطأ.

وأما القضية الحملية بمعناها القديم؛ فقد شطرناها نوعَين، نوعًا يتحدَّث عن فرد جزئي، جعلناه في قسم القضية البسيطة، ونوعًا يختلف عنه كل الاختلاف، وهو ما يتحدَّث عن فئة من الأفراد بإدخالها في فئة أخرى أو بفصلها عن فئة أخرى، وسنرى فيما يلي أن هذا الضرب من الكلام ليس بالقضية إطلاقًا، بالمعنى الدقيق لكلمة قضية؛ لأنه لا سبيل إلى تحقيقه صدقًا أو كذبًا تحقيقًا مباشرًا، وإنما هو «دالة قضية».

فما هي دالة القضية؟ هذا هو موضوع الفصل التالي.

١  Popper, K. R., New Foundations for Logic، وهو بحث منشور في مجلة Mind عدد يوليو سنة ١٩٤٧م.
٢  Tarski, Alfred, Intr. to Logic، ص٢٠-٢١.
٣  راجع هذه النقطة تفصيلًا عند Alfred Tarski في كتاب Introduction to Logic، ص٢٤–٣١.
٤  Bradley, F. H., Principles of Logic، ج١، ص١٣٤.
٥  Jevons, W. S., The Principles of Science، ص٦٨ وما بعدها.
٦  Tarski, Alfred, Introduction to Logic، ص٢١ وما بعدها.
٧  ارجع إلى تفصيل ذلك عند «ألفرد تارسكي» في كتابه Introduction to Logic، ص٢١–٢٣.
٨  Russell, B., Human Knowledge، ص١٤٣-١٤٤.
٩  المرجع السابق نفسه، ص١٥١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥